لمناسبة يوم الشعر العالمي
حروف الحرية .. في مسلة شعرية عراقية !
قراءة نقدية
نعمة يوسف .. بغداد / هولندا
ذلك الذي يموت في سبيل الحرية لا يقضي نحبه في سبيل وطنه وحده , بل في سبيل العالم بمجموعه .
"خريستو بوتيف"
لماذا قصائد في الحرية ؟
والحرية تكونت منذ بدء التاريخ !
مقدمة ..
تنشأ الديمقراطية على مبادئ الحرية التي تقوم على مفهوم نوعي ايجابي يتضمن مبادئ حقوق الانسان ,لان الحرية تجسد قضية انسانية تعبر عن ملكية الانسان لفكره ولإرادته , وتمنحه شعور المواطنة الكاملة وتعمل على تحرير عقله وتعزيز بديهيته ونفاذ بصيرته وتقوده الى تعميق مشاعر الود والاحترام بين الافراد والشعوب.
ان ظهور الديمقراطية الحديثة لا يقل في اهميته الاجتماعية عن ظهور الدولة , فالدولة قضت على التقاتل القبلي والديمقراطية قضت على التقاتل السياسي.
ان أحدى العقبات التي تواجه الحرية والحركة الديمقراطية في الحياة , عموما , هي النزعة الذاتية القوية نحو السلطة الحكومية والدكتاتوريات التي عاشها الشاعر العراقي الاديب الاستاذ عبد الجبار الفياض , واكتوى ايضا بنارها وجمراتها , كان مناضلا معروفا في مواقفه الوطنية في كل العهود السابقة وليومنا هذا !
بنية القصيدة وعناصرها ..
لابد من تحليل دقيق جداً للنص الادبي لما يحمل من رؤية جمالية , تعتمد الموضوعية التي تجعلنا ان نعمل على تفسير معطيات النص وخصوصياته وكيفية التعامل معه وإدارة عملية التحليل لكل شاردة وواردة في متن النص .وبالتالي الناقد يعمل على ايجاد منطلق الابداع التي تتوفر بالنص الادبي من خلال مواصفات يختارها كالتعبير والرمز واللغة وطراوتها بالإضافة للبحث عن الاناقة الحديثة في كتابة الشعر على لسان الشاعر..
وكما نعلم بان شراب الشعر لذيذ جدا , لا نعرف من اين يتكوّن وما هي عناصره , لاختلاف قرائح الشعراء والشواعر , لذلك في بعض الاحيان ان الناقد او المحلل يصل الى باب المعبد دون يدخل , لما في الشعر من غموض وتأويلات قد تكون فيها وجهة نظر متعددة !
وكانت تجربتي مع الاستاذ الشاعر الفياض متنوعة في هذا المجال ! ونحن هنا وبكل ثقة نؤكد على مكونات الوعي الادبي او الذوق الفني , للشاعر , والقارئ , والناقد ..
اما الشاعر فكذلك قد يحتاج الى وقت من الهدوء والسكون للانتقال من مجموعة شعرية الى اخرى كي لا يكرر نفسه في ما يكتب كي يعطي للقارئ اسراره الشاعرية !
ونحن هنا بدورنا نشير الى ما هو الغث والسمين .. وما هو النقي من غير النقي , ونميز الجميل من القبيح ونسحب من القصيدة ما ينتمي لكل العوالم الاخرى في فن القول من النثر ..
ونبحث ايضا في التوافق والشعر والموسيقا والإيقاع في الارتباط العضوي مع بعض , نبحث عن التناسق في الاستعارات الشعرية التي ترتبط في اللغة كي نصل الى الذروة واللذة عبر تلك النغمات التي تصدر من روح القصيدة ..
وأنا رأيت شاعرنا الفياض اجاد الغناء في هذه القصائد, بصوت عال كان هو جوهر الشعر في رقته وقوته كالحرير ناعم وقوي , حتى وضع امامنا صوراً بصرية مثيرة فيها ذائقة جمالية خالية من الشوائب !
وجدت ايضا اثناء الغوص في هذه القصائد , هناك ثروة من الشاعرية في متون النصوص وعثرت على لألئ شعرية في قاع كل قصيدة يتمتع بها الشاعر في افضل ادواته , فنراه يترنم بحماس وثورية محلقا بفضاءات الثورة المستمرة !
ثم يستعد في تنظيم دقيق وترتيب لمقاطع أجمل بالإضافة الى التوازن في الاسلوب الذي لا ينفصل عن النص ومضامينه ولاعن الصور التي يحملها ..
شاعر طيب وصادق وأمين , أختار من عبق ثقافته المتنورة فكرياً , مناخات مختلفة لمحاربين شرفاء أبطال تغنى بهم بحوارات رسمت كالقصائد , ثوار تركوا لهم بصمة في التاريخ المعاصر !
ليبيا عمر المختار , الشيلي نيرودا - والليندي , العراق بغداد والسعدون , كنفاني وفلسطين الى لومومبا والكونغو , ثم الاسطورة الكبيرة الواقعية تيشي جيفار الارجنين والعالم , حتى رجل المحبة والسلام غاندي ابو الهند , ومارتن لوثر والعظيم هوشي منه واخيراً قيثارة السلام فيكتور جارا ، والخطابات الانسانية من أجل الحرية والتعايش البشري من دون لون أو تمييز عنصري , و وصولا الى رجل الاعتذار والمحبة والتسامح السجين المناضل نلسن مانديلا !
مانديلا صانع المحبة والاعتذار والتسامح .. هكذا جاء في بند من بنود هذه المسلة الشعرية للثوار والأحرار في كل بقاع العالم ...:
مانديلا .. اليك اقول :
خيطُ الفجرِ الأفريقيّ
أيّها الحرسُ
ليلنُا يتنفسُ برئةٍ واحدة شمسُنا واحدة
تزورني أحياناً
ولو من كُوّةٍ صغيرة فالزنزانةُ ليستْ قاسيةً طولَ الوقت
حطّموا زنازينَكم
افريقيا
تُحبكمْ كذلك !
في صباحٍ
أخذَ اشراقَهُ من جبينِ الثورة
تبدّدَ الوهمُ عبرَ زمنٍ مُرتَهَن
تمتدُّ يدٌ سوداءُ معروقة
تحملُ غصنَ زيتونٍ
الحُبُّ
يُبنى بكُلِّ الالوان !
عبد الجبار الفياض شاعر سومري من البصرة الفيحاء .. ثغر العراق الباسم ..
هو رجلٌ من سومر أحبّ هذه الحروف .. فرسمها لنا لوحات جميلة ..بطعم الحرية ولون الحياة ..
لذلك , الحرية تلك هي الكلمة التي تؤكد على فلسفة الشاعر الوطني , التي وزع معناها في مناخات وفضاءات من المواضيع النضالية المتعددة , وهي تحظى باهتمام كبير منذ الخليقة ليومنا هذا .
فالحرية تعتبر الخاصية الأساسية والصبغة المميزة التي تميز الكائن البشري عن الحيوانات , وتحافظ على إنسانيته فيه !
هكذا كتب الشاعر هذه القصائد المزكاة بالروح الوطنية لكل انسان ومناضل !
هكذا اراد الشاعر ان يقدم نفسه لنا ايضا !!
قصائد شعرية مصورة بالألم والمأساة ! يحركها الوجدان والضمير !
هكذا صوت الشرفاء والمناضلين , كان يحاورهم , وبنقاشهم في هذا السفر الجميل الممتد من الشعر الى السرد ! في الفعل والحركة , في الاسطورة والواقع , في التماهي و توظيف الرمز , من خلال حوارات داخلية وأصوات تحاور البطل تكشف لنا عن احاسيس الشاعر بذلك الرجل الاسطوري !
نجد تحت رماد كل قصيدة هناك جمرات مازلت متقدة , وأيضا هناك انبعاث للحياة , وانفجار صوب الحرية ,هي ثنائيات عديدة أشتغل عليها الشاعر في كل قصيدة من هذه المسلة الشعرية !
كان متالقا جدا وانيقا ,ورشيقا في تعامله مع توظيف الرمز شعريا وإنسانيا ووطنيا !
والسبب في ذلك على ما اظن , لأنه كان يعبر عن ذاته في الحياة التي تشبه لحد ما ما عاشه الثوار من ظروف قسرية تحت مطرق الدكتاتوريات كان هذا واضحا وجليا من خلال الاشارة والتلميح والترميز , والانزياح الذي بدا واضحا في حياة الشاعر اللغوية والشعرية ..
يحاور من دون ملل او كلل .. اليك يا جيفارا :
{جيفارا}
سيكارٌ كوبي
يحشو فماً
يحتسي خمرةَ الفقراء
قبلَ أنْ يُمازحَ زنادَ بندقيتهِ الادغالُ وفيّةٌ للثوّار
تشي
يلوكُ الزّمنَ بلذة
يوغلُ في وجعهِ
في قلبهِ
تنبضُ شرايينُ المسحوقين في الارض
لتكنْ خارطةُ الكونِ بلونِ السّماء
يتوسّد ذراعَ الموت
لا ترقُّهُ حبالُ المال
الياقاتُ البيضاءُ
كم هي رقيقةٌ في عُلبِ اللّيلِ ودمويّة
في احراشِ بوليفيا
كاتانكا
فيتنام
الرّصاصُ
لا يثقبُ قرصَ الشّمس !
وتبعا لما يحدث امام عين الشاعر , من خلال مداركه في هيجان الذات الشعرية , لبناء صورة جديدة لصناعة نص بصري يعتمد على أهمية الابداع في ما يأتي :
الشعرية والشاعرية على حد سواء .. والانزياح اللغوي والخيال والمخيلة , وأثارت المخيلة في تجديد طاقة الصوت الداخلي والإيقاع والموسيقا , حتى وجدت ان الشاعر الفياض اصبح مغنيا في كتابة قصائده !وفاض لنا محبة وطيباً .
كما قرأت بعمق وتركيز وصفاء ذهن وجدت , ان الشاعر ينتمي الى منظومة كبيرة متعددة في الحس والمشاعر , ينادي رموزه بحواسه جميعا , من اجل انتاج صورة بصرية مليئة بالشعرية والشاعرية , فيها من المستوى الشعري الانيق , الجمال والإبداع والتأثير والإحساس من اجل ذائقة جمالية للقاريء او المستمع الكريم !وتليق ايضا بهم جميعا عبر جدلية العلاقة التي رسمها لنا في هذه المسلة في جمالية الصورة واللغة !
يخاطب عمر المختار ذلك الانسان الزاهد البطل المناضل في سفره هذا راجيا منه :
عمر المختار ..الى اين انت ؟؟؟؟
يسافرُ في الصّحراءِ صوت ذرّاتِ رملٍ في عيونِ الغرباء
إنّك شيخٌ كبير
الأصفرُ
الأبيضُ
ترممُ به ما فاتكَ من سنواتٍ قاحلة
لا
هذهِ الصّحراءُ عباءةٌ
ليستْ لبيع
أعمدةُ الخيامِ آخرُ المقاتلين
لذلك ارى ان هذه القصائد بما تحتوي من علاقات داخلية وخارجية ترتبط ارتباطا عضويا في حياة الشاعر الإنسان و ترافقه ( كاصول الانثروبولوجيه ) التي تبحث في اختلاف ثقافته وتبحث في شخصيته الاساسية , وعن حركته في امتداد فعله , بالكلام او استقلال الرأي والتعبير عنه او المعارضة او التمرد او الوقوف بوجه الاستعمار او الانظمة القمعية , كل هذا يتعلق بالحياة , بشروط الابداع والتطور الحقيقي للمجتمع والإنسانية , في كل زمان ومكان .
وهذه الانثروبولوجية تنطبق على كل مناضل ورد اسمه في هذه المسلة الشعرية .. بما فيها شاعرنا الكريم !
ومن خلال تخصصي ( كناقد وشاعر وجدت في هذه (المسلة الشعرية ) للأديب عبد الجبار الفياض من حيث الشكل والمضمون والعلاقات المتعددة التي ترتبط في حركة القصيدة من موسيقا وشعر وإيقاع وأصوات داخلية ! ) ما جعلني ان ارد عليه بهذه القراءة الفنية التي اراها الوجه الاخر لما كتب في المسلة من معنى للحرية والنضال من اجل التحرر والسلام !
وجدتها ايضا تشكل الحرية بالنسبة لي ..هي الجمال والفن وهي الحياة , وهي المفاتيح الحقيقة للمستقبل الزاهر ومن دونها تصبح الحياة تافهة ولا تستحق ان تعاش ,وأننا نصنع السعادة والفرح والمحبة للناس لابد من حيز مهم جدا للفنان والأديب والشاعر !
والحرية هي ايضا تعني بحقوق المضطهدين المثقلين بسلاسل العبودية الملتفة حول اعناقهم !
هي تحشيد لكل القوى الجسدية والمعنوية على حد سواء ! من اجل تحطيم تلك الاغلال !
هنا في عمق القصائد هذه رأيته محاوراً لذاته و لنفسه عن تلك الايام التي عاشها هو ايضا ,
بين الموت والحياة بين كل المتناقضات , بين الابيض والأسود, بين الدم والوردة , بين اللقاء والتوديع بين يعيش ويسقط , كل هذه العلامات شكلت له الابعاد الدلالية لكل الإحداث وكان متألقاً بحق .
قلبه في العراق وينبض مع شيلي اثناء واد الديمقراطية من قبل العسكر الفاشست , كأنه يذكرني بأغنية عراقية تعاطفت مع شعب شيلي ابان الهجمة الشرسة على نظام الديمقراطية هنا ..ومطلعها يقول :
(بشيلي تمر بالليل نجمة بسمانه .. بويه كَضه اللي جان يحسب كَضانه ....)
اليكم ايها الشرفاء ... يا من سقيتم الارض بدمائكم الطاهرة ..
{نيرودا_اليندي }
في قلبِ سانتياغو
ارتدى نيرودا صباحَهُ البارد من حلْقهِ
يخرجُ دخانُ قصائد
ماتليدا
الثورة
الفاشيست
بين الأبيض والأسود رصاصٌ مستوردٌ
يثقبُ قلباً
اليندي
لا يُريدُ الموتِ
أنْ يجنّدَ من خارجِ الحدود
تموتُ عاشقاً هو مهرٌ خالد
ومقطع اخر يدين فيه ( الخيانة) ..خيانة الامس واليوم , لأنها لبست ثوبا وطنيا , انه يجمع كل المتناقضات في نفس القصيدة الواحدة !
رجل الثنائيات الذي يلامس بإصبعه كل الجروح فتشفى الام القصيدة , يلامس عمق المعنى , يلامس كل المعاناة لإبطاله , ضمن نصوص محكية فيها من التدفق المعرفي والفكري والفني ..
لقد استطاع من خلال رؤيته الفنية واللغوية ان يجد مواضيع تتشابه في ثوريتها ووطنيتها متميزة متفردة في معانيها وشخصياتها !
ثم يكمل المشوار في التهكم على الاوغاد السفلة :
أيّها الاوغادُ
كنتُ ابحث عنكم
وها أنتم أمامي
صوّبوا رصاصَكم
لا أُطيقُ رؤيةَ خائن
نيرودا
الوردةُ الحمراءُ قصيدةٌ
لم تكتملْ بعد
يستنشقُها عشقاً
يخرجُ من صدرهِ طيرٌ أبيضُ
اغماضةٌ بيضاءُ
السّمُ
ان غياب الحرية عن الفعل الانساني الحقيقي , يعني غياب الادب والفن والجمال , فحريتنا الناصعة البياض والتي لا غبار عليها , هي التي تعطي الطابع الأخلاقي على ما نقوم به من فعل !
, وبدون هذه الحرية التي ننشد اليها بهذه الضوابط , يتحول السلوك البشري ربما الى سلوك اشبه بالحيواني إ
لذلك هي تعتبر من أهم المشاكل الأخلاقية !
كيف له ان يغفو ودجلة حزينة !
والدمعة عزيزة !
هنا ينشطر قلب المناضل عبد المحسن السعدون شطرين حبا للوطن والحياة امام الانتحار والموت على الخيانة !
خطاب فيه احتفالية حافلة , يتحد الشاعر مع موقف السعدون وينفتح على الواقع بنسيج وطني يمتزج بذات الصلة للذات العراقية التي جمعتهم معا , حتى يتماهى الشاعر مع الشخصية والنص الى أسمى حالاته ويصبح ضمن عوالم المناضل الوطني بكل منظومته الحسية والفكرية :
اليك ايها السعدون ..
هي التي يجب . . .
لا تُريدُ شمسَها أنْ تغيبَ عن بغداد
حوارُ الطرشان
ما عرفوا أنّ باسقاتِ السّوادِ عصيّةٌ على الانحناء
لكنَّ الظّلامَ دوماً
يحتفظُ بخناجرِه
الدّمعةُ عزيزةٌ بعينِ دجلة
ينشطرُ عبدُ المحسن
نصفاً لربِهِ
ونصفاً لوطنهِ
حدّاً
لا يتجزأُ
يسترجعُ
يختارُ الاصعبَ
النّصفَ الفارغَ من الكأس ..
صناعة النص وأهمية الابداع في شاعرية وشعرية الاديب العراقي عبد الجبار الفياض !
يعتمد الشاعر على مرجعية مهمة بين الدال والمدلول هي الارضية التي عاش عليها خلفيته الثقافية والسياسية والوطنية التي اسست لأفكاره وفلسفته وجعلت له مفاهيم خاصة قد تلتقي او تتقاطع مع الاخر لذلك هي قصائد تحتوي على مستوى عميق وليس لها اي شكل اخر للتأويل لأننا امام قضية كبيرة هي الحرية كما نشد اليها ايلوار!
بالإضافة الى تركيزه على البلاغة الصورية وإمكانات السرد العميق في العمل الابداعي ينتج لنا طاقة شعرية مليئة بجمالية الصورة ومفاهيم للحرية من خلال مفهوم الشعر .
ويؤكد لنا هذا التحليل على ان التفاعل بين الابداع والشاعرية في صناعة النص عند الشاعر تعتمد على كونه ينطلق من ارضية لها خلفية ومرجعية لعشق الحرية والدفاع عنها بالحرف والكلمة والصورة والجملة الشعرية ! ويهتم بصناعة النص كثيرا لما لها أهمية الابداع في شاعرية وشعرية واضحة ..
اما ما يتعلق في زمن القصيدة فانه أعتمد على الاختزال بكثافة تسمح له ان يفتح الزمن على ابوابه , لان المكان هو ثابت والأفكار تتصارع به !
لذلك بالمنتوج هو : صور بلاغية تؤدي وظيفتها الشعرية والجمالية .
لوركا , اسبانيا , العسكر , الرصاص , الدكتاتور فرانكو , ,التمرد , الحرائق , البنادق ,الى اخره من دموية فاشية :
لوركا الشاعر والفنان والمسرحي والموسيقي الذي يحمل انسانيته في قلبه وأفكاره , يحمل في اشعاره الموسيقا والصور الانسانية , والرؤيا الى ضمير ووجدان للشعب الاسباني والعالم بأسره , ولتصوير الواقع ولذاته , لوركا ذلك الملتزم الذي عشقه الشاعر الفياض ودخل الى حيز نفسه في التعبير والتصوير الانساني , بكل الانفعالات والآلام , التي عاش بها ! " يغتال من قبل مجهولين من اتباع الدكتاتور فرانكو في الحرب الاهلية ..ولم يعثر على جثته , كما تنبأ في احدى قصائده "..
احرقوا القصائد ..
{لوركا}
فرانكو
يُعلّقُ بزتَهُ العسكريّة
وليّاً لعهدِهِ
لا يُحبُ أحداً أنْ يُحبَهُ
دعوا الرّصاص يمضي
انه يشم رائحة التمرد
الظّلامُ مُخيفٌ
لكنّهُ جبان
القصيدةُ عودُ ثُقاب
ليسَ بمقدورِ فوّهاتِ البنادق أنْ تحميَ تلالَ القش
احرقوا القصائدَ
لوركا
هذا الكبريتُ الأحمرُ
أنا لا أخافُهُ
لكنْ
أخافُ أنْ يصدقَهُ ظلّي
الشّعرُ
عدوٌ لا يُمسكُ أرضاً
ليسَ في سمائي إلآ نجمي ..
اخيرا ..
وفي اطار الحرية ايضا ,, هذه ,, لابد للإنسان ان يعيش حرا , وان ينعم بالعالم ومن حواليه , وان يحترم كمخلوق بشري !
هنا يرتبط مفهوم الحرية في العمل الادبي والإبداعي الذي يخلقه الشاعر من اجل التفاعل بين الابداع والعملية النقدية وبين رأي القارئ على ضوء طرح النص الشعري الجمالي في صورة مكتنزة من حيث المعنى واللغة والصوت , صور كأنها تعزف على اوتار قيثارة سومريه .
لقد ابحرنا في هذه القصائد الشعرية المليئة بالموسيقا والجاذبية في التصوير واستخدام الاستعارات بين المرئي والمكتوب , بين الجمر والرماد لإنتاج قصيدة فيها من الكثافة اللغوية , قصائد كتبت في هندسة معمارية فيها من التاثير والتاثر البالغ والواضح من خلال التعمق في ايقونات التاريخ الوطني المشرف والمشرق للإنسانية , مسلة المناضلين الشعرية التي جاء فيها ما تخيل منه بالكلمة والجملة والايقاع ..
مع خالص التحية ..
نعمة يوسف
بغداد هولندا
حروف الحرية .. في مسلة شعرية عراقية !
قراءة نقدية
نعمة يوسف .. بغداد / هولندا
ذلك الذي يموت في سبيل الحرية لا يقضي نحبه في سبيل وطنه وحده , بل في سبيل العالم بمجموعه .
"خريستو بوتيف"
لماذا قصائد في الحرية ؟
والحرية تكونت منذ بدء التاريخ !
مقدمة ..
تنشأ الديمقراطية على مبادئ الحرية التي تقوم على مفهوم نوعي ايجابي يتضمن مبادئ حقوق الانسان ,لان الحرية تجسد قضية انسانية تعبر عن ملكية الانسان لفكره ولإرادته , وتمنحه شعور المواطنة الكاملة وتعمل على تحرير عقله وتعزيز بديهيته ونفاذ بصيرته وتقوده الى تعميق مشاعر الود والاحترام بين الافراد والشعوب.
ان ظهور الديمقراطية الحديثة لا يقل في اهميته الاجتماعية عن ظهور الدولة , فالدولة قضت على التقاتل القبلي والديمقراطية قضت على التقاتل السياسي.
ان أحدى العقبات التي تواجه الحرية والحركة الديمقراطية في الحياة , عموما , هي النزعة الذاتية القوية نحو السلطة الحكومية والدكتاتوريات التي عاشها الشاعر العراقي الاديب الاستاذ عبد الجبار الفياض , واكتوى ايضا بنارها وجمراتها , كان مناضلا معروفا في مواقفه الوطنية في كل العهود السابقة وليومنا هذا !
بنية القصيدة وعناصرها ..
لابد من تحليل دقيق جداً للنص الادبي لما يحمل من رؤية جمالية , تعتمد الموضوعية التي تجعلنا ان نعمل على تفسير معطيات النص وخصوصياته وكيفية التعامل معه وإدارة عملية التحليل لكل شاردة وواردة في متن النص .وبالتالي الناقد يعمل على ايجاد منطلق الابداع التي تتوفر بالنص الادبي من خلال مواصفات يختارها كالتعبير والرمز واللغة وطراوتها بالإضافة للبحث عن الاناقة الحديثة في كتابة الشعر على لسان الشاعر..
وكما نعلم بان شراب الشعر لذيذ جدا , لا نعرف من اين يتكوّن وما هي عناصره , لاختلاف قرائح الشعراء والشواعر , لذلك في بعض الاحيان ان الناقد او المحلل يصل الى باب المعبد دون يدخل , لما في الشعر من غموض وتأويلات قد تكون فيها وجهة نظر متعددة !
وكانت تجربتي مع الاستاذ الشاعر الفياض متنوعة في هذا المجال ! ونحن هنا وبكل ثقة نؤكد على مكونات الوعي الادبي او الذوق الفني , للشاعر , والقارئ , والناقد ..
اما الشاعر فكذلك قد يحتاج الى وقت من الهدوء والسكون للانتقال من مجموعة شعرية الى اخرى كي لا يكرر نفسه في ما يكتب كي يعطي للقارئ اسراره الشاعرية !
ونحن هنا بدورنا نشير الى ما هو الغث والسمين .. وما هو النقي من غير النقي , ونميز الجميل من القبيح ونسحب من القصيدة ما ينتمي لكل العوالم الاخرى في فن القول من النثر ..
ونبحث ايضا في التوافق والشعر والموسيقا والإيقاع في الارتباط العضوي مع بعض , نبحث عن التناسق في الاستعارات الشعرية التي ترتبط في اللغة كي نصل الى الذروة واللذة عبر تلك النغمات التي تصدر من روح القصيدة ..
وأنا رأيت شاعرنا الفياض اجاد الغناء في هذه القصائد, بصوت عال كان هو جوهر الشعر في رقته وقوته كالحرير ناعم وقوي , حتى وضع امامنا صوراً بصرية مثيرة فيها ذائقة جمالية خالية من الشوائب !
وجدت ايضا اثناء الغوص في هذه القصائد , هناك ثروة من الشاعرية في متون النصوص وعثرت على لألئ شعرية في قاع كل قصيدة يتمتع بها الشاعر في افضل ادواته , فنراه يترنم بحماس وثورية محلقا بفضاءات الثورة المستمرة !
ثم يستعد في تنظيم دقيق وترتيب لمقاطع أجمل بالإضافة الى التوازن في الاسلوب الذي لا ينفصل عن النص ومضامينه ولاعن الصور التي يحملها ..
شاعر طيب وصادق وأمين , أختار من عبق ثقافته المتنورة فكرياً , مناخات مختلفة لمحاربين شرفاء أبطال تغنى بهم بحوارات رسمت كالقصائد , ثوار تركوا لهم بصمة في التاريخ المعاصر !
ليبيا عمر المختار , الشيلي نيرودا - والليندي , العراق بغداد والسعدون , كنفاني وفلسطين الى لومومبا والكونغو , ثم الاسطورة الكبيرة الواقعية تيشي جيفار الارجنين والعالم , حتى رجل المحبة والسلام غاندي ابو الهند , ومارتن لوثر والعظيم هوشي منه واخيراً قيثارة السلام فيكتور جارا ، والخطابات الانسانية من أجل الحرية والتعايش البشري من دون لون أو تمييز عنصري , و وصولا الى رجل الاعتذار والمحبة والتسامح السجين المناضل نلسن مانديلا !
مانديلا صانع المحبة والاعتذار والتسامح .. هكذا جاء في بند من بنود هذه المسلة الشعرية للثوار والأحرار في كل بقاع العالم ...:
مانديلا .. اليك اقول :
خيطُ الفجرِ الأفريقيّ
أيّها الحرسُ
ليلنُا يتنفسُ برئةٍ واحدة شمسُنا واحدة
تزورني أحياناً
ولو من كُوّةٍ صغيرة فالزنزانةُ ليستْ قاسيةً طولَ الوقت
حطّموا زنازينَكم
افريقيا
تُحبكمْ كذلك !
في صباحٍ
أخذَ اشراقَهُ من جبينِ الثورة
تبدّدَ الوهمُ عبرَ زمنٍ مُرتَهَن
تمتدُّ يدٌ سوداءُ معروقة
تحملُ غصنَ زيتونٍ
الحُبُّ
يُبنى بكُلِّ الالوان !
عبد الجبار الفياض شاعر سومري من البصرة الفيحاء .. ثغر العراق الباسم ..
هو رجلٌ من سومر أحبّ هذه الحروف .. فرسمها لنا لوحات جميلة ..بطعم الحرية ولون الحياة ..
لذلك , الحرية تلك هي الكلمة التي تؤكد على فلسفة الشاعر الوطني , التي وزع معناها في مناخات وفضاءات من المواضيع النضالية المتعددة , وهي تحظى باهتمام كبير منذ الخليقة ليومنا هذا .
فالحرية تعتبر الخاصية الأساسية والصبغة المميزة التي تميز الكائن البشري عن الحيوانات , وتحافظ على إنسانيته فيه !
هكذا كتب الشاعر هذه القصائد المزكاة بالروح الوطنية لكل انسان ومناضل !
هكذا اراد الشاعر ان يقدم نفسه لنا ايضا !!
قصائد شعرية مصورة بالألم والمأساة ! يحركها الوجدان والضمير !
هكذا صوت الشرفاء والمناضلين , كان يحاورهم , وبنقاشهم في هذا السفر الجميل الممتد من الشعر الى السرد ! في الفعل والحركة , في الاسطورة والواقع , في التماهي و توظيف الرمز , من خلال حوارات داخلية وأصوات تحاور البطل تكشف لنا عن احاسيس الشاعر بذلك الرجل الاسطوري !
نجد تحت رماد كل قصيدة هناك جمرات مازلت متقدة , وأيضا هناك انبعاث للحياة , وانفجار صوب الحرية ,هي ثنائيات عديدة أشتغل عليها الشاعر في كل قصيدة من هذه المسلة الشعرية !
كان متالقا جدا وانيقا ,ورشيقا في تعامله مع توظيف الرمز شعريا وإنسانيا ووطنيا !
والسبب في ذلك على ما اظن , لأنه كان يعبر عن ذاته في الحياة التي تشبه لحد ما ما عاشه الثوار من ظروف قسرية تحت مطرق الدكتاتوريات كان هذا واضحا وجليا من خلال الاشارة والتلميح والترميز , والانزياح الذي بدا واضحا في حياة الشاعر اللغوية والشعرية ..
يحاور من دون ملل او كلل .. اليك يا جيفارا :
{جيفارا}
سيكارٌ كوبي
يحشو فماً
يحتسي خمرةَ الفقراء
قبلَ أنْ يُمازحَ زنادَ بندقيتهِ الادغالُ وفيّةٌ للثوّار
تشي
يلوكُ الزّمنَ بلذة
يوغلُ في وجعهِ
في قلبهِ
تنبضُ شرايينُ المسحوقين في الارض
لتكنْ خارطةُ الكونِ بلونِ السّماء
يتوسّد ذراعَ الموت
لا ترقُّهُ حبالُ المال
الياقاتُ البيضاءُ
كم هي رقيقةٌ في عُلبِ اللّيلِ ودمويّة
في احراشِ بوليفيا
كاتانكا
فيتنام
الرّصاصُ
لا يثقبُ قرصَ الشّمس !
وتبعا لما يحدث امام عين الشاعر , من خلال مداركه في هيجان الذات الشعرية , لبناء صورة جديدة لصناعة نص بصري يعتمد على أهمية الابداع في ما يأتي :
الشعرية والشاعرية على حد سواء .. والانزياح اللغوي والخيال والمخيلة , وأثارت المخيلة في تجديد طاقة الصوت الداخلي والإيقاع والموسيقا , حتى وجدت ان الشاعر الفياض اصبح مغنيا في كتابة قصائده !وفاض لنا محبة وطيباً .
كما قرأت بعمق وتركيز وصفاء ذهن وجدت , ان الشاعر ينتمي الى منظومة كبيرة متعددة في الحس والمشاعر , ينادي رموزه بحواسه جميعا , من اجل انتاج صورة بصرية مليئة بالشعرية والشاعرية , فيها من المستوى الشعري الانيق , الجمال والإبداع والتأثير والإحساس من اجل ذائقة جمالية للقاريء او المستمع الكريم !وتليق ايضا بهم جميعا عبر جدلية العلاقة التي رسمها لنا في هذه المسلة في جمالية الصورة واللغة !
يخاطب عمر المختار ذلك الانسان الزاهد البطل المناضل في سفره هذا راجيا منه :
عمر المختار ..الى اين انت ؟؟؟؟
يسافرُ في الصّحراءِ صوت ذرّاتِ رملٍ في عيونِ الغرباء
إنّك شيخٌ كبير
الأصفرُ
الأبيضُ
ترممُ به ما فاتكَ من سنواتٍ قاحلة
لا
هذهِ الصّحراءُ عباءةٌ
ليستْ لبيع
أعمدةُ الخيامِ آخرُ المقاتلين
لذلك ارى ان هذه القصائد بما تحتوي من علاقات داخلية وخارجية ترتبط ارتباطا عضويا في حياة الشاعر الإنسان و ترافقه ( كاصول الانثروبولوجيه ) التي تبحث في اختلاف ثقافته وتبحث في شخصيته الاساسية , وعن حركته في امتداد فعله , بالكلام او استقلال الرأي والتعبير عنه او المعارضة او التمرد او الوقوف بوجه الاستعمار او الانظمة القمعية , كل هذا يتعلق بالحياة , بشروط الابداع والتطور الحقيقي للمجتمع والإنسانية , في كل زمان ومكان .
وهذه الانثروبولوجية تنطبق على كل مناضل ورد اسمه في هذه المسلة الشعرية .. بما فيها شاعرنا الكريم !
ومن خلال تخصصي ( كناقد وشاعر وجدت في هذه (المسلة الشعرية ) للأديب عبد الجبار الفياض من حيث الشكل والمضمون والعلاقات المتعددة التي ترتبط في حركة القصيدة من موسيقا وشعر وإيقاع وأصوات داخلية ! ) ما جعلني ان ارد عليه بهذه القراءة الفنية التي اراها الوجه الاخر لما كتب في المسلة من معنى للحرية والنضال من اجل التحرر والسلام !
وجدتها ايضا تشكل الحرية بالنسبة لي ..هي الجمال والفن وهي الحياة , وهي المفاتيح الحقيقة للمستقبل الزاهر ومن دونها تصبح الحياة تافهة ولا تستحق ان تعاش ,وأننا نصنع السعادة والفرح والمحبة للناس لابد من حيز مهم جدا للفنان والأديب والشاعر !
والحرية هي ايضا تعني بحقوق المضطهدين المثقلين بسلاسل العبودية الملتفة حول اعناقهم !
هي تحشيد لكل القوى الجسدية والمعنوية على حد سواء ! من اجل تحطيم تلك الاغلال !
هنا في عمق القصائد هذه رأيته محاوراً لذاته و لنفسه عن تلك الايام التي عاشها هو ايضا ,
بين الموت والحياة بين كل المتناقضات , بين الابيض والأسود, بين الدم والوردة , بين اللقاء والتوديع بين يعيش ويسقط , كل هذه العلامات شكلت له الابعاد الدلالية لكل الإحداث وكان متألقاً بحق .
قلبه في العراق وينبض مع شيلي اثناء واد الديمقراطية من قبل العسكر الفاشست , كأنه يذكرني بأغنية عراقية تعاطفت مع شعب شيلي ابان الهجمة الشرسة على نظام الديمقراطية هنا ..ومطلعها يقول :
(بشيلي تمر بالليل نجمة بسمانه .. بويه كَضه اللي جان يحسب كَضانه ....)
اليكم ايها الشرفاء ... يا من سقيتم الارض بدمائكم الطاهرة ..
{نيرودا_اليندي }
في قلبِ سانتياغو
ارتدى نيرودا صباحَهُ البارد من حلْقهِ
يخرجُ دخانُ قصائد
ماتليدا
الثورة
الفاشيست
بين الأبيض والأسود رصاصٌ مستوردٌ
يثقبُ قلباً
اليندي
لا يُريدُ الموتِ
أنْ يجنّدَ من خارجِ الحدود
تموتُ عاشقاً هو مهرٌ خالد
ومقطع اخر يدين فيه ( الخيانة) ..خيانة الامس واليوم , لأنها لبست ثوبا وطنيا , انه يجمع كل المتناقضات في نفس القصيدة الواحدة !
رجل الثنائيات الذي يلامس بإصبعه كل الجروح فتشفى الام القصيدة , يلامس عمق المعنى , يلامس كل المعاناة لإبطاله , ضمن نصوص محكية فيها من التدفق المعرفي والفكري والفني ..
لقد استطاع من خلال رؤيته الفنية واللغوية ان يجد مواضيع تتشابه في ثوريتها ووطنيتها متميزة متفردة في معانيها وشخصياتها !
ثم يكمل المشوار في التهكم على الاوغاد السفلة :
أيّها الاوغادُ
كنتُ ابحث عنكم
وها أنتم أمامي
صوّبوا رصاصَكم
لا أُطيقُ رؤيةَ خائن
نيرودا
الوردةُ الحمراءُ قصيدةٌ
لم تكتملْ بعد
يستنشقُها عشقاً
يخرجُ من صدرهِ طيرٌ أبيضُ
اغماضةٌ بيضاءُ
السّمُ
ان غياب الحرية عن الفعل الانساني الحقيقي , يعني غياب الادب والفن والجمال , فحريتنا الناصعة البياض والتي لا غبار عليها , هي التي تعطي الطابع الأخلاقي على ما نقوم به من فعل !
, وبدون هذه الحرية التي ننشد اليها بهذه الضوابط , يتحول السلوك البشري ربما الى سلوك اشبه بالحيواني إ
لذلك هي تعتبر من أهم المشاكل الأخلاقية !
كيف له ان يغفو ودجلة حزينة !
والدمعة عزيزة !
هنا ينشطر قلب المناضل عبد المحسن السعدون شطرين حبا للوطن والحياة امام الانتحار والموت على الخيانة !
خطاب فيه احتفالية حافلة , يتحد الشاعر مع موقف السعدون وينفتح على الواقع بنسيج وطني يمتزج بذات الصلة للذات العراقية التي جمعتهم معا , حتى يتماهى الشاعر مع الشخصية والنص الى أسمى حالاته ويصبح ضمن عوالم المناضل الوطني بكل منظومته الحسية والفكرية :
اليك ايها السعدون ..
هي التي يجب . . .
لا تُريدُ شمسَها أنْ تغيبَ عن بغداد
حوارُ الطرشان
ما عرفوا أنّ باسقاتِ السّوادِ عصيّةٌ على الانحناء
لكنَّ الظّلامَ دوماً
يحتفظُ بخناجرِه
الدّمعةُ عزيزةٌ بعينِ دجلة
ينشطرُ عبدُ المحسن
نصفاً لربِهِ
ونصفاً لوطنهِ
حدّاً
لا يتجزأُ
يسترجعُ
يختارُ الاصعبَ
النّصفَ الفارغَ من الكأس ..
صناعة النص وأهمية الابداع في شاعرية وشعرية الاديب العراقي عبد الجبار الفياض !
يعتمد الشاعر على مرجعية مهمة بين الدال والمدلول هي الارضية التي عاش عليها خلفيته الثقافية والسياسية والوطنية التي اسست لأفكاره وفلسفته وجعلت له مفاهيم خاصة قد تلتقي او تتقاطع مع الاخر لذلك هي قصائد تحتوي على مستوى عميق وليس لها اي شكل اخر للتأويل لأننا امام قضية كبيرة هي الحرية كما نشد اليها ايلوار!
بالإضافة الى تركيزه على البلاغة الصورية وإمكانات السرد العميق في العمل الابداعي ينتج لنا طاقة شعرية مليئة بجمالية الصورة ومفاهيم للحرية من خلال مفهوم الشعر .
ويؤكد لنا هذا التحليل على ان التفاعل بين الابداع والشاعرية في صناعة النص عند الشاعر تعتمد على كونه ينطلق من ارضية لها خلفية ومرجعية لعشق الحرية والدفاع عنها بالحرف والكلمة والصورة والجملة الشعرية ! ويهتم بصناعة النص كثيرا لما لها أهمية الابداع في شاعرية وشعرية واضحة ..
اما ما يتعلق في زمن القصيدة فانه أعتمد على الاختزال بكثافة تسمح له ان يفتح الزمن على ابوابه , لان المكان هو ثابت والأفكار تتصارع به !
لذلك بالمنتوج هو : صور بلاغية تؤدي وظيفتها الشعرية والجمالية .
لوركا , اسبانيا , العسكر , الرصاص , الدكتاتور فرانكو , ,التمرد , الحرائق , البنادق ,الى اخره من دموية فاشية :
لوركا الشاعر والفنان والمسرحي والموسيقي الذي يحمل انسانيته في قلبه وأفكاره , يحمل في اشعاره الموسيقا والصور الانسانية , والرؤيا الى ضمير ووجدان للشعب الاسباني والعالم بأسره , ولتصوير الواقع ولذاته , لوركا ذلك الملتزم الذي عشقه الشاعر الفياض ودخل الى حيز نفسه في التعبير والتصوير الانساني , بكل الانفعالات والآلام , التي عاش بها ! " يغتال من قبل مجهولين من اتباع الدكتاتور فرانكو في الحرب الاهلية ..ولم يعثر على جثته , كما تنبأ في احدى قصائده "..
احرقوا القصائد ..
{لوركا}
فرانكو
يُعلّقُ بزتَهُ العسكريّة
وليّاً لعهدِهِ
لا يُحبُ أحداً أنْ يُحبَهُ
دعوا الرّصاص يمضي
انه يشم رائحة التمرد
الظّلامُ مُخيفٌ
لكنّهُ جبان
القصيدةُ عودُ ثُقاب
ليسَ بمقدورِ فوّهاتِ البنادق أنْ تحميَ تلالَ القش
احرقوا القصائدَ
لوركا
هذا الكبريتُ الأحمرُ
أنا لا أخافُهُ
لكنْ
أخافُ أنْ يصدقَهُ ظلّي
الشّعرُ
عدوٌ لا يُمسكُ أرضاً
ليسَ في سمائي إلآ نجمي ..
اخيرا ..
وفي اطار الحرية ايضا ,, هذه ,, لابد للإنسان ان يعيش حرا , وان ينعم بالعالم ومن حواليه , وان يحترم كمخلوق بشري !
هنا يرتبط مفهوم الحرية في العمل الادبي والإبداعي الذي يخلقه الشاعر من اجل التفاعل بين الابداع والعملية النقدية وبين رأي القارئ على ضوء طرح النص الشعري الجمالي في صورة مكتنزة من حيث المعنى واللغة والصوت , صور كأنها تعزف على اوتار قيثارة سومريه .
لقد ابحرنا في هذه القصائد الشعرية المليئة بالموسيقا والجاذبية في التصوير واستخدام الاستعارات بين المرئي والمكتوب , بين الجمر والرماد لإنتاج قصيدة فيها من الكثافة اللغوية , قصائد كتبت في هندسة معمارية فيها من التاثير والتاثر البالغ والواضح من خلال التعمق في ايقونات التاريخ الوطني المشرف والمشرق للإنسانية , مسلة المناضلين الشعرية التي جاء فيها ما تخيل منه بالكلمة والجملة والايقاع ..
مع خالص التحية ..
نعمة يوسف
بغداد هولندا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق