الخميس، 14 يوليو 2016

قصة قصيرة /// السرطان /// للاديب اظم مجبل الخطيب /// العراق

قصة قصيرة 
[ السرطان ]
مهما اجتهد المرء وتعلّم يبقى جاهلاً وتائهاً لمعرفة وتفسير ظواهر الحياة في وجودنا ،ان اختفت مسبّبات الاشياء لا يمكن التنبّؤ بنتائجها ،هي أكبرمن قدرة العقل البشري لتحليلها فيقف عاجزاً مسلّماً بما تؤول اليه مشيئة الله .
السعادة من المفاهيم المحسوسة شعوراً ولا يمكن ملامسة مفاصلها المادية ،هي حالة نسبية بيننا على اختلاف رؤيتنا اليها .هل يستطيع المال ان يجيب على تساؤلاتنا بأنّه المصدر الحقيقي لتوفير السعادة وهل يصمد هذا الادّعاء أزاء جسدٍ متهالكٍ ينخرهُ المرض ولا تستطيع ردعهِ اموال الدنيا لو اجتمعت ؟من المسؤول عن ترتيب مسار حياتنا ؟أيمكن لقدراتنا الخاصة فعل ذلك أم انها قوى خارجية فوق تحملّنا وارادة غيبية .
أ حاسيس من الآهات واليأس تداهم (سهاد) بعدما قرّر الطبيب الاخصائي مصارحتها بحالتها الصحية قائلاً:
-نحن كأطباء ليس باستطاعتنا عمل شيء فالسرطان تمكّن من جسدكِ سيدتي 
-سأعطيكم ما تطلبون من اموال 
أيّة اموال سيدتي ؟ليس الامر بأيدينا وحياتك الآن رهنٌ بأرادة الله
-اريد حياتي بأيّ ثمن ،انا احبّ الحياة 
-على ايّة حال امامك منها شهور او سنين ولكِ الخياركيف ستعيشينها .
غادرت سهاد مستشفى النجاة الاهلية وطول الطريق اختمرت في رأسها فكرة ان تهب جميع اموالها لمن تحبّ من الناس وهو حبيبها (كمال ) بيعاً في دوائر التسجيل العقاري باستثناء ما تركتهُ لخادمتها ففعلت .
لم تستطع ان تشتري لها حياة بكلّ ما لديها من ثروة ،يبدو ان الحياة لا سوق لها لكي تباع فيها ولا سماسرة وهي ليست بضاعة لتعرض هنا امام المضاربين وهنا فقط يتساقط جبروت الاغنياء وطغيانهم من المنكرين لنعمة الله وانّهُ وحدهُ فقط يمنحها لمن يشاء ويسلبها ممَّن يشاء ،بلى نعمة العافية والصحة لا تدرك الّا باجتياح علّة تشعر صاحبها بعجزهِ عن امكانية ارجاعها مهما أوتي من قوة وسلطان ومال .
احدى الليالي سهاد تحدّث خادمتها في منزلها الكبير :
-أم سعد هل انتِ سعيدة في حياتكِ؟
-الحمد لله والشكر على نعمتهِ نطلب منهُ سبحانهُ الستر والعافية 
-وما اخبار ابنكِ سعد ؟هل اكمل كلية الهندسة ؟
-نعم باجي بفضل الله وفضلك ولكنه مازال يبحث عن فرصة للتعيين 
-وما فضلي عليك أنا وانت تعملين هنا منذ عشر سنين وما يصلك من راتب هو بجهدك ِوتعبكِ وامانتكِ،وبالمناسبة ام سعد امازال بيتكم الطيني سقفه من جذوع النخل وسعفه ؟الا تحلمين بمنزل لمستقبل ابنكِ؟
-سيدتي الاحلام لم تولد لكي تتحقّق ،نحن واقعنا الصعب لا يمنحنا الوقت للتفكير بها 
-انتم الفقراء لماذا أراكم سعداء ؟
ربما لأنّنا قنوعون بما لدينا ومسلّمون لهُ ونحن ندرك انّ الغنى والفقرمن عند الله ولادخل لنا بذلك ،أو ربما الحبّ في بيوت الطين ينسينا فقرنا فيغنينا ،ولربما اعتقادنا بأنّ العدل الآلهي لهُ حكمة في توزيع نعمتهَ،وما ادرانا لو نحن على غير حالنا ربما ابتعدنا عن رضا الله وتقواه وهي رصيدنا ومهر آخرتنا في دنيا زائفة وفانية
-طيب ام سعد لكِ عندي مكافئة لخدمتكِ ووفائكِ اتمنى ان تقبليها 
-سلامتكِ ووجودك ورعايتكِ لي منحتني فوق ما اريد ولا تعدلها كنوز الدنيا 
ا-سمعي تذكرين بيتي في حي القاهرة 
-نعم هو بيت جميل جدا وان كان صغيراً قياساً للفلّة وكراجه صغير اذكر سيارة مركونة فيهِ ومن البيت يخرج محل السوبرماركت ،مابهِ سيدتي ؟ آه مني لم اذهب لتنظيفه ِ منذ زمن .
-لا عليك بتنظيفهِ،هذا البيت والمحل والسيارة مكافئتي لكِ فاقبليها وسجلت اوراقها باسمكِ
-سيدتي هذا كثير جداً
-بل قليل وهذا مبلغ من المال ربما يكفي سعداًحين يقدم على الزواج 
-يا الله أخشى ان يكون هناك أمرٌ ما 
-لا عليكِ منّي ولكن لاتتركيني الآن فما زلت بحاجة اليك وأخبري سعد ربما الخبر يفرحهُ.
من منّا يستطيع ان يحدّد معالم الخيانة ويرسم لها لوحة واضحة الابعاد وهل يمكننا اجتنابها قبل حدوثها من الاخرين ؟كيف لمثل الاخلاق التي نراها سلوكاً تخفي في سرائرها ما لا نتوقّعهُ.
في احد المساءات جاء كمال وبرفقتهِ امراةٌ جميلة لا يمكن ان تقرأ في عينيها لغة واضحة لمكنون شخصيتها فهي تتلوّن حسب مكانها وزمانها ،يقدّمها لسهاد على انّها خطيبته وسيتزوجان بعد ما تمّ عقد القران لهما وعليه العيش في فلتهِ الكبيرة هذه .
وقع الصدمة الكاريثي كيف استوعبتهُ سهاد ؟أم انّ ما بها من الوجع والالم يكفيها فهوّنَ عليها ما سمعتهُ؟وبماذا تجيب نذلاً حقيراً كانت تتأمّل منهُ العون والمعاضدة في محنتها وعدم جرحها في صميم قلبها المنكسر أصلاً؟أما كان بمقدورهِ الانتظار لحين رحيلها وهو عالم بحالتها الصحية المتردية ؟لماذا اختار ان يعجّل عليها قبل اوانها ؟الم يدرك تصرّفه سيحدث هزّة قاتلة لجسدها المتهالك ؟ماذا لوتأخّر شهوراً وليس سنيناً لتودّعهُ سهاد راضية عنهُ دون ان يتحمّل ذنبها ؟
ان لم يكن ما بينهما حبّاً وعهد وفاءٍ فهل ما بينهُ وامرأتهُ الجديدة عهد أكثر ضماناًوحبّاً اكثر وفاءً؟وهل كان مطّلعاً ومتيقّناً بنواياها الطيبة تجاههُ؟أم هو غرور الدنيا وبريقها الخدّاع الذي أعمى بصيرتهُ ما الذي جنتهُ سهاد ليقابل جميل صنعها بالقبح والجحود؟.
بعدما سمعت قولهُ بضرورة مغادرة منزلها طلبت منهُ ان يمهلها ساعة لرزم حاجياتها الخاصة بها ،تمدُّ يدها الى احد الادراج لتخرج مسدساً اشتراهُ لها كمال يوماً ودرّبها على كيفية استعمالهِ خوف بقائها لوحدها ليلاً.
صارت سهاد تبطىء في خطواتها قاصدةً مغادرة منزلها وذكرياتها ودمعها ملء قلبها غير انها توقّفت ثواني قليلة وهو مطرق رأسه لتصوّبَ في قلبه ثلاث اطلاقات من مسدسها والمراة الجميلة تهتف بصوتٍ عالٍ:
-يا لحظّي الكبير ،يا لسعادتي اصبحت لي جميع املاكهِ.
اثبتت التقارير الطبية والجنائية عدم اهلية سهاد وانّها ليست بكامل قواها العقلية فتقضّي خمس سنين في مستشفى الشفاء للامراض النفسية لتخرج بعدها دون ان ينتظرها احدٌ سوى سعد وأمّهِ وهي لا تشكو من السرطان .
..................................................................
كاظم مجبل الخطيب -العراق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق