الخميس، 19 مايو 2016

مقالة نقدية بقلم / الاستاذ صالح هشام / الرباط المغرب

مقالة نقدية بقلم الأستاذ صالح هشام
الانزياح وبلاغة الغموض أم لغة الجنون؟؟
وأنا أقرا مناظرة دريدا وميشال فوكو حول ظاهرة الجنون في الأدب وعلاقته بالفلسفة والفكر والعقل ،وما شابه ذلك من تداخل المفاهيم والمصطلحات التي كلما أوغلت في قراءتها كلما بدأت تشعر بأن الصدغ يؤلمك وأن المخ يغلي في تجويفه الدماغي كالمرجل ، فتتأفف وتغلق الكتاب ، وتهيم في نوبة تأمل وتفكير عميق ، في فكرة قالها ديريدا او فوكو او ديكارت ، وتتمعنها جيدا لتموضعها في جغرافية معرفتك المتواضعة ، لا بد وأن ترسخ فكرة ما في ذهنك ، وتخلق لك تيمة لموضوع ما سيراودك على نفسك ويستفزك لتأخذ القلم وتسطر مقالة أو تعليقا إما تحليلا أو تعليقا أو ما يشبه ذلك ، ما أثار انتباهي في هذه المقالة ، هو أن : الجنون يجعلني أعتقد بأن عريي وبؤسي يرتديان ثوبا قرمزيا وهميا،هذه العبارة فيها قمة الانزياح ، فإذا كانت هذه العبارة إذن مؤشرا على جنون الشعر والأدب ، فالشعراء يمارسون لعبة الجنون ، من خلال لغتهم الشعرية ، والاعتماد هنا أساسا يكون على مستوى مبدأ المجاز ( لغة المجاز او مجاز اللغة) ، لأن هذا التفاعل هو الذي يؤدي الى لغة الجنون ،إذا كان معيار الجنون في الأدب بمختلف أجناسه هو ممارسة اللغة المجنونة التي تكسر المنطق النحوي واللغوي المتعارف عليه ، والهروب إلى عوالم غريبة في تركيب الجملة وخلق الصورة التي بمجرد ما تتخيلها من خلال ذلك التوليف اللغوي تتأوه وتغيب عن واقعك ، وتحلق بعيدا عنه ، فاعلم أنك أصبت بعدوى الجنون اللغوي الذي مسك به الشاعر دون أن تدري ، فمهمة الشاعر بطبيعة الحال لأنه الأكثر أهلية لممارسة هذيان اللغة ، هو أن يحلق بك ويرميك في غاهب نشوة الغيبوبة اللغوية ، من خلال تطويعه لهذه الابجدية ، فهو الساحر الذي يلين الألف ، ويجعلك تبتلع (الشين والعين والراء) دون أن تشعر في حلقك باي ألم ، فتتغنى كما يتغنى ،بجمال الكلمة ، وتعبير الصورة ، فمنذ القديم كان البوح ، لكنه كان يختلف من كائن إلى آخر فبوح الحمامة على الأغصان يختلف عن بوح النهر الذي يقطع المنحدرات الصخرية باحثا عن أسباب الراحة ويختلف عن البوح عند الانسان ، الذي عبر عن ذلك الانفجار البركاني من المشاعر ،والأحاسيس من خلال الموسيقى اقتداء بالطبيعة ، وبالرسم وبالكلمة إلاأن الكلمة كانت أرقى وسائل التعبير عن هذه الأحاسيس والمشاعر فكان الشعر، واختلفت براعة الشعراء من شخص إلى اخر ومن جيل إلى آخر واختلفت الرؤى والخلفيات الثقافية ،فكان الاختلاف في هذه الفوضى اللغوية بل كان التباهي بين هؤلاء الشعراء حول الأشعر منهم والاشعر هو الأكثر قدرة على ممارسة الهذيان والتحليق بعيدا عن الواقع ، فقالوا : قال فلان شعرا ما سبق إليه أحد ، وحكموا له بالشعرية ، وكان الرهان على أشده بين الشعراء ، يقول أبو العلاء المعري :
اني وان كنت الأخير زمانه ~~~~~~لآت بما لم تستطعه الأوائل.
فكان الرهان على هذه الممارسة خارجة عن حدود الزمان والمكان ولا تعترف بالماضي او الحاضر او المستقبل ، وفعلا هناك من استطاع أن يتحكم في كل الأزمنة والعصور ، وفي مختلف الأمكنة ، وهؤلاء هم الذين مارسوا لعبة الهذيان والجنون بشكل إبداعي وسكنوا تلافيف الأدمغة وشهد لهم بالعالمية ، فهلا مارستم شعراءنا الشباب لعبة الهذيان والجنون لترتقوا الى مستوى العالمية !! وتخرجوا من حصار المكان والزمان واللحظة الراهنة الاليمة ((فاللغة نوع من الجنون العذب ،فعند الحديث بها يرقص الإنسان فوق جميع اأاشياء )) كما يقول نتشه : هكذا تكلم زرادشت .
بقلم الاستاذ ~صالح هشام
الرباط/ المغرب~الجمعة ٩~١٠~٢٠١٥

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق