الجمعة، 25 مارس 2016

نثر الهامش / بحث سيميائي / الاستاذ الناقد محمد شنيشل فرع الربيعي / العراق

نثر الهامش / بحث سيمائي ــ دلالي ، القسم الأول .2
(زمن الدهشة ولى ، وزمن الصعق موتٌ أتى ) محمد شنيشل فرع الربيعي
(إحذروا العتبات ...) جنيت
. . .
تنويه : عمدنا الى إعادة بعض المعلومات لنعيد القاريء الى باكرة التذكير بالموضوع ...
(الهامش)هذا ما تعودنا أن نلمسه في النصوص غير الأدبية والأدبية التي درسناها ، لكن هل هنالك ما من شأنه أن يرتقي بالهامشية الى الشعرية ، وما هو الموقف من النصوص الخالية من الهامش ؟
تحدثنا عن (تهميش الهامش في النص الأدبي) ورصد المنظومة الهامشية في القسم الأول وموضوعة كساد ثيمتها التقريرية بوضعها خارج النص .
إن هذا التطور في سلوك الهامش يقودنا الى صراع مبكر مع نظرية (النص الموازي) أو ما يسمى بالعتبات والعناوين والهوامش فعمدنا على إعادة إستقراء المنهج ، من خلال هدم المستقرء(النص الموازي) أما محل النزاع فيكون من الذي يوافق النص ، وتترتب عليه المؤثرات الفعلية ، أهو التقريرية الملاصقة للعمل الأدبي أم الهامشية الذائبة فيه ؟
هذا منشأ النزاع المبكر في طبيعة المبحث ، فأما حُجتنا أن الذي يملأ دلالة الدال هو المحرك لمدلوله ، وينبغي أن يكون محركا له وبمثابة (العمدة) والطبيعة العينية له ، حينها يكون واقعا في خانة الأصالة ، متصدرا لها .
ما نفهمه النتيجة من وراء مكان (الهامش التقريري) فالمكانية إنشائية تشكل منظومة معلوماتية كونها أسلوب علمي مباشر لا تتأثر بالإيحائية أو الشعرية وتلتزم الحدود المرسومة لها ، فهي خالية من بلاغية اللغة مثل الاستعارة و التشبيه والمجاز... والهامش يجسّد فعل الإحياء الاعتباطي المستمر للغة ، والذي يصبح شيئا ضمن الأشياء التي يمكن جعلها في منطقة أرقى من اللغة ، وهو ما يساعد على إظهار حالة اللاتركيز تجاه النص وخلخلة البنية الدلالية من خلال التوجه الى المعيارية تارة والى الشعرية تارة أخرى.
وبما أن الدراسة تتناغم والمنهج السيمائي فهي تتمركز في نمطيات الهامشيات ذات الدلالة المجتمعية والتاريخية والفلسفية والإقتصادية ... كما أنها تشير الى اللسانيات والعلائق المترابطة مع العلوم الأخرى ومنها علم النفس المرافق لكل منتج علمي أو أدبي وأخص علم النفس اللغوي ، وأثر العلامة في توضيح الدلالة الأمر الذي عدّها (السيمائية) الفيلسوف الأمريكي (بيرس) صاحب كتاب (كتابات حول العلامة) عدّها بمثابة نظرية للعلامات بوصفها كل ما يقوم مقام الشيء ويمثله ، ويقصد العلامة اللفظية وضدها والطبيعية وضدها ، لأنها بالنتيجة تشير الى وجهي معادلة (سوسور) الدال والمدلول أو الصورة الذهنية . لكن نظرية سوسور لم تقف عند حد من الدراسات اللسانية واللغوية كما هو وارد ، فقد تناول رولان بارت الأنساق البصرية المؤدية للدلالة معتمدا على الصورة الذهنية وإيجاد وشيجة تربط ثنائية الشكل والمضمون ، والإيحائية والمعيارية ذلك كله لأجل الوصول الى سيميولوجية الدلالة عن طريق التركيب أو التفكيك .
{التركيب ركَّب الشَّيءَ / ركَّب الشَّيءَ في غيره ضمَّ أجزاءَه المتفرّقة ورتّبها وربَط بعضها ببعض للحصول على وحدة متكاملة} المعجم الوسيط .
وتقاربا مع (النص الموازي) الذي يعدّ الهامش جزءاً من النص الأم ، نرفع الحيف عن الهامش بصفته المعيارية .
النص المعاصر نص فلسفي يتأثر بمعطيات رياضية وفيزياوية وتقلبات الأستقراء والقراءة من الرأس والصدر والذيل هبوطا أو صعودا ، والتأمل في طبيعة اللامعقول الذي تحول الى معقول واللاوجود الى وجود قد أصاب القراءات الجديدة أن تبحث عن تلك التساؤلات المعطلة قديما وإستحداثها من جديد ، فكل جوهر بُحث قديما ، تبانت رؤيته الآن ، وأختلف التنظير حوله .
هذا ما يؤكد بحثنا ، وما نسعى لإثباته برؤية (موت الهامش التقريري) والذي هو موت مكانه وأعادة إحيائه من جديد في (نثر الهامش). سنتناول نص الأديب فريد غانم بصفتنا قاريء له الحق من إعادة القراءة ، ولنأخذ منه مقطع أو أكثر لغرض التطبيق .
. . .
1 ــ محور دلالة البعد الثاني .
ملاحظة : يبدو إننا قد أستبقنا البحث في هذه النقطة التي ينبغي أن تأتي تباعا ، والسبب يعود لكثرة المداخلات على الخاص حول الإسراع في إخراج المقال .
نعود / التوضيح : تنتج الدلالة في (نثر الهامش) من النسق (النسق : ونقصد به العناصر المتفاعلة فيمـا بينـها) + اللفظ ( الدال المحرك لمدلوله المجرد من الهامش) فنحصل على (ثنائية) الدلالة من تفاعل السياق مع المفردة(الهامش) التي تدور حولها الأحداث ، بمعنى آخر ، أن هنالك مفردة تقع ضمن طائلة الهامش المشغول شعريا ، أسميناها (الهامش المفترض) والسؤال : كيف يتعرف عليها القاريء ؟
الجواب : يتعرف عليها القاريء من سلسلة الأحداث الدائرة حولها أو المنطلقة منها ، أو الآتية اليها ، فهي العنصر(العمدة) الفعال المؤثر في بقية العناصر ، وهذه مهمة القاريء المتميز في قراءته ، المتصيد في النص ، الممعن فيه ، الملتقط ثيمته ، الجامع لقرائنه ، المراقب لأحداثة ، المُشْكِل عليه ، المُثْنِي عليه وهذه بلا شك دعوة مقترنة بأساس البحث ، دعوة الى القراءة ، أي عودة الإنسان الى العقل بالربط القرائني ... هذا إذا كان النتاج رمزيا ، لكن في بعض الرمزية ، أو غير الرمزية تكون اللفظة (العمدة) متلألئة واضحة كما يلي .
مقطع آخر من نص الأديب فريد غانم .
{سنبدأُ، هذه المرَّةَ، من خَطِّ المنتَصَفِ بينَ حربَيْن راقيَتَيْن تجُرَّان بين سيقانِهما جَروَيْن ثريَّيٍن في الشَّارعِ المرصوف بالأحذية الشاهقة، ونمشي على خيطٍ رفيعٍ بين قُطبَيْن متأرجِحَيْن.}
لو جاز لنا أن نجعل للنص هامشا فيكون (خطُ المنتصف) لأنه الكل الذي أحتوى الأجزاء ، فهو (العمدة) واللفظ الدال .
فخط المنتصف في حالة تعريفه كإشتغال الهامش شعريا ، يكون هو : حربَيْن راقيَتَيْن تجُرَّان بين سيقانِهما جَروَيْن ثريَّيٍن في الشَّارعِ المرصوف بالأحذية الشاهقة، ونمشي على خيطٍ رفيعٍ بين قُطبَيْن متأرجِحَيْن.} فالدلالة أُشتقت من "النسق + اللفظ العمدة خط المنتصف"
أو في حالة تقريريته يكون : {الخَطُّ ( عند الحكماء ) : ما يقبل الانقسامَ طولاً لا عرضًا ولا عمقًا ) ونهايته النُّقطة .
والخطُّ البياني ( في علم الرياضة والهندسة ) : خطٌّ يبيّن الارتباط بين متغيّرين أَو أَكثر .
وخَطُّ الاستواء ( في علم الجغرافيا ) : دائرة عرض الصِّفْر الذي يقسم الأَرض إلى نصفين : أَحدهما في الشَّمال ، والآخر في الجنوب ويمتدّ في منتصف المسافة بين القطْبَيْن . (المعجم الوسيط)
. . .
محور دلالة البعد الثالث .
النسق : (النسق : ونقصد به العناصر المتفاعلة فيمـا بينـها) جملة مفردة ومستقلة {وننتعلُ حذاءً محظوظًا ما زال يسكنُ في سفر ابن سيرين}+ اللفظ المفرد {إبن سيرين} .
نحو{وننتعلُ حذاءً محظوظًا ما زال يسكنُ في سفر 4"ابن سيرين"}
التطبيق : هذه الجملة فيها هامش (شخصية) وقد عرّفه الكاتب بعد أن أنتهى من النص . والآن الهامش يقع ضمن سلطة (النص الموازي ــ أي لا علاقة له من حيث الإشتغال الشعري مع النص الأم) . ماذا لو أعاد القاريء ذلك النسق وفق ما يلي:
الكتابة الجديدة للنص بتصرف القاريء وإجتهاده :
1 ـــ التوسعة الدلالية والدفق اللغوي "وننتعلُ حذاءً محظوظًا ما زال يسكنُ في سفر (ابن سيرين)3 ، فليسَ بمقدورهِ أنْ (يُفسرَ حُلمًا)3 لمْ يبلغِ الفطامَ " أصبح الإشتغال الشعري معرفا للهامش،أي أن إبن سيرين يفسر الأحلام .
أو " يرسم في وجوه الفقراء3(مفسرا) أضغاث أحلامهم" تكون الدلالة ، إبن سيرين مفسر
أو "لا ينبغي أن نقول إبن سيرين 3(مفسرا الأحلام) بل مقاربا وفق رؤية ما بعد البنيوية " تكون الدلالة إبن سيرين مفسر الأحلام ، أو....
ملاحظة : الرقم المنتخب للفظ ينبغي أن يكون ذو دلالة ومعبر عن قوة أو ضعف الشخصية ، وكذا العلامة . فنحن تحدثنا عن ثلاثية دون أن نضع للرقم دلالة خشية أن يضطرب القاريء .
ويستطيع أن يضع له رقما ذا دلالة على ما أنمازت به هذه الشخصية .
2 ـــ قلب الميزان التعريفي : "وننتعلُ حذاءً محظوظًا ما زال يسكنُ في سفر 3(ابن سيرين) ، قال 3(مفسر الأحلام) : أنتَ هذا المحظوظُ المسافرُ دائما ! " تكون الدلالة (مفسر الأحلام)
3 ــ الهبوط بصيرورة الشخصية ، وتشيء الإنسان الى مراتب لا قيمة لها(الحرية في النص من خلال التدفق اللغوي والتوسعة الدلالية) {وننتعل حذاءً "محظوظا" أنت هذا "المحظوظ" المسافر دائما، ما زال يسكن في سفر 3(إبن سيرين). 3(المفسر) يسترق أحلام الآخرين . إبن سيرين مفسر .
4 ــ التعريف بالشخصية {وننتعلُ حذاءً محظوظًا ما زال يسكنُ في سفر 3"ابن سيرين"} {ليس شرطا أن يكون 3"مفسر الأحلام" عالما باضغاثها}
5 ــ التعريف بالشخصية {وننتعلُ حذاءً محظوظًا ما زال يسكنُ في سفر 3"ابن سيرين"} أليس 3"إبن سيرين" مفسر الأحلام الذي مات بوعكة أضغاث حلم مر بدربه قبل صلاة الفجر ."
الهامش المعياري الأصلي {{{ابن سيرين، صاحب كتاب "تفسير الأحلام". وللأحذية والنّعال دورُ بطولة في هذه الأحلام وفي غيرها. }}}
س " ماذا أستشفَ القاريء بعد أن تخلص من الهامش ؟ "
س "ماذا أستشفَ القاريء (مقارنة) بين النسق الأول والثاني ، وكيف يُقييم النسقين ، الهامش بمعاريته ، أو الهامش بإشتغاله الشعري؟
س "هل هنالك نص جديد قد تشكل أثر (موت مكان الهامش ؟)
عرضنا هذا التغيير ، وهو مختلف من حيث التوظيف بين كاتب وآخر ، أي هذا ما توصلنا اليه من إعادة للنص . فغيرنا لربما يجيد إعادته بشكل أفضل ، وقصدُنا قد أتضح بائنا في موت مكان الهامش بلغته التقريرية .
. . .
مقطع آخر من النص يتناول الهامش التقريري (ابن الرّومي، هو الشّاعر العربيّ الذي اشتهر عنه التّطيّرُ والتّشاؤم. فيحكى أنّه صادف في طريقه، خارج بيته، ورقةً تناثرت وتجعّدت، فقرأ فيها كلامًا فيه تحذيرٌ من الخروج، فعاد إلى بيته وأغلق الباب خلفه. ويبدو أن ورق الأشجار يقول أكثر ممّا ننتبه.)
المقطع : {سنقرأ الأسفارَ المكتوبة على ورقِ الخريف في دربِ 4"ابن الرّومي" } إذا إردنا أن نُلغي الهامش المعياري أعلاه ، علينا أن نحمله الى مكان النص بصيغة الإشتغال الشعري وكما يلي .
6ــ التعريف بالشخصية بأنه شاعر متشائم ، متطير {سنقرأ الأسفارَ المكتوبة على ورقِ الخريف في دربِ ابن 4"الرّومي" } أيتطيرُ 4" شاعر" من ورقة ، هل آمنت بفال ، فتشاءمتْ؟ ...
إبن الرومي شاعر .
(أو) متى يتطير (شاعر) من ورقة تبحث عن قاريء ...
7ــ وهكذا تتساقط اللغة رذاذا تبل به ريق الأنشاء الجاف وتنثال العناصر أنساقا بحلة الهامش المزدحمة بالمفردات ، وتفتح الدلالات مزالج بواباتها العصية .
يُتبع
محمد شنيشل فرع الربيعي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق