الاثنين، 11 يوليو 2016

مقاربة نقدية .. الكلمة في تقنية التابة القصصية / أنموذج ..قصة من ياتينا الالم ؟ القاصة مهدية أماني ..د. المصطفى بلعوام

مقاربة نقدية : الكلمة في تقنية الكتابة القصصية.
أنموذج : قصة "من أين يأتينا الألم؟"
القاصة مهدية أماني/ المغرب
---
مصطفى بلعوام 
----
استهلال : 
حقيقة الحقيقة أنها فرضية للحقيقة
------
من أين يأتينا الألم ؟
عنوان القصة يبدو عاديا في تركيبه ودلالته. يطرح سؤالا مجترا حول مصدر الألم للإجابة عليه في النص مادام أن كل سوْال يقتضي افتراضيا جوابا. الألم قد تتعدد أوجهه كما تتعدد مصادره ويصعب بالتالي الإحاطة به كاملا. إلا أن خاصيته في هذا العنوان لا تكمن في دلالته هو بل فيما يربطه ب "النحن" التي تخرجه من حيّز الذاتوية إلى حيّز الجمع. إنه ألم يخص شيئا عاما وقضية عامة يحيل على قلق وجودي عام لذوات تعيش شعورا مضنيا لا نعرف بعد بعده النفسي أو الأخلاقي.
لكن ما إن ندخل إلى النص تتغير وجهة النحن إلى ذاتوية شخص متوترة في جوانيتها : " استيقظ ذات صباح مضطربا، مشمئزا مما عليه حاله وما آل إليه". البحث عن مصدر الألم المرتبط بالنحن يتوخى إذن حالة ذاتوية للإجابة عنه ويضعنا أمام إشكال معرفي : كيف للذاتوية أن تجيب من خلال جوانيتها عن سوْال متعلق بالجمع/ النحن؟ وما طبيعة علاقة النحن في عتبة النص بالنص ذاته الذي يتكلم عن ذاتوية محضة ؟ هل تأتي الذتواتية هنا كمثال لتبيان مصدر ألم " النحن"؟ وَمَاذَايعني هنا المثال؟
المثال هو الشيء ذاته، يقول س.فرويد. ولاشيء غير الشيء ذاته في المثال، يعلق بول لوران أسون. لأن المثال إذا لم يقل الشيء فهو لا يعتبر مثالا وإذا قاله فهو يقول الشيء ذاته وتنتفي منه بالتالي حالة المثال. وعليه، نرى أن الذاتوية في نص الأستاذة مهدية أماني هي مثال ل " النحن" أي هي الشيء ذاته الذي يغيب فيه المثال . النحن متضمن للذاتوية والذاتوية يسكنها النحن وهما معا يشكلان مثالا لبعضهما البعض بما أنهما هما معا الشيء ذاته. 
نص " من أين يأتينا الألم؟ " ينفتح على ذاتوية تحكمها لغة قَص شحيحة الكلمات. كل كلمة فيها ضرورة لغوية للقص في ذاتها وفي علاقاتها مع الكلمات الأخرى، ضرورة لغوية للحدت ولما وراءه يجعل من الاستغناء عنها انهيارا لمكنونه. وعلى اعتبار أن المثال هو الشيء ذاته، فإننا سنعطي بعض الأمثلة لهذه الضرورة اللغوية في القص لدى الأستاذة مهدية أماني .
تقول القصة في بدايتها : " استيقظ ذات صباح مضطربا، مشمئزا مما عليه حاله وما آل إليه". لدراسة الجملة على ضوء لغة القص فيها، نستطيع تقسيمها إلى وحدات جزئية صغيرة : استيقظ / ذات صباح/ مضطربا / مشمئزا / مما عليه حاله/ وما آل إليه". كل وحدة تشير إلى مدلول وكل مدلول له حضور لزومي في الجملة. إذا حذف أو غير تغيرت معها دلالة الجملة سواء بتنقيص شحنتها أو بتوجيهها نحو أفق دلالي آخر. هل بمستطاعنا تغيير وحدة / ذات صباح / أو حتى حذفها بدون أن نضر بلغة القص؟ لو حدفناها من منطق الاستدلال العبثيي سنحصل على الجملة التالية : " استيقظ مضطربا، مشمئزا مما عليه حاله وما آل إليه". الجملة صحيحة لغوية إلا أن مفردة"استيقظ" هنا بدون مفردة " ذات صباح" تغير من الفاعلية الدلالية للنص. فقد يكون الاستيقاظ في الليل أو في أي وقت من النهار وبالتالي يغير من التوليدية الدلالية للغة القص في النص . ومن دون شك أن المفردات اللاحقة بها تعضدها من حيث الدلالة : يستيقظ مضطربا ومشمئزا. لكن ماذا تضيف وحدة / ذات صباح/ على وحدة / استيقظ / ؟ هنا تكمن حنكة الأستاذة مهدية أماني في اشتغالها بالكلمة وعلى الكلمة ليس في حقلها المعجمي فقط ولكن أساسا في حقلها الدلالي التوليدي. كيف ذلك؟ قلنا إن ذات صباح تعني "أول نهار ما" أي بدايته. والبداية هنا وقفة زمنية غير معرفة غايتها الإشارة إلى بداية صفحة جديدة وتوليد الحدث من منطقه الداخلي ( صباح/المرآة) : "نظر في المرآة الصدئة المعلقة بمسمار أعوج على جدار تأكله جذام الرطوبة..لم يتعرف على السحنة التي تقابله وتكشر، جفل منها، كرهها..آآآخ ..لقد ولغ في الرذيلة". خطاطة الحدث تبدأ هكذا بالاستيقاظ ذات صباح وتعرج على المرآة لتصل إلى الرذيلة ويتغير بالتالي معنى الاستيقاظ ذات صباح. فيتحول من صحا - من نومه- في معناها المعجمي إلى صحوة ذاتية لما آلت إليه الشخصية. "ذات صباح" لها في لغة القص مخرج توليدي لشيء/كلمة أخرى التي تقوم بدورها بتوليد كلمة أخرى : صباح / مرآة / وجه. وما يوحدهما صحوة الذات لذاتها. ومفردة المرآة ذاتها تأتي بكلمة توليدية في سياقها: " المرآة 
الصدئة المعلقة بمسمار أعوج على جدار تأكله جذام الرطوبة ". تدخلنا الأستاذة مهدية دفعة واحدة وبكلمات قليلة إلى عالم مقلق في وجوده : الحائط مصاب بالجذام والجذام حالة مرضية مرتبطة في المخيال بالجلد كما لو أن الحائط كان انعكاسا لما آلت إليه الشخصية، أي أن حقيقة الحائط عبر الجذام تشي بحقيقة الشخصية مسبقا وعلاقتها مع جلدها. كل شيء حولها مشوش، آيل للسقوط ومعوّج كما هو المسمار: ماذا يمكن أن تعكس مرآة صدئة معلقة بمسمار أعوج على جدار تأكله جذام الرطوبة؟ إنها تجسد في لغة القص براعة الأستاذة مهدية في كيفية اشتغالها على الكلمة وبالكلمة فيها، حزمة كلمات تفجر القص في لغته :
المرآة / الصدأ - المسمار / الإعوجاج - الحائط / الجذام ، تقابلها، الصدأ / الوجه - الإعوجاج / الاضطراب - الجذام / الجلد.
كل كلمة في لغة القص تتكلم لذاتها في الجملة ولغيرها في النص وترسم مشهدية الحدث بكمين لغوي مقتضب. الصدأ جاء مؤشرا تضمينيا لعدم معرفة الشخصية لوجها : " لم يتعرف على السحنة التي تقابله وتكشر، جفل منها، كرهها.. آآآخ..". المسمار معوج لكنه لا يزال يشد المرآة على الحائط. وهو لا يفيد هنا فقط في رسم حالة غير مستقرة في المشهدية، بل يحيل حسب التقنية اللغوية التي تستعملها الأستاذة مهدية أماني على شيء آخر مضاد له في آخر النص : " يحس براحة لم يذق طعمها مُذ كان في استقامة النخيل السامق". وننتقل هكذا من الإعوجاج إلى الاستقامة. بينما الحائط مصاب في جلده الذي يتآكل كما هو جلد الشخصية الذي يخفي صديدا وخمجا. 
نرى جليا أن الأستاذة مهدية أماني تعتمد على ركيزة الجسد في نسج الحبكة القصصية حيث تنتقل بِنَا من الوجه إلى الجلد في البحث عن الحقيقة : " هشَّم المرآة بقبضة يده، تناسل وجهه واستنسخ في الشظايا ، هلوس وتخبطه مس ..يعمد إلى جلده فيسلخه، تحثه كثير من صديد وخمج..هاله مدى تهتكه وما كان قناع جلده يخفي من فظائع ". الحقيقة ترى ولا تقال بالجسد. ويعني أن الجلد والكلام يختلفان في علاقتهما بها : الكلام يقاربها بالكلمات التي لا تفيها حقها بالكامل أبدا في حين أن الجلد لا يكذب أو يتحايل فهو يظهرها على سطحه أو خلفه.
وقمة الاشتغال على اللغة وباللغة لكتابة الحدث وما وراءه تتجلى في نهايته : " يتوق لشربة ماء قراح، يدلق في جوفه دنا ويزيد، ينضح من خلايا جسده المكشوط، يسيل منه وحواليه جارفا صديده وخوفه وهوسه، يحس براحة لم يذق طعمها مُذ كان في استقامة النخل السامق، يعيد لبوس جلده عليه، يتوخى أن يكون اليسار هو اليمين.. أياد آثمة تمتد..
.......تحاول
............نضي
..................ورقة
.....................التوت
.......................عن سوءته."
ماء قراح / استقامة / اليسار / اليمين / ورقة التوت / سوءة . مفردات لها مرجعية دينية ما عاد مفردة اليسار، تستخدمها الأستاذة مهدية أماني بطريقة تحويلية في امتصاصها. ماء قراح هو ماء خالص من كل شائبة واختلاط ، اليمين يعود إلى أصحاب الميمنة : " وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين في سدر مخضود وطلح منضود وظل ممدود وماء مسكوب " ( سورة الواقعة). استقامة تشير إلى الصراط المستقيم ( النحل: 121) ؛ ورقة التوت/ سوءة توحي ب " قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوءتكم " ( سورة الأعراف). لماذا لم تستعمل الأستاذة مهدية أماني مفردة الشمال التي من حيث المرجعية الدينية قد توفي بغرض التضاد مع اليمين : أصحاب الميمنة / أصحاب المشأمة ؟ لو كان حصل ذلك لما أعطى للغة قوتها القصصية. استعمال مفردة "اليسار" بما تحمله من شحن دلالية وتاريخية جاء مما لا شك فيه بمثابة نقطة تحول دلالي لمجريات الحدث. وهنا نرى بشكل واضح كيف تشتغل الأستاذة مهدية أماني على الكلمة وبالكلمة وتعطيها في الدلالة مخرجين : مخرج يتعلق بموضعتها في الجملة ومخرج يتعلق بعلاقتها مع الحدث في القصة. والمخرجان تربطهما دلالات متواشجة يخدمان ما في الحدث في خطية سرده وما وراء الحدث في قراءته داخل القصة.
يسقط القناع الأول ( الوجه)..
يليه القناع الثاني ( الجلد)..
ثم تأتي المفارقة في حقيقة الحقيقة من حيث هي فرضية لحقيقة مصدر الألم : ذلك هو ما يفتحه النص من تعددية في القراءة بلغة قصصية متفردة.
--------
عنوان القصة : من أين ياتينا الألم ؟
للأستاذة : مهدية أماني
/-
استيقظ ذات صباح مضطربا ، مشمئزا مما عليه حاله وما آل إليه. نظر في المرآة الصدئة المعلقة بمسمار أعوج على حائط تأكله جذام الرطوبة..لم يتعرف على السحنة التي تقابله وتشكر ، جفل منها، كرهها..آآآخ..لقد ولغ في الرذيلة ، اقتلع الظل من شجيرات فتية وعبث بزغب الحمائم ولم يجعل يوما من قوته رسنا لضعفه ،هشَّم المرآة بقبضة يده، تناسل وجهه واستنسخ في الشظايا، هلوس وتخبطه مس..يعمد إلى جلده فيسلخه، تحثه كثير من صديد وخمج..هاله مدى تهتكه وما كان قناع جلده يخفي من فظائع .. يتهالك وتميد به الأرض،
يتوق لشربة ماء قراح ، يدلق في جوفه دنا ويزيد، ينضح كن خلايا جسده المكشوط، يسيل منه وحواليه جارفا صديده وخوفه وهوسه، يحس براحة لم يذق طعمها مُذ كان في استقامة النخل السامق ، يعيد لبوس جلده عليه ، يتوخى أن يكون اليسار هو اليمين.. أياد آثمة تمتد..
.........تحاول
..............نضي
....................ورقة
.....................،التوت
......................عن سوءته."

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق