من هنا ياتي النصر ومن هنا تاتي الهزيمه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ د. صالح العطوان الحيالي -العراق- 17-4-2018
من هنا ياتي النصر كلمة قالَها صلاح الدِّين وهو يتفقَّد أحوال الجند ليلاً، فوجد خيمة بِها عددٌ من الجند يقرَؤون كتاب الله ويَقُومون الليل، فسجَّل له التاريخ هذه القَوْلة: "من هنا يأتي النصر"، ومرَّ على أُخْرى، فوجدها نائمة، فقال: "من هنا تأتي الهزيمة".
خيمة تَقُوم اللَّيل، تتبتَّل لِخَالقها، تأخذ من الزَّاد الإيماني ما تستطيع به أن تقاوم جند الباطل وأعداء الحق، جند يعلمون أنَّهم إذا تساوَوْا مع أعدائهم في المعاصي فاقهم عدوُّهم بالعُدَّة والعتاد، فكان ذلك سبب هزيمتهم، جند يتمثَّلون قول أمير المؤمنين عمر حينما أرسل تعليماته إلى سعد بن أبي وقَّاص - رضي الله عنه - في جبهة فارس، قال له: إنِّي آمُرُك ومَن معك أن تكونوا أشدَّ احتراسًا من المعاصي منكم من عدوِّكم، فإنَّ ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوِّهم، جندٌ باعوا أرواحهم فداءً لدين الله، ولِتَمكين الإسلام في الأرض بعدَما كانت أمَّة الإسلام ترزح تحت نير الاستبداد والظُّلم، والقهر والاحتلال، جند علموا أن الأُمَم عندما تُسِفُّ وتَخْلد إلى الأرض تستجمع الخصائص التي تستحقُّ بِها الهزيمة كما هو حال الأُمَّة في هذا الزمان، وأنَّها عندما تصعد إلى أعلى، وتطير بأجنحة من الشَّوق إلى مستوًى من الكمال الرفيع، فإنَّها تستحقُّ الفوز والتمكين.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - : ((مَن لقي الله بغير أثَرٍ من جهاد، لَقِي الله وفيه ثُلْمة))، إذًا هؤلاء استحقُّوا فعلاً أن يُنصروا؛ لأنَّهم تحمَّلوا في ذات الله الكثير، واستنفدوا كلَّ أسباب الأرض، فجاء نصر الله لهم رغم عدد وعتاد عدوِّهم، يقول الله تعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ﴾ [يوسف: 110]، فلن يأتي النصر إلاَّ بعد استنفاد أسباب الأرض من الاستعداد والتجهيز، والإرادة والإصرار على رَدِّ الحق المَسْلوب بالقُوَّة بعد ما أُخذ منهم بالقوَّة؛ قال تعالى: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ﴾ [الأنفال: 60]، وهنا نلحظ أن النَّصر الذي ساقه الله للمسلمين في حطِّين كان فضلاً وعطيَّة من الله تعالى، ليس لعمل الناس فيها إلاَّ الدَّخل المحدود بإذنه، بالتجهيز والاستعداد، والأخذ بالأسباب، والأسباب لا تبلغ نتائجها إلاَّ بِقَدَر الله وفِي حمايته ورعايته.
قيل لرسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في غزوة الأحزاب: يا رسول الله، إنَّ قريشًا جاءت ومعها فلول العرب، فقال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - : ((أوتَحزَّبوا؟)) قيل: نعم، قال: ((إذًا أبشِروا بِنَصر الله))، وكأنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يبيِّن لنا القانون الإلهيَّ أنَّه إذا تحزَّب أعداء الله ضدَّ دين الله والمسلمين، واتَّخَذ المسلمون من الأسباب ما يُواجهون به هذا التحزُّبَ أكرَمَهم الله بالنَّصر المبين، ودَحْر عدو الإسلام والمسلمين.
وهذا مِصْداق قوله تعالى: ﴿ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [الأنفال: 17].
ما أحوجَنا اليوم إلى تلبية نداء الله تعالى في سورة الأنفال! قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ ﴾ [الأنفال: 15].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ ﴾ [الأنفال: 20].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾ [الأنفال: 24].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الأنفال: 27].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ﴾ [الأنفال: 29].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾[الأنفال: 45].
هذه هي مقوِّمات النَّصر وأسبابه، فما أحوجَنا إليها اليوم! فأين أُمَّة الإسلام من هذه النِّداءات حتى تستجمع مقوِّمات النصر على أعدائها، وتَخْرج من مرحلة الذُّلِّ والهوان والغُثاء، وتسحب رأسها من تحت أقدام أعداء الله، وتستفيق من ثُباتها حتَّى يعود للإسلام سيادته ومجده، فإنَّ الزمن الذي تتكوَّن فيه أمَّة إنَّما يرجع إلى مقدار الجهد الذي تبذله هذه الأمَّة؛ كي تنتقل من الظُّلمات إلى النور، ومن الهزيمة إلى النصر، وبمقدار ما ترسَّخ في قلبها من العقيدة والأخلاق والقِيَم الرَّفيعة التي هي شرايين الحياة في كيان جسم يريد أن ينطلق إلى آفاق النَّصر والسيادة.
من هنا تاتي الهزيمة
ـــــــــــــــــــــــــــ كان لسقراط جار طبيب، استنكر على الملك تسمية سقراط بالطبيب الأول، فسأله الملك عن طريقة يُثبت فيها أنه أكفأ من سقراط حتى يقوم بنقل اللقب إليه!
فقال الطبيب: سأسقيه السُّم ويسقيني ومن يعالج نفسه يكون صاحب اللقب!
وافق سقراط، وحدد الملك موعد النزال بعد أربعين يومًا.
أحضر سقراط ثلاثة من الرجال الأشداء وأمرهم بسكب الماء في أوعية ودقه كل يوم على مسمع الطبيب!
ويوم الواقعة شرب سقراط سُمّ جاره الطبيب، فاصفر لونه وأصابته الحمى، ولكنه عالج نفسه بعد ساعة!
ثم ناول سقراط خصمه قارورة السُّم التي بقي الرجال يعدونها أربعين يومًا على مسامعه، فلما شربه خرَّ ميتًا!
عندها قال سقراط للملك: لم أسقه إلا ماءً عذبًا وسأشرب منه أمامك! أنا لم أقتله يا سيدي الملك، لقد قتله وهمه وخوفه!
وفي سياق قريب من هذا الذي نحن فيه، كتبتُ منذ أيام أقول:
علميًا: تبلغ سرعة الغزال تسعين كيلومترًا في الساعة، بينما تبلغ سرعة الأسد ثمانية وخمسين كيلومترًا في الساعة، ومع ذلك تقع الغزلان فريسة للأسود!
لا شيء يُفسر هذا سوى الخوف، الأسود لا تفترس إلا الغزلان التي تمكن منها الخوف!
الأمر مشابه كثيرًا في عالم البشر، الهزائم تبدأ من الداخل، والنصر كذلك!
عندما طرح أمية بن خلف بلال بن رباح على رمال مكة الملتهبة وجلده بالسياط فلم ينحنِ، ووضع على صدره صخرة كبيرة فلم ينحنِ أيضًا، وهكذا انتصر العبد المملوك على السيّد الحرّ، هذا ما تقوله كُتب السيرة، ولكن في الحقيقة كان بلال هو السيد الحُرّ، وأمية هو المملوك العبد، بلال كان قد حرر الإسلام روحه وإن بقي في مُلك أمية، وأمية كان عبد المعتقدات البالية والعنجهية وإن كان يجلس في دار الندوة وتهابه مكة!
عندما سلمت بريطانيا فلسطين لليهود، بدأت العصابات الصهيونية تذبح الكبير والصغير، وتحرق الأخضر واليابس، ولكنهم في كل قرية يصبون فيها حمم الموت كانوا يتعمدون الإبقاء على بعض الناجين، ليفروا إلى القرى المجاورة، ويُحدثوا أهلها عما فعلته بهم تلك العصابات، وهكذا كانت تسقط القرية تلو القرية لأنها كانت مهزومة نفسيًا، ومنهارة في داخلها، وإن لم تكن موازين القوى في صالحها كما في حالة أن الغزال حقيقة أسرع من الأسد!
القضية باختصار:
ـــــــــــــــــ المهزوم من الداخل لا ينتصر مهما كان لديه من الأسباب، والمنتصر من الداخل سينتصر فعلًا مهما طال الزمن!
من هنا تبدا الهزيمة
ــــــــــــــــــــــــــــ بعد ان أكمل ( نابليون ) سيطرته على أوروبا قرر غزو روسيا .. وكان نابليون عندما يمر في طريقه في المدن اﻷوروبية وقراها متوجها" نحو روسيا كان الناس يخرجون من بيوتهم لمشاهدة موكب نابليون المهيب ..
وعند دخوله أطراف اﻷراضي الروسيه شاهد فلاحا" روسيا" منحنيا" وبيده منجله يحرث أرضه بنشاط لايعرف الملل والكلل .. ولم يعر موكب نابليون إنتباها" وشجنا" .
فقال نابليون لحراسه وقادته : ألاترون هذا الفلاح الروسي الحقير لم ينظر إلى موكبي وبنات أوروبا يخرجن من غرف نومهن شوقا" وشجنا" لمروري أمام منازلهن ؟
فأوقف نابليون الموكب وأمر بإحضار الفلاح .. فأتوا به مكتفا"
فقال نابليون : لماذا لم توقف الحراثه وتنظر إلى موكبي ..؟
فقال الفلاح : انا مالي ومال موكبك فأرضي أولى بإهتمامي ..
فقال نابليون : ألا تعرف من أنا ؟
فقال الفلاح لايهمني أن أعرف من أنت ؟
فقال نابليون : عليك أن تعرف أنا نابليون الذي سأحتل بلدك ..
فقال الفلاح أنت غازي حقير وأحقر من أن تحتل بلدي ..
فقال نابليون .. يجب أن تحمل إسمي معك دائما" لكي تذكرني في كل وقت ..
وقال لجنوده : أكتبوا إسمي على ساعده فأحموا سيخا" من الحديد و كتبوا إسم نابليون على يده ليكون وشما" لا يستطيع نزعه ..
فما كان من الفلاح الروسي إلا ان قام برفع منجله وضرب يده فبترها ورمى بها وسط ذهول جنوده وضباطه ..
قائلا : خذ إسمك معك فعار علي أن أحمل إسم غازي حقير مثلك ..
فنظر ( نابليون ) إلى من حوله .. وقال كلمته المشهوره :
( من هنا تبدأ الهزيمة )
فكانت بالفعل هزيمته النكراء من روسيا ..
متى ماكان ( المواطن ) مرتبطا"
بحب أرضه وبلده .. فهو بذلك يزرع النصر سنابل خضراء .. ولايقبل الهزائم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ د. صالح العطوان الحيالي -العراق- 17-4-2018
من هنا ياتي النصر كلمة قالَها صلاح الدِّين وهو يتفقَّد أحوال الجند ليلاً، فوجد خيمة بِها عددٌ من الجند يقرَؤون كتاب الله ويَقُومون الليل، فسجَّل له التاريخ هذه القَوْلة: "من هنا يأتي النصر"، ومرَّ على أُخْرى، فوجدها نائمة، فقال: "من هنا تأتي الهزيمة".
خيمة تَقُوم اللَّيل، تتبتَّل لِخَالقها، تأخذ من الزَّاد الإيماني ما تستطيع به أن تقاوم جند الباطل وأعداء الحق، جند يعلمون أنَّهم إذا تساوَوْا مع أعدائهم في المعاصي فاقهم عدوُّهم بالعُدَّة والعتاد، فكان ذلك سبب هزيمتهم، جند يتمثَّلون قول أمير المؤمنين عمر حينما أرسل تعليماته إلى سعد بن أبي وقَّاص - رضي الله عنه - في جبهة فارس، قال له: إنِّي آمُرُك ومَن معك أن تكونوا أشدَّ احتراسًا من المعاصي منكم من عدوِّكم، فإنَّ ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوِّهم، جندٌ باعوا أرواحهم فداءً لدين الله، ولِتَمكين الإسلام في الأرض بعدَما كانت أمَّة الإسلام ترزح تحت نير الاستبداد والظُّلم، والقهر والاحتلال، جند علموا أن الأُمَم عندما تُسِفُّ وتَخْلد إلى الأرض تستجمع الخصائص التي تستحقُّ بِها الهزيمة كما هو حال الأُمَّة في هذا الزمان، وأنَّها عندما تصعد إلى أعلى، وتطير بأجنحة من الشَّوق إلى مستوًى من الكمال الرفيع، فإنَّها تستحقُّ الفوز والتمكين.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - : ((مَن لقي الله بغير أثَرٍ من جهاد، لَقِي الله وفيه ثُلْمة))، إذًا هؤلاء استحقُّوا فعلاً أن يُنصروا؛ لأنَّهم تحمَّلوا في ذات الله الكثير، واستنفدوا كلَّ أسباب الأرض، فجاء نصر الله لهم رغم عدد وعتاد عدوِّهم، يقول الله تعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ﴾ [يوسف: 110]، فلن يأتي النصر إلاَّ بعد استنفاد أسباب الأرض من الاستعداد والتجهيز، والإرادة والإصرار على رَدِّ الحق المَسْلوب بالقُوَّة بعد ما أُخذ منهم بالقوَّة؛ قال تعالى: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ﴾ [الأنفال: 60]، وهنا نلحظ أن النَّصر الذي ساقه الله للمسلمين في حطِّين كان فضلاً وعطيَّة من الله تعالى، ليس لعمل الناس فيها إلاَّ الدَّخل المحدود بإذنه، بالتجهيز والاستعداد، والأخذ بالأسباب، والأسباب لا تبلغ نتائجها إلاَّ بِقَدَر الله وفِي حمايته ورعايته.
قيل لرسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في غزوة الأحزاب: يا رسول الله، إنَّ قريشًا جاءت ومعها فلول العرب، فقال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - : ((أوتَحزَّبوا؟)) قيل: نعم، قال: ((إذًا أبشِروا بِنَصر الله))، وكأنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يبيِّن لنا القانون الإلهيَّ أنَّه إذا تحزَّب أعداء الله ضدَّ دين الله والمسلمين، واتَّخَذ المسلمون من الأسباب ما يُواجهون به هذا التحزُّبَ أكرَمَهم الله بالنَّصر المبين، ودَحْر عدو الإسلام والمسلمين.
وهذا مِصْداق قوله تعالى: ﴿ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [الأنفال: 17].
ما أحوجَنا اليوم إلى تلبية نداء الله تعالى في سورة الأنفال! قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ ﴾ [الأنفال: 15].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ ﴾ [الأنفال: 20].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾ [الأنفال: 24].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الأنفال: 27].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ﴾ [الأنفال: 29].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾[الأنفال: 45].
هذه هي مقوِّمات النَّصر وأسبابه، فما أحوجَنا إليها اليوم! فأين أُمَّة الإسلام من هذه النِّداءات حتى تستجمع مقوِّمات النصر على أعدائها، وتَخْرج من مرحلة الذُّلِّ والهوان والغُثاء، وتسحب رأسها من تحت أقدام أعداء الله، وتستفيق من ثُباتها حتَّى يعود للإسلام سيادته ومجده، فإنَّ الزمن الذي تتكوَّن فيه أمَّة إنَّما يرجع إلى مقدار الجهد الذي تبذله هذه الأمَّة؛ كي تنتقل من الظُّلمات إلى النور، ومن الهزيمة إلى النصر، وبمقدار ما ترسَّخ في قلبها من العقيدة والأخلاق والقِيَم الرَّفيعة التي هي شرايين الحياة في كيان جسم يريد أن ينطلق إلى آفاق النَّصر والسيادة.
من هنا تاتي الهزيمة
ـــــــــــــــــــــــــــ كان لسقراط جار طبيب، استنكر على الملك تسمية سقراط بالطبيب الأول، فسأله الملك عن طريقة يُثبت فيها أنه أكفأ من سقراط حتى يقوم بنقل اللقب إليه!
فقال الطبيب: سأسقيه السُّم ويسقيني ومن يعالج نفسه يكون صاحب اللقب!
وافق سقراط، وحدد الملك موعد النزال بعد أربعين يومًا.
أحضر سقراط ثلاثة من الرجال الأشداء وأمرهم بسكب الماء في أوعية ودقه كل يوم على مسمع الطبيب!
ويوم الواقعة شرب سقراط سُمّ جاره الطبيب، فاصفر لونه وأصابته الحمى، ولكنه عالج نفسه بعد ساعة!
ثم ناول سقراط خصمه قارورة السُّم التي بقي الرجال يعدونها أربعين يومًا على مسامعه، فلما شربه خرَّ ميتًا!
عندها قال سقراط للملك: لم أسقه إلا ماءً عذبًا وسأشرب منه أمامك! أنا لم أقتله يا سيدي الملك، لقد قتله وهمه وخوفه!
وفي سياق قريب من هذا الذي نحن فيه، كتبتُ منذ أيام أقول:
علميًا: تبلغ سرعة الغزال تسعين كيلومترًا في الساعة، بينما تبلغ سرعة الأسد ثمانية وخمسين كيلومترًا في الساعة، ومع ذلك تقع الغزلان فريسة للأسود!
لا شيء يُفسر هذا سوى الخوف، الأسود لا تفترس إلا الغزلان التي تمكن منها الخوف!
الأمر مشابه كثيرًا في عالم البشر، الهزائم تبدأ من الداخل، والنصر كذلك!
عندما طرح أمية بن خلف بلال بن رباح على رمال مكة الملتهبة وجلده بالسياط فلم ينحنِ، ووضع على صدره صخرة كبيرة فلم ينحنِ أيضًا، وهكذا انتصر العبد المملوك على السيّد الحرّ، هذا ما تقوله كُتب السيرة، ولكن في الحقيقة كان بلال هو السيد الحُرّ، وأمية هو المملوك العبد، بلال كان قد حرر الإسلام روحه وإن بقي في مُلك أمية، وأمية كان عبد المعتقدات البالية والعنجهية وإن كان يجلس في دار الندوة وتهابه مكة!
عندما سلمت بريطانيا فلسطين لليهود، بدأت العصابات الصهيونية تذبح الكبير والصغير، وتحرق الأخضر واليابس، ولكنهم في كل قرية يصبون فيها حمم الموت كانوا يتعمدون الإبقاء على بعض الناجين، ليفروا إلى القرى المجاورة، ويُحدثوا أهلها عما فعلته بهم تلك العصابات، وهكذا كانت تسقط القرية تلو القرية لأنها كانت مهزومة نفسيًا، ومنهارة في داخلها، وإن لم تكن موازين القوى في صالحها كما في حالة أن الغزال حقيقة أسرع من الأسد!
القضية باختصار:
ـــــــــــــــــ المهزوم من الداخل لا ينتصر مهما كان لديه من الأسباب، والمنتصر من الداخل سينتصر فعلًا مهما طال الزمن!
من هنا تبدا الهزيمة
ــــــــــــــــــــــــــــ بعد ان أكمل ( نابليون ) سيطرته على أوروبا قرر غزو روسيا .. وكان نابليون عندما يمر في طريقه في المدن اﻷوروبية وقراها متوجها" نحو روسيا كان الناس يخرجون من بيوتهم لمشاهدة موكب نابليون المهيب ..
وعند دخوله أطراف اﻷراضي الروسيه شاهد فلاحا" روسيا" منحنيا" وبيده منجله يحرث أرضه بنشاط لايعرف الملل والكلل .. ولم يعر موكب نابليون إنتباها" وشجنا" .
فقال نابليون لحراسه وقادته : ألاترون هذا الفلاح الروسي الحقير لم ينظر إلى موكبي وبنات أوروبا يخرجن من غرف نومهن شوقا" وشجنا" لمروري أمام منازلهن ؟
فأوقف نابليون الموكب وأمر بإحضار الفلاح .. فأتوا به مكتفا"
فقال نابليون : لماذا لم توقف الحراثه وتنظر إلى موكبي ..؟
فقال الفلاح : انا مالي ومال موكبك فأرضي أولى بإهتمامي ..
فقال نابليون : ألا تعرف من أنا ؟
فقال الفلاح لايهمني أن أعرف من أنت ؟
فقال نابليون : عليك أن تعرف أنا نابليون الذي سأحتل بلدك ..
فقال الفلاح أنت غازي حقير وأحقر من أن تحتل بلدي ..
فقال نابليون .. يجب أن تحمل إسمي معك دائما" لكي تذكرني في كل وقت ..
وقال لجنوده : أكتبوا إسمي على ساعده فأحموا سيخا" من الحديد و كتبوا إسم نابليون على يده ليكون وشما" لا يستطيع نزعه ..
فما كان من الفلاح الروسي إلا ان قام برفع منجله وضرب يده فبترها ورمى بها وسط ذهول جنوده وضباطه ..
قائلا : خذ إسمك معك فعار علي أن أحمل إسم غازي حقير مثلك ..
فنظر ( نابليون ) إلى من حوله .. وقال كلمته المشهوره :
( من هنا تبدأ الهزيمة )
فكانت بالفعل هزيمته النكراء من روسيا ..
متى ماكان ( المواطن ) مرتبطا"
بحب أرضه وبلده .. فهو بذلك يزرع النصر سنابل خضراء .. ولايقبل الهزائم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق