الاثنين، 3 يوليو 2017

شعرية معنى المعنى ! وشاعرية الشاعر هاني عقيل / العراق : بقلم الدكتور المصطفى بلعوام // المغرب

شعرية معنى المعنى وشاعرية الشاعر هاني عقيل 
________
قصيدة : عبثا
للشاعر هاني عقيل
______
-----------عبثا
-------
سترفضين
---وتضحكين
----وترقصين
كل المساءات تدلت
كعناقيد الكروم
ولكم سيحملك الخيال
إلى منفى الوجود 
وستبحثين
عن خيط الغروب 
في رسم خارطة الدروب 
وستبصرين 
عيون ميدوزا
تحجرها القلوب
وتطل
نافذة السنين
من وجهك الغابر
وبلا حياة
كيما يهاجسك الحنين 
كي تدركين
بلا إياب
وجع الغياب
حلم السكارى العائدين
وستمطرين بلا غيوم
يقتاتك القدر اللعين
كالحزن تنهشه الصدور بلا أنين
---------------- الشاعر هاني عقيل
_________
الشاعر من شعره يعانق شاعريته التي لا تعني مطابقة أو نتيجة لعملية تحصيل حاصل تجعل من علاقة شاعريته بشعره عبثا لغويا لا معنى له في شعرية معنى المعنى الذي ينسج شعره. 
للشعر شاعر وللشاعر شاعرية تتجاوزه هو ذاته فيما يكتبه من شعر. شاعرية الشاعر هاني عقيل لا تحيل إليه فقط في وجوده الشخصاني ولكن في شخصانية كينونتها الحاملة هم لغة الحياة الشعرية. فهو ليس شاعر قصيدة تدعو وكأنها تستدعي التهليل والتبجيل للغتها. 
إنه شاعر شاعرية قلما تتحق في الشعر، لأنها لا
تعنيها اللغة إلا إذا كانت قادرة على الانفلات من معاقل ذاكرتها والتخلص من قشورها كي تهب نفسها عارية "لدراماتورجية أنطولوجية الذات"،
تكتب الحياة من حياة لغة الذات في مشهدياتها المتنوعة. الشاعر هاني عقل يمثل باشمئزازه من لعبة الانزياح اللغوي، تراجيدية شاعرية متجذرة في وجوده ووجود عالم يقتات ( كلمة يستعملها كثيرا) من دراماتورجية أنطولوجية ذاته.وتلك هي ضريبة الشعراء الكبار في قدر تراجيديتهم مع تفاهة الكلمات وأشياء العالم المنفلتة دوما وأبدا من عالمهم الشعري . 
مقدمة ضرورية لشاعرية الشاعر ومحنة علاقتها بالشعر في عالمه إذ توضح مجال اشتغالها من خلال اجتناب بعض السفسطفات المذهبية:
١- الشعر لغة لكنها لغة حياة ووجود يبحث عن لغة في عالم يبحث عن موجوداته.
٢- الشعر لغة لكنها ليست من أجل الموازنة بين من كان أكثر قدرة في توظيفها من حيث التعبير بمنأى عما تعبر عنه.
٣- الشعر معنى " شكل " في "شكل " معنى. ومعنى المعنى فيه ليس من قبيل علاقة الأشياء
بالكلمات كما هو عليه الحال في الدراسات النمولوجية بجميع تفرعاتها ولكن من حيث هو نحث له بالكلمات وبين الكلمات في عالم اللغة وعلاقته بلغة العالم.
٤- الشعر تعبير وجود في الموجود إذا ما سايرنا لغة هيدغير..
قصيدة "عبثا" هي هنا بشكلها العام عبثية ذات في وجود عابث بموجودات تؤثت وجودها بمعناه الوجودي. ووحدها استهلال القصيدة ب" عبثا" تعطي لمتن النص وجود معنى المعنى فيه. البداية "عبثا" والباقي من تبعات العبث، أي أن الشاعر 
يحط " معنى " في البدء من حيث المبدأ ليأتي
معنى معناه في تمظهرات ما بعد البدء وبالشكل الذي يجعل من العنوان ماهية في جسد النص. وعليه، لا وجود لعنوان بما أن وحود الموجود من وجود الواجد في ذاته لا يخضع لتقسيمات اللغة. لنشرح : عادة، المعنى هو حصيلة تتابع المفردات إلى آخر الجملة التي من خلالها نقبض عليه بشكل استراجعي ذهني ، وهو ما يسمى ب " le point de capiton "، بيد أن الشاعر هنا يقلب المعادلة ومعادلة اللسانيات: يجعل من نقطة الاسترجاع الدلالي بداية ومن مبدأ الدلالة سابق عن تراص اللفظات في فتحها مجال المعنى ومن ثم معنى المعنى، وبالشكل الذي لو استغنينا عن لفظة " عبثا " تتغير فيه مقصدية المتن برمته. إنها تشكل حصيلة بداية وبداية حصيلة لبداية أخرى :
" -----عبثا
-------
سترقصين 
---وتضحكين
----وترقصين ".
قبل العبث وجود شيء وبعده استمراره أو وجود شيء آخر بعده، ينفتح على احتمالات هي في حقيقة الأمر مجرد احتمال واحد تسويفي : "سترقصين". لكنه احتمال سرعان ما يخرج من فعل بالقوة إلى فعل بالفعل تمهده نقط الحذف كي يصبح فعل محقق ذو وجود مستقل :
" ....وتضحكين 
.......وترقصين".
ما كان احتمال فعل تحول إلى وجود فاعل لفعل ينفي عنه وفي ذات الآن فضاء الاحتمالات: إنها تضحك وترقص من بعد لغة تكتبها نقط الحذف. وهي حذف للكلمات من حيث هي تعرية مطلقة لجميع الإمكانات، كما هو الشأن لعملية المواربة في العنوان بين الفعل واللغة : عنوان خارج فيما هو داخل في بنية نص يثبت هويته الدلالية في علاقة تماس وتباعد معه من خلال كتابة ما لا يكتب ( نقط الحذف)، وتسويف يعبر في حقيقة الأمر عن وجود حقيقة لفعل يتجاوز مقولات الزمن النحوية ليجعل من العبث أنطولوجية للموجود. إنه تسويف يبنين النص :
" وستبحثين 
عن خيط الغروب 
/-
وستبصرين 
عيون ميدوزا
/-
وستمطرين بلا غيوم ".
تسويف لتثبيت الفعل المنتظر في تحققه، يزاوج بين فعل البحث وفعل البصر الذي ينتهي بذوبان الفعل في فاعله " ستمطرين " كحالة من أقصى حالات العبث في تراجيدية الحزن المنهوش بدون أنين داخل الصدور؛ تراجيدية صامتة لا لغة لها غير لغة نفط الحذف ، وبالتالي ، لغة الصفر من حيث هي حصيلة بداية بدون نهاية لشيء اسمه الوجود:
" كل المساءات تدلت
كعناقيد الكروم
/-
" ولكم سيحملك الخيال 
إلى منفى الوجود".
أعذب الشعر أصدقه في الوجود وأكذبه في لغة الموجود، لأن الوجود ماهية لاتتغير بتغير الموجود وإن تغيرت لغته عبر زمانيات وجوده. أعذبه إذن
أصدقه، وأجمله أكذبه في صدقه: كل المساءات تدلت ولم يبق إلا خيال في منفى وجوده خارج زمن الموجودات. شاعرية الشاعر هاني عقل لا تكمن فيما تحمله لغته من انزياحات الكلمات من مرجعياتها، ولكن في إنزياحات المعنى ذاته من دراماتورجية أنطولوجية ذات غارقة في تراجيدية الوجود. 
في"كل المساءات تدلت"، تتحول الأزمنة إلى زمن واحد له مخرج واحد، يتمثل في الزمن النفسي الذي به ومنه تصبح الملمحة الشحانية l'affect aspectuel ) هي ذاتها وفِي وجودها بوصلة الذات في تراجيدية وجودها، كل المساءات قابلة للسقوط كالعناقيد المعلنة في تدليها على سقطة النهاية، وكالسنين التي تطل بلا حياة من وجها الغابر. إنه احتضار الأزمنة في منفى الوجود لذات منفية في وجودها :
" ولكم سيحملك الخيال 
إلى منفى الوجود".
شعرية معنى المعنى في شاعرية الشاعر هاني عقيل تأخذ قيمتها من الوجود من حيث هو وجود لذات تخترق دراماتورجية أنطولوجيتها موجودات الوجود التي تبحث عن خيط الغروب لرسم خارطة دروب الوجود، أي عبث الوجود عندما يتحول إلى ملمحة شحانية بدون معنى لمعنى وجودها. مما يعني أن معنى المعنى لا يعني علاقة المعني بما يعنيه والذي من شأنه أن يدخلنا في عبثية المعنى الذي لا حدود لما يعنيه ومعنى معنى ما يعنيه. شعرية معنى المعنى هي بالأساس تقابل معنين توليدين للمعنى :
وستمطرين بلا غيوم
يقتاتك القدر اللعين 
كالحزن تنهشه الصدور بلا حنين ".
١- صورة المطر + معنى أول // صورة الغيم + معنى ثاني. المعنى الثاني نفي ( بلا ) للمعنى الأول في علاقة بدون علاقة تفضي لمعنى المعنى الذي يجمعهما: عبث الصورة من صورة العبث لذات / لوجه تطل منه نافذة السنين بلا حياة.
٢- صورة الاقتات + معنى 1 // صورة القدر + معنى 2 ________صورة كالحزن + معنى 3 // تنهشه الصدور + معنى 4. 
معنى المعنى يتحدد هنا من خلال معادلة علاقة محور معنى 1 بمعنى 3 وعلاقة محور معنى 2 بمعنى 4. الحزن ( معنى 3) كفاعل يصبح مادة لفعل سالب مثله مثل التي يقتاتها القدر ( معنى 1) . والقدر ( معنى 2 ) يتحول إلى فاعل موجب كما هي الصدور ( معنى 4 ). وهكذا من خلال هذه المعادلة تتوزع الذات على مخارج تراجيدتها حيث الفاعل يتحول إلى أداة فعل لمفعول (الحزن تنهشه الصدور ) وحيث وجودها يفقد موجوداته ويشرع أبوابه للعبث.
/-
تلك هي مدخلة نقدية مقتضبة جدا لعالم شاعر لا يمكن الدخول إلى شاعريته إلا بممارسة نصوصه الشعرية الكثيرة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق