هل تغيرات الإستراتيجية الأمريكية في سورية بعد قرار ترامب الانسحاب من سورية؟ماسبٍ قرار ترامب المُفاجِئ بِسَحب قُوّاتِه من سورية هل هواعتراف بالهَزيمة. ؟ ؟
--------------------------------------------
محمد كاظم خضير
في 14 كانون الثاني/ يناير 2018، أعلن
التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة أنه يعمل، مع فصائل سورية حليفة له، على تشكيل قوة عسكرية في سورية قوامها 30 ألف مقاتل، أكثر من نصفهم من الأكراد، من ميليشيات (قوات سورية الديمقراطية- قسد)، لتنتشر على طول الشريط الحدودي مع تركيا شمالًا، وعلى الحدود العراقية إلى الجهة الشرقية الجنوبية وبموازاة نهر الفرات، وأشار إلى أن عملية تطويع وتجنيد النصف الآخر قائمة على قدم وساق.
بعد ثلاثة أيام، وتحديدًا في 17 كانون الثاني/ يناير 2018، أدلى وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، بتصريح جاء في منزلة إعلان واضح ومباشر للاستراتيجية الأميركية فيما يخص سورية والمنطقة خلال المرحلة المقبلة، وطرح جملة من القضايا التي لم تكن الولايات المتحدة قد أعلنت موقفًا صريحًا منها في أي وقت سابق، وغيّرت هذه التصريحات والمواقف توقعات ما سيحمله عام 2018 لسورية خصوصًا ولمنطقة الشرق الأوسط عمومًا.
في معرض تصريحاته، قال تيلرسون إن القوات الأميركية ستبقى في سورية لمواجهة (داعش) ونظام الأسد وإيران، وأنها لن ترتكب “خطأ 2011 العراقي”، حين خرجت من العراق فاسحة المجال للهيمنة الإيرانية وتوسّع تنظيم القاعدة، واعتبر ذلك “مصلحة وطنية”. وتُعدّ هذه أول مرة تُصرّح فيها واشنطن بأن هناك مصالح أميركية كبرى في سورية وأنها مستعدة للدفاع عنها.
وتحدث أيضًا عن قوات لبلاده قوامها ألفا مستشار عسكري، ستبقى في الأراضي السورية شرقي الفرات، إلى أن يختار السوريون حكومة جديدة تحوز على صدقية دولية، وقال إن “الانسحاب التام” للأميركيين من سورية في هذه المرحلة “سيساعد الأسد على مواصلة تعذيب شعبه”.
كذلك اعتبر الوزير الأميركي في خطابه عن السياسة الأميركية حيال الأزمة السورية الذي ألقاه في جامعة (ستانفورد) بولاية كاليفورنيا، أن “رحيل الأسد” في إطار عملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة “سيخلق الظروف لسلام دائم”، وعلى الرغم من أنه لم يقل إن الولايات المتحدة ستطيحه، إلا أنه شدد على أن انتخابات حرة وشفافة بمشاركة جميع الذين فروا من النزاع السوري ستؤدي تلقائيًا إلى رحيله وعائلته من السلطة نهائيًا، بعد أن اتهمه بتحويل سورية إلى دولة تابعة لإيران. كما شدّد على أنه “لن يُسمح لإيران بالاقتراب من هدفها الكبير وهو السيطرة على المنطقة”.
أتت كلمة تيلرسون في إثر ضغوط من الكونغرس على إدارة ترامب، لتوضيح أبعاد استراتيجيتها السورية، فأصبح هذا الخطاب أول وثيقة رسمية عن السياسة الأميركية. وتبدو تصريحات تيلرسون تحولًا في الاستراتيجية الأميركية في سورية، وهي تستند أساسًا إلى خمسة أسس- وفق رأس الدبلوماسية الأميركية- هي أولًا قرار الولايات المتحدة بالبقاء في سورية عسكريًا للقضاء على (داعش) والجماعات المتطرفة الأخرى، وثانيًا الرفض الكامل للوجود الإيراني على كامل الأرض السورية، وثالثًا تحقيق انتقال سياسي حقيقي وكامل يذهب بموجبه رأس النظام السوري وعائلته، ورابعًا عدم امتلاك سورية مستقبلًا لأسلحة دمار شامل، وأخيرًا عودة النازحين إلى سورية بشكل طوعي وآمن.
لا يخلو الإعلان الأميركي عن السياسة الجديدة في سورية من الرسائل المتداخلة إلى كل الحلفاء والأصدقاء والأعداء والخصوم، وهي في حدها الأدنى ثلاث، الأولى لروسيا، تُخبرها فيها بشكل لا لبس فيه أنها ليست سيدة الساحة السورية على الرغم من وجودها العسكري الكثيف على الأرض، وليست صاحبة القرار الفصل، والثانية لإيران، تؤكد من خلالها أن واشنطن ستكون بالمرصاد لنظام الملالي، ولن تسمح له بالهيمنة على سورية بأي شكل، وأخيرًا، رسالة إلى المجتمع الدولي أن يكون حذرًا من أي “تورط” في قضية إعادة الإعمار، التي لن تبدأ في سورية إلا بعد أن يتحقق الانتقال السياسي.
#: واشنطن- ومصير_ الأسد
أوحت تصريحات الوزير الأميركي أن رئيس النظام السوري بشار الأسد صار بضاعة منتهية الصلاحية، وأنها مصدر فوضى، وجسر لإيران نحو المنطقة، وأن الولايات المتحدة ستقضي على الطرفين في نهاية الأمر؛ ثم، وهو الأهم، أنها ربطت بين استمرار الوجود الأميركي في سورية وحماية الأمن الداخلي للولايات المتحدة، وهي معادلة الرئيس الأسبق جورج بوش الابن، الذي أعلن أنه سيحارب الإرهاب في الخارج الأميركي قبل أن ينتقل إلى الداخل، وطُبِّق ذلك عبر غزو أفغانستان عام 2001، ثم غزو العراق عام 2003. لكن هذه المعادلة ألقت موجات جديدة من التنظيمات الإرهابية، على عكس المُنتظر منها، وتسبب (الخطأ) الذي ارتكبته الولايات المتحدة بالخروج من العراق بدخول إيران وسيطرتها عليه سياسة وعسكرة واقتصادًا، وفسح المجال للتفكير بجدّية أكبر لإكمال هلالها الاحتلالي ذي البعد الطائفي، عبر سورية، وصولًا إلى لبنان فالمتوسط، بما في ذلك تحالفها العضوي مع نظام الأسد الابن.
لكن، لا بدّ من الأخذ في الحسبان أن الوزير الأميركي لم يذكر أن على الأسد التنحّي كشرط مسبق لبداية أو نهاية التفاوض، بل اكتفى بالتلميح إلى أن “المرحلة الانتقالية لا يمكنها أن تكون ناجحة من دون رحيله”، وهذا بالنسبة إلى السوريين كلام فضفاض خبروه قبل ذلك، ثم إنه دعا المعارضة السورية إلى “الصبر في هذه المسألة التي ستحصل من خلال عملية تدريجية للإصلاح الدستوري”، ما يوحي أن واشنطن، بدورها، ليست في عجلة من أمرها لإيجاد حل يُنهي المقتلة السورية، وهذا يدعو إلى التشكيك بالاستراتيجية الأميركية المعلنة، وعدّها “صوتية” لا “فعلية”.
كثيرًا ما وضعت الولايات المتحدة نسبة كبيرة من السوريين في حيرة من أمرها بشأن موقفها من مصير الأسد؛ فهي، ومنذ السنة الأولى للثورة تؤكد أنه لم يعد يصلح لحكم سورية، وأن لا مكان له في مستقبل سورية، واتهمته بأنه مجرم حرب ارتكب جرائم ضد الإنسانية، إلا أنها تُردف دائمًا بأن السوريين هم من يجب أن يقرروا بأنفسهم هل سيبقى الأسد في منصبه أم لا، وأن هذا الأمر لا تقرره الولايات المتحدة. وعمليًا تركت السوريين عراة أمام الأسد وحلفائه من إيرانيين وروس، ولم تُقدّم للمعارضة السورية العسكرية أي دعم تسليحي كانت في حاجة إليه، ولم تدعم كذلك المعارضة السياسية بالشكل الملائم، وتركت الأمر رهن الروس الذين تبنّوا سياسة تتمسك إلى أبعد حد ببقاء الأسد ونظامه في السلطة في سورية على الرغم من كل الجرائم التي ارتكبها ضد الإنسانية.
لم تصل الولايات المتحدة إلى مرحلة الخطر المباشر على الأسد إلا مرة واحدة في عام 2013 عندما استعدت لضربه عسكريًا حين استخدم الأسلحة الكيماوية في الغوطة الشرقية، وقتل في يوم واحد ألفًا وخمسمئة مدني سوري بأسلحته الكيماوية المحرمة دوليًا، حيث انتهك الخطوط الحمراء التي وضعها الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، وذهب، في حينه، إلى الكونغرس باحثًا عن الموافقة على ضرب النظام السوري ولم يحصل عليها، إلى أن تدخلت روسيا عارضة ضمانتها بأن الأسد سيسلم الـ 1300 طن من الأسلحة الكيماوية، وهي كل ما يملكه منها. ومنذ تلك اللحظة بدا أن أوباما قد سلّم مفاتيح الملف السوري إلى نظيره الروسي فلاديمير بوتين.
راقبت واشنطن من بعيد ما يمكن لروسيا أن تفعله ضمن سياق لا يؤذي المصالح الأميركية، وظنّت روسيا أن الساحة خلت لها، وسعت للاستفراد بالساحة السورية، وتبنّت الأسد إلى أقصى حد، ما جعلها غير قادرة على التوصل إلى حل يُرضي الأطراف، وعلى رأسها الولايات المتحدة. وربما كانت الاستراتيجية الأميركية الجديدة عودة أميركية مكثفة لوضع حد للتفويض الروسي.
هذه الثنائية الأميركية، التي ترى أن لا مستقبل للأسد في سورية، ولا تُقدّم شيئًا لتسهيل انتزاعه، أربكت التوازن في سورية. فالأسد الذي اطمأن إلى أن الولايات المتحدة ليست معنية بتنحيته عن السلطة تمادى في استخدام العنف ورفع من سويّته، ومنحته هذه الثنائية الاطمئنان، لأنه فهمها على أنها ضوء أخضر أميركي للتصرف كما يريد، من دون الخوف من عواقب العصا الأميركية الغليظة، وسمحت للروس بتبنّي الأسد باطمئنان.
لم تخرج الاستراتيجية الأميركية الجديدة المُعلنة عن هذه الثنائية؛ فالولايات المتحدة ما زالت “تعتقد” أن رحيل الأسد سيأتي بالسلام إلى سورية، وأن انتخابات حرة وشفافة في سورية ستؤدي تلقائيًا إلى رحيله عن السلطة، أي جددت تأكيدها بأن مصيره لا يعنيها مباشرة، وأن الأمر بيد السوريين. وهذا الأمر قد يدعو إلى التشكيك بجدّية الاستراتيجية الأميركية، فجميع دول “أصدقاء الشعب السوري” المعارضة للنظام السوري، تُدرك أن مصير الأسد هو العقدة الكأداء التي تمنع الوصول إلى حل سياسي في الوقت الراهن.
# تركيا _البعيدة_ القريبة
لم تُعجب الاستراتيجية الأميركية الجديدة الحليف السابق تركيا؛ فقد رأت تركيا أن الولايات المتحدة تسعى لتشكيل “جيش إرهابي” بمحاذاة الحدود التركية- السورية، سيلحق ضررًا لا يمكن إصلاحه في علاقات تركيا مع الولايات المتحدة، على اعتبار أن نواة القوة العسكرية التي تنوي الولايات المتحدة تشكيلها هي من حزب (الاتحاد الديمقراطي)، الذراع السوري لـ (حزب العمال الكردستاني) الذي تصنفه تركيا منظمة إرهابية.
لكن الولايات المتحدة استطاعت بسرعة الالتفاف على الموقف التركي وامتصاصه، وإبعاد المخاوف التركية، خاصة حين أعطت تركيا ضوءًا أخضر لتنفيذ هجومها على مدينة عفرين السورية، أكبر معقل للميليشيات الكردية شمال غربي سورية، وغضّت الطرف عن الهجوم التركي على الرغم من التحالف الوثيق بين الولايات المتحدة وهذه الميليشيات.
كذلك هدّأت الولايات المتحدة من روع تركيا حين صرّح الوزير تيلرسون بأن فكرة تشكيل قوة حدودية من 30 ألف مقاتل “أسيء طرحها وأسيء تفسيرها وكانت غير دقيقة”، كما سارعت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) لنفي ما أُعلن، موضحة أن قوات الأمن المحلية التي تقوم واشنطن بتدريبها “لا تمثل جيشًا جديدًا، أو قوات حرس حدود تقليدية، بل الهدف منها تعزيز أمن وسلامة اللاجئين ومنع عودة تنظيم الدولة الإسلامية”. هذا “الغزل” الأميركي يوحي بأن التحالف القديم بين البلدين- الولايات المتحدة وتركيا- يمكن أن يعود بشكل سريع إلى سابق عهده، وإن حصل، سيكون بالطبع على حساب تراجع العلاقة التركية- الروسية.
يشكو الجانب التركي من دعم الولايات المتحدة المستمر للميليشيات الكردية، وهذا الدعم الأميركي العسكري أزّم العلاقات بين واشنطن وأنقرة، الحليفة في منظمة حلف شمالي الأطلسي، ولم تنفع تصريحات الأميركيين المتكررة بأن هذا الدعم ضد (داعش) فحسب وليس ضد تركيا، ولن يكون دعمًا سياسيًا للحزب الكردي الذي يُشرف على الميليشيات الكردية المتحالفة مع الأميركيين، ذلك لأن (حزب الاتحاد الديمقراطي)، وفق التصنيف التركي، هو امتداد لحزب العمال الكردي المناوئ لها، وسيكون الحكم الذاتي الذي يخطط له الأكراد في شمالي سورية خطرًا على الأمن القومي التركي من وجهة النظر التركية.
لا يكفي هذا “الغزل” لإعادة المياه إلى مجاريها بين الولايات المتحدة وتركيا، بحكم أن التباين الاستراتيجي كبير في سورية بين واشنطن وأنقرة، فضلًا عن صعوبة تفكيك العلاقة الروسية- التركية استنادًا إلى موقف أميركي واحد قد لا يتكرر؛ فأنقرة يُغضبها بشدة كل ما هو مرتبط بــ (حزب العمال الكردستاني)، وتعتبره مصدر الخطر الأول ضد الدولة، ولا ينفع -على ما يبدو- مع القلق التركي إلا فك الارتباط كليًا بين الامتداد السوري لـ (حزب العمال الكردستاني) والولايات المتحدة، وهذا ما لم تقم به الأخيرة، ومن المستبعد أن تقوم به في المدى المنظور، كون هذا الامتداد هو ركيزتها الأساسية في سورية.
في مطلع شهر كانون الثاني/ يناير 2018، أعرب الأتراك عن قلقهم من أنباء تحدثت عن إمكانية امتلاك الأكراد صواريخ أميركية الصنع مضادة للطائرات، وإن صحّ ذلك، فإن الخطوة الأميركية ستدفع تركيا لإغلاق الباب أمام الاستراتيجية الأميركية الجديدة، ولن توافق على المشاركة فيها ضمن الوضع الراهن.
الأمر الآخر، هو أن الولايات المتحدة تنظر إلى العلاقات التركية- الروسية بمنظور الخشية العالية، لأن هذه العلاقة بدأت تتجاوز حدود التعاون والتنسيق التكتيكي، إلى مستوى التحالف الاستراتيجي، وهذا يعاكس الرغبات الأميركية، التي تعتبر روسيا دولة منافسة في إطار استراتيجيتها الكونية الجديدة، وهذا قد يُسرّع تحريك الولايات المتحدة لاستراتيجيتها الجديدة بشكل أسرع وأكثر فاعلية على الصعيد السياسي والعسكري.
.
# روسيا: المناكفة_ أو _التقاسم
الأمر غير المُعلن في الاستراتيجية الأميركية الجديدة هو وضع حدٍّ لاستفراد روسيا بسورية، وتحجيم دورها، وتحديد سقف مستقبلها، وهو أمر لا بدّ من أن يكون استراتيجيًا بالنسبة إلى الولايات المتحدة التي فقدت الساحة العراقية خلال السنوات الماضية.
خلال السنتين الأخيرتين، عملت روسيا على استراتيجية لحرف الحل السياسي المتفق عليه عام 2012 في مؤتمر جنيف الأول، وابتدعت لذلك سلسلة اجتماعات موسكو، ثم سلسلة اجتماعات أستانا، وأخيرًا مؤتمر سوتشي، بهدف خلق مرجعيات سياسية للحل بديلة عن مرجعية مؤتمرات جنيف وبيان جنيف1 الذي توافقت عليه الدول الكبرى، ويقضي بتشكيل هيئة حاكمة انتقالية ذات صلاحيات تنفيذية كاملة، ما يعني حُكمًا إنهاء حكم نظام الأسد؛ كذلك صنّعت منصّة ملتبسة ألصقتها بالمعارضة السورية، بهدف تذويبها واختراقها، وهو ما حصل في مؤتمر الرياض2، حيث جرى ضم منصة موسكو إلى الوفد التفاوضي التابع للمعارضة السورية.
بات من الواضح أن الولايات المتحدة فوّضت طوال سنتين روسيا بإدارة الصراع في سورية وعليها، ضمن أسس لا تُهمّش الولايات المتحدة، وتأخذ في الحسبان أمن “إسرائيل”، وتضمن بقاء توازن القوى لحين إنضاج حل سياسي يلائم الأطراف الدولية والإقليمية؛ وتركت هندسة مشاريع الحل السياسي لروسيا، التي لم تنجح في هذه المهمة لثلاثة أسباب: الأول، أنها تمادت في ترجيح كفة النظام السوري على حساب المعارضة التي مارست ضدها حربًا ضروسًا بدأتها في حلب وما زالت مستمرة فيها حتى الآن، وقررت الرهان على الأسد ونظامه؛ والثاني، الغرور الذي أصابها وجعلها مقتنعة بأنها الآمر الناهي في الشرق الأوسط؛ والثالث، عدم تقديرها لخطورة الدور الذي تؤديه إيران، ومن ثمّ، فشلها (أو عدم رغبتها) في تحجيم الدور الإيراني إلى المستوى المتدني الذي تريده الولايات المتحدة، خاصة أن وجود إيران العسكري البري في سورية هو الضامن لتثبيت الأهداف الإيرانية فيها، وفشلها أيضًا في قطع “كوريدور” طهران- لبنان، وحتى فشلها في تثبيت اتفاق “وقف التصعيد” الذي تبنّته بسبب خروقات إيران والنظام السوري له.
توجّه الاستراتيجية الأميركية الجديدة رسالة مزدوجة إلى روسيا: أولًا، أن سقف النفوذ الروسي محدود في سورية وليس مطلقًا، وأن على روسيا العودة إلى قواعد اللعبة وأصولها بين الكبار، عسكريًا وسياسيًا، بعد أن قاد عدم الاكتراث الأميركي خلال سنوات روسيا إلى التمادي والخروج على أصول اللعبة؛ وثانيًا، أن لا حل في سورية إلا عبر المسار التفاوضي في جنيف، أي وفق المعايير الأممية التي رسمها مجلس الأمن الدولي في بيان جنيف1 وفي القرار الأممي 2254، وأن سلسلة اجتماعات “أستانا” ومؤتمر “سوتشي” ليسا الحل، وكل ما يصدر عنهما هو هامشي مهما حاولت روسيا التمادي والتشبث بهذين المسارين.
ليس صعبًا على أي مراقب أن يُدرك أن تحقيق الاستراتيجية الأميركية الجديدة ليس بالأمر السهل أو البسيط، وهي تحتاج إلى تحديد المسارات والأزمنة والأفعال.
تحتاج الاستراتيجية الأميركية الجديدة- إن كان ما أعلنه تيلرسون والبنتاغون جدّيًا- إلى خطط استراتيجية وخطوات عملية في غاية التعقيد، وتحتاج إلى مجموعة من المقدمات التي يجب أن تُفرض على الأطراف كمدخل، وتمهّد لإمكانية تحقيق هذه الأهداف الاستراتيجية المرتقبة. كما أنها تحتاج إلى المزيد من التوضيح بشأن كيفية فرض واشنطن العملية السياسية على نظام الأسد ليقبل بتسوية سياسية تؤدي إلى توفير مناخ آمن ومحايد يؤدي إلى انتقال سياسي من خلال انتخابات حرة ونزيهة. وفي الغالب، لن تُقدّم الولايات المتحدة توضيحات إضافية حول ذلك كله.
يطرح كلام ترامب تساؤلات أكثر مما يقدّم أجوبة، ويحمل في طيّاته انعكاسًا للسياسة الأميركية الغامضة والمترددة في سورية، والتي سادت خلال السنوات السبع الماضية، ولم تُسفر عن أي تغيير في موازين القوى، ولم تمنح الفرصة لأي حل سياسي أو عسكري بالتقدّم، كما يعكس الرغبة الأميركية في عدم التورط العسكري في سورية، واستمرار الرهان على توريط الأطراف الأخرى، والمراهنة على إدارة التوازنات الإقليمية والدولية من دون حسمها بالقوة أو الضغط المباشر.
يمكن أن يُنظر إلى التصريحات الأميركية الأخيرة على أنها اندفاعة قوية في لحظة مهمة، لحظة تلاشي (تنظيم الدولة الإسلامية)، واستعداد موسكو لعقد مؤتمر سوتشي و “إعلان النصر” السياسي، وأنها جاءت لتحدّ من الطموح الروسي؛ وسيتبعها بطبيعة الحال مواقف دولية وإقليمية كانت قد يئست من أن يكون لأميركا أي دور في إيجاد حل أو مخرج للكارثة التي تعصف بالسوريين، وقرار أميركي بإعادة التوازن السياسي في الميدان السوري بعد انكفاء دام نحو سبع سنوات.
كذلك، يمكن أن يُنظر إلى التصريحات الأميركية على أنها مجرد “بروباغندا” أميركية؛ فقد سبق للولايات المتحدة قبل ستّ سنوات أن أعلنت أن الأسد غير شرعي، وأنه لا يمكن أن يستمر في حكم سورية، وأن إيران مصدر الإرهاب في المنطقة، لكنها لم تسر خطوة في اتجاه تأكيد جديتها، وصمتت عن الممارسات الروسية الداعمة له ولإيران، وأظهرت عدم اكتراث وهي تراقب السوريين يموتون بمئات الألوف، ورفضت تسليح المعارضة السورية العسكرية، بل وعاقبتها في بعض الحالات، وهي في ادعائها استراتيجية جديدة تعيد الأسطوانة نفسها من دون أن تحمل هذه الأسطوانة شيئًا مختلفًا عن السنوات السابقة.
جاء إعلان الاستراتيجية الأميركية الجديدة، على المستوى السياسي، بعد أيام من اجتماع خماسي استضافته العاصمة الأميركية ضمّ مندوبي فرنسا وبريطانيا والمملكة العربية السعودية والأردن، وهي مجموعة إقليمية دولية وازنة، تهدف إلى الموازنة مع التحرك الروسي على مسار (أستانا)، ولتكون عنصرًا مقابلًا للمجموعة الثلاثية (روسيا- إيران- وتركيا)، وما يميزها ويعطيها أفضلية وجود دولتين عربيتين فيها، يمكن أن تلعبا دورًا مهمًا في تعزيز مسار جنيف.
من البديهي أن الولايات المتحدة تمتلك القدرات اللازمة لوضع استراتيجيتها موضع التنفيذ؛ فقد أهّلت نفسها عسكريًا في سورية لذلك، وأنشأت ثماني قواعد عسكرية، في الشرق، والشمال الشرقي، وفي الجنوب، ورصدت نحو 500 مليون دولار لدعم هذه التوجهات، وهي تمتلك القوة السياسية والدبلوماسية بوصفها قوة عظمى، وربما لا ينقصها سوى القرار والإرادة، والرغبة الحقيقة في إنهاء المأساة السورية بعد سبع سنوات من اللامبالاة.
بالنسبة إلى المعارضة السورية، ليس واضحًا بعد طبيعة السياسة الأميركية الجديدة تجاهها، وتبقى ضمن مسار التخمينات والترجيحات، خاصة أن لدى المعارضة تجربة غير مُشجّعة مع الولايات المتحدة، اتسمت من جهة الأخيرة، طوال سبع سنوات، بالتردد والغموض وعدم الحسم، والتصاريح الفضفاضة غير الجازمة، إلى جانب النظر إلى القضية السورية من منظور المصالح الأميركية فحسب، بعيدًا عن كل القيم المعلنة، وعن مصالح السوريين. ويبدو أن حذر المعارضة السورية سيستمر طالما ظلت استراتيجية الولايات المتحدة في مستوى التصريحات الإعلامية.
معلنا عن خطوة متوقعة – بحسب المعطيات الميدانية على الساحتين السورية والعالمية - وليست مفاجئة كما سوق البعض.هذه الخطوة هي عزم بلاده مغادرة قواتها الأرض السورية، بحجة تنفيذ المهمة التي أوجدت لأجلها، وهي على حد قوله: "التخلص من داعش ، والعودة إلى المنزل"، حيث سيوكل الأمر بعد رحيلهم حسب زعمه "لشركائهم الآخرين"، مضيفا: "نحن لسنا هناك لأي سبب آخر، ولقد حققنا هدفنا إلى حد كبير".خطوة الانسحاب بحد ذاتها خطوة حمالة أوجه، كيف إذ تصدر عن شخصية مثل ترامب! الذي لا يعترف إلا بلغة الأرقام (الربح والخسارة)، وعن إدارة مثل الإدارة الأمريكية طالما عرفت بسياسة اللعب (تحت وفوق) الطاولة بآن واحد، وما يتحقق يكون الخيار الصحيح، وليس كما قال سابقا ونستون تشرشل: "إن واشنطن تجرب كل الخيارات الخاطئة، قبل أن تتخذ القرار الصحيح"!حقيقة في خطاب ترامب يوجد ما يستحق التوقف عنده وإثارته، أكثر من هذه الخطوة ذاتها، يظهر ذلك بقوله: "لقد حققنا هدفنا إلى حد كبير."حيث يتبادر إلى الذهن مباشرة سؤال مفاده: ما هو الهدف الذي جاءت أمريكا لتحقيقه في الشرق الأوسط - عبر الساحة السورية – وأنجزته على حد زعمه "لحد كبير"، وحان الوقت للانسحاب؟للإجابة عن هذا التساؤل، علينا أن نستعرض حزمة من الأهداف، التي من المفترض أن تكون وراء مجيء أمريكا إلى سورية، والتي وجدت أنها حققت إحداها أو جميعها كهدف رئيس، وهي:أولا- إذا كان أحد هذه الأهداف زيادة فرص الحماية لإسرائيل بشكل مباشر، من خلال إضعاف العامود الفقري لمحور المقاومة سورية، وتدمير الدولة ومؤسساتها وعلى رأسها العسكرية منها، على اعتبار أنه ليس من مصلحتها وجود دولة بجيش قوي، على الحدود المتاخمة لقاعدتها الكبرى في الشرق الأوسط إسرائيل، فهذا الأمر قد سقط فعلا مع إسقاط طائرة F16 فوق الأراضي المحتلة فبراير الماضي، والمطالبة الإسرائيلية لعودة قوات الإندوف إلى خطوط فصل القوات تندرج في هذا السياق.ثانيا – إذا كان الهدف هو حصر إيران، تمهيدا لعزلها ضمن حدودها الجغرافية، وقطع الطريق نحو مزيد من التعاظم والقوة في تحالفها الاستراتيجي القائم مع سورية، فالواقع ينبئ بغير ذلك، حيث أن إيران أصبحت اليوم أكثر تفوقا وتمددا وتأثيرا على المستوى الإقليمي- الدولي، وبقدرات ذاتية، وتحالفات راسخة، تفرض شروطها بسيادية مطلقة، الاتفاق النووي مثالا حيا على ذلك.ثالثا – في حال كان الهدف ضرب الإسلام "الشامي" الصحيح، وصولا لإلغائه، وخلق كيانات "إسلاموية أخوانيه" أو انفصالية، تناسب سياساتهم وتخدم مصالحهم وتحمي إسرائيلياتهم - القديمة منها والجديدة -، فهذا الأمر سقط لغير رجعة، عبر ضرب تنظيم داعش – القوة الضاربة – بين معظم الجماعات الإرهابية، التي تتلطى خلف عباءة الدين الإسلامي حتى – المعتدلة – منها، ودحره في كل من سورية والعراق نهائيا.رابعا- وفي حال كان الهدف السيطرة على المقدرات السورية النفطية والغازية، قليلها المكتشف وكثيرها الغير مكتشف - ما يفسر ربما انتشار قواعدها في مناطق الشرق السوري – ومحاولاتها المستمرة السيطرة على المناطق الساحلية السورية شرق المتوسط عبر أدواتها، فإن هذا أيضا سقط بعضه، وبعضه الآخر بحكم الساقط، لسبب أن القيادة السورية تعتبر هذا الوجود احتلال، ومن حقها مقاومته بجميع السبل المتاحة.من خلال عرض هذه الحزمة الأساسية والإستراتيجية من الأهداف - المعلن والغير معلن منها –، والتي تظهر دوافع الفعل الأمريكي المستمر في سورية، يتضح أن أمريكا حققت التالي فقط:الأول: عملت على الدفع لتدمير الدولة السورية، وبناها التحتية، ومؤسساتها الوطنية، تحت شعار "صداقة" الشعب السوري، تشهد على ذلك حالة الدمار التي تعيشها مدينة الرقة السورية، نتيجة قصف طائرات التحالف الدولي لها، والذي جاء بذريعة أساسية هي القضاء على داعش، وليس القضاء على مدينة بأكملها كما حصل! الثاني: كانت السبب الرئيس والمباشر، بتسريع تشكيل قوى مقاومة شعبية سورية، مساندة للجيش السوري في محاربة الإرهاب وداعميه، ومجابهة كل وجود غير شرعي على الأرض السورية بدءا بالوجود الأمريكي نفسه، وصولا للوجود التركي، وختاما بالوجود الإسرائيلي في الجولان المحتل، الذي ربما بعد اليوم لن ينفعه عودة الإندوف أو غيرها، فالجولان بالنسبة للقيادة السورية جبهة محورية ومفتوحة، وحينها يبدو ليس ببعيد، بحسب البيانات السورية الدبلوماسية والعسكرية. من الواضح أن معركة الغوطة الشرقية شكلت القشة التي قصمت ظهر البعير الأمريكي وحلفائه وملياراته التي ذهبت مع الرياح، فمثلت الإعلان النهائي عن رسم الخارطة السياسية العالمية الجديدة، كما قال الرئيس بشار الأسد خلال زيارته الأخيرة للقوات العسكرية العاملة فيها.ترامب فهم هذا جيدا، حيث أشار في خطابه إلى أن الولايات المتحدة في حاجة إلى "الدفاع عن حدودها، وإعادة بناء البنية التحتية المتهالكة". فلا خيارات اليوم أمامه مع هذا الواقع الجديد...ما فات تشرشل في إشارة لقوله أعلاه، أن العالم يتغير بحسب تغير موازين القوى، ولا يدوم على حال، وعالم اليوم مختلف وجديد، وما كان صحيح بنظر أمريكا أمس، هو خاطئ اليوم ومرفوض من المحور المقاوم والمناهض لهيمنتها ولأهدافها خارج حدودها الجغرافية.بالمحصلة يبدو أن الحصاد الأمريكي بين إستراتجية البقاء والرحيل في سورية كان الانسحاب، وإخلاء الساحة، والاعتراف بالتوازن الدولي الحاصل، الذي فرضه الصمود السوري الأسطوري، والثبات الإيراني، وقوضته النووية الروسية الزاجرة الصوت وسرعته معا، فالنمر الذي يريد الصيد لا يصدر ضجيجا ...وبعد كل ما ورد أن ترامب إنهاء مهمة ترامب تدمير سورية بتسليم المهمة لتركيا
تتحدّث تحليلات كثيرة عن استراتيجية خطيرة تقف وراء إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قرب الانسحاب من سورية، ويصل أغلبها لنظرية تقوم على نيات أميركية بإلغاء التفاهم النووي مع إيران وربّما توجيه ضربة عسكرية لها، وربط الانسحاب من سورية بجعل القوات الأميركية في العراق وسورية خارج توقّعات الاستهداف من قبل إيران وحلفائها باعتبارها خاصرة رخوة. والبعض يقول إن الربط يأتي من موقع تخيير روسيا بين صفقة تبتعد بموجبها روسيا عن إيران وتنال نصيبها بربح سورية، وإلا فالانسحاب الأميركي هو تهديد بتحويل سورية لمستنقع استنزاف لروسيا. فيما بعض ثالث يعتبر كل الكلام عن الانسحاب بلا قيمة ومجرد نزوة انتخابية أمام ناخبين لم تتحقق لهم وعود الاهتمام بالشؤون الداخلية كما تضمنت الحملات الانتخابية لترامب، فجاء الحديث عن الانسحاب لإرضائهم بوعد العودة نحو الداخل الأميركي.بعد قرار ترامب تجميد الأموال المخصصة للملف السوري وقيمتها مئتا مليون دولار وحديث ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عن تمنيه على الرئيس الأميركي إعادة النظر بقرار الانسحاب القريب من سورية، سقط منطق التهوين من قيمة وجدّية الكلام الرئاسي الأميركي، وإلا فإن عدم جدّيته تجعله حرباً نفسية غبية يشنّها ترامب على حلفائه، أما التفسير الذي يربط القرار الأميركي بخيارات تصعيدية فيتجاهل دعاته من زاوية قراءتهم للقرار تحريراً للقدرة الأميركية من خطر العمليات الانتقامية، أن أصعب نقاط الضعف الأميركية في أي مواجهة مع إيران هي المصالح والقوات الأميركية في الخليج، أما أصحاب التحليل القائم على تحذير روسيا عبر الانسحاب من مغبة إغراقها في مستنقع استنزاف في سورية، فيتجاهلون أن أربع سنوات مضت كانت عنوان هذه الحرب، من ولادة داعش إلى حسم الغوطة، وأن الرد الروسي على الخيار الأميركي كان في الميدان ووصل حدّ التهديد بالردّ على حرب صواريخ بحرب مثلها، وما هي أدوات الاستنزاف ما لم تكن داعش والنصرة وجيش الإسلام وفيلق الرحمن، وأين هي الآن وماذا حلّ بها؟القرار الأميركي جدّي، وهو إعلان نهاية المهمة في سورية. المهمة التي كان يقرر مدة استمرارها ما هو أهم من كذبة قتال داعش، وأهم من التحقق من طبيعة التسوية في سورية. وهو بالتحديد مصير السيطرة على الغوطة بواسطة حلفاء لواشنطن تديرهم السعودية والإمارات وقطر وتركيا و«إسرائيل». والغوطة هنا هي الجزيرة الأميركية الواقعة على كتف دمشق، والمستعصية على الجيش السوري خلال سنوات، والمحتوية لنصف مليون مواطن وخمسين ألف مسلح، والمزوّدة بشبكة أنفاق تحصنها ضد خطر القصف البري والجوي، وتجعل أغلب ضحاياه من المدنيين. وهو ما يسهل تحويله لحملات دبلوماسية وإعلامية ضاغطة، وربما تزخيمه بضربة كيميائية مفبركة لتوجيه ضربات عسكرية توقف أي حملة عسكرية. والرهان كان على صمود الغوطة بوجه أي حملة عسكرية لشهور بدليل صمود حي جوبر وحده لسنوات، وبقاء الغوطة محمية يعني بقاء الأمل بغزو دمشق ذات يوم وشلّ الحركة فيها كل يوم، وبقاء الأمل بتقسيم سورية عبر ربط الغوطة بقاعدة التنف وبينهما بادية لا سكان ولا مدن ولا قرى فيها، فتنشطر سورية إلى شطرين شمالي يضمّ حمص والساحل وحماة وحلب، وجنوبي يضم دمشق ودرعا والقنيطرة والسويداء، وعبر البادية تحاصر الغوطة المحاصرة دمشق بمربع الغوطة القلمون الشرقي التنف درعا، ومثلث الغوطة القلمون الغربي القنيطرة درعا، ومع حسم الغوطة رغم كل ما بذل لحمايتها، تسقط آخر القلاع ومعها آخر الآمال. يقرأ الأميركيون معنى العملية التي استهدفتهم شرق سورية ومقتل إثنين من جنودهم بعبوة ناسفة، ويعلمون أنه بعد الغوطة سيصير استرداد باقي الجغرافيا السورية حاضراً بقوة على جدول أعمال الدولة السورية ومؤيديها، وأنه حتى لو كانت هذه العملية من فعل جهة لا تتصل بمشروع الدولة السورية، فإن مثلها آتٍ ضمن مقاومة أعلن عن تأسيسها في شرق سورية، ولواشنطن خبرة مع مثيلاتها في لبنان والعراق، ولا تحتاج انتظار الانسحاب الذليل لتعرف كيف تتصرّف، وقد انتهت المهمة وسقط المشروع. أليس لافتاً أن يتحدث إبن سلمان في تصريح واحد عن تمني تأجيل قرار الانسحاب الأميركي، والتسليم ببقاء الرئيس السوري، ليتوضح المشهد، أنه انسحاب لأن المشروع قد فشل، والمشروع هو إسقاط الرئيس السوري
--------------------------------------------
محمد كاظم خضير
في 14 كانون الثاني/ يناير 2018، أعلن
التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة أنه يعمل، مع فصائل سورية حليفة له، على تشكيل قوة عسكرية في سورية قوامها 30 ألف مقاتل، أكثر من نصفهم من الأكراد، من ميليشيات (قوات سورية الديمقراطية- قسد)، لتنتشر على طول الشريط الحدودي مع تركيا شمالًا، وعلى الحدود العراقية إلى الجهة الشرقية الجنوبية وبموازاة نهر الفرات، وأشار إلى أن عملية تطويع وتجنيد النصف الآخر قائمة على قدم وساق.
بعد ثلاثة أيام، وتحديدًا في 17 كانون الثاني/ يناير 2018، أدلى وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، بتصريح جاء في منزلة إعلان واضح ومباشر للاستراتيجية الأميركية فيما يخص سورية والمنطقة خلال المرحلة المقبلة، وطرح جملة من القضايا التي لم تكن الولايات المتحدة قد أعلنت موقفًا صريحًا منها في أي وقت سابق، وغيّرت هذه التصريحات والمواقف توقعات ما سيحمله عام 2018 لسورية خصوصًا ولمنطقة الشرق الأوسط عمومًا.
في معرض تصريحاته، قال تيلرسون إن القوات الأميركية ستبقى في سورية لمواجهة (داعش) ونظام الأسد وإيران، وأنها لن ترتكب “خطأ 2011 العراقي”، حين خرجت من العراق فاسحة المجال للهيمنة الإيرانية وتوسّع تنظيم القاعدة، واعتبر ذلك “مصلحة وطنية”. وتُعدّ هذه أول مرة تُصرّح فيها واشنطن بأن هناك مصالح أميركية كبرى في سورية وأنها مستعدة للدفاع عنها.
وتحدث أيضًا عن قوات لبلاده قوامها ألفا مستشار عسكري، ستبقى في الأراضي السورية شرقي الفرات، إلى أن يختار السوريون حكومة جديدة تحوز على صدقية دولية، وقال إن “الانسحاب التام” للأميركيين من سورية في هذه المرحلة “سيساعد الأسد على مواصلة تعذيب شعبه”.
كذلك اعتبر الوزير الأميركي في خطابه عن السياسة الأميركية حيال الأزمة السورية الذي ألقاه في جامعة (ستانفورد) بولاية كاليفورنيا، أن “رحيل الأسد” في إطار عملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة “سيخلق الظروف لسلام دائم”، وعلى الرغم من أنه لم يقل إن الولايات المتحدة ستطيحه، إلا أنه شدد على أن انتخابات حرة وشفافة بمشاركة جميع الذين فروا من النزاع السوري ستؤدي تلقائيًا إلى رحيله وعائلته من السلطة نهائيًا، بعد أن اتهمه بتحويل سورية إلى دولة تابعة لإيران. كما شدّد على أنه “لن يُسمح لإيران بالاقتراب من هدفها الكبير وهو السيطرة على المنطقة”.
أتت كلمة تيلرسون في إثر ضغوط من الكونغرس على إدارة ترامب، لتوضيح أبعاد استراتيجيتها السورية، فأصبح هذا الخطاب أول وثيقة رسمية عن السياسة الأميركية. وتبدو تصريحات تيلرسون تحولًا في الاستراتيجية الأميركية في سورية، وهي تستند أساسًا إلى خمسة أسس- وفق رأس الدبلوماسية الأميركية- هي أولًا قرار الولايات المتحدة بالبقاء في سورية عسكريًا للقضاء على (داعش) والجماعات المتطرفة الأخرى، وثانيًا الرفض الكامل للوجود الإيراني على كامل الأرض السورية، وثالثًا تحقيق انتقال سياسي حقيقي وكامل يذهب بموجبه رأس النظام السوري وعائلته، ورابعًا عدم امتلاك سورية مستقبلًا لأسلحة دمار شامل، وأخيرًا عودة النازحين إلى سورية بشكل طوعي وآمن.
لا يخلو الإعلان الأميركي عن السياسة الجديدة في سورية من الرسائل المتداخلة إلى كل الحلفاء والأصدقاء والأعداء والخصوم، وهي في حدها الأدنى ثلاث، الأولى لروسيا، تُخبرها فيها بشكل لا لبس فيه أنها ليست سيدة الساحة السورية على الرغم من وجودها العسكري الكثيف على الأرض، وليست صاحبة القرار الفصل، والثانية لإيران، تؤكد من خلالها أن واشنطن ستكون بالمرصاد لنظام الملالي، ولن تسمح له بالهيمنة على سورية بأي شكل، وأخيرًا، رسالة إلى المجتمع الدولي أن يكون حذرًا من أي “تورط” في قضية إعادة الإعمار، التي لن تبدأ في سورية إلا بعد أن يتحقق الانتقال السياسي.
#: واشنطن- ومصير_ الأسد
أوحت تصريحات الوزير الأميركي أن رئيس النظام السوري بشار الأسد صار بضاعة منتهية الصلاحية، وأنها مصدر فوضى، وجسر لإيران نحو المنطقة، وأن الولايات المتحدة ستقضي على الطرفين في نهاية الأمر؛ ثم، وهو الأهم، أنها ربطت بين استمرار الوجود الأميركي في سورية وحماية الأمن الداخلي للولايات المتحدة، وهي معادلة الرئيس الأسبق جورج بوش الابن، الذي أعلن أنه سيحارب الإرهاب في الخارج الأميركي قبل أن ينتقل إلى الداخل، وطُبِّق ذلك عبر غزو أفغانستان عام 2001، ثم غزو العراق عام 2003. لكن هذه المعادلة ألقت موجات جديدة من التنظيمات الإرهابية، على عكس المُنتظر منها، وتسبب (الخطأ) الذي ارتكبته الولايات المتحدة بالخروج من العراق بدخول إيران وسيطرتها عليه سياسة وعسكرة واقتصادًا، وفسح المجال للتفكير بجدّية أكبر لإكمال هلالها الاحتلالي ذي البعد الطائفي، عبر سورية، وصولًا إلى لبنان فالمتوسط، بما في ذلك تحالفها العضوي مع نظام الأسد الابن.
لكن، لا بدّ من الأخذ في الحسبان أن الوزير الأميركي لم يذكر أن على الأسد التنحّي كشرط مسبق لبداية أو نهاية التفاوض، بل اكتفى بالتلميح إلى أن “المرحلة الانتقالية لا يمكنها أن تكون ناجحة من دون رحيله”، وهذا بالنسبة إلى السوريين كلام فضفاض خبروه قبل ذلك، ثم إنه دعا المعارضة السورية إلى “الصبر في هذه المسألة التي ستحصل من خلال عملية تدريجية للإصلاح الدستوري”، ما يوحي أن واشنطن، بدورها، ليست في عجلة من أمرها لإيجاد حل يُنهي المقتلة السورية، وهذا يدعو إلى التشكيك بالاستراتيجية الأميركية المعلنة، وعدّها “صوتية” لا “فعلية”.
كثيرًا ما وضعت الولايات المتحدة نسبة كبيرة من السوريين في حيرة من أمرها بشأن موقفها من مصير الأسد؛ فهي، ومنذ السنة الأولى للثورة تؤكد أنه لم يعد يصلح لحكم سورية، وأن لا مكان له في مستقبل سورية، واتهمته بأنه مجرم حرب ارتكب جرائم ضد الإنسانية، إلا أنها تُردف دائمًا بأن السوريين هم من يجب أن يقرروا بأنفسهم هل سيبقى الأسد في منصبه أم لا، وأن هذا الأمر لا تقرره الولايات المتحدة. وعمليًا تركت السوريين عراة أمام الأسد وحلفائه من إيرانيين وروس، ولم تُقدّم للمعارضة السورية العسكرية أي دعم تسليحي كانت في حاجة إليه، ولم تدعم كذلك المعارضة السياسية بالشكل الملائم، وتركت الأمر رهن الروس الذين تبنّوا سياسة تتمسك إلى أبعد حد ببقاء الأسد ونظامه في السلطة في سورية على الرغم من كل الجرائم التي ارتكبها ضد الإنسانية.
لم تصل الولايات المتحدة إلى مرحلة الخطر المباشر على الأسد إلا مرة واحدة في عام 2013 عندما استعدت لضربه عسكريًا حين استخدم الأسلحة الكيماوية في الغوطة الشرقية، وقتل في يوم واحد ألفًا وخمسمئة مدني سوري بأسلحته الكيماوية المحرمة دوليًا، حيث انتهك الخطوط الحمراء التي وضعها الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، وذهب، في حينه، إلى الكونغرس باحثًا عن الموافقة على ضرب النظام السوري ولم يحصل عليها، إلى أن تدخلت روسيا عارضة ضمانتها بأن الأسد سيسلم الـ 1300 طن من الأسلحة الكيماوية، وهي كل ما يملكه منها. ومنذ تلك اللحظة بدا أن أوباما قد سلّم مفاتيح الملف السوري إلى نظيره الروسي فلاديمير بوتين.
راقبت واشنطن من بعيد ما يمكن لروسيا أن تفعله ضمن سياق لا يؤذي المصالح الأميركية، وظنّت روسيا أن الساحة خلت لها، وسعت للاستفراد بالساحة السورية، وتبنّت الأسد إلى أقصى حد، ما جعلها غير قادرة على التوصل إلى حل يُرضي الأطراف، وعلى رأسها الولايات المتحدة. وربما كانت الاستراتيجية الأميركية الجديدة عودة أميركية مكثفة لوضع حد للتفويض الروسي.
هذه الثنائية الأميركية، التي ترى أن لا مستقبل للأسد في سورية، ولا تُقدّم شيئًا لتسهيل انتزاعه، أربكت التوازن في سورية. فالأسد الذي اطمأن إلى أن الولايات المتحدة ليست معنية بتنحيته عن السلطة تمادى في استخدام العنف ورفع من سويّته، ومنحته هذه الثنائية الاطمئنان، لأنه فهمها على أنها ضوء أخضر أميركي للتصرف كما يريد، من دون الخوف من عواقب العصا الأميركية الغليظة، وسمحت للروس بتبنّي الأسد باطمئنان.
لم تخرج الاستراتيجية الأميركية الجديدة المُعلنة عن هذه الثنائية؛ فالولايات المتحدة ما زالت “تعتقد” أن رحيل الأسد سيأتي بالسلام إلى سورية، وأن انتخابات حرة وشفافة في سورية ستؤدي تلقائيًا إلى رحيله عن السلطة، أي جددت تأكيدها بأن مصيره لا يعنيها مباشرة، وأن الأمر بيد السوريين. وهذا الأمر قد يدعو إلى التشكيك بجدّية الاستراتيجية الأميركية، فجميع دول “أصدقاء الشعب السوري” المعارضة للنظام السوري، تُدرك أن مصير الأسد هو العقدة الكأداء التي تمنع الوصول إلى حل سياسي في الوقت الراهن.
# تركيا _البعيدة_ القريبة
لم تُعجب الاستراتيجية الأميركية الجديدة الحليف السابق تركيا؛ فقد رأت تركيا أن الولايات المتحدة تسعى لتشكيل “جيش إرهابي” بمحاذاة الحدود التركية- السورية، سيلحق ضررًا لا يمكن إصلاحه في علاقات تركيا مع الولايات المتحدة، على اعتبار أن نواة القوة العسكرية التي تنوي الولايات المتحدة تشكيلها هي من حزب (الاتحاد الديمقراطي)، الذراع السوري لـ (حزب العمال الكردستاني) الذي تصنفه تركيا منظمة إرهابية.
لكن الولايات المتحدة استطاعت بسرعة الالتفاف على الموقف التركي وامتصاصه، وإبعاد المخاوف التركية، خاصة حين أعطت تركيا ضوءًا أخضر لتنفيذ هجومها على مدينة عفرين السورية، أكبر معقل للميليشيات الكردية شمال غربي سورية، وغضّت الطرف عن الهجوم التركي على الرغم من التحالف الوثيق بين الولايات المتحدة وهذه الميليشيات.
كذلك هدّأت الولايات المتحدة من روع تركيا حين صرّح الوزير تيلرسون بأن فكرة تشكيل قوة حدودية من 30 ألف مقاتل “أسيء طرحها وأسيء تفسيرها وكانت غير دقيقة”، كما سارعت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) لنفي ما أُعلن، موضحة أن قوات الأمن المحلية التي تقوم واشنطن بتدريبها “لا تمثل جيشًا جديدًا، أو قوات حرس حدود تقليدية، بل الهدف منها تعزيز أمن وسلامة اللاجئين ومنع عودة تنظيم الدولة الإسلامية”. هذا “الغزل” الأميركي يوحي بأن التحالف القديم بين البلدين- الولايات المتحدة وتركيا- يمكن أن يعود بشكل سريع إلى سابق عهده، وإن حصل، سيكون بالطبع على حساب تراجع العلاقة التركية- الروسية.
يشكو الجانب التركي من دعم الولايات المتحدة المستمر للميليشيات الكردية، وهذا الدعم الأميركي العسكري أزّم العلاقات بين واشنطن وأنقرة، الحليفة في منظمة حلف شمالي الأطلسي، ولم تنفع تصريحات الأميركيين المتكررة بأن هذا الدعم ضد (داعش) فحسب وليس ضد تركيا، ولن يكون دعمًا سياسيًا للحزب الكردي الذي يُشرف على الميليشيات الكردية المتحالفة مع الأميركيين، ذلك لأن (حزب الاتحاد الديمقراطي)، وفق التصنيف التركي، هو امتداد لحزب العمال الكردي المناوئ لها، وسيكون الحكم الذاتي الذي يخطط له الأكراد في شمالي سورية خطرًا على الأمن القومي التركي من وجهة النظر التركية.
لا يكفي هذا “الغزل” لإعادة المياه إلى مجاريها بين الولايات المتحدة وتركيا، بحكم أن التباين الاستراتيجي كبير في سورية بين واشنطن وأنقرة، فضلًا عن صعوبة تفكيك العلاقة الروسية- التركية استنادًا إلى موقف أميركي واحد قد لا يتكرر؛ فأنقرة يُغضبها بشدة كل ما هو مرتبط بــ (حزب العمال الكردستاني)، وتعتبره مصدر الخطر الأول ضد الدولة، ولا ينفع -على ما يبدو- مع القلق التركي إلا فك الارتباط كليًا بين الامتداد السوري لـ (حزب العمال الكردستاني) والولايات المتحدة، وهذا ما لم تقم به الأخيرة، ومن المستبعد أن تقوم به في المدى المنظور، كون هذا الامتداد هو ركيزتها الأساسية في سورية.
في مطلع شهر كانون الثاني/ يناير 2018، أعرب الأتراك عن قلقهم من أنباء تحدثت عن إمكانية امتلاك الأكراد صواريخ أميركية الصنع مضادة للطائرات، وإن صحّ ذلك، فإن الخطوة الأميركية ستدفع تركيا لإغلاق الباب أمام الاستراتيجية الأميركية الجديدة، ولن توافق على المشاركة فيها ضمن الوضع الراهن.
الأمر الآخر، هو أن الولايات المتحدة تنظر إلى العلاقات التركية- الروسية بمنظور الخشية العالية، لأن هذه العلاقة بدأت تتجاوز حدود التعاون والتنسيق التكتيكي، إلى مستوى التحالف الاستراتيجي، وهذا يعاكس الرغبات الأميركية، التي تعتبر روسيا دولة منافسة في إطار استراتيجيتها الكونية الجديدة، وهذا قد يُسرّع تحريك الولايات المتحدة لاستراتيجيتها الجديدة بشكل أسرع وأكثر فاعلية على الصعيد السياسي والعسكري.
.
# روسيا: المناكفة_ أو _التقاسم
الأمر غير المُعلن في الاستراتيجية الأميركية الجديدة هو وضع حدٍّ لاستفراد روسيا بسورية، وتحجيم دورها، وتحديد سقف مستقبلها، وهو أمر لا بدّ من أن يكون استراتيجيًا بالنسبة إلى الولايات المتحدة التي فقدت الساحة العراقية خلال السنوات الماضية.
خلال السنتين الأخيرتين، عملت روسيا على استراتيجية لحرف الحل السياسي المتفق عليه عام 2012 في مؤتمر جنيف الأول، وابتدعت لذلك سلسلة اجتماعات موسكو، ثم سلسلة اجتماعات أستانا، وأخيرًا مؤتمر سوتشي، بهدف خلق مرجعيات سياسية للحل بديلة عن مرجعية مؤتمرات جنيف وبيان جنيف1 الذي توافقت عليه الدول الكبرى، ويقضي بتشكيل هيئة حاكمة انتقالية ذات صلاحيات تنفيذية كاملة، ما يعني حُكمًا إنهاء حكم نظام الأسد؛ كذلك صنّعت منصّة ملتبسة ألصقتها بالمعارضة السورية، بهدف تذويبها واختراقها، وهو ما حصل في مؤتمر الرياض2، حيث جرى ضم منصة موسكو إلى الوفد التفاوضي التابع للمعارضة السورية.
بات من الواضح أن الولايات المتحدة فوّضت طوال سنتين روسيا بإدارة الصراع في سورية وعليها، ضمن أسس لا تُهمّش الولايات المتحدة، وتأخذ في الحسبان أمن “إسرائيل”، وتضمن بقاء توازن القوى لحين إنضاج حل سياسي يلائم الأطراف الدولية والإقليمية؛ وتركت هندسة مشاريع الحل السياسي لروسيا، التي لم تنجح في هذه المهمة لثلاثة أسباب: الأول، أنها تمادت في ترجيح كفة النظام السوري على حساب المعارضة التي مارست ضدها حربًا ضروسًا بدأتها في حلب وما زالت مستمرة فيها حتى الآن، وقررت الرهان على الأسد ونظامه؛ والثاني، الغرور الذي أصابها وجعلها مقتنعة بأنها الآمر الناهي في الشرق الأوسط؛ والثالث، عدم تقديرها لخطورة الدور الذي تؤديه إيران، ومن ثمّ، فشلها (أو عدم رغبتها) في تحجيم الدور الإيراني إلى المستوى المتدني الذي تريده الولايات المتحدة، خاصة أن وجود إيران العسكري البري في سورية هو الضامن لتثبيت الأهداف الإيرانية فيها، وفشلها أيضًا في قطع “كوريدور” طهران- لبنان، وحتى فشلها في تثبيت اتفاق “وقف التصعيد” الذي تبنّته بسبب خروقات إيران والنظام السوري له.
توجّه الاستراتيجية الأميركية الجديدة رسالة مزدوجة إلى روسيا: أولًا، أن سقف النفوذ الروسي محدود في سورية وليس مطلقًا، وأن على روسيا العودة إلى قواعد اللعبة وأصولها بين الكبار، عسكريًا وسياسيًا، بعد أن قاد عدم الاكتراث الأميركي خلال سنوات روسيا إلى التمادي والخروج على أصول اللعبة؛ وثانيًا، أن لا حل في سورية إلا عبر المسار التفاوضي في جنيف، أي وفق المعايير الأممية التي رسمها مجلس الأمن الدولي في بيان جنيف1 وفي القرار الأممي 2254، وأن سلسلة اجتماعات “أستانا” ومؤتمر “سوتشي” ليسا الحل، وكل ما يصدر عنهما هو هامشي مهما حاولت روسيا التمادي والتشبث بهذين المسارين.
ليس صعبًا على أي مراقب أن يُدرك أن تحقيق الاستراتيجية الأميركية الجديدة ليس بالأمر السهل أو البسيط، وهي تحتاج إلى تحديد المسارات والأزمنة والأفعال.
تحتاج الاستراتيجية الأميركية الجديدة- إن كان ما أعلنه تيلرسون والبنتاغون جدّيًا- إلى خطط استراتيجية وخطوات عملية في غاية التعقيد، وتحتاج إلى مجموعة من المقدمات التي يجب أن تُفرض على الأطراف كمدخل، وتمهّد لإمكانية تحقيق هذه الأهداف الاستراتيجية المرتقبة. كما أنها تحتاج إلى المزيد من التوضيح بشأن كيفية فرض واشنطن العملية السياسية على نظام الأسد ليقبل بتسوية سياسية تؤدي إلى توفير مناخ آمن ومحايد يؤدي إلى انتقال سياسي من خلال انتخابات حرة ونزيهة. وفي الغالب، لن تُقدّم الولايات المتحدة توضيحات إضافية حول ذلك كله.
يطرح كلام ترامب تساؤلات أكثر مما يقدّم أجوبة، ويحمل في طيّاته انعكاسًا للسياسة الأميركية الغامضة والمترددة في سورية، والتي سادت خلال السنوات السبع الماضية، ولم تُسفر عن أي تغيير في موازين القوى، ولم تمنح الفرصة لأي حل سياسي أو عسكري بالتقدّم، كما يعكس الرغبة الأميركية في عدم التورط العسكري في سورية، واستمرار الرهان على توريط الأطراف الأخرى، والمراهنة على إدارة التوازنات الإقليمية والدولية من دون حسمها بالقوة أو الضغط المباشر.
يمكن أن يُنظر إلى التصريحات الأميركية الأخيرة على أنها اندفاعة قوية في لحظة مهمة، لحظة تلاشي (تنظيم الدولة الإسلامية)، واستعداد موسكو لعقد مؤتمر سوتشي و “إعلان النصر” السياسي، وأنها جاءت لتحدّ من الطموح الروسي؛ وسيتبعها بطبيعة الحال مواقف دولية وإقليمية كانت قد يئست من أن يكون لأميركا أي دور في إيجاد حل أو مخرج للكارثة التي تعصف بالسوريين، وقرار أميركي بإعادة التوازن السياسي في الميدان السوري بعد انكفاء دام نحو سبع سنوات.
كذلك، يمكن أن يُنظر إلى التصريحات الأميركية على أنها مجرد “بروباغندا” أميركية؛ فقد سبق للولايات المتحدة قبل ستّ سنوات أن أعلنت أن الأسد غير شرعي، وأنه لا يمكن أن يستمر في حكم سورية، وأن إيران مصدر الإرهاب في المنطقة، لكنها لم تسر خطوة في اتجاه تأكيد جديتها، وصمتت عن الممارسات الروسية الداعمة له ولإيران، وأظهرت عدم اكتراث وهي تراقب السوريين يموتون بمئات الألوف، ورفضت تسليح المعارضة السورية العسكرية، بل وعاقبتها في بعض الحالات، وهي في ادعائها استراتيجية جديدة تعيد الأسطوانة نفسها من دون أن تحمل هذه الأسطوانة شيئًا مختلفًا عن السنوات السابقة.
جاء إعلان الاستراتيجية الأميركية الجديدة، على المستوى السياسي، بعد أيام من اجتماع خماسي استضافته العاصمة الأميركية ضمّ مندوبي فرنسا وبريطانيا والمملكة العربية السعودية والأردن، وهي مجموعة إقليمية دولية وازنة، تهدف إلى الموازنة مع التحرك الروسي على مسار (أستانا)، ولتكون عنصرًا مقابلًا للمجموعة الثلاثية (روسيا- إيران- وتركيا)، وما يميزها ويعطيها أفضلية وجود دولتين عربيتين فيها، يمكن أن تلعبا دورًا مهمًا في تعزيز مسار جنيف.
من البديهي أن الولايات المتحدة تمتلك القدرات اللازمة لوضع استراتيجيتها موضع التنفيذ؛ فقد أهّلت نفسها عسكريًا في سورية لذلك، وأنشأت ثماني قواعد عسكرية، في الشرق، والشمال الشرقي، وفي الجنوب، ورصدت نحو 500 مليون دولار لدعم هذه التوجهات، وهي تمتلك القوة السياسية والدبلوماسية بوصفها قوة عظمى، وربما لا ينقصها سوى القرار والإرادة، والرغبة الحقيقة في إنهاء المأساة السورية بعد سبع سنوات من اللامبالاة.
بالنسبة إلى المعارضة السورية، ليس واضحًا بعد طبيعة السياسة الأميركية الجديدة تجاهها، وتبقى ضمن مسار التخمينات والترجيحات، خاصة أن لدى المعارضة تجربة غير مُشجّعة مع الولايات المتحدة، اتسمت من جهة الأخيرة، طوال سبع سنوات، بالتردد والغموض وعدم الحسم، والتصاريح الفضفاضة غير الجازمة، إلى جانب النظر إلى القضية السورية من منظور المصالح الأميركية فحسب، بعيدًا عن كل القيم المعلنة، وعن مصالح السوريين. ويبدو أن حذر المعارضة السورية سيستمر طالما ظلت استراتيجية الولايات المتحدة في مستوى التصريحات الإعلامية.
معلنا عن خطوة متوقعة – بحسب المعطيات الميدانية على الساحتين السورية والعالمية - وليست مفاجئة كما سوق البعض.هذه الخطوة هي عزم بلاده مغادرة قواتها الأرض السورية، بحجة تنفيذ المهمة التي أوجدت لأجلها، وهي على حد قوله: "التخلص من داعش ، والعودة إلى المنزل"، حيث سيوكل الأمر بعد رحيلهم حسب زعمه "لشركائهم الآخرين"، مضيفا: "نحن لسنا هناك لأي سبب آخر، ولقد حققنا هدفنا إلى حد كبير".خطوة الانسحاب بحد ذاتها خطوة حمالة أوجه، كيف إذ تصدر عن شخصية مثل ترامب! الذي لا يعترف إلا بلغة الأرقام (الربح والخسارة)، وعن إدارة مثل الإدارة الأمريكية طالما عرفت بسياسة اللعب (تحت وفوق) الطاولة بآن واحد، وما يتحقق يكون الخيار الصحيح، وليس كما قال سابقا ونستون تشرشل: "إن واشنطن تجرب كل الخيارات الخاطئة، قبل أن تتخذ القرار الصحيح"!حقيقة في خطاب ترامب يوجد ما يستحق التوقف عنده وإثارته، أكثر من هذه الخطوة ذاتها، يظهر ذلك بقوله: "لقد حققنا هدفنا إلى حد كبير."حيث يتبادر إلى الذهن مباشرة سؤال مفاده: ما هو الهدف الذي جاءت أمريكا لتحقيقه في الشرق الأوسط - عبر الساحة السورية – وأنجزته على حد زعمه "لحد كبير"، وحان الوقت للانسحاب؟للإجابة عن هذا التساؤل، علينا أن نستعرض حزمة من الأهداف، التي من المفترض أن تكون وراء مجيء أمريكا إلى سورية، والتي وجدت أنها حققت إحداها أو جميعها كهدف رئيس، وهي:أولا- إذا كان أحد هذه الأهداف زيادة فرص الحماية لإسرائيل بشكل مباشر، من خلال إضعاف العامود الفقري لمحور المقاومة سورية، وتدمير الدولة ومؤسساتها وعلى رأسها العسكرية منها، على اعتبار أنه ليس من مصلحتها وجود دولة بجيش قوي، على الحدود المتاخمة لقاعدتها الكبرى في الشرق الأوسط إسرائيل، فهذا الأمر قد سقط فعلا مع إسقاط طائرة F16 فوق الأراضي المحتلة فبراير الماضي، والمطالبة الإسرائيلية لعودة قوات الإندوف إلى خطوط فصل القوات تندرج في هذا السياق.ثانيا – إذا كان الهدف هو حصر إيران، تمهيدا لعزلها ضمن حدودها الجغرافية، وقطع الطريق نحو مزيد من التعاظم والقوة في تحالفها الاستراتيجي القائم مع سورية، فالواقع ينبئ بغير ذلك، حيث أن إيران أصبحت اليوم أكثر تفوقا وتمددا وتأثيرا على المستوى الإقليمي- الدولي، وبقدرات ذاتية، وتحالفات راسخة، تفرض شروطها بسيادية مطلقة، الاتفاق النووي مثالا حيا على ذلك.ثالثا – في حال كان الهدف ضرب الإسلام "الشامي" الصحيح، وصولا لإلغائه، وخلق كيانات "إسلاموية أخوانيه" أو انفصالية، تناسب سياساتهم وتخدم مصالحهم وتحمي إسرائيلياتهم - القديمة منها والجديدة -، فهذا الأمر سقط لغير رجعة، عبر ضرب تنظيم داعش – القوة الضاربة – بين معظم الجماعات الإرهابية، التي تتلطى خلف عباءة الدين الإسلامي حتى – المعتدلة – منها، ودحره في كل من سورية والعراق نهائيا.رابعا- وفي حال كان الهدف السيطرة على المقدرات السورية النفطية والغازية، قليلها المكتشف وكثيرها الغير مكتشف - ما يفسر ربما انتشار قواعدها في مناطق الشرق السوري – ومحاولاتها المستمرة السيطرة على المناطق الساحلية السورية شرق المتوسط عبر أدواتها، فإن هذا أيضا سقط بعضه، وبعضه الآخر بحكم الساقط، لسبب أن القيادة السورية تعتبر هذا الوجود احتلال، ومن حقها مقاومته بجميع السبل المتاحة.من خلال عرض هذه الحزمة الأساسية والإستراتيجية من الأهداف - المعلن والغير معلن منها –، والتي تظهر دوافع الفعل الأمريكي المستمر في سورية، يتضح أن أمريكا حققت التالي فقط:الأول: عملت على الدفع لتدمير الدولة السورية، وبناها التحتية، ومؤسساتها الوطنية، تحت شعار "صداقة" الشعب السوري، تشهد على ذلك حالة الدمار التي تعيشها مدينة الرقة السورية، نتيجة قصف طائرات التحالف الدولي لها، والذي جاء بذريعة أساسية هي القضاء على داعش، وليس القضاء على مدينة بأكملها كما حصل! الثاني: كانت السبب الرئيس والمباشر، بتسريع تشكيل قوى مقاومة شعبية سورية، مساندة للجيش السوري في محاربة الإرهاب وداعميه، ومجابهة كل وجود غير شرعي على الأرض السورية بدءا بالوجود الأمريكي نفسه، وصولا للوجود التركي، وختاما بالوجود الإسرائيلي في الجولان المحتل، الذي ربما بعد اليوم لن ينفعه عودة الإندوف أو غيرها، فالجولان بالنسبة للقيادة السورية جبهة محورية ومفتوحة، وحينها يبدو ليس ببعيد، بحسب البيانات السورية الدبلوماسية والعسكرية. من الواضح أن معركة الغوطة الشرقية شكلت القشة التي قصمت ظهر البعير الأمريكي وحلفائه وملياراته التي ذهبت مع الرياح، فمثلت الإعلان النهائي عن رسم الخارطة السياسية العالمية الجديدة، كما قال الرئيس بشار الأسد خلال زيارته الأخيرة للقوات العسكرية العاملة فيها.ترامب فهم هذا جيدا، حيث أشار في خطابه إلى أن الولايات المتحدة في حاجة إلى "الدفاع عن حدودها، وإعادة بناء البنية التحتية المتهالكة". فلا خيارات اليوم أمامه مع هذا الواقع الجديد...ما فات تشرشل في إشارة لقوله أعلاه، أن العالم يتغير بحسب تغير موازين القوى، ولا يدوم على حال، وعالم اليوم مختلف وجديد، وما كان صحيح بنظر أمريكا أمس، هو خاطئ اليوم ومرفوض من المحور المقاوم والمناهض لهيمنتها ولأهدافها خارج حدودها الجغرافية.بالمحصلة يبدو أن الحصاد الأمريكي بين إستراتجية البقاء والرحيل في سورية كان الانسحاب، وإخلاء الساحة، والاعتراف بالتوازن الدولي الحاصل، الذي فرضه الصمود السوري الأسطوري، والثبات الإيراني، وقوضته النووية الروسية الزاجرة الصوت وسرعته معا، فالنمر الذي يريد الصيد لا يصدر ضجيجا ...وبعد كل ما ورد أن ترامب إنهاء مهمة ترامب تدمير سورية بتسليم المهمة لتركيا
تتحدّث تحليلات كثيرة عن استراتيجية خطيرة تقف وراء إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قرب الانسحاب من سورية، ويصل أغلبها لنظرية تقوم على نيات أميركية بإلغاء التفاهم النووي مع إيران وربّما توجيه ضربة عسكرية لها، وربط الانسحاب من سورية بجعل القوات الأميركية في العراق وسورية خارج توقّعات الاستهداف من قبل إيران وحلفائها باعتبارها خاصرة رخوة. والبعض يقول إن الربط يأتي من موقع تخيير روسيا بين صفقة تبتعد بموجبها روسيا عن إيران وتنال نصيبها بربح سورية، وإلا فالانسحاب الأميركي هو تهديد بتحويل سورية لمستنقع استنزاف لروسيا. فيما بعض ثالث يعتبر كل الكلام عن الانسحاب بلا قيمة ومجرد نزوة انتخابية أمام ناخبين لم تتحقق لهم وعود الاهتمام بالشؤون الداخلية كما تضمنت الحملات الانتخابية لترامب، فجاء الحديث عن الانسحاب لإرضائهم بوعد العودة نحو الداخل الأميركي.بعد قرار ترامب تجميد الأموال المخصصة للملف السوري وقيمتها مئتا مليون دولار وحديث ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عن تمنيه على الرئيس الأميركي إعادة النظر بقرار الانسحاب القريب من سورية، سقط منطق التهوين من قيمة وجدّية الكلام الرئاسي الأميركي، وإلا فإن عدم جدّيته تجعله حرباً نفسية غبية يشنّها ترامب على حلفائه، أما التفسير الذي يربط القرار الأميركي بخيارات تصعيدية فيتجاهل دعاته من زاوية قراءتهم للقرار تحريراً للقدرة الأميركية من خطر العمليات الانتقامية، أن أصعب نقاط الضعف الأميركية في أي مواجهة مع إيران هي المصالح والقوات الأميركية في الخليج، أما أصحاب التحليل القائم على تحذير روسيا عبر الانسحاب من مغبة إغراقها في مستنقع استنزاف في سورية، فيتجاهلون أن أربع سنوات مضت كانت عنوان هذه الحرب، من ولادة داعش إلى حسم الغوطة، وأن الرد الروسي على الخيار الأميركي كان في الميدان ووصل حدّ التهديد بالردّ على حرب صواريخ بحرب مثلها، وما هي أدوات الاستنزاف ما لم تكن داعش والنصرة وجيش الإسلام وفيلق الرحمن، وأين هي الآن وماذا حلّ بها؟القرار الأميركي جدّي، وهو إعلان نهاية المهمة في سورية. المهمة التي كان يقرر مدة استمرارها ما هو أهم من كذبة قتال داعش، وأهم من التحقق من طبيعة التسوية في سورية. وهو بالتحديد مصير السيطرة على الغوطة بواسطة حلفاء لواشنطن تديرهم السعودية والإمارات وقطر وتركيا و«إسرائيل». والغوطة هنا هي الجزيرة الأميركية الواقعة على كتف دمشق، والمستعصية على الجيش السوري خلال سنوات، والمحتوية لنصف مليون مواطن وخمسين ألف مسلح، والمزوّدة بشبكة أنفاق تحصنها ضد خطر القصف البري والجوي، وتجعل أغلب ضحاياه من المدنيين. وهو ما يسهل تحويله لحملات دبلوماسية وإعلامية ضاغطة، وربما تزخيمه بضربة كيميائية مفبركة لتوجيه ضربات عسكرية توقف أي حملة عسكرية. والرهان كان على صمود الغوطة بوجه أي حملة عسكرية لشهور بدليل صمود حي جوبر وحده لسنوات، وبقاء الغوطة محمية يعني بقاء الأمل بغزو دمشق ذات يوم وشلّ الحركة فيها كل يوم، وبقاء الأمل بتقسيم سورية عبر ربط الغوطة بقاعدة التنف وبينهما بادية لا سكان ولا مدن ولا قرى فيها، فتنشطر سورية إلى شطرين شمالي يضمّ حمص والساحل وحماة وحلب، وجنوبي يضم دمشق ودرعا والقنيطرة والسويداء، وعبر البادية تحاصر الغوطة المحاصرة دمشق بمربع الغوطة القلمون الشرقي التنف درعا، ومثلث الغوطة القلمون الغربي القنيطرة درعا، ومع حسم الغوطة رغم كل ما بذل لحمايتها، تسقط آخر القلاع ومعها آخر الآمال. يقرأ الأميركيون معنى العملية التي استهدفتهم شرق سورية ومقتل إثنين من جنودهم بعبوة ناسفة، ويعلمون أنه بعد الغوطة سيصير استرداد باقي الجغرافيا السورية حاضراً بقوة على جدول أعمال الدولة السورية ومؤيديها، وأنه حتى لو كانت هذه العملية من فعل جهة لا تتصل بمشروع الدولة السورية، فإن مثلها آتٍ ضمن مقاومة أعلن عن تأسيسها في شرق سورية، ولواشنطن خبرة مع مثيلاتها في لبنان والعراق، ولا تحتاج انتظار الانسحاب الذليل لتعرف كيف تتصرّف، وقد انتهت المهمة وسقط المشروع. أليس لافتاً أن يتحدث إبن سلمان في تصريح واحد عن تمني تأجيل قرار الانسحاب الأميركي، والتسليم ببقاء الرئيس السوري، ليتوضح المشهد، أنه انسحاب لأن المشروع قد فشل، والمشروع هو إسقاط الرئيس السوري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق