ومضة " تشعير" العلامات اللغوية : إحياء موات الكلم /بقلم / شاهين دواجي
- سأتحدث اليوم عن موضوع جمالي طريف يمثل قمة الأبداع والذكاء في دنيا الشعر هذا الموضوع - كما هو واضح - " تشعير" العلامات اللغوية ... أي كيف يمكن لشاعر ما أن يجعل من علامة لغوية ما لفظة تفيض بالشعرية بل وتكون قدوة متبعة في العملية الإبداعية من باقي الشعراء .
- الشعرية الحديثة شعرية" تجريبية " تتحرك وفق هاجسي "التشكيل" و"الهدم " : تفريخ لتجارب شعرية وهدم لأخرى إنها توازي في هذا سرعة المعلوماتية ....
- لنتفق أولا أن بعض العلامات لايمكن أن تصير بأي حال علامات شعرية لأنها لا تحمل ذلك " الأشعاع " الذي نسميه " الجمال" حينا و"مس العاطفة "حينا و"التشويه الوجداني" حينا آخر كل و"غرباله " في حين تظل بعض العلامات تمثل الألهام والشعر مدى العصور ونظل نرددها في حياتنا في كل مستوياتها .... نرددها للحبيبة والوطن والأم والمجتمع والجن و.....ووو.
- لن أطيل .. فأمامي هنا مقطع لدرويش أريدكم أن تشاركوني قراءته :
* ميم :المتيم المتمم ما مضى .....
*حاء: الحقيقة والحبيبة حيرتان وحسرتان....
* ميم : المغامر ... المعد المستعد لموته ...
الموعود منفيا .. مريض المشتهى ..
* واو: الوداع الوردة الوسطى ولاء الولادة أينما وجدت ووعد الوالدين ..
* دال : الدليل دمعة درست ودوري يدللني ويدميني ..
*وهذا الإسم لي ...
- المقطع كما ترون " عبثية " جميلة بسيطة حيث يعمد درويش الى " تشريح " اسمه ( م/ ح / م / و/ د ) "محمود "/ كأنه أحس أن الناس قد أشكل عليهم فهم معناه فأراد أن يطرد الحيرة عن سمائهم ....
- يعمد درويش هنا الى عملية " استنطاق " بوليسية للمتهمين الخمسة ( الحروف المشكلة لإسمه) فيستنطقها واحدا واحدا كما سنرى :
- يقول درويش أنه يملك إسما : "وهذا الإسم لي " ليس من قبيل أسماء البشر حيث يمثل كل حرف فيه حكاية تروى أبد الآبدين .
- الميم / هي حكاية " المتيم " العاشق الفلسطيني الذي حرم من محبوبته فاستعاض عنها بعشق فلسطين وتركها تذرف دمع الهيام ساخنا ... هي حكاية الفلسطيني الذي يحمل رأسه ويحلم أن " يتمم " ما بدأه الأسلاف من لدن صلاح الدين ....
- أما الحاء / فهي حاء" الحقيقة" التي ينشدها ويريدها ويعشقها وهي " الحقيقة التي ينكرها عدوه" صهيون " حقيقة أن الأرض لنا وكفى ....
- نفس "الحاء " هي" حاء" الحبيبة التي حرم منها وحرم أن يكون معها في " الحديقة يتنسم معها نسيم" حيفا" و"نابلس" و"القدس" ....
- وهذه "الحاء " بالمقابل هي الحسرة الأبدية في قلوب أهل القبلة وفي قلوب المقهورين ... ليست حسرة واحدة بل حسرتان وثلاث وأربع .
- عدنا إلى "الميم " التي توشحت بوشاح جديد كأنها طفلة مدللة في كنف والديها ....لكن وشاحها خشن عنيف ليس فيه رقة الوشاح الأول .... فقد طفح الكيل ....
- "الميم " هذه المرة هي "ميم" الفلسطيني الذي " يعشق المغامرة " والمجازفة فلن يخسر شيئا وقد ضاعت القدس ... لهذا " يعد " كفنه " يستقبل موته وستعد له بياسمين في يمناه وغصن زيتون في يسراه ..... ماعساه يفعل وقد كتب عليه أن يعيش منفيا / الموعود منفيا / بعيدا عن زيتون القدس ....وبلابلها ..... مصاب هذا المغامر بمرض لن يشفى منه مرض لا يصاب به إلا من أحب " القدس " مريض المشتهى ..... مريض الحرية ..... مريض فلسطين .
- تستقبلنا "الواو" ... هذه "الواو " هي "واو" "الوداع" الذي وشح به كل منفي فليسطيني أمه .. إنه منديل لم يقدر أن يمسح دموع الأمهات المقدسيات اللواتي عانين الثكل والترمل وكل فجيعة ....
- هذه الواو هي" وردة " أراد العاشق الفلسطيني أن يهديها ألى حبيبته فحين حرم منها استحالت في يده "حجارة" تد ك صهيون و"وسادة" يتوسدها ويرتشف منها معنى أن يكون رجلا ....
- هذه الواو هي "لاء" الولادة " والمنشأ الطيب الذي تعفر بتراب فلسطين فاستحال المجد جار كل مقدسي ....
- هذه "الواو" هي وعد كل مغامر مقدسي " لوالديه " أن يبقى على العهد وأن يهب دمه كي يسقى ياسمين القدس ويكبر ويفوح عطره نقمة على صهيون وبردا وسلاما على أهل القبلة.....
- نرتحل الآن معا حيث "الدال " هي "الدال " التي اختارت أن تكون " دليلا سياحيا" للثور المقدسيين تدلهم على مراتب المجد والشهادة فيتأنقون في ظلالها ...
هذه" الدال "... دمعة كل أم ... وكل مقهور... كل يتيم ... وكل أسير ... ذاق ويل صهيون
- هذه الدال هي طائر الدوري الذي يشدو بألحان الحرية والقدس " فيدلل" أطفال صغارا ... ويدميهم كبارا لأنهم" تورطوا" في مخططه حين صنع منهم رجالا يحرصون على الموت كما يحرص صهيون على الحياة ....
- لاينسى درويش في خاتمة هذا المقطع الجميل أن يؤكد أن هذا الإسم هو" ملكية شخصية " وهو بذلك " يوثق " اسمه و يقطع الطريق على صهيون في مصادرته كما صادر الأرض ... والأملاك و...........
-لا أنسى هنا أن أنوه إلى تكرر كل حرف في السطر المقابل له تكرارا " إيقاعيا " - كما ترون - وهي ظاهرة صوتية لا يستطيع فعل مثلها كما قلت يوما ما وقاله من هو خير مني ....
- أظنني قد أبنت عن بعض ماتكتنفه إشارات هذا النسيج الجميل ...
- ما أردت قوله في ومضتي هذه أننا إزاء عملية" خلق " حقيقي ... فهذه الحروف الخمسة المشكلة للإسم "" م ح م و د "" لاتمثل شيئا يمت بصلة الى الشعر بل لا نشتم منها رائحة الشعر لأنه حروف "لا تمثل معنى في ذاتها " - كما يقول أهل النحو - لكن هذه "الظباء " التي افترست من طرف" نمر " تراكمات العادات اللغوية وجدت "درويش " فبث فيها " الروح " ثم نفخ فيها ثانية لتستحيل وحوشا دلالية تستعصي على "الصيد " .... وحوشا أسطورية أشبه بـ : "تنين " الذي ينفخ ناره على كل من يتوجس منه العداء .
-هذا الذي أريده من الشعراء الأكارم من خلال ومضتي هذه: أن يشعروا ما لا يمت بصلة للشعر أن يشعروا الحياة فالحياة قصيدة جميلة لا يفهمها ولا يعيشها غيرهم .
أخوكم /شاهين
- سأتحدث اليوم عن موضوع جمالي طريف يمثل قمة الأبداع والذكاء في دنيا الشعر هذا الموضوع - كما هو واضح - " تشعير" العلامات اللغوية ... أي كيف يمكن لشاعر ما أن يجعل من علامة لغوية ما لفظة تفيض بالشعرية بل وتكون قدوة متبعة في العملية الإبداعية من باقي الشعراء .
- الشعرية الحديثة شعرية" تجريبية " تتحرك وفق هاجسي "التشكيل" و"الهدم " : تفريخ لتجارب شعرية وهدم لأخرى إنها توازي في هذا سرعة المعلوماتية ....
- لنتفق أولا أن بعض العلامات لايمكن أن تصير بأي حال علامات شعرية لأنها لا تحمل ذلك " الأشعاع " الذي نسميه " الجمال" حينا و"مس العاطفة "حينا و"التشويه الوجداني" حينا آخر كل و"غرباله " في حين تظل بعض العلامات تمثل الألهام والشعر مدى العصور ونظل نرددها في حياتنا في كل مستوياتها .... نرددها للحبيبة والوطن والأم والمجتمع والجن و.....ووو.
- لن أطيل .. فأمامي هنا مقطع لدرويش أريدكم أن تشاركوني قراءته :
* ميم :المتيم المتمم ما مضى .....
*حاء: الحقيقة والحبيبة حيرتان وحسرتان....
* ميم : المغامر ... المعد المستعد لموته ...
الموعود منفيا .. مريض المشتهى ..
* واو: الوداع الوردة الوسطى ولاء الولادة أينما وجدت ووعد الوالدين ..
* دال : الدليل دمعة درست ودوري يدللني ويدميني ..
*وهذا الإسم لي ...
- المقطع كما ترون " عبثية " جميلة بسيطة حيث يعمد درويش الى " تشريح " اسمه ( م/ ح / م / و/ د ) "محمود "/ كأنه أحس أن الناس قد أشكل عليهم فهم معناه فأراد أن يطرد الحيرة عن سمائهم ....
- يعمد درويش هنا الى عملية " استنطاق " بوليسية للمتهمين الخمسة ( الحروف المشكلة لإسمه) فيستنطقها واحدا واحدا كما سنرى :
- يقول درويش أنه يملك إسما : "وهذا الإسم لي " ليس من قبيل أسماء البشر حيث يمثل كل حرف فيه حكاية تروى أبد الآبدين .
- الميم / هي حكاية " المتيم " العاشق الفلسطيني الذي حرم من محبوبته فاستعاض عنها بعشق فلسطين وتركها تذرف دمع الهيام ساخنا ... هي حكاية الفلسطيني الذي يحمل رأسه ويحلم أن " يتمم " ما بدأه الأسلاف من لدن صلاح الدين ....
- أما الحاء / فهي حاء" الحقيقة" التي ينشدها ويريدها ويعشقها وهي " الحقيقة التي ينكرها عدوه" صهيون " حقيقة أن الأرض لنا وكفى ....
- نفس "الحاء " هي" حاء" الحبيبة التي حرم منها وحرم أن يكون معها في " الحديقة يتنسم معها نسيم" حيفا" و"نابلس" و"القدس" ....
- وهذه "الحاء " بالمقابل هي الحسرة الأبدية في قلوب أهل القبلة وفي قلوب المقهورين ... ليست حسرة واحدة بل حسرتان وثلاث وأربع .
- عدنا إلى "الميم " التي توشحت بوشاح جديد كأنها طفلة مدللة في كنف والديها ....لكن وشاحها خشن عنيف ليس فيه رقة الوشاح الأول .... فقد طفح الكيل ....
- "الميم " هذه المرة هي "ميم" الفلسطيني الذي " يعشق المغامرة " والمجازفة فلن يخسر شيئا وقد ضاعت القدس ... لهذا " يعد " كفنه " يستقبل موته وستعد له بياسمين في يمناه وغصن زيتون في يسراه ..... ماعساه يفعل وقد كتب عليه أن يعيش منفيا / الموعود منفيا / بعيدا عن زيتون القدس ....وبلابلها ..... مصاب هذا المغامر بمرض لن يشفى منه مرض لا يصاب به إلا من أحب " القدس " مريض المشتهى ..... مريض الحرية ..... مريض فلسطين .
- تستقبلنا "الواو" ... هذه "الواو " هي "واو" "الوداع" الذي وشح به كل منفي فليسطيني أمه .. إنه منديل لم يقدر أن يمسح دموع الأمهات المقدسيات اللواتي عانين الثكل والترمل وكل فجيعة ....
- هذه الواو هي" وردة " أراد العاشق الفلسطيني أن يهديها ألى حبيبته فحين حرم منها استحالت في يده "حجارة" تد ك صهيون و"وسادة" يتوسدها ويرتشف منها معنى أن يكون رجلا ....
- هذه الواو هي "لاء" الولادة " والمنشأ الطيب الذي تعفر بتراب فلسطين فاستحال المجد جار كل مقدسي ....
- هذه "الواو" هي وعد كل مغامر مقدسي " لوالديه " أن يبقى على العهد وأن يهب دمه كي يسقى ياسمين القدس ويكبر ويفوح عطره نقمة على صهيون وبردا وسلاما على أهل القبلة.....
- نرتحل الآن معا حيث "الدال " هي "الدال " التي اختارت أن تكون " دليلا سياحيا" للثور المقدسيين تدلهم على مراتب المجد والشهادة فيتأنقون في ظلالها ...
هذه" الدال "... دمعة كل أم ... وكل مقهور... كل يتيم ... وكل أسير ... ذاق ويل صهيون
- هذه الدال هي طائر الدوري الذي يشدو بألحان الحرية والقدس " فيدلل" أطفال صغارا ... ويدميهم كبارا لأنهم" تورطوا" في مخططه حين صنع منهم رجالا يحرصون على الموت كما يحرص صهيون على الحياة ....
- لاينسى درويش في خاتمة هذا المقطع الجميل أن يؤكد أن هذا الإسم هو" ملكية شخصية " وهو بذلك " يوثق " اسمه و يقطع الطريق على صهيون في مصادرته كما صادر الأرض ... والأملاك و...........
-لا أنسى هنا أن أنوه إلى تكرر كل حرف في السطر المقابل له تكرارا " إيقاعيا " - كما ترون - وهي ظاهرة صوتية لا يستطيع فعل مثلها كما قلت يوما ما وقاله من هو خير مني ....
- أظنني قد أبنت عن بعض ماتكتنفه إشارات هذا النسيج الجميل ...
- ما أردت قوله في ومضتي هذه أننا إزاء عملية" خلق " حقيقي ... فهذه الحروف الخمسة المشكلة للإسم "" م ح م و د "" لاتمثل شيئا يمت بصلة الى الشعر بل لا نشتم منها رائحة الشعر لأنه حروف "لا تمثل معنى في ذاتها " - كما يقول أهل النحو - لكن هذه "الظباء " التي افترست من طرف" نمر " تراكمات العادات اللغوية وجدت "درويش " فبث فيها " الروح " ثم نفخ فيها ثانية لتستحيل وحوشا دلالية تستعصي على "الصيد " .... وحوشا أسطورية أشبه بـ : "تنين " الذي ينفخ ناره على كل من يتوجس منه العداء .
-هذا الذي أريده من الشعراء الأكارم من خلال ومضتي هذه: أن يشعروا ما لا يمت بصلة للشعر أن يشعروا الحياة فالحياة قصيدة جميلة لا يفهمها ولا يعيشها غيرهم .
أخوكم /شاهين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق