حول فلسفة الفكر اليهودي(*)
الباحث الدكتور عبدالوهاب محمد الجبوري
لقد تم اختيار هذا البحث ( فلسفة الحرب في الأدب العبري المعاصر ) ، وكان في النفس غايات كثيرة تركت مجموعة من التساؤلات حيثما انتهى سؤال برز آخر غيره، ابتدأت من عمل هذه الآلة الجهنمية التي تسمى اختصارا بالحركة الصهيونية وأصول فلسفتها وكيف أنها استخدمت الأدب العبري كأحد أسلحتها لتحقيق أهدافها ، حيث نجد أن الأدب الذي كان وما يزال وسيلة الإنسان لتنوير وتغيير حياته نحو الأفضل، وكشف والتبشير بقيم إنسانية نبيلة، نجد أن تجربة الأدب العبري الحديث هي التجربة الأولى من نوعها في التاريخ والتي تسير بخط معاكس، حيث يستخدم الفن بجميع أشكاله ومستوياته للقيام بأكبر عملية تضليل وتزوير واستهانة بإنسانية الإنسان، سواء جاء ذلك عبر تعبئة الفرد اليهودي بكل مشاعر الحقد والاحتقار للآخرين أو جاء ذلك عبر تزوير التاريخ والمشاعر ونشر الخرافات والأساطير وتهديم جماليات الأشياء بما فيها جماليات الفن نفسه، فقاد ذلك الى نتائج في منتهى الخطورة كان من أهمها عملية غسل دماغ جماعي في كثير من دول العالم، لدعم الاغتصاب وتبرير الوجود اللاشرعي للكيان الإسرائيلي في فلسطين ، وقام الأدب العبري الحديث بتنفيذ مهمة لم يقم بها أدب غيره، فكان رأس الرمح في معركة طويلة، ابتدأت من زمن ولا زالت مستمرة تحارب في آن معا على جبهات متعددة تنطوي على متناقضات لا سبيل لحصرها أو حلها أو المواءمة فيما بينها، ابتدأت من فراغ كلي يكتنف جميع المقولات والمفاهيم التي تشكلت عليها قاعدة ادعاءاتها، عدا أنها تنهض على أساس غير خلقي ولا إنساني، لذلك حددت مهامها في اتجاهين متوازيين :
اتجاه يلغي واقعا ماديا قائما وهو وجود الشعب العربي في فلسطين، واتجاه وهمي مفترض لا وجود له، باعتباره وجودا فعليا قائما وهو الوجود اليهودي الاستيطاني الإحلالي ..
ويرى محللون ومختصون أن الوسائل التي استعملها الفكر اليهودي- الصهيوني للوصول إلى أهدافه كثيرة، لكن من أهم الوسائل توظيف التاريخ لخدمته وصولا إلى أغراض سياسية محددة، فالتاريخ بالنسبة لهذا الفكر هو التوراة والديانة اليهودية ابنة هذا التاريخ، والديانة اليهودية والتاريخ التوراتي هما عكازتا الحركة الصهيونية اللتان لولاهما لظلت تزحف على بطنها دون أن تستطيع الوقوف والمشي (1)
وقد استمد الفكر اليهودي جانبا من فلسفته من التراث الديني اليهودي الذي يقوم على أساس من عزل اليهودي عن غير اليهودي، و تم هذا العزل من خلال مجموعة من المفاهيم الدينية التي فسرت تفسيرا عنصريا قوميا، ومن أهم هذه المفاهيم خصوصية الإله وخصوصية العهد والاختيار الإلهي، وخصوصية الخلاص الإلهي (2)، وأدت الترجمة العنصرية للمفاهيم الدينية إلى تحويل اليهودية إلى ديانة قومية خاصة والى تكوين صورة سلبية للآخر غير اليهودي تصل في قمتها إلى التعبير عن الرغبة في دماره ، وأبادته لان الخلاص الخاص الذي يحققه الرب لجماعته الخاصة يقابله دمار شامل لأعداء الرب ويمثل هؤلاء الأعداء بقية البشرية، فالبشر ينقسمون إلى يهود وغير يهود، إلى أهل عهد مع الرب وبقية البشر ليسوا من أهل العهد، إلى مختارين وغير مختارين ، وفي النهاية إلى مخلصين وغير مخلصين أو هالكين ، وقد انتقل هذا الفكر الديني ( القومي ) وفلسفته إلى الصهيونية الحديثة وأصبح دعامة أساسية من دعائم الإستراتيجية الإسرائيلية بجوانبها العسكرية والسياسية والثقافية، ومع أن الصهيونية الحديثة قامت ، غالبا ، على أكتاف اليهود العلمانيين وان هذه الصهيونية كانت تمثل مرجعيتهم الأولى، فقد تم توظيف الرافد التراثي الديني لخدمة المصالح القومية للصهيونية وبخاصة الجناح السياسي ، وأداته العسكرية ، والذي لم يؤمن بالمعطيات التراثية الدينية لكنه وظفها لخدمة المشروع الصهيوني وأهدافه ( القومية ) .
والشيء الآخر الذي أود الإشارة إليه في نفس السياق، هو أن الفكر اليهودي – الصهيوني وفلسفته هو وليد الفكر القومي الغربي وفلسفته، حيث نشأت المشكلة اليهودية كرد فعل للاتجاهات القومية التي اكتسحت أوربا، وتم طرح التساؤل القوي حول وضع اليهود داخل القوميات الأوربية فيما يشبه الاتفاق على التخلص من اليهودي وتصدير المشكلة اليهودية إلى خارج أوربا وبداية التفكير في إنشاء وطن قومي لليهود ..
ويقر برهان غليون بان: ( الصهيونية فشلت في تطبيع وضع اليهود، ولكنها نقلت المسألة اليهودية من أوربا إلى المشرق العربي وقامت بإعادة إنتاج العلاقة المتوترة والمتنافرة- تماما كما كانت هناك- عبر استبدال الأوربيين المسيحيين بالعرب المسلمين )( 3).
لقد استخدمت الصهيونية النظريات العرقية الغربية لتبرير نقل اليهود المنبوذين من أوربا وتبرير إبادة السكان الأصليين، وقد وضعت أوربا اليهود والغجر في أدنى السلم العرقي عن أوربا، وبالنسبة للشعوب غير الأوربية فقد اعتبرتهم النظرية الغربية متخلفين حضاريا وعرقيا، واختلقت ما سمي بعبء الرجل الأبيض والذي يفرض عليه غزو الشعوب الأخرى لإدخالها في الحضارة ، وهكذا اخذ الفكر اليهودي- الصهيوني بهذه النظرية العنصرية وطبّقها حرفيا في طرح برامج التعامل مع العرب ، وبرر غزو فلسطين وطرد العرب منها أو إبادتهم بنفس النظرية التبريرية الاستعمارية، وتكونت الرؤية اليهودية ( ببعديها الصهيوني والإسرائيلي ) للعربي الفلسطيني وللعربي عموما من عنصرين :
الأول : يعتبر العربي عضوا في الشعوب الشرقية الملونة المتخلفة ..
الثاني : يرى في العربي ممثلا للأغيار، ووفق هذه الرؤية، فان العربي شخصية متخلفة يجب نقلها إلى المدنية والحضارة على يد الصهيونية التي ترى في اليهودي عضوا في الحضارة الغربية منتميا إلى الجنس الأبيض وموضع القداسة، وقد عبرت الكتابات الأدبية العبرية العديدة عن هذه النظرية الصهيونية ورؤيتها للعربي المتخلف كمقابل لليهودي الأبيض، وقد وردت تعبيرات كثيرة لهذا التصور في كتابات موسى هس وثيودور هرتزل وحاييم وايزمان وجابوتنسكي ودافيد بن غوريون وغيرهم (4) . إن إسرائيل ، حسب غليون ، مضطرة إلى الاختيار بين الاستعمار الاستيطاني كهوية وتصبح دولة عنصرية رسمية يقوم نظامها على التمييز العنصري أو التخلص من الآلية والروح الاستعمارية والاستيطانية ، ويشير التوجيه الإسرائيلي الحالي إلى تأكيد وضع الدولة العنصرية بشكل رسمي من خلال سيطرة اليمين اليهودي المتطرف، الذي تبنى الأيديولوجية العنصرية الموجهة ضد الفلسطينيين والعرب وينمي العقيدة العنصرية النظامية من خلال تطــوير نظرية لا سامية العرب وإسقاط اللا سامية الأوربية على العرب( 5) .
إن بناء الأيديولوجية الصهيونية يستمد براهين إثباته ويكتسب قوة تصديقه في المجتمع اليهودي عبر الصياغة الفكرية الخاصة لوقائع الصراع مع العرب وأحداثه، سواء فيما يتعلق بمقولة معاداة السامية التي تجد في التفسير الخاص للعداء العربي إثباتا لصوابها أو فيما يتعلق بمقولة الشعب اليهودي الواحد التي تجد في الهجرة متعددة الأجناس برهانا على صدقها أو فيما يتعلق بمقولة الأرض التاريخية التي تجد في الاستجابة الجغرافية العربية الرخوة لعمليات الاحتلال الإسرائيلي مصداقا لصوابها، وهي المقولات الثلاث الأساسية التي تكون البنية الجوهرية للأيديولوجية الصهيونية( 6) . فالأدب العبري، وغير العبري في إسرائيل، يتعامل في مجموعه مع وقائع وأحداث الصراع مع العرب وملابساته المتطورة على أساس المقولات الصهيونية ولا ينفصل عنها .. من هنا فان عناصر التعامل مع هذا الأدب تعاملا فكريا وعلميا وواقعيا تتمثل أولا في إجراء التحليل الشامل له ، ذلك انه يستحيل إجراء التحليل النقدي لأية قطعة أدبية عبرية دون ملاحظة درجة تشابكها مع البناء الأيديولوجي أو إحدى الظواهر الاجتماعية الواقعة تحت سيطرته وقدراته على الضبط ، وثانيا في معرفة موقفه الفلسفي ، فليس لباحث أن يقوم على دراسة أدب يقوم في غالبيته العظمى على مفاهيم فلسفية سياسية وعسكرية دون أن يحوز هذا الباحث قدرا من المعرفة الفلسفية الوافية بمدارس التفكير الفلسفي المختلفة ليكون في مقدوره رصد المقولات الفلسفية الأصولية وما يتفرع عنها في الأدب خاصة وان المفاهيم الفلسفية تعبر عن نفسها في الشكل الأدبي على نحو مستتر وغامض الأمر الذي يتطلب دراسة المفهوم الفلسفي المجرد في حد ذاته بالإضافة إلى مقدرته على استخلاصه من ثنايا المواقف والصور التي يتعين عليها في العمل الأدبي ، وهذا ما عملنا عليه في كتابنا هذا بعون الله ..
الهوامش
(*) يشكل هذا المقال تمهيدا لكتابنا ( فلسفة الحرب في الأدب العبري المعاصر ) قيد الإنجاز إن شاء الله ..
(1) جودت السعد ، أوهام التاريخ اليهودي ، عمان ، 1998 ، ص 7
(2) د . محمد خليفة حسن ، مجلة الكاتب العربي : مجلة فصلية تصدر عن الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب / دمشق
– السنة العشرون - العدد 53 – أيلول / 2001 ، ص 32
(3) برهان غليون ، مصير الصهيونية بعد قرن من ولادتها ، مجلة شؤون الأوسط ، العدد 75 1998 – ص 50
(4) د. عبدالوهاب المسيري ، موسوعة اليهود واليهودية ، القاهرة ، 1999 ، ص 117
(5) برهان غليون ، مجلة شؤون الأوسط ، المصدر السابق
(6) د. ابراهيم البحراوي ، الأدب الصهيوني بين حربين / حزيران 67 – تشرين 73 ، ط1 ، بيروت ، 1977 ، ص 15
يرجى الاشارة الى المصدر عند الاستعارة .. مع الشكر
الباحث الدكتور عبدالوهاب محمد الجبوري
لقد تم اختيار هذا البحث ( فلسفة الحرب في الأدب العبري المعاصر ) ، وكان في النفس غايات كثيرة تركت مجموعة من التساؤلات حيثما انتهى سؤال برز آخر غيره، ابتدأت من عمل هذه الآلة الجهنمية التي تسمى اختصارا بالحركة الصهيونية وأصول فلسفتها وكيف أنها استخدمت الأدب العبري كأحد أسلحتها لتحقيق أهدافها ، حيث نجد أن الأدب الذي كان وما يزال وسيلة الإنسان لتنوير وتغيير حياته نحو الأفضل، وكشف والتبشير بقيم إنسانية نبيلة، نجد أن تجربة الأدب العبري الحديث هي التجربة الأولى من نوعها في التاريخ والتي تسير بخط معاكس، حيث يستخدم الفن بجميع أشكاله ومستوياته للقيام بأكبر عملية تضليل وتزوير واستهانة بإنسانية الإنسان، سواء جاء ذلك عبر تعبئة الفرد اليهودي بكل مشاعر الحقد والاحتقار للآخرين أو جاء ذلك عبر تزوير التاريخ والمشاعر ونشر الخرافات والأساطير وتهديم جماليات الأشياء بما فيها جماليات الفن نفسه، فقاد ذلك الى نتائج في منتهى الخطورة كان من أهمها عملية غسل دماغ جماعي في كثير من دول العالم، لدعم الاغتصاب وتبرير الوجود اللاشرعي للكيان الإسرائيلي في فلسطين ، وقام الأدب العبري الحديث بتنفيذ مهمة لم يقم بها أدب غيره، فكان رأس الرمح في معركة طويلة، ابتدأت من زمن ولا زالت مستمرة تحارب في آن معا على جبهات متعددة تنطوي على متناقضات لا سبيل لحصرها أو حلها أو المواءمة فيما بينها، ابتدأت من فراغ كلي يكتنف جميع المقولات والمفاهيم التي تشكلت عليها قاعدة ادعاءاتها، عدا أنها تنهض على أساس غير خلقي ولا إنساني، لذلك حددت مهامها في اتجاهين متوازيين :
اتجاه يلغي واقعا ماديا قائما وهو وجود الشعب العربي في فلسطين، واتجاه وهمي مفترض لا وجود له، باعتباره وجودا فعليا قائما وهو الوجود اليهودي الاستيطاني الإحلالي ..
ويرى محللون ومختصون أن الوسائل التي استعملها الفكر اليهودي- الصهيوني للوصول إلى أهدافه كثيرة، لكن من أهم الوسائل توظيف التاريخ لخدمته وصولا إلى أغراض سياسية محددة، فالتاريخ بالنسبة لهذا الفكر هو التوراة والديانة اليهودية ابنة هذا التاريخ، والديانة اليهودية والتاريخ التوراتي هما عكازتا الحركة الصهيونية اللتان لولاهما لظلت تزحف على بطنها دون أن تستطيع الوقوف والمشي (1)
وقد استمد الفكر اليهودي جانبا من فلسفته من التراث الديني اليهودي الذي يقوم على أساس من عزل اليهودي عن غير اليهودي، و تم هذا العزل من خلال مجموعة من المفاهيم الدينية التي فسرت تفسيرا عنصريا قوميا، ومن أهم هذه المفاهيم خصوصية الإله وخصوصية العهد والاختيار الإلهي، وخصوصية الخلاص الإلهي (2)، وأدت الترجمة العنصرية للمفاهيم الدينية إلى تحويل اليهودية إلى ديانة قومية خاصة والى تكوين صورة سلبية للآخر غير اليهودي تصل في قمتها إلى التعبير عن الرغبة في دماره ، وأبادته لان الخلاص الخاص الذي يحققه الرب لجماعته الخاصة يقابله دمار شامل لأعداء الرب ويمثل هؤلاء الأعداء بقية البشرية، فالبشر ينقسمون إلى يهود وغير يهود، إلى أهل عهد مع الرب وبقية البشر ليسوا من أهل العهد، إلى مختارين وغير مختارين ، وفي النهاية إلى مخلصين وغير مخلصين أو هالكين ، وقد انتقل هذا الفكر الديني ( القومي ) وفلسفته إلى الصهيونية الحديثة وأصبح دعامة أساسية من دعائم الإستراتيجية الإسرائيلية بجوانبها العسكرية والسياسية والثقافية، ومع أن الصهيونية الحديثة قامت ، غالبا ، على أكتاف اليهود العلمانيين وان هذه الصهيونية كانت تمثل مرجعيتهم الأولى، فقد تم توظيف الرافد التراثي الديني لخدمة المصالح القومية للصهيونية وبخاصة الجناح السياسي ، وأداته العسكرية ، والذي لم يؤمن بالمعطيات التراثية الدينية لكنه وظفها لخدمة المشروع الصهيوني وأهدافه ( القومية ) .
والشيء الآخر الذي أود الإشارة إليه في نفس السياق، هو أن الفكر اليهودي – الصهيوني وفلسفته هو وليد الفكر القومي الغربي وفلسفته، حيث نشأت المشكلة اليهودية كرد فعل للاتجاهات القومية التي اكتسحت أوربا، وتم طرح التساؤل القوي حول وضع اليهود داخل القوميات الأوربية فيما يشبه الاتفاق على التخلص من اليهودي وتصدير المشكلة اليهودية إلى خارج أوربا وبداية التفكير في إنشاء وطن قومي لليهود ..
ويقر برهان غليون بان: ( الصهيونية فشلت في تطبيع وضع اليهود، ولكنها نقلت المسألة اليهودية من أوربا إلى المشرق العربي وقامت بإعادة إنتاج العلاقة المتوترة والمتنافرة- تماما كما كانت هناك- عبر استبدال الأوربيين المسيحيين بالعرب المسلمين )( 3).
لقد استخدمت الصهيونية النظريات العرقية الغربية لتبرير نقل اليهود المنبوذين من أوربا وتبرير إبادة السكان الأصليين، وقد وضعت أوربا اليهود والغجر في أدنى السلم العرقي عن أوربا، وبالنسبة للشعوب غير الأوربية فقد اعتبرتهم النظرية الغربية متخلفين حضاريا وعرقيا، واختلقت ما سمي بعبء الرجل الأبيض والذي يفرض عليه غزو الشعوب الأخرى لإدخالها في الحضارة ، وهكذا اخذ الفكر اليهودي- الصهيوني بهذه النظرية العنصرية وطبّقها حرفيا في طرح برامج التعامل مع العرب ، وبرر غزو فلسطين وطرد العرب منها أو إبادتهم بنفس النظرية التبريرية الاستعمارية، وتكونت الرؤية اليهودية ( ببعديها الصهيوني والإسرائيلي ) للعربي الفلسطيني وللعربي عموما من عنصرين :
الأول : يعتبر العربي عضوا في الشعوب الشرقية الملونة المتخلفة ..
الثاني : يرى في العربي ممثلا للأغيار، ووفق هذه الرؤية، فان العربي شخصية متخلفة يجب نقلها إلى المدنية والحضارة على يد الصهيونية التي ترى في اليهودي عضوا في الحضارة الغربية منتميا إلى الجنس الأبيض وموضع القداسة، وقد عبرت الكتابات الأدبية العبرية العديدة عن هذه النظرية الصهيونية ورؤيتها للعربي المتخلف كمقابل لليهودي الأبيض، وقد وردت تعبيرات كثيرة لهذا التصور في كتابات موسى هس وثيودور هرتزل وحاييم وايزمان وجابوتنسكي ودافيد بن غوريون وغيرهم (4) . إن إسرائيل ، حسب غليون ، مضطرة إلى الاختيار بين الاستعمار الاستيطاني كهوية وتصبح دولة عنصرية رسمية يقوم نظامها على التمييز العنصري أو التخلص من الآلية والروح الاستعمارية والاستيطانية ، ويشير التوجيه الإسرائيلي الحالي إلى تأكيد وضع الدولة العنصرية بشكل رسمي من خلال سيطرة اليمين اليهودي المتطرف، الذي تبنى الأيديولوجية العنصرية الموجهة ضد الفلسطينيين والعرب وينمي العقيدة العنصرية النظامية من خلال تطــوير نظرية لا سامية العرب وإسقاط اللا سامية الأوربية على العرب( 5) .
إن بناء الأيديولوجية الصهيونية يستمد براهين إثباته ويكتسب قوة تصديقه في المجتمع اليهودي عبر الصياغة الفكرية الخاصة لوقائع الصراع مع العرب وأحداثه، سواء فيما يتعلق بمقولة معاداة السامية التي تجد في التفسير الخاص للعداء العربي إثباتا لصوابها أو فيما يتعلق بمقولة الشعب اليهودي الواحد التي تجد في الهجرة متعددة الأجناس برهانا على صدقها أو فيما يتعلق بمقولة الأرض التاريخية التي تجد في الاستجابة الجغرافية العربية الرخوة لعمليات الاحتلال الإسرائيلي مصداقا لصوابها، وهي المقولات الثلاث الأساسية التي تكون البنية الجوهرية للأيديولوجية الصهيونية( 6) . فالأدب العبري، وغير العبري في إسرائيل، يتعامل في مجموعه مع وقائع وأحداث الصراع مع العرب وملابساته المتطورة على أساس المقولات الصهيونية ولا ينفصل عنها .. من هنا فان عناصر التعامل مع هذا الأدب تعاملا فكريا وعلميا وواقعيا تتمثل أولا في إجراء التحليل الشامل له ، ذلك انه يستحيل إجراء التحليل النقدي لأية قطعة أدبية عبرية دون ملاحظة درجة تشابكها مع البناء الأيديولوجي أو إحدى الظواهر الاجتماعية الواقعة تحت سيطرته وقدراته على الضبط ، وثانيا في معرفة موقفه الفلسفي ، فليس لباحث أن يقوم على دراسة أدب يقوم في غالبيته العظمى على مفاهيم فلسفية سياسية وعسكرية دون أن يحوز هذا الباحث قدرا من المعرفة الفلسفية الوافية بمدارس التفكير الفلسفي المختلفة ليكون في مقدوره رصد المقولات الفلسفية الأصولية وما يتفرع عنها في الأدب خاصة وان المفاهيم الفلسفية تعبر عن نفسها في الشكل الأدبي على نحو مستتر وغامض الأمر الذي يتطلب دراسة المفهوم الفلسفي المجرد في حد ذاته بالإضافة إلى مقدرته على استخلاصه من ثنايا المواقف والصور التي يتعين عليها في العمل الأدبي ، وهذا ما عملنا عليه في كتابنا هذا بعون الله ..
الهوامش
(*) يشكل هذا المقال تمهيدا لكتابنا ( فلسفة الحرب في الأدب العبري المعاصر ) قيد الإنجاز إن شاء الله ..
(1) جودت السعد ، أوهام التاريخ اليهودي ، عمان ، 1998 ، ص 7
(2) د . محمد خليفة حسن ، مجلة الكاتب العربي : مجلة فصلية تصدر عن الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب / دمشق
– السنة العشرون - العدد 53 – أيلول / 2001 ، ص 32
(3) برهان غليون ، مصير الصهيونية بعد قرن من ولادتها ، مجلة شؤون الأوسط ، العدد 75 1998 – ص 50
(4) د. عبدالوهاب المسيري ، موسوعة اليهود واليهودية ، القاهرة ، 1999 ، ص 117
(5) برهان غليون ، مجلة شؤون الأوسط ، المصدر السابق
(6) د. ابراهيم البحراوي ، الأدب الصهيوني بين حربين / حزيران 67 – تشرين 73 ، ط1 ، بيروت ، 1977 ، ص 15
يرجى الاشارة الى المصدر عند الاستعارة .. مع الشكر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق