الأربعاء، 2 مارس 2016

د. أنور غني الموسوي وباسم عبد الكريم الفضلي / النثر وشعريته عند باسم عبد الكريم الفضلي / العراق

د. أنور غني الموسوي وباسم عبد الكريم الفضلي.
· 
النثروشعرية عند باسم عبد الكريم الفضلي
باسم عبد الكريم الفضلي ، صاحب اللغة الحرّة و النص التشكيلي ، و التعبيرية البصرية المجسدة للمعنى و المغزى ، و أحد كتّاب مجلة تجديد المتخصصة بقصيدة النثر السردية ، و سفير السردية التعبيرية الذي ملأ الصحف و المجلات بنصوص ( السردية التعبيرية ) ، حتى انّه استحق بحق لقب ( سفير السردية التعبيرية ) .الذي بنصوصه مع شعراء آخرين قد رسّخوا هذا الشكل من الكتابة بعد أن كان مجهولا و غريبا و غير مألوف ، و فتحوا الباب واسعا لشكل كتابي متميزة لقصيدة النثر .
من المعلوم أنّ باسم الفضلي من أمهر من يكتبون قصيدة النثر الافقية المكتوبة بالفقرات ، و المتخلية عن العامودية و التشطير المعهود ، الا انّه اوجد ايقاعية خاصة معتمدة على التجلي الشكلي و التوظيفات الشكلية في النص مع رمزية عالية و متشظية مفعمة بالحداثة و التجريب . بجانب هذا النص التشكيلي و الحرّ و التجريبي ، كتب باسم الفضلي قصيدة نثر سردية نموذجية ، بجمل و فقرات و بسرد تعبيري نموذجي محققا حالة ( النثروشعرية ) .
النثروشعرية هي حالة الكتابة التي ينبثق فيها الشعر من النثر ، اي ان الشكل شكل نثر ، الا ان الروح روح شعر ، وهذه الحالة هي قمة التضاد و النموذجية التي تسعى نحوها قصيدة النثر ، فبنثر جملي و فقراتي لاايقاعي خال من كل فراغ او تشكيل او تشطير ، بل بالبناء الجملي المتواصل و سرع بنائية و تركيبية نثرية ، كما هو الكلام العادي ، من هذا البناء و النسق و التركيب ينبثق عالم شعري خلفي مواز لتلك النثرية الكاملة.
من الواضحة ان القصيدة الحرة وان كانت مكتوبة بشعر نثري لا يمكنها تحقيق النثروشعرية بسبب الايقاعية و التشطير و كسر البناء المتواصل و ابطاء سرعة التركيب الجملي بالسكتات و الفراغات و التشطيرات . و ما لم تكن هناك كتابة انسايبية غير مفصلة و لا مقطعة و بجمل متواصلة فانه لا يكون هناك نثروشعرية .
من نماذج النثروشعرية الناضجة التي ابدع بها باسم الفضلي قصيدة ( بصقة صفراء )
بصقةٌ صفراااااااااااااااااااء
( سرد تعبيري )
باسم عبد الكريم الفضلي
الهدنةُ تسير بشكلٍ حسَنٍ حتى الآن . سأخرجُ لأبحثَ عن كومةِ عصافير . خروقاتُ الخُطَبِ العصماء لا تلهي قناصي الائتلافات الضوئية عن عَدِّ انفاسِ الازقةِ المؤجَّلّةِ ضحكاتُ طفولتها . تصفيييييييييييييييييييييييق حار للجنائز المتسخة الجلابيب ، يسدُّ عينَ شمس الولاءاتِ المجافيةِ مضاجعَها قسراً ، فقد صادروا وسائدَ الحدودِ الممحية الجبين . سيدون التاريخُ : أنَّ المساميرَ الصُّلبانيةَ الخدمات ، تم تسعيرُها بالعملة الصعبة ، وتباعُ على أرصفةِ المؤتمراتِ الكحيلةِ الطرف . هلموا ..هلموا . ، لم يتبقَ الا … مسمارٌ واحد ، فمن يفوز به ..؟؟ شبق العيونِ البررررررررررريئة الافاق ، لاتشمله الهدنة ، فهو محرم الجلد ، موبوء النشيد ، ممنوع الصدى ، عليه ان يتسلل من تحت الارقام الفلكية لفتاوى الرجم المتفق عليها ، بين فخذي ملائكة الرحمة . الهدنة تمصمصُ شفاهَ الغد الغااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااافي على صدري ...!!
مجلة تجديد 28 فبراير,2016
ــــــــــــــــــــــــــ
انّ افضل تشبيه يمكن ان نشبه به النثروشعرية هي انها نار تحت الرماد ، فما تراه رماد بارد لكن تحته جمر حارق ، و في وصف آخر للاديب القدير فريد غانم انها هادئة الشكل الا ان في باطنها و خلفها اعصار عاصف .
من ملامح و مميزات بل وشروط النثروشعرية هو البناء الجملي المتواصل ، فتكون الكتابة في انسيابيتها و بنائها جملا نثرية عادية و تكون بشكل عبارات و ليس مقاطع او تشطيرات . ففي عبارة 
(الهدنةُ تسير بشكلٍ حسَنٍ حتى الآن . سأخرجُ لأبحثَ عن كومةِ عصافير ) و ايضا نجد بناء جملي متواصل جلي في عبارة :
(سيدون التاريخُ : أنَّ المساميرَ الصُّلبانيةَ الخدمات ، تم تسعيرُها بالعملة الصعبة ، وتباعُ على أرصفةِ المؤتمراتِ الكحيلةِ الطرف ) 
اضافة الى الجملية المتواصلة ففي النص عوامل أخرى تقوية النثرية منها العبارات شديدة النثرية الكاسرة للإيقاع , مثل :-
عبارة ( حتى الآن) فإنها لفظة نثرية بحتة ، و عبارة (سأخرجُ لأبحثَ ) فإنها ايضا تتميز بنثرية قوية . كما انّ عبارة (تم تسعيرُها بالعملة الصعبة ) و عبارة (أرصفةِ المؤتمراتِ ) فيها نثرية و كسر للإيقاع واضح جدا . و عبارات النص كلها نماذج للبناء الجملي المتواصل كما هو ظاهر .
و اضافة الى السردية ، و التخلي عن الايقاعية فان الشكل النثري او الجزء النثري من النثروشعرية قد تحقق بشكل ناضج ، و اما التعبيرات الشكلية و تمثيل الصوت و مدّه ، فانه لا يخل بالنثرية فان النثر ايضا يشتمل على تمثيلي كتابي للصوت فشكل المدّ في (صفراااااااااااااااااااء \ تصفيييييييييييييييييييييييق \ البررررررررررريئة (اي الربيييييييئة)\ الغااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااافي ) لا يخل بنثرية العبارات .
و أما الشعرية اي الجزء الشعري من مركب النثروشعرية فانه يتجلّى بتوظيفات نصية و عناصر اسلوبية . منها:-
اللغة المتموجة و وقعنة الخيال ، اي دمج الخيال في التعبير الواقعي كما في عبارة 
( خروقاتُ الخُطَبِ العصماء لا تلهي قناصي الائتلافات الضوئية عن عَدِّ انفاسِ الازقةِ المؤجَّلّةِ ضحكاتُ طفولتها .) فان صدر العبارة الواقعية الذي ليس فيه الا مجاز قريب و استعارة قريبة فانه ينتهي بانزياح كبير و تصوير خيالي ( انفاسِ الازقةِ المؤجَّلّةِ ضحكاتُ طفولتها ) وهذا الشكل من التركيب هو أحد أدوات ممانعة السرد ، و بجانب الرمزية و الايحائية تتحقق السردية التعبيرية . 
و في عبارة أخرى تتجلى اللغة المتموجة و وقعنة الخيال كما في 
( تصفيييييييييييييييييييييييق حار للجنائز المتسخة الجلابيب ) فاضافة الى عنصر الصدمة في التصفيق للجنائز ، فان واقعية التصفيق الحار و يوميته يصطدم بخيالية ( الجنائز المتسخة الجلابيب )
و من العبارة الاخرى التي تتجلى فيها اللغة المتموجة و وقعنة الخيال عبارة :
( عليه ان يتسلل من تحت الارقام الفلكية لفتاوى الرجم المتفق عليها ) فان صورة التسلل و الايجاب بذلك بلفظ ( عليه ) يصطدم بنظام استعاري في (تحت الارقام الفلكية لفتاوى الرجم )
و من عناصر الشعرية الاخرى هو السرد الممانع للسرد ، و القفز السردي و اللامنطقية و عدم تنامي الحدث و غياب الحكائية و القصصية كلها تحقق السرد الممانع للسرد .
و من عناصر الشعر هنا هو الايحائية ، و تختلف حالها في الشعر السردي و السرد التعبيري عن السرد القصصي الحكائي بانها في الشعر تنطلق من مناطق موحية متشظية و تنتهي الى مناطق ايحائية متشظية ، فتكون الايحائية غاية العبارة و لا تكون موظفة لاجل التوصيل ، وهنا الاختلاف الجوهري بين الايحاء في السرد التعبيري الشعري و السرد القصصي بان الايحاء في الاول هو الغاية و السرد يكون لاجله بينما في القص يكون الايحاء موظفا لأدل القص و التوصيل . 
فعبارات ( سأخرجُ لأبحثَ عن كومةِ عصافير \ انفاسِ الازقةِ المؤجَّلّةِ ضحكاتُ طفولتها \ للجنائز المتسخة الجلابيب ، \ صادروا وسائدَ الحدودِ الممحية الجبين \ عليه ان يتسلل من تحت الارقام الفلكية لفتاوى الرجم المتفق عليها ) وهكذا غيرها ، عبارات شعرية ايحائية تنطلق من مجالات معنوية مختلفة و توحي و تسعى نحو مجالات ايحائية مختلفة ايضا ، وهذا ما يميز الايحائية الشعرية .
و من عناصر الشعر و المحقق للجزء الشعري من النثروشعرية هو الصور الشعرية و الانزياحات المعنوية ، و لقد بينا في مناسبة سابقة ان الصورة الشعرية في الشعر السردي تكون مذابة و قريبة و غير محلقة محققة عذوبة وهنا نجد هذه الحالة كما في :-
( الهدنةُ تسير بشكلٍ حسَنٍ حتى الآن . سأخرجُ لأبحثَ عن كومةِ عصافير . ) فاننا نلاحظ ان الصورة الشعرية (سأخرجُ لأبحثَ عن كومةِ عصافير ) قد قربت و اتسمت بالعذوبة بسبب السرد السابق عليها (الهدنةُ تسير بشكلٍ حسَنٍ حتى الآن ) .
و كذلك صورة (عَدِّ انفاسِ الازقةِ المؤجَّلّةِ ضحكاتُ طفولتها .) فانها قربت بما سبقها من سرد (خروقاتُ الخُطَبِ العصماء لا تلهي قناصي الائتلافات الضوئية )
و كذلك عبارتي ( المؤتمراتِ الكحيلةِ الطرف ) و (المساميرَ الصُّلبانيةَ الخدمات ) فانها لم تحلق و انما بقيت قريبة بسبب السرد المحيط بها ( سيدون التاريخُ : أنَّ ) و ( تم تسعيرُها بالعملة الصعبة) و ( وتباعُ على أرصفةِ.) 
و بهذا النظام و التوظيف تحقق صور شعرية عالية المجازية الا انها عذبة قريبة و غير محلقة .
هذا اضافة الى الرمزية و التوظيفات الرمزية الظاهرة و الى صوت المؤلف و تعبيريته و اعتراضه وهي ظاهر في اكثر من مظهر ( لأبحثَ عن كومةِ عصافير \ خروقاتُ الخُطَبِ العصماء \ قناصي الائتلافات الضوئية \ الازقةِ المؤجَّلّةِ ضحكاتُ طفولتها \ تصفيييييييييييييييييييييييق حار للجنائز المتسخة الجلابيب \ تسعيرُها بالعملة الصعبة \و محرم الجلد ، موبوء النشيد ، ممنوع الصدى \ الارقام الفلكية لفتاوى الرجم )
هكذا تتجلى طاقة اللغة و عبقريتها ، و هكذا ينبثق الشعر الكامل و الناضج و المثالي من النثر الكامل و النموذجي ، فتتحق النثروشعرية النموذجية في لغة باسم عبد الكريم الفضلي ، و تتحقق قصيدة النثر النموذجية بالتضاد المثالي بين النثر الكامل و الشعر الكامل . فكلما تجلى ذلك التضاد و تكامل النثر و تخلى عن الايقاع و تكامل الشعر وتجلّى تكاملت قصيدة النثر و قوي تجليها في النص . 
* من كتابنا القادم ان شاء الله (كتاب قصيدة النثر )

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق