السبت، 16 يوليو 2016

قصة قصيرة /// نفور /// الاستاذة منى الصراف /// العراق

قصة قصيرة
نفور
النفور السلبي في خيال طفل من الأماكن المقدسة ، وممارسات دينية تعد من الخرافة لأستغلال موارد ذلك المقدس ، وحين يتحول رجل الدين او الدكتاتور لمزحة بفم الناس ستكون نهايتهم قريبة لا محال . 
والله الذي له دين في رقابنا مقابل خلقه ايانا ، ويجب التسديد طوعاً او كرهاً . 
كانت تلك المرة الأولى له للذهاب مع والدته واخته التي تكبره بعامين وهو ابن السادسة من عمره الغض . لمكان مقدس بعد ان جزعت تلك الأم من التوسلات لله في ان ينعم عليها بحياة اكثر رفاهية ولو بحدودها الدنيا وزوج ما انفك يعتلي صهوة حصانه ليقاتل نظام دكتاتور ما استطاعت قوى الشعب اجمع من الخلاص منه ، وقد اصبح الان مزحة ومدعات للسخرية بفم الناس . 
- الله يا امي كم جميلاً هذا المكان ورائعاً .. كاد قلبه يخرج من حنايا صدره الصغير . 
للصحن عشرة ابواب لها تسميات محلية للدلالة عليها وثلاثة اروقة سقوفها مزينة بالايات القرانية تتدلى منها الثريات الزاهية تستخدم الأروقة للصلاة حين تضيق قاعة الصلاة في الداخل ، ارضيات من الرخام وسقوف من الزجاج الابيض بأشكال هندسية رائعة ويطل على الرواق الخارجي ثلاث ابواب واحدة من الذهب واثنتان من الفضة . كان المكان مهيب بكل تفاصيله للكبار قبل الصغار . 
اخذ يركض في الصحن كما هي الفراشات مع اخته ويجوب المكان ذهابا ايابا وام تقيم صلاتها وادعيتها والدموع تملأ اوردتها وقلبها قبل العيون . استوقف الاطفال رجل بعمامة فوق رأسه ويحمل قطعة قماش خضراء اللون زاهية قد قصت بعناية على شكل اشرطة توضع على معصم الزائرين للتبرك بهذا المكان ، غمرهم الفرح حين وضعها في معصميهما وسرعان ما ذهبت عنهم تلك الغبطة حين طلب منهم النقود بدلها !! قال له حسن هذا كان هو اسم الصغير 
- عمو ماما هنا تتوسل الى الله ليكون معنا نقود من اين لنا نحن تلك النقود ! 
رد عليهم بتجهم عليكم اعطائي النقود بدلها ، صرخت البنت الكبرى على اخيها وطلبت منه ان يخلع عنه ذلك السوار ، رفض حسن تنفيذ الأمر وقال لها 
- لا لن اخلعه فهو جميل حول يدي ، ردت عليه اخلعه من اين لنا تلك النقود .. انتزعته من يده عنوة ورمتها بوجه الرجل بكل غضب و بطريقة مهينة ، غضب منهما وضربهما بالعصا بكل قسوة اخذ حسن يبكي من وقع تلك الضربة على يده الرقيقتين وهرب باكيا بحضن امه وهي مازالت تقيم صلاتها فالدين كبير لله وعليها التسديد طوعا او كرهاً !!
. كان المكان يتسم بالارهاب لقلب طفل لم ير قسوة من اهله يوما .. 
غادر المكان مع امه واخته وهو يبكي بألم .
لم يذهب حسن مع والدته مرة اخرى الى هذا المكان كان يرفض توسلاتها . خوفا من مصادفة هذا الرجل الذي اوسعه ضربا بعصاه تلك الضربات التي كان ينالها رأس والدته ايضا بين الفينة والاخرى لخروج بعض خيوط من شعرها الرمادي اللون من تحت حجابها .. 
اصبح المسجد الذي بجوار دارهم يعاني ارهاب من غارات حسن عليه في كل يوم جمعة .. يدخل وقت الصلاة ويركل جميع الساجدين بقدمه واحدا واحدا وهم منتظمون في صفوف حين يسجدون لله .. ويأخذ جميع احذيتهم ويرميها بشكل عشوائي في باحة المسجد او يرمي بعضها خارجه .. بعد ان تربصوا به يوما ركضوا خلفه للامساك به لكن من يستطيع الامساك بالفراشه ! ذهبوا الى بيت اهله مسرعا وقابلوا جدته وطلبوا منها تعنيفه لكنها أبت ان تعنفه امامهم .. بعد ان خرجوا طلبت منه وعدا بعدم فعلها مرة اخرى .. اعطاها هذا الوعد ولم يدخل مسجد بحياته بعد ذلك .. 
حسن شاب وسيم رقيق ذكي ابيض البشرة شعره خيوط شمس ذهبية بيوم مشرق غزلته غزلاً من شعاعها . انغمس في الوجود والفلسفة وبين ما هو مرئي وغير مرئي .. 
كانت سماعة المسجد الذي بجوارهم تزعج اهل الحي من صوت مؤذنها الجديد الجهوري البشع .. ولم تنفع كل التماساتهم لتغير هذا المؤذن من قبل شيخ المسجد الذي كان المسجد له بيتا فارها ينعم به واهله .. اخبر حسن اصدقاءه ان باستطاعته اسكات هذا الرجل والخلاص من صوته .. ونفذ غارته الجديدة على المسجد وقطع جميع اسلاك تلك السماعات وكلما اعادوا تصليحها عاد هو بقطعها . الى ان تم تبديل المؤذن بأخر ذو صوت شجي ادخل الطمأنينة الى قلوب اهل الحي .. 
تزوج حسن واصبح لديه ابنة جميله تبلغ الان السادسة من عمرها كما كان عمره حينها . كان كلما تريد زوجته الذهاب لهذا المكان المقدس يوصلها الى احدى ابوابه وينتظرها خارجه مع ابنته . 
قالت له مرة :- لمَ هذا العداء لمقدساتنا حبيبي !؟ كان يرد عليها
:- لا يا زوجتي ليس عداءا من المقدس لكن الثقافة السلوكية للطقوس والعبادة والشعائر تتضمن نظاماً من المعايير الاخلاقية والكهنوتية المقيته وتلك المعاير أرفضها .. وان معظم الاديان تنظم تلك السلوكيات ، بعضها تركز على الاعتقاد في حين يؤكد اخرون على انشطة المجتمع الدينية .. 
اجابته بأسى :- نعم انها الطاعة والانقياد .. لهذا تحول رجال الدين لمزحة بفم الناس فالتغير قادم لا محال كما اصبح ذلك الدكتاتور قبلهم . 
:- حقا حبيبتي حين يحول الناس اوجاعهم الى مزاح وبعد ان تزال تلك القدسية عن رجال الدين الذي باعوا الله باثمان بخسة لترويج تجارتهم باسم الدين سيكون مصيرهم كما هو مصير ذلك الدكتاتور. 
طلبت منه ابنته الصغرى بعد توسلاتها ان تدخل معه الى هذا الضريح المقدس رفض في البداية لكنه استجمع كل قوى الكون ووضع ذلك الخوف عند ابواب الضريح ودخل مع ابنته وهو يشرح لها قدسية الامام وعظمته التأريخية اسباب قتله في غيابات سجن طويلة و تأريخ مذل لأمة أثرت الصمت بخنوع وقتل افضل رجالاتها وأئمتها وهم يهللون للحاكم او يطمرون رؤوسهم في الوحل .. 
نظرت ابنته لرجل الاشرطة الخضراء وهو يدور في الاروقة وقفت امامه مشيرة بأناملهاالرقيقة الى رأسه وتضحك 
:- بابا .. بابا انظر اليه انه يشبه قلم الرصاص الذي في رأسه ممحاة .. !! 
نظر والدها اليها وشعر ان الخوف وظله الطويل لم يستطع ان يلتهم ابنته كما كان هو ضحيته .
منى الصراف / العراق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق