*
الأديبة والشاعرة التونسية فاطمة سعد الله
عندما نقول الواحات نقول الكرم ،نقول الصفاء
والنقاء وشاعرتنا ابنة الواحات أصيلة قبلي المشهورة بدقلة النور، ومن قبلي وواحاتها
وطبيعتها الساحرة نهلت شاعرتنا "حبّ الطبيعة والحج إلى ظلالها الوارفة
"-والتعبير لها –فعشقت الانفتاح والاتساع .
بعد الطفولة والتشبع بقيم البداوة انتقلت
الطفلة اليافعة إلى مدينة قابس حيث زاولت تعليمها الثانوي ونالت شهادة الباكلوريا شعبة
الآداب ورغم تفوقها الدراسي عاشت أديبتنا لاول مرة فوجدت في القلم متنفسا لها فأقبلت
على الكتابة بتشجيع أساتذة أكفاء تنبؤوا لها بمستقبل واعد وطبعوا بصماتهم على شخصيتها
.
تحصلت أديبتنا فاطمة سعد الله على شهادة
الأستاذية في اللغة العربية وشهادة تكميلية في الفرنسية المعاصرة ولغة الصحافة ودخلت
معترك الحياة العملية في تونس ثم في الكويت كأستاذة في لغة عربية ثم دخلت الحياة الزوجية
وظل هاجس الكتابة يراودها فبعد الكتابات المحتشمة التي كان مآلها أدراجها المخفية رأت
كتاباتها النور حيث نقلت بعض القصص الموجهة للطفل من الفرنسية إلى العربية وأعجبتها
الفكرة فأقبلت على الكتابة فكانت مجموعتها القصصية الأولى :" الزواج الأبيض
" التي نشرت سنة 2006
ثم رواية "الصعود إلى الأعماق
" 2008
ديوان "أمواج وشظايا " 2015
وديوان "حبر الياسمين" 2017 المحتفي
به
أديبتنا متعددة المواهب فمن القصة والأقصوصة
إلى الرواية والشعر إلى الترجمة والنقل فإلى جانب نقل أعمال لطيفة ربانة إلى العربية
:تونس محتفى 2003 وتونس واحتي سنة 2005ترجمت أعمال شعرية لمجموعة من الشعراء: يعقوب
أحمد يعقوب والشاعرة إيمان مصاروة والشاعر فريد غانم من فلسطين والشاعرة عبدة الزراعي
من اليمن وغيرهم
شاركت رئيستنا في تحكيم عدة ملتقيات منها
ملتقى القصة القصيرة جدا بمساكن وتحكيم عدة مسابقات في شعرية بمجموعات فايسبوكية متعددة
منها واحات الشعر وجمعية إبداع الثقافية وملتقى الأدباء
وهي عضو باتحاد الكتاب التونسيين منذ سنة
2009
رئيسة جمعية ملتقى الحرف الأصيل الثقافية..ورئيسة
فرع ولاية أريانة لجمعية اللغة العربية الرقمية.حاصلة على الكثير من شهادات التكريم
لا مجال لذكرها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بسم الله
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بسم الله
تقديم المجموعة الشعرية "هويّتي واحةُ
نخيلٍ"للأديبة فاطمة سعدالله
بقلم الشاعرة جميلة بلطي العطوي
التقديم: يقول الطبيب والكاتب الأمريكي
:أوليفر وندل هولمز 1809/1894:"الوطنُ
هو المكانُ الذي نحبّه وهو المكانُ الذي قد تغادره أقدامنا لكنّ قلوبنا تظلّ فيه".
هذه قولة تحيلنا على مفهوم الانتماء باعتباره مفهوما قديما /حديثا يجسّد تعلّق المرء
بأسرته ،بمسقط رأسه أو بمجتمعه عموما. ذلك الانتماء إلى الأرض باعتبارها موطن النشأة
فإن فارقناها يظلّ الحنين إليها هاجسا يرنّ في كوامن الذات.
والشعورُ بالانتماء حالةٌ طبيعيّةٌ تنتابُ
الكائن وتؤثّر فيه فيعبّر عنها بما يملك من وسائل شفويّة كانتْ أو كتابيّة كماهو الحال
فيما سنطرحه من خلال الحديث عن ديوان الأديبة "فاطمة سعدالله" (هويّتي واحةُ نخيلٍ) .
الأستاذة الأديبة فاطمة سعدالله في كلمتيْن
هي ابنةُ الجنوب التونسي ،تحديدا من مدينة ڤبلّي،ربيبةُ واحاتِ النخيل لذلك لن نستغرب
حرصها على تكريس مفهوم الانتماء إلى موطنها الأم مجسّداً في عنوان الديوان " هويّتي
واحةُ نخيلٍ".
الواحةُ إذن تتغلغلُ في ذات الشاعرة فيهزجُ
صوتُها رقراقًا يتغنّى بها أرضاً وانتماءً وحياةً ليظلّ النخيلُ وشْمًا في الذاتِ تشدّ
إليه الشاعرةُ الرّحالَ كلّما طغت الذكرى واشتدّ ضجيجُ الحنين.تقولُ في قصيدة
"نخلة جدّي":
في ظلّ نخلةِ جدّي
أفْرِشُ سجّادًا قديمًا
أرتّبُ مِنْضدتي الصغيرة
محبرتي..
قلمي..
أوراقَ أحلامي..
وهويّة..
كما نتبيّن من بنْيةِ العنوان الذي ورد
جملةً اسميّة أنّ فاطمة سعدالله انطلقت من "هويّتي"/ مبتدأ باعتبار الهويّة مفهوما عاما يفيد حقيقة الإنسان
المطلقةَ وصفاتِه الجوهريّةَ ثم حدّدتها / أخْبَرتْ عنها بِ " واحة نخيل"
لتعطيَ المعنى دقّةً أكثر تكريسا لما ذكرنا سابقا عن موقفها من قضيّة الانتماء.
استمع إليها تقول في قصيدة " أنامل
النور":
تغرسُني جدائلُ التاريخ في..
واحةِ نخيلٍ –جذوراً
ذهبيّةَ الأحلام..
عسليّةَ الأنغام..
تُمورًا
تنادي يا أمَّ الجنوبِ
يا ابنةَ حضاراتِ الجدود
تعاليْ..
اُكتُبيني
بأناملِ النورِ..
في..
مساء الشعر قافيةً..
غير أنّ المُتفحّصَ للمجموعة الشعرية
"هويّتي واحةُ نخيلٍ" للشاعرة فاطمة سعدالله يتبيّن أنّ مفهوم الهويّة لديْها
يفيضُ فيتجاوزُ معناه التقليدي المحدود والمتعلّق بمسقط الرأس والوطن ليطرج انتماءً
من نوعٍ آخر أو هويّة أخرى تنضوي تحت رايةِ المجتمع الإنساني،وهو توجّهٌ يشي بصوْتِ
أديبةٍ ملتزمةٍ تتبنّى قضايا الإنسانِ حيثما وُجِدَ وهي كما يقولُ "تشي جيفارا/
1928/1967: " إنني أحسّ بألم كلّ صفعةٍ توجَّه إلى مظلومٍ في هذه الدنيا فأينما
وُجِدَ الظلمُ فذاك وطني"
وانطلاقاً من إيمانها بالإنسانِ وقضاياهُ،
تشهِرف الشاعرةُ حرفَها سيْفَ حقٍّ بهِ تُدافِعُ عنِ المظلومين، تقولفي قصيدة
" الدكية مطلَّقة" حديثا على لِسان طفلةٍ أُرغِمتْ على الزواج المبكّر في
اليمن:
ابنةُ العشرِ أنا
دُمْيةٌ مكسورةٌ أنا
أعودُ إليْكِ وقدِاغْتُصِبتْ كنوزي
جوازَ عِفّتي
فعلَ بي ما حذّرْتِني منه دوْماً
فاعْذُريني
عروسٌ مطلَّقةٌ أنا
شظايا دمْيةٍ أنا
أعودُ إليْكِ
فضُمّيني.
ويتداعى مفهومُ الأمومةِ في ذهنِ الشاعرة
فاطمة سعدالله لتطرَحَ العلاقةَ الأزليّةَ بيْن الأمّ والطفْلِ بل تتحدّثُ عن منزلة
الأمّ "معينَ حياة".تقولُ في قصيدة " من دونك أمي":
عشّ الحمام تتقاذَفُه الريح
بيضةٌ واحدةٌ في انتظار جناحك
وتكونُ نقْرةُ الحياة
أمّي ...
الزغاليلٌ زٌغْبُ الجوانحِ
بعدكِ ..أمّي.
إحساسٌ يغزو النفسَ، يضخّ في وجدانِها صوْتَ
شكوى،استغاثةَ اليتيم يهزُجُ ببراءة الطفولةِ،
تعبيراً صادقاً
ينفي الحياةَ تحت كلْكلِ الفقْدِ ،وأيّ
فقدٍ! إنها الأم،غيابُها يخدر كلّ معني.تقولُ في قصيدتها " رثائية طفل":
أمي..أيّتها النسمةُ الليلكيّةُ
تعاليْ..تعاليْ إليّ
أو قولها :
أدركيني..أدركيني
سنواتي العشْرُ لم تعُدْ تصدّقُ الأوهامَ
أحتاجُكِ أمي..دفئاً أبديّا
فلماذا ترجلُ شمسُ الأمهاتِ؟
النزعةُ الإنسانيّة في كتابات الأديبة فاطمة
سعدالله نزعة طاغية وهاجسٌ ترخرُ به كتاباتُها النصريّة والشعريّة على حدّ السواء.
أصْغِ إليها تتحدّثُ عن القِيَمِ،عن الحريّة،عن
المساواة والعدالةِ في مجتمعاتٍ أنْهكها التطاحُنُ وباعتْ مايكونٌ به الإنسانُ إنْساناً.تقولف
في قصيدتها "حلْم العدالة":
تحلُمين أيّتها العدالةُ برحلةِ الاهتداء
والطريقُ..والطريقةُ
شائكةٌ قتادْ
متشعّبةُ المساراتِ والأنجاد
جيوشُ الليْل تحاصر الأيّامَ
وتُلْجِمُ الكلامْ
تلْك هي روح الشاعرة ، ابنة الجنوب التونسي
تتماهى مع موطنها الأصغر ووطنها الأكبر فخراً رانتماء يتردّدان في ثنايا القصائد.غير
أنّ الحديثَ عن الآخر لا يقلّلُ من شأنِ
الحديثِ عن الذّاتِ منصهرةً في الآخرأو
منفصلةً عنه،وديوان " هويّتي واحةُ نخيلٍ" يعُجّ بأحوال الذاتِ أوجاعاً و
أشواقًا،أنينا ونزوعًا إلى التجاوز.لنُنْصتْ إليها تصفُ حالةَ الضعْفِ التي تنتابها
حنينا إلى الطفولة وزمنِ البراءةِ.
في قصيدة" ربيع الخريف" :
على بساط الطفولةِ..
تساقط رذاذُ العُمْر
وفي غفْلةِ المساء..أينعتْ زخّاتُه
نَمَتْ..
أذْمرتِ عناقيدُ الأحلامِ
إنها ملجأ تهرعُ اليه الشاعرة تستقي منه
رشَفاتِ حياةٍ تعيدُ إلى الكيان توازُنَه.لكنّ الحنين يقسو أحيانا فيُعمّقُ إحساسَ
المعاناةِ ، تقول في قصيدة "حنين الأجنحة":
أخرسُ هو الحنين
باهتٌ لا يُبينْ.
لتسقطَ الذات في سجن الغربة فيشتدّ الوجعُ.تقول
في قصيدة " من بحرّرُ الشمس؟"
حقلُ شوكٍ هي الغربةف
الانتظار..صبرٌ ومرار..
أنفاسي ..أضاعتْ سكينةَ النبض
على رصيق الفراغ..
إنه إحساسٌ يكبّلُ الذات، يقوّ النزعة السوداويّة
وقد يوهمُ بأنّ الدائرة انغلقتْ اذ تقول في قصيد "قارب مهجور":
تيّارُ الوحدة المشنوقة
يراقصُ المجاديف
وبقايا خريف
على رصيف الانتظار.
لكنها رغم التكبيل تنتفضُ وسرعان ما تستفيق
لينبريَ العقلُ متأمّلا، متحدّيا،باحثاً عن الحلول.تقول في القصيدةُ" تفاصيلٌ وفصولٌ":
إذا شرّحْتُ كلّ التفاصيل
إذا قطّرْتُ نسْغَ التفاصيل
وجدْتُ كلّ شيء يشبهني
أو..
وجدْتُني أشبه كلَّ شيء
بلْ نراها تتماهى مع الكوْن ،تسرعُ إليه
ملاذاً تحتمي به من حصارِ الألم وخلاصاً ..من تفاصيل وفصول:
الجبلُ وثِقْلُ أوجاعي
يتماهيانِ
يتناغمانِ
بتواطئٍ
في الليْل أصبّ صمْتي الطويل.
هناك ..في الطبيعة حيثُ الخُلْوةُ والصدقُ
يكون الحساب،التساؤل عن الذات،عن الحتم،عن المصير،(من تفاصيل وفصول):
أولَدُ من كلّ الفصولِ .. أنا
آخُذُ من كلّ الفصول ..إنا
نتاجُ الحرّ والقرّ ..أنا
غير أنّ هذا النزوعَ إلى التأمّل لا يجتثّ كدَرًا دفينا ،حسرةً على قِيَمٍ ذابتْ
في تردّياتِ التنكّر، تقولُ في قصيدة " احتراق السفن":
لماذا ذبحْتَ الحُلمَ ولمْ تُسمِّ؟
لماذا أذبْتَ الملحَ في كلّ فم؟
ألا ليْتك ما توقّفْت..
ألا ليْتني ما ترجّلت..
تجربةٌ مريرة، صراعٌ بين موجودٍ ومنشودٍ
،طهرٌوصدقٌ يندحران تحت سنابك الزيّفِ والتردّي.
ذلك هو الإنسان يتأرجح بين "الألوهيّةٍ
والحيوانيّةِ" ليستحيلَ كائناً ممزّقا تترصّده المأساةُ.لكنّ شاعرتنا فاطمة سعدالله
تملك سلاحَ التجاوزِ وتستلهمُ من عمقِ المأساة نورًا يذكّرُنا بفطاحل المتصوّفة فإذا
الطريقُ سويّةٌ والرؤيةٌ واضحةٌ.
أصْغِ إليها في قصيدة "ابتهال"
:
على الأرض بجثو جبيني
طوراً
ويقبّل الشمس أطواراً
يشرق التسبيحُ على لساني
تورِقُ شفتايَ نوْرًا ونورْ
حينها تمتلئ الروحٌ نوراً وتنعتق الذاتُ
متحدّيةً تقول في قصيدة" ويتمرّدُ القمر":
لن يرِث هوَانَ برومثيوس
لن ينهش الرّخُّ كبدَه
سيتمرّد القمر
على الإخلال والانحدار
تلك هي فلسفةُ الشاعرة فاطمة سعدالله متمثّلة
في إيمانها بالإنسان كائنا فاعلاً بل رمزًا للفضيلة.فلسفة عبّرتْ عنها
بلغةٍ مميّزة،لغتها التي تبرز مدى التمكّن
من الحرف صياغةً وتوظيفًا. لقد كتبتْ الأديبةُ فاطمة سعدالله النثر كما كتبت الشعر
فأجادت التفنّنَ في القصيد العمودي لكنها مالت إلى قصيدة النثر التي سال حولها حبْرٌ
كثيرٌ بين مهاجمٍ يرى أنّ الإقبال على قصيدة النثر حجة على العجز أمام صوْلة الوزن
والقافية في القصيد العمودي بينما يرى المؤيّدون أنها جنسٌ فنّيّ جديد جيء به لاستكشاف
القيم الشعرية التي يزخر بها النثر من ناحية ومن ناحية أخرى لإفساح المجال أمام الشاعر
حتى يعبّرعن تجاربه ومعاناته بتضمين صور شعرية عريضة تتسم "بالكثافة والشفافيّة"
فتعوّض الوزن في القصيدة التقليدية.
وللشاعرة فاطمة سعدالله موقف واضح من قصيدة
النثر فهي رغم قدرتها على كتابة الشعر الموزون تميل ميلا واضحا إلى قصيدة النثر لما
تجده فيها من حريّة بعيدا عن قيود النظك وقد عبّرت عن هذا الموقف في مناسبات كثيرة
صمن الحوارات .
بل هاهي تعلن ذلك شعراً فتقول في قصيدتها"قصيدة
النثر":
على أزرار الرمز
أتواصل
فهذا بخار الرّوح
حارّ ..مكثّفٌ
ينسابُ جدائلَ ذهبيّة ..على
أكتافِ الشمسِ
أمسح زجاج نافذتي بدلال
أنا القصيدةُ
متجدّدةٌ
متمرّدةٌ
أنا الوليدةُ ...على شراشف الدهشة
أنا المسكونةُ
بالتمرّد..عليّ
على موائد التعليب.
غير آنّ هذا التمرّذ لا يلغي أنْ تنهل الشاعرة
من الموروث قديمه وحديثه فها هي تلْبس جبّة الرومنسي وتهرعُ إلى الطبيعة ملاذاً بل
صديقاً تبثّه همومها وأشواقها حينا وترْكبُها معبراً إلى العالم المنشود أحياناً .لننْصتْ
إليها تقول في قصيدة "لهفة صبح":
يشدّني الليلُ
إلى خاصرة الإصغاء
إلى الاِرتواء..
لعبقِ التهجّد وانسياب التراتيل
هناك تسقط الأحمالُ وتولدُ الرؤأفضلا استبشاراً
بغدٍ أفضلَ.
تقول في قصيدة " عيدٌ وسلام":
الغدُ قادمٌ
والفجرٌ يهطلُ نجوماً وحمامْ
وأعيادًا للفدى والأضاحي
أعياداً تزهرُ على جبين الصباح
نزعةٌ تفاؤليّة تقفزُ بها الشاعرة من واقع
الضيّق والمطبّات
إلى عالم أرحب تمتطي فيه العبارة صهوة الأسطورة
سلاح إبلاغٍ وإمتاعٍ.هاهي تقول في قصيدة "عندما":
عندما ترقص القصائدُ
على حبلِ الغسيل مبلّلةً بالنّوى
سيركُضُ حصانُ طِرْوادةَ بلا سنابك
عندما تفقدُ العصافيرُ طريقَ العوْدة
أهاجرُ..أنا
إلى عمامةِ جبلٍ أشْيَبَ
في انتظار عنقاء ...لم ولن تأتِيَ أبداً
والأسطورةُ في نظر الشاعرة نافذةٌ ترى من
خلالها النورَ والفرح بل هي معْبرٌ إلى عالم التخييلِ والحُلْم باعتباره الوجه الآخر
للشعر كما يقول "هرْبِرْت ريد"(1893/1968).
تقول في قصيدة " للنخيل غصبة":
كم أحتاجُك أيّها المصباح
قل لعلاء الدينْ :
انتظرناك قروناً
فأين ماردك الجبّار؟
نقبّل منه الجبينْ
الخاتمة
لن أنهي هذه الجولة في ثنايا ديوان
" هويّتي واحةُ نخيلٍ"
للأديبة فاطمة سعدالله دون الإشارة إلى
ما تميّزت به الرؤى من حبْكةٍ وتناسقٍ فلئن كان العنوانُ باعتباره العتبة الرئيسية
التي نلج من خلالها إلى الأثريلحّ على مفهوم الانتماء الصيّق فإنّ الشاعرة اتبعت نسقًا
تصاعديّا أرست فيه منهجيّتها الخاصّة ليصبح الانتماء نظرة كونيّة وجوديّة تتناول أحوال الإنسان أينما وُجِد وتنهل من النوروث الأدبي فيتصاعد
المبنى والمعنى لرسم قلم أديبة ملتزمة تملك أدواتها وتنحتُ طريقها لنيل المنزلة التي
تستحقّ.
ولئن ؛انت هذه الإضاءة مجرّد غيْضٍ من فيْضٍ
فإنها تُعَدّ
نافذة تحفّز على المزيد من الغوْص في هذا
الأثر الأدبي لتفتح باب البحث أمام القرّاء والنقّاد بمزيد السبر والتثمين.
القصائد
1
ـــ المدينة ـــــ
1 شوارع المدينة ..خالية
تعج بالصمت والسكون
على جدرانها البيضاء الجميلة
تشابكت خربشات الأطفال ..و
مخاوف الكبار ..
حجاراتها تنبض بالصبر
و ..
الفَخار ..
والعيون ..
تنزف بالحلم ..
تشهد بأن الظلم فاجع
وأن الجبن فاجع
وأن الموت فاجع ..فاجع ..
&&&&&&&&&&&
2 ...عندغروب الشمس ..
تعلّق المدينة الرّعْبَ ...على
حبل الانتظار ..
ويجوب النباحُُ سمْع الساكنة الجديدة
..
ينتحب التوجس عند الشرفة ...مع ..
صرير بابها المكسور
وكوخها الواجم المهجور ...
تصّر الريح أن تصفق النوافذ ..
أن تصفع النوافذ
وما بالكوخ باب ولا نوافذ ..
يهتزّ الكوخ لموعد السفر
تبحث العجوز في جيوب الذكريات
عن
ميراثها من الدفء و الضياء
&&&&&&&&&&&&&&&
3 في مدخل المدينة ...
يربض "أسد بن الفرات "يحمي الديار
من الغزو والغزاة
الجوع قادم
البرد قادم
الموت قادم
والمدينة واجمة
والصبايا يضفرن الأحلام
أكاليل ورد وريحان..
يغزلن من الصبر قصائد فرح حريرية
وخصلات شوق مخملية ..
ترقص في شوارع المدينة
على ايقاع العهود
حتى يتهدّج النداء ..في
حناجر الوجود ..
فاطمة سعدالله ـــ تونس ــــــ
لن ينالوا منك ..بالتعدي ..
على الحرمات..
وبكل الرّهات..
لن يطفئوا نورا ..أضاءه الله ..
وعلا ..كل الشرفات..
وإن تكاتفوا..على الباطل ..
بالتصدّي ..
والتحدّي ..
لن يسكتوا ..صوت الحق ..بالأراجيف ..
وكل التخاريف ...
ليتنا ..مثلهم ..نتوحّد..
على الحق ..على العهد ..
المتجدد ..
لك يانبيّ الله محمد ..
ليتا نكسر قيود الجبن ..
ليتنا نخنق صوت الخوف ..في حناجرنا..
والتردّد..
لن ينكسوا راية الحق والضياء ..
يا سيّد الشرفاء ...
يا آخر الأنبياء ..
ستظل منارة الأديان ..
ولن تُهان..
مهما شوّهوا..
مهما رسموا..
مهما حاولوا ..لن تُهان ..
فأنت المكرّم ..وأنت المُصان..
لا العنف مطلبنا ..
ولا الإرهاب ديدننا ..
يا مدرسة الإخاء ..
يا سيد الأنبياء ..
يا آخر الأنبياء ..
فاطمة سعدالله
طلقة عابرة//
شعر: فاطمة سعدالله
**
من عينيْك ..
طلقةٌ عابرة ..أسقطت طفلة الحقول ..
مضرّجة بالشجون ..
تغيرّ لون السوسن والياسمين..
توشّح الكون...
بسحابات مزن كاذبة ..
وبرقٍ..
يُعْشي الحلم ..
يقيّد الحرف ..
بسلاسل الصمتتتجمّد البسمات ..
على شفاه طفل البراري ..
تنعقد ألسنة السجع والهديل ..
على صومعات الترقب والتمني ..
في مساجدنا .متى.ترفع تراتيل السلام ..
وتنبض بالحب أوردة الخشوع ؟..
والشموع ..
هل تضيء طريق طفل يبكي ..
وأم ثكلى ..
أم ستكون العيون ..
سحابات ماطرة ..
رصاصات عابرة ..؟
تغتال براءة السوسن ..
تشوّه بياض الياسمين ..
هل سيتلو الربيع قُداس الاخضرار
أم في الحناجر ستخنق الهمسات الثائرة ؟
متى سيطلقُ سراح التمني
وتضمد بؤر الوجع
وتنسى المصادرة ؟
فاطمة سعدالله
·
ـــــــ باكورة الأفراح ـــــــ
إهداء إلى إبني أوس حفظه الله.:
عندما طرق الفجر أحشائي ..قال:
استنشقي عطر البيلسان ..
وارفعي عاليا..
هذا الصولجان..
واقطفي باكورة الأفراح ..
توجّعي كثيرا..
تألّمي كثيرا..
بحجم الحدث ..الجديد
بمساحة الحب ..والنبض الحميد ..
أنت ..أم ..
وهذا أوس العطاء ..وليد ..
حبيبي ..عندما خفق نبضك في شراييني ..
عندما ..أشرقت بسمتك على شفتيّ..
حضنت الكون ..
امتلأت عطاء الاهيا..
يا أوس العطاء ..أضأت أيامي ..
أنرت دلج لياليّ..
يا سنبلة حبلى ..بأحلامي ..
نكهة الفرح الحقيقي ..
تملأ الكون ..رفيفا يأنغامي ..
يا ابن أحشائي ...أنت..
يا أوس العطاء..
حلّقْ بأجنحتي ..
اركض ....صفّقْ بشرياني ..
يا سكني ..
يا وطني ..
تسعا تنبض ..في أوردتي ..
ثلاثين ..تبسم على شفتيّ..
يا رزقا يثلج حاجتي ..
يا قطرة ريّ لبستاني ..
تطفىء ...عطشي ..برّا..
تقوّم أودي ..حبا..
عطر المسك أنت ..في جدائلي ..
وأيقونة فرح ..وبقاء....لأيامي ..
فاطمة سعدالله ..
ــــــــ سِفْرُ الليْلِ ـــــــ
منذ خمسين ظمإ إلا قطرة ..
شابت الأحلامُ
حسرة ..حسرة ..
تشابكت الأوهام ..
تدفقت الأيام ..
ظللتُ أركض ..عشرة ..عشرة ..
ظلت الأرض في دورانها المعهود ..
كادت القيود ..
تكسّر قرنيْ الثور ..
تفرش درب التبانة بقشور الانزلاق ..
والرمالُ الفوّارةُ ثملى
بلا عنب ..
ستائر الليل المثقوبة ..
يطلّ منها الشتاء ..
يرقِصُ الثلج في النخاع ..
وتلك الذراع ..
مبتورة الأحلام ..
تطل من شقوق ذاكرة صدئة
تخونها الأنفاس النحاسية التردد
على جنباتها ل ألوان الربيع
ترتق خجل الخريف ..
تستر سوأته ..
تلك التي عجز الدمع ..
عن غسلها ..
تلك التي لم يؤبّنْها الهذيان
انعقد لسانه ..
دقت ساعة الرحيل ..
رقص ال"الباندول" يمنة ويسرة
..
ليتكىء الصمت ..
على ظهر العزلة ..
في مضمار الوهم
تركض النجوم ..فزعة ..
تركض ..تركض ..
نحو انبلاج الحياة ..إلا نبضة .
ينسدل الفناء
تصمت السحابة العقيمة
فلا قمر ...لا نجوم
لامطر .....لاغيوم
لا أنت ..لا أنا ..
سوى وسادة الأشواك
تتلو سِفْر الليل ..
تسطّر الوجع ..
يقف الشجن وأنا ..
وعند منعرج الزمن ..تقف أنت ..
قبل مفترق الضياع ...
إلا غفْوة ...
فاطمة سعدالله ــــــ تونس ـــــ
· ـــــ حينما ـــــ
**
شعر / فاطمة سعدالله ــــ تونس ـــ
**
حين أتأمل وجهك ...
على صفحة النهر ..أيها القمر ...
تغريني ابتسامتك
بالركوع ..
بالصلاة
والابتهال
استدارة الضياء ..يا أيقونة العمر
مداري
يشدني مغناطيس العناق ..
اتعثر
تتبعثر الحروف ..على شفاه المقال
عيناك ..أيها القمر
ترمقان المدى ..
تطرزان السدى
نسيج عمر ..
أيها القمر ..!!
حين تمتدّّ ذراعاك ..واحة لوز..
جدائل كرز ..
تنمو زهرة الأوركيد ..
يرقص كيوبيد ..و..
تلفظ الأعشاب أحزانها
عند أقدام النخيل ..
عندما يستوي الماء ..على مهل
في موقد الأنفاس الأخيرة ..
يصطفّ النهرُ والنخيلُ
والبيلسان ..
عند مفترق الدهشة ..
يمضغ الوداع ..غبار الذاكرة ..
يعزف الفراغ ..تراتيل الروح ..في وجه الإعصار
..
يصطف النهرُ والنخيلُ وأناااا ..
عندها ...
تبدأ النهاية ..
يتجمع الركام والدمار ..
يرقص الجميع ..
يشبع الجميع ..
تنتشي السنابل
فاطمة سعدالله ــــ تونس ـــ
كل الشكر والتقدير لمؤسسة أنكمدو وللأخ الفاضل جاسم ال حمد الجياشي الساهر دوكا على الحرف وأهله
ردحذفشكرا بحجم السماء على ما بذلتم من جهد ..جازاكم الله وثبت خطاكم