السبت، 2 يوليو 2016

قصة قصيرة / شاهد على الزواج / بقلم الاديب كاظم مجبل الخطيب / العراق

قصة قصيرة
[شاهدة على الزواج]
اذا كان سحرالمال يعمي العيون فكيف لهُ صنع ذلك بقلوب اصحابها ؟وهل المال يمتلك هذه القوة الخارقة المميتة لمحو المشاعر ؟كيف للقلوب من أجله ِ تتحوّل الى مستودعات للكراهية حتى لأقرب الناس ومن كان سبباً في ايجادنا ؟وهل جزاء سهر الليالي التنكّر والخذلان والجحود لتطفأ تلك العيون قبل حين موعدها وهل تبنى السعادة على شقاء وتعاسة الاخرين ؟أية نفوس بغيضة ولئيمة تلك التي تدوس على مشاعر أهلها دون رحمة وشفقة ؟الا تخشى الله وهي تدّعي الانتماءالى خلق السماء ؟ألا تعلم انّ مصيرها يوماً الى الرحيل من هذه الدنيا والوقوف امام العدل الآلهي وكيف ستجيب وهي محمّلة بالذنوب الكبيرة والمعصية ؟أليست طاعة الابوين من طاعة الله ؟أوليست الجنة تحت اقدام الامهات ؟كيف يتحوّل حبّ المال الى ما هو اكبر من كل المسميات وان كانت في مقدّمتها الأم وهي بدلاّمن ان تحمل على الاكتاف يصار الى انزالها في الذلّة والمهانة وعيونها دامعة حزينة منكسرة تأنُّ على آهاتها حتى الصخور الصمّاء وفلذات الاكباد يتفرّجون على مغادرتها بيتها وتاريخها وذكريتها لترمى هنا مع الذين ذهبت عقولهم .
أصعب الجراحات وأمضاها حين يتلقّاها أحدنا من أعزّ الناس وهي انكسارات لايمكن معالجتها بالنسيان وهي محفورة في الذاكرة فلوكانت باجسادنا لتمكّن منها الاطبّاء.
زخمٌ كبير من الحزن والاسى في نفس(حنان) ذات الخامس والاربعين عاماً بعد ان اصبحت نزيلة المستشفى مرغمةً وفرض عليها الامر قصراً بأنّها امرأة مجنونة من قبل أبناءٍ عشقوا المال الى حدّ تفوّق على عشق الامومة وداسوا عليها بحوافرهم الغادرة ،فالمال صار نديمهم الأوحد وما عاد مهمّاً ان يكون نديم أمهم الليالي الموحشة ،فوا عجباً على سعادة يوفّرها مال سرعان ما يترك خلفنا بعد موتنا ولكنّ من لم يحتسب لما بعد دنياه لا يخشى العاقبة .
لم ينقطع (عماد )عن زيارته الاسبوعية لأخيه وفاءً لهُ وللعام الخامس بعد ان شلّت قواه العقلية اثناء تفجير هائل لسيارة مفخخة،وهويجالس اخيه المريض في حدائق المستشفى ذهبت عيونهُ ومسامعهُ باتجاه امرأةٍ تجاوزت الاربعين منحها الله جمالاً وحضوراً استوقفهُ كثيراً،وهي جالسة وحيدة على المصطبة التي خلت من زائريها ،كان عماد متردّداً في اقتحام جلستها لو لا ان اشارت اليه بطرف عيونها الحزينة فيسمع منها ما لا يصدّقهُ،فهي هنا بعد ان اثبت ابناؤها الكبار عدم اهليتها بادارة ما تركهُ ابوهم من مصنعٍ وعمارة ودار فخمة ملّكها جميعا لزوجته المخلصة قبل رحيلهِ
صار عماد ينتظر قدوم موعد الزيارة متلهّفاً لرؤية حنان كما هي في شغفٍ كبير لرؤيتهِ ،لم يكن فارق العمر كبيراً بينهما فهو رجلٌ تجاوز الثلاثين بخمسة اعوام انشغل في متابعة حالة اخيه فأنستهُ حياتهُ 
كان على حنان ان تأتي بمن يتكفّل بها ويتحمّل مسؤولية مغادرتها المستشفى فلم تجد من اهلها احداً،حاولا معاً ايجاد سبيل ما فما تمكّنا فكان للباحثة الاجتماعية رأيٌ آخر حين اقنعت ادارة المستشفى بأنّ حنان اليوم بكامل ارادتها كما ثبّتت ذلك بتقرير مفصل مدعمٍ بتواقيع ثلاثة من الاطباء لتكون هي شاهدةً على عرسهما وسط حدائق المستشفى التي زيّنتها اضواء البهجة والحب والوفاء ولكي تنسى حنان ظلمةً قاتمةً مرّت بحياتها.
.........................................................
كاظم مجبل الخطيب-الغراق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق