الاثنين، 2 مايو 2016

الليل عبادة شعرية مؤلمة / للناقد الشاعر الاستاذ عيال الظالمي / لكاظم مزهر

الليل عبادة شعرية مؤلمة لـ(كاظم مزهر)
.....
يا ليل 
لن يكفيك معنى واحد
لأدّعي فيك بلوغ المعرفة
وجوهٌ لا أحصيها
تليقُ بسلطانك :
إغماءةٌ
في عيون أناس 
لا يحسّون وقع أقدامك في العبور
الليل رفيق للعشاق والحالمين وخيمة للسّراق والغدارين ،الليل كتوم أسرار الظاعنين والطاعنين ، ومستمع بإمتياز لكل هموم المحرومين والفقراء الجياع وفقراء النفوس ، الليل رغم تزاوج النجوم وتكاثرها بولادات يومية ، وإنشطار أقمار لتولد أنوار جديد في فضاءات متعددة ، يبقى معتم على أن لا تضاء مواقد الدسائس ولا فوانيس الدخلاء ، يمد قامته كي لا تنتهي قصص ، ويمسك بآلاف الأصابع أذياله في أيام الفرح واللقاءات المسروقة . مخادع صبور ، جمل لحمل آثام ، ونقي كـ(شيلة) فلاحة جنوبية أمام الحب ، في معترك (كاظم مزهر) كان ملّاكاً ، فأستفلحه في بستانه ، فعمل بمشغله جاداً وحفر السواقي ورتّب أشجار بستان الليل مكافحا لا ليرضى عنه المالك ولكن ليبهر المارين ذات حزن ، فمن أول عتبةٍ يضع لافتة يقول بها:
الليل مرساة لإبحار النهار // الليل مرآة كما شئتَ تدار
إيّاك أن تبدي إنشطارك فالرؤى عصفٌ 
وهل يلتمُ في العصف إنشطار 
دون أن يضع علامة استفهام ، لأنه لا يعني السؤال ، بل يعني التعجب ، كذاك لم يضع علامة التعجب ، لأنه على يقين ، ليل كاظم مختلف ، فساعاته وتعاقبه حينما تغادره الشمس التي تذيب شمع المودة وتطفي وهج المسافات بكتل الحقيقة ، ليله ملهى حيث ساعاته تبدل نواميسها كأثواب الغواني والمطربين ، متبدله لا تستقر على حال ، دائما تمسكها البهرجة ونهاية كل ضجة لهو وشراب وهيعة إيماءات دموع ، تسمو الأرواح في النشوى وفي السكون حتى تبلغ من الشجن غيوم الإنهمار وحينما تجود الغيوم المحمولة على ريح وجع العوز والفاقة ، ورعد الفراق وبُعد السّمار ، ووميض الذكرى تندلق قطرات بائرة من دون كل غيث الله حارّة لكي تساوي حرارة الألم لتملأه بردا من بعد نفث :
عندما تنظر إلى النجوم ذات ليلة صحو
ولا ترى النجمة التي تسامرها
تأكد أنَّ الظلام دامسٌ جداً
وقلبَك غائمٌ جدا
وهناك فرصة كبيرة // لهطول الوحشة بغزارة
في ليل المواطن الصالح أمان ، اطمئنان لا مشكلة أن يضع رأسه وينعم بلذة الغطيط كطفل ، لكنه يشعر بقلق حيال قلب خانته عين ، أو جفن خانه حلم ،أو وسادة أخرى عليها رأسٌ توجعه جنباته ، ولأنه يعتقد إنسانيا بأن الأمر متعلق به ، يخشى [انه ظلمه ] فيفزُّ لبستانه يعوده ويستغفر في كبواته عند حجر أو نبتة تعلقت بأقدامه ليعتذر عبر مرسال ليله الوديع:
هكذا أعانق الوسادة مطمئناً
أني لم أظلم أحداً
ولكن لماذا أفزُّ من رقادي أحياناً؟
ربما هناك من يدّعي:
....../ ...../ أنني ظلمته
زرع ببستانه شجيرات عدة ، تنوعت أوراقها مابين أنوثة ، وذاكرة إنثى وفوضى إنشطارية ، وطائر لا يهوى النور ، وعيد بعد منتصف المتعة ، تولد في أمنياته الرغبات كي تبدل ليل السنوات ممحاة النور الفاضح ، علَّ الزمن يغير مجرى أنهر نواياه الموحشة ، ويبدل ثياب نهاراته الماجنة والموغلة بالجرم رغم الشمس ، ليمسك معول الصدق ويهدم كذب الأمنيات ، ويحدد على بستان ليله خارطة الثرثرة الموجعة ، فربَّ أذن أتعبها النواح تشنق النشيج لتطرب للتغريد : 
الليلة
انا أقف عند قدمي سنة
ورأس سنة أخرى
ليس بيدي خلق أمنيات من سبخ المحيط
لكني أحول أن أضع برزخا بينهما
كي لا تتسرب رائحة أقدام سنة حافية
إلى رأس سنة لم تمشط بعد
أنثاه عاصمة تتجمهر في ثناياها أخيلة الخيانة ، وتعشش طيور مختالة بزيف ريشها ، كل نهر منه لا يفضي لبستانه بساقية عذبة ، تجمع مصبات مياهه في حوض سواد أنانيتها ، أنثاه موغلة بالتملك والتفرد ، وزورقه عالق لا مجذايف بحّارة تدفعه ، ولا أمواج جارية تدفعه ، حتى تشامخت الأعشاب لتمسكه ، وأسنة الصخور مبتسمة لضعفه وهوانه : 
سيجري في خيالك نهرٌ
يمرُّ على كل السدود التي فخرت طينتها
وكدّستِ فيها ماء أنانيتك التي تعطّشُ الصحراء
الراكظة إليك
سيمر على رمل التوسل بين أصابعي وشفتيك
على زورقي العالق بين أعشاب وصخور.
لكنه في مشغل ودًّ إنَّ كل أشجاره إمرأة ، وكل سواقيه إمرأة ، وكل قصائده إمرأة ، الرائحة التي تجذب نحل الشوق ، والضوء الذي يغري اليراع ، والدرّاق الذي ينعش المساءات ، ووقع المعاول في كدح النصوص ، وجذور الرؤيا في أشجار التمعن ، وشذرات الضوء في لوحة الصمت ، وخطى أقدام الساعات كلها أنثى في بستان الوشائج التي يعنيها عن دراية والتي لا ، لتأتي على ضوء قناديل الشوق ::
هل ترى بستان الليل؟
ليس لأشجاره زارع
سواك 
ليس لألوانه رسامٌ سواك
والقناديل التي تضيء
هي خطاك المتمردة في الإشتعال
إشتملت ألواح بستانه على ومضات لأسيجة وجدران خياله ، لم يكن ليله رحيما بل تمرغ بوحل الجرم ، وجمّع هيكل الرعب ، وقد نيران الفزع بما تشبه الجحيم ، ومضى ليله لا يحترم عرفا أو قيما أو قلباً غضّا ، تراءت له المرآة جلادا ، (مرآة تشهر سوطا) وفي عيون سهره تتنافس الأنفاس وجمع الأشياء لها حياة إلا هو بات يخشى ما تحتويه غرفته ، وتزدحم وساوس الظلمة تعاظماً :
في عيون مَن سهر
كل شيءٍ في الغرفة يتنفس
المعطف الرمادي يتكيء في جهة الحائط 
المرآة في جهة مقابلة 
المروحة تتدلى ، في جهة أعلى
هل يدبرون مؤامرة؟
أمعن في ليل الغوص مليا ، وقد أوفد طرقه في مناسم الليل ، رغم أيجازه وتمكنه من تقنياته ومقاصده في الطرح ، بات السرد لديه يحتكم إلى معالجات ، ولديه أسباب ينتهجها وحدة موضوعه شاملة ، فقد صوّر الليل بكل مجرياته السردية شخوصا لها كيانات وهياكل واضحة المعالم ، تنوعت معالجاته لمواضيع شتى كان فارسها الليل ، فأجلسه على نوافذ بوحه نافذة لراحة مكابدته وإشراقة لبصره على مساحات ألم لا يرغب الضوء برؤيتها ، (بستان الليل) مجموعة شعرية متكاملة من حيث وحدة الموضوع وجمالية الطرح ، تحتوي على مساحات شاسعة من البياض لكنه لم يستطع أن يغطي مساحة الوجع ، كما الضماد يغير لونه لون دم جرح صغير رغم كتلته الكبيرة ، عمل جاهد بلم خيوط سرده الموجز ليصنع بستان منوّع يظل نخله شجيرات الزهر وأشجار الليمون ، كانت مقطوعات مجموعته حياته التي افترش الليل لها ، من أنثى زمنية وأحلام وأمنيات ورجال كان الليل يغطي قامات خداعهم وألسن بذيئة تطلق سهامها في عتمة اللغو . تكونت مجموعته من ومضات أو الهايكو العراقي ، ونصوص متوسطة المجرى ، وله السبق بوحدة معالجة لموضوع أو ثيمة واحدة هي الليل بكل جنونه وفنونه وغاياته وحروبه وجماله وشرفه ولصوصه بمجموعة مخصصة ، فأمتعني بليله المتنوع .
عيّال الظالمي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق