الجمعة، 11 مارس 2016

قراءة نقدية بقلم الاستاذ صالح هشام / المغرب / خريف / العمر / للشاعر / عبد المجيد بطالي / المغرب


قراءة نقدية : بقلم الأستاذ صالح هشام / المغرب *
خريف العمر : للشاعر عبد المجيد بطالي/ المغرب 
خريف العمر مسألة حتمية في الحياة ويجتاح هذا الخريف جميع من يدب أو لا يدب على وجه هذه الأرض التي عمرها الإنسان ودمرها ، وقضى على الأجمل فيها ولم يعد يتمتع بشيء يذكر من جمالها . أما الزمان فإنه يحصدنا ويمعن في حصادنا. ترى هلا حاربناه بما يفيدنا ويفيد غيرنا قبل أن يصل موعد الرحيل ، فيكون الندم شوك زقوم يدمي حلوقنا ! كل هذه الأشياء هي تحصيل حاصل لأي قراءة تقف عند منطوق وظاهر الجمل ولا يهم هذا على اعتبار أن الجري وراء المعاني قد يقضي بشكل أو بآخر على التعدد والاختلاف في القراءات وانفتاح النص ، وشرحه حتما سيقتله تكريس المعنى سيشدنا إلى الأرض ويمنعنا من التحليق ! سأنظر إليه من زاوية لا تعدو أن تتجاوز ماهو بصري ، يتسم المبدع بالشجاعة لأنه لايخاف الفراغ وهذا ينعكس على تكوين فضاء النص بصريا ، بحرك أخي هاديء وصفحته تكاد تكون مستقرة تماما ، يتجلى ذلك في طريقة تعاملك مع سطور نصك إذ يكاد المد ينعدم ويسيطر الفراغ على جل المساحات ، وتختل جدلية الصراع بين البياض والسواد وإن دل هذا الاختلال على شيء فإنما يدل على الدفقة الشعورية المتحكمة أساسا في حركية الكر والفر بين البياض والسواد الذي ألفناه في القصيدة الشعرية الحديثة ، إضافة إلى أن هذا التكوين النصي على المستوى البصري يكون مؤشرا على الانفعالات النفسية الداخلية ، ولعل هذا الهدوء الذي نعيشه في حركية الجمل تدل على هدوء النفس وخلوها من كل اضطراب ،فعلا لأننا نقول : لكل مقام مقال ، هذا يعني أن التيمة التي يعالجها تقتضي الهدوء ، والتريث والرزانة في التفكير ، فليس من السهل أن نتناول موضوعا من الصعوبة بمكان طرق بابه، فهو ليس بوحا عاطفيا ،نترك فيه العنان للنفس تضطرب وتثور ، تهدأ و ترقص ! تغني وتحزن وتكتئب ، وإنما حديث عن خريف العمر وعن الزمان وعن حفره في دواتنا التي أصابها الترهل أخاديد ! هذا الزمان القاسي الذي ينوء بكلكله علينا ، ويمحو ملامحنا يوما بعد يوم إلى أن يصيبنا الاصفرار كأوراق الخريف الآيلة للسقوط ، هو الزمان هو الخريف هي النهاية تقترب وكلما اقتربت جف منا الماء ونضب وتصلبت شراييننا ، فنقوض خيمنا لنعلن الرحيل و منا من ينتظر تلك النهاية الحتمية على مضض !
، نص أشم فيه نفس أبي العتاهية وأبي العلاء المعري وابن الفارض ، وحتى فلسفة طرفة ابن العبد ، وإن لم يكن ذلك على مستوى الشكل فعلى مستوى تناول الفكرة ، يقول أبو العلاء المعري : 
--غير مجد في ملتي واعتقادي :::::::::: نوح باك ولا ترنم شاد 
--وشبيه صوت النعي إذا قيس ::::::::بصوت البشير في كل ناد 
--أبكت تلكم الحمامة أم غنت :::::::::::على فرع غصنها المياد 
وهكذا يستمر هذا الفيلسوف في سبر أغوار هذه المسرحية التي يلعبها الإنسان منذ خروجه إلى الدنيا إلى أن يستقر في تلك الحفرة التي لن يزيد عرضها عن شبر البالغ ، هو الزمان ، حفار ماهر يحفر في الغض من الأجساد بالمبرد والإزميل وينحت التجاعيد إعلانا لبداية النهاية ، ولكن ما دام كذلك لماذا لا نقاوم قسوته بالبسمة التي يريد ان يطمسها فينا على الأقل حتى يحين وقت رحيلنا و قد عشنا الحياة عريضة لا طويلة وأقصد بعرضها ما حققناه في سبيل البلاد والعباد وما أنجزناه في هذه الحياة الفانية ، وأقصد بالطويلة تلك التي تقاس بمدى ما استهلكه الإنسان بعيدا عن أي انتاج أو فعل خير يشفع له هذا الطول وشتان ما بين الطول والعرض ،(يحفر بأظافره على المحيا ) ربما يوهمنا بأنه يحفر بالأظافر ، وهو يحفر بالإزميل والمبرد فالأظافر تحدث الخربشات أما الإزميل والمبرد فإنه يحفر أخاديد أشبه بالسيول ، هذا الموضوع الفلسفي الشائك عبر عنه المبدع بكل هدوء وكما سبق أن أشرنا إلى ذلك ، وبأسلوب جميل ، يعطي فيه للجملة حقها في النص وللكلمة حقها في جغرافية السياق العام، ولا بأس من التعامل مع بعض العينات من التراكيب لدراستها على مستوى اللغة والنحو، على اعتبار أن النص لا يخلو من تلك الانزياحات وبلاغة الغموض ، عنون الكاتب نصه( بخريف العمر ) تركيب أسند فيه خبر المبتدأ المحذوف المقدر(هذا) إلى المضاف إليه من باب إفادة التعريف والتخصيص ، أظن أن المضاف والمضاف إليه بينهما علاقة الزمن، إذ العمر تلك المرحلة التي يقضيها الإنسان في حياته من مهده إلى لحده ، والخريف فصل من الفصول الأربعة يتميز بخصائص تجعله يختلف عن باقي الفصول ، اصفرار وشحوب وتساقط واضمحلال وتلاشي ،ولعمري إن هذه خصائص آخرمرحلة من حياة الإنسان ، هذا الرابط بين المضاف والمضاف إليه جعل الانزياح مقبولا طرف القاريء لأنه ليس مبالغا فيه ،فهو لم يوظف كلمات لا علاقة لبعضها ببعض ومن تم يشرع في التوفيق والتأليف بينهما ، لأنهما على الأقل لهما رابط معنوي يؤلف بينهما ويجعلهما أكثر انسجاما وتقاربا ، وهذا لن يخلق أي تشويش على فهم القاريء ،إلا أن المبدع يبدأ في التحليق بعيدا عن الواقع من خلال التأليف بين ما اختلف من كلمات في الجملة التالية ( جاثم هذا الزمان ) إذ عمد إلى توظيف مايدل على الحركة المادية المدركة بواسطة الحواس ، فالجثوم مدرك بالبصر ، إلى أنه أسند إلى اسم الإشارة وإلى الزمان الذي لايدرك بالحواس ، فهو مدرك بالعقل وجعل له كلكلا أي إسناد كلمات إلى أخرى لا تربطهما أية علاقة سواء من حيث الخصائص أو الروابط المعنوية ، ولكن حرفية صاحب النص تكمن في قدرته على خلق الائتلاف بين الكلمات رغم اختلافها فتحسن الأولى بالثانية والثانية بالثالثة ومن تم تحصل مزية كل كلمة في جغرافية الجملة ، وتجمل الجملة بجمال هذا التركيب ، ويستسيغ القاريء السياق العام للنص بعد تذوقه لجمال هذا الإسناد البارع ، يقول الجرجاني ، ( الكلام الناجح: شدة ائتلاف في شدة اختلاف ) ويعتبر عالم اللغة البنيوي دوسوسير أن النظام بصفة عامة يتكون من اختلاف العناصر والوحدات في اللغة ، ولعل هذا الاختلاف والائتلاف في الكلم هو الذي يجعل الكلام ينحو منحى الانزياح وبالتالي كسر المألوف في التركيب وفق منطوق النص ، وإن لم يقع الخرق على مستوى النحو ، لأنه لايهتم إلا الحفاظ على الموقع السليم للكلمة من الإعراب ، وهكذا يستمر الشاعر في نهج أسلوب الانزياح وبلاغة الغموض من خلال هذا النوع من الإسناد ،( بقساوته يحرثنا ..ليل نهار ) إن اي كلمة كيفما كان نوعها يخضع جمالها لبراعة المتكلم وأقول هنا المتكلم ولم أخص الشاعر لأنه ليس إلا متكلما ، فقد نستحسن الكلمة في هذا التركيب ولا نستسيغها في ذاك وهذا هو وجه الاختلاف بين شاعر وآخر ، فقد كان العرب قديما عندما لا يستسيغون تعبيرا يقولون : ما قالته العرب هذا ! وإذا اأجاد التركيب استحسنوه وحكموا له بالشاعرية ، معنى هذا أن اللغة بصفة عامة عبارة عن فوضى من الوحدات غير المنظمة ، يتدخل المتكلم وينتقي كلماته بدقة ويرتبها أي يركبها بكل دقة وفق خلفيته الثقافية والاجتماعية والمعرفية كالصيرفي يرتب جواهر عقد ، وهذه الخلفية هي التي تتحكم في نجاح التركيب أو فشله ، أيضا وفق المخزون المعرفي للمتكلم ، فعن طريق هذه التراكيب تحصل الاستعارات ، والخطاب الشعري حسب اللسانيات ديدنه الجملة باعتبارها النواة لتكوين النص ككل ، ( الزمن يحفر باظافره على المحيا ) نستعير من الحي العاقل أو غير العاقل ، المحسوس ونسند للمعقول أي ما ندركه بواسطة العقل ، (المجرد ) وبالتالي يحذف المشبه والتي هي التجاعيد ويصرح بالمشبه به فالتجاعيد كالاخاديد ، ولا يمكن هنا أن ندرس كل هذه التراكيب التي توفر لنا انزياحا وبلاغة غموض قد تخلق بعدا بين القاريء والنص وذلك من أجل هدمه وإعادة بنائه وفق التصورات الفلسفية لكل قاريء على حدة ، وأيضا وفق قدرات كل متلق على الإبحار والاختراق والعبور في مجاهيل لغة النص للوقوف على مواطن الجمال والحسن أوالرداءة في النص ولي ملاحظة اعتبرها مهمة تتعلق بالتيمة العميقة التي طرحها المبدع ، ألا وهي جدلية هذا الصراع بين الانسان والزمن منذ أقدم العصور . من أهل الكهف إلى (جيل فيرن) في روايته دورة حول العالم في ثمانين يوما (jules verne le tuour du monde en 80 jour ) و هذه المعركة غير متكافئة ، وفقك الله يوجه فيها الاسنان الزمن بسلاح افضل منه رمح دون كيشوت !! وغلبك الله على هذا الزمان ، لتعيش خريف عمرك في أحسن الاحوال !!
بقلم صالح هشام / الرباط *
الخميس 10/3/2016*
عبد المجيد بطالي 
عبد
خريف العمر 
جاثم هذا الزمان
بكلكله علينا
يطمس بعضا من
معالم البسمة فينا
بقساوته يحرثنا
ليل نهار
يشتعل الرأس
بياضا ينادينا
تنكمش وردة
الجسد وينهار
غلظة.. يأخذنا
خريف العمر
فيرمينا...
يحفر بأظافره
على المحيا..
أخاديد.. تسرد
تفاصيل الوجع
وأحيانا تنسينا
فلا.. ولا..
تحسبن الغفلة 
سفينة النجاة..
فيد القدر من
كؤوس المنية
يروينا.......
.عبد المجيد بطالي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق