منى الصراف في مجموعتها الشعرية ( قلب يتعرق ) التي ضمنت ثمانين قصيدة تنتمي بشكل واضح الى مدرسة الشعر الحديث النثر ، وهي تعتمد الصورة الشعرية الموحية والاختزال الشديد في لغتها مع التكثيف لحوادث النص ، فخلقت من الترهل اللغوي والومضات تتعدد وتتباين في القصيدة والواحدةلكنها لاتهمل وحدة الموضوع والبناء المتراص للقصيدة دون اسهاب منها ، وهي تبتعد كثيرا عن المباشرة والتقريرية لترسم في رمزية دلالات قصيدتها حاملة مفاهيم فلسفية تنطلق منها في تلمس ما تسعى اليه فهي متمردة ضد التقليدية والحياة بالنسبة اليها مطبات متلاحقة من الانكسارات والخطايا وفي كل مرة ترتدي قلبها درعا في حرب مستعرة وصراع ابدي من اجل وجودها . والحبيب بالنسبة لها حالة مقدسة لا ينتمي الى وحل الحياة المأساوي ، تقول في قصيدة (( آذان ))
- لو كان الامرُ بيدي
- لآقمتُ لكَ آذان بحبي
- وأقولُ انتَ ولي الروح
أنتظر حبيبي حتى اتوضأ
- فانا لن اصلي لكَ
- الا وانا طاهرة
- سأخلقُ مذهباً جديداً بأسمك
- واعلنُ اقامتهُ
الشاعرة لاتنكر مايلي حياتها ولا تخشى قدومه في حضرة المغفرة الالهية وهي مؤمنة بأن النهاية حاصلة ، تقول في قصيدة (( شيخوخة ))
- انا اشيخُ
- داري امتلأت بالاحفادِ
- انهكني السفرُ
- سجلُ حسابي ثقيل
- يدي خرجت من الدنيا
- تمسكُ بالهواء
الشاعرة متمردة على واقعها الظالم ولا تقرُ بشرعيته لكنها امام العشق وان كان قاتلاً فهي مسلٓمة له ، تقول في خاتمة ديوانها :
- ايها العشقُ
- موتنا معك ليسَ اكبر خسائرنا
- صفقات اقيمت على جثثنا
- ويقال لاصفقة تقام مع القتلة
- قاتل انت ياعشق
تتميز اللغة الشعرية عند الصراف بانها تخترق القلوب وهي تشتغل على الصراعات النفسية التي لا تنتهي لديها بمعرفة مكنونات الاشياء ومن ثم البوح بها وهي ذات نزعة وجودية ، لهذا تبتعد عن ايهام المتلقي بسفطائية مقيتة ، فالقصيدة عندها ذات مدلول رسالي وهي قضية ووجع لا ينتهي الا بدراك مواطنه، والصورة الشعرية عندهالاتقبل التأويل وهي كاشفةٌ للحقيقة الغامضة، تقول في مقدمة ديوانها
- لايوحد حب هو وهمٌ
- نوهم به انفسنا
- حتى نستطيع ان نملأ فراغات اليأس
- حتى الرجال تعساء
- لانهم كاذبون
- ارتكبوا الضغينة مرتين
- فبدل ان يكرهوا انفسهم
- راحوا يحولون الحب كراهية
- الرجال ساذجون حتى الذكاء
- البعض حمار انتاج
- يلهثُ وراء الفرج
- ويكدُ من احل ابتسامةٍ
- قلبهُ بين فخذيهِ
الكشافات لدى الصراف قوية حدا تفتش في خبايا الاشياء حتى في اوحل اماكنها لتمنح القارىء دهشة وانبهار ، تقول في قصيدة (( شريعة ))
- منتحرةٌ من تفكر بتوبةٍ
- ليس هناك ابواب للخروج
- رسم على الخائط
- اشارة للدخول فقط
- تدفع الاجوار قبل الدخول
- للعهر ايضا
- شريعة وقانون
منى الصراف تبحث عن الله في القيم والمثل العليا والصدق فلا تحدهُفي مكانٍ امتلأ بالكذب والخداع والنفاق ، وفي صورك رمزية رائعة خالية من التقريرية تقول في قصيدة (( اشقياء ))
- لم اجدْ ربي هنا
- كل شيء هنا يخزي
- عفنٌ هو خبزي
- دائما هناك من هو جوعان
وعريان
- اتقياء يخذرونكَ
- من مغازلة الشيطان
لكن الشاعرة مع كل صراحتها وثورتها تشعر بالغربة رغم الضحيج الذي يحيط بها ورغم محطاتها الكبيرة فالنفس عندها تبحث عن نظيرها لتأنس به وحين تفتقدهفهي غريبة وان كانت بين اهلها وصحبها تقول في قصيدة (( غربة ))
- روحهُ امامهُ بتابوت
- انقاض انسان
- تملؤهُالوحدةُمنفياً
- منهوك القوى
- اقامةٌ جبريةٌ
- غادرتهُ الحشود
- جريدةٌ وحيدةٌ يمتلكها
- منذ ثلاثين عاماً
- وامجادٌ تحكى
- كم كان عظيما
لايمكن بهذه القراءة السريعة الاخاطة بتفاصيل ما سعت اليه منى الصراف في مجموعتها الشعرية الكبيرة وهي تؤسس بقوة لمشروع شاعرة عراقية راسخة مع قلبها الذي مازال يتعرق شعراً....
كاظم مجبل الخطيب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق