السبت، 21 مايو 2016

قصة قصيرة / معادلة قاسية / الاستاذ كاظم الخطيب / العراق

قصة قصيرة 
[معادلة قاسية]
اختلطت الاشياء مع بعضها وتداخلت مسميّاتهاعندما اخترق الصمت دويُّ انفجارٍ هائلٍ يخبّئهُ حاقدٌ آثمٌ ملغّمٌ بحزام الموت معتقداً بنيل الخلود مع الحور العين في جنّةٍ من الوهم رسمها لهُ خيالهُ المريض بتعاليم شيطانية ارتدت لباس الدين واستغلّت سذاجة عقلهِ بضرورة مغادرة هذه الدنيا للفوز بنعيمٍ دائمٍ يحصلُ عليهِ بقتل الابرياء من مختلف الاجناس والانتماءات واوهموهُ بأنّهُ يقتل الكافرين تقرّباً الى الله بدمهم وسيزداد رفعةً ومنزلةً لو حصد اكبر عددٍ من القتلى الذين تناثرت اجسادهم قطعاً واشلاءً حينما امتزج لهيب الحرائق بنسائم الهواء فازدادت اشتعالاًووقود السيارات المحترقة حولّها الى نيران لا تنطفىء ،الدخان يتصاعد في الفضاء وكانّهُ يرمي بكفٍّ هنا وقدمٍ هناك ،الاصوات ترتفع بالانين والالم والمستصرخون من جميع الاتجاهات من الذين بقيت فيهم روح الحياة ،آخرون انفصلت رؤوسهم عن اجسادهم وقد امتلأ الاسفلت الاسود بحمرة دمائهم .
كانت المسافة بين سكن خالدة ومدرستها لا تستغرق اكثر من عشردقائق بسيارتها ال سبورتج لكنها تقضي في نقطة التفتيش ما يزيد على النصف ساعة وهي المدخل الوحيد الذي يؤدّي الى مكان عملها .في اوقات الامتحانات تعوّدت الحضور مبكّراً لتهيئة ما تحتاجهُ طالباتها وهنَّ مقبلاتٌ على امتحانات البكالوريا الوزارية ،لكنَّ خالدة مدرّسة الرياضيات جعلت الدرس محبّباً رغم صعوبتهِ البالغة فهي تعتمد التبسيط والاكثار من الامثلة 
مرّةً سألتها طالبة:
-ست هل جميع المعادلات لها حل؟
-نعم وقد نذهب الى قانون الدستور لحلّها ندى 
-ست لو سمحتِ هذا القانون يعطي اجابتين سلباً وايجاباًوهذا ينافي المنطق .
-صدقتِ ندى لو الامر ينسحبُ على ظواهر الحياة 
-اذن ما فائدة ان نتعلم الاشياء الافتراضية والتي من الاستحالة حدوثها 
-على اية حال نحن امام نظريات و فرضيات تعتمد التصورالذهني في خضم خيالٍ خصبٍ ومن يدري ربما تصادفنا في حياتنا .
-ست بمعنى ليس لكل معادلة حل 
-اجلسي ندى شكراً لكِ وستصبحين انتِ من المجتهدات العالمات ان شاء الله .
خالدة امرأةٌ تجاوزت الثلاثين عاماً بخمس سنين ليس لها في دنياها غير امّها وابنها الذي لم يبلغ عامهُ الخامس وهيَ تبقيهُ عند امها مخافة ان يشغلها لبعض الوقت عن اداء عملها .اقتنت سيارتها منذ فترة ليست بالقصيرة لكنها دائما ما تشكو من الازدحامات في نقطة التفتيش هذه .
هي الآن تقترب منها لبضعة امتار ،سمعت احدهم متذمّراً يخاطب الجالس بجانبهِ:
-متى ننتهي من هذا الروتين القاتل والممل ،ليس منطقيّاً ان نمضي وقتنا هنا يتحكّمُ فينا جهاز سونر ثبت فشلهُ وعدم فائدتهِ في الكشف والمعاينة .
بصوتٍ عالٍ يجيبهُ صاحبهُ:
-هل تدري بأن هذا الزخم الكبير من الازدحام هو مكان خصب جداً لقتلنا وكأننا نذهب مختارين او مضطرين الى موتنا 
-ماذا تقول يارجل ان الاعمار بيد الله ولكلٍ منّا أجلهُ.
تتقدّم السيارات بخطوات بطيئة ،صارت سيارة خالدة في متناول الخلاص للعبور قبلما الانفجار يبدّدُ الانتظار كما لو أنّهٌ بركانُ حين سماعهِ وسط الصمت لحظة اختراق حامل الحزام زحمة المنتظرين .
تحوّلت سيارة خالدة الى كتلة من اللهب المتصاعد من كل جوانبها لتصل النار داخل سيارتها مخترقةً ملابسها وللحظات وجدت نفسها تنبض بالحياة وسط جسدٍ عارٍ لا تسترهُ غير النار والدخان الكثيف ،انحبس صوتها داخل انفاسها وما ارادت استدعاء المسعفين من الغيارى الراكضين والمهرولين ذوي الضمائر الحيّة والنفوس الكبيرة وهم يقتحمون الموت لانقاذ من يصادفون في المكان .
ثواني حرجة جداً تمرُّ بها خالدة هي فارقة ٌ وحاسمةٌ لها ،بين اختيار الموت او الحياة فتبادرُ الى فتح باب السيارة والخروج منها والاخرون ينتظرون منها دعوتهم لمساعدتها .
صارت خالدة امام خيارين وكلٌّ منهما اعظم هولاً واكثر مرارةً من الآخر ،تتصارع الارادات داخلها واستحضرت كل الاحتمالات فالخلاص من الحريق والموت يعني لها الظهور امام الناظرين عاريةً فأين هيَ من الحياء امام الله لتذهب مذنبةً عاصيةً وهيَ تقف في حضرتهِ.
لم تكن ببالها امّها ولا ابنها ولا حبّها للدنيا فالموازين لديها غير قابلةٍ للالتباس ورؤية الحقيقة في ذهنها حاضرةٌ لاتحتمل الشك واليقين عندها طاعة الله الذي يراها فلا حيرةَ بعد الان لاختيارهِ فتقرّرُ خالدة العودة الى سيارتها المحترقة لتغطّي جسدها الطاهر بنيران الموت وهي تتلقّاها صبراً لتنطفىء عيونها الجميلة وجفونها مطبقةٌ على عفّتها وشرفها وكأنها أجابت على سؤال طالبتها ندى بأن معادلة الحياة قاسية ٌ وصعبةٌ حدَّ التعقيد وربما لايجاد حلٍّ لها قد نذهب للموت مختارين وان كنّا غير منطقيّين .
...................................................................................
كاظم مجبل الخطيب -بغداد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق