الأحد، 11 فبراير 2018

مقال // بقلم الاستاذ سيد محمد الياسري // العراق :

العبادي سياسة غلي الماء في القدر
بقلم سيدمحمدالياسري
عندما كنت سجينا في عام ١٩٩٧، علق في ذهني صورة صبياً عندما رأيته متهم بحزب الدعوة ، وتبادر بذهني لماذا سجن حزب البعث صبياً بعمر الورد؟ وهل يعقل ان صبي بعمر ١٣ عاما يقود حزبا او جزء منه ؟ وحاولت ان اتقرب منه وعرفت قصته، رويدا رويدا ، حتى علمت ان امه لاتزال جاهلة بحكمه لان قلبها لا يتحمل ، الا اني قبل ان اكمل قصته، وبعد أيام من اختفاء الماء والغاز والاكل في السجن، قد اختفى الصبي ، ولم اعد أرى غير المتنفذ بالسجن ، وهو سجينا أيضا في سجن ابي غريب ، ببدلته الرياضية ، ينظر بشراهة ونحن كزغب الرمان والتين نمد( الطوس ) فاغرة فمها للماء، والاكل ، وهو يصرف ( حانوته ) المؤجر من الدولة – كما ذكروا السجناء حينها – بينما الصبي ضاع مع هذا الكم الهائل من الجوع ولم تعد رائحته مألوفة ، ولا كلماته الجميلة المؤمنة : انني في طريق الحق وللجنة سائر ، ومن اجل العراق اموت، لم تعد له رائحة بيننا حين امتزج التبغ المعفن مع الطبخ بالنعول وطفقنا نتذوق رائحة البلاستك في الرز، اختفى الصبي ، وظهرت مع دخان الطبخ ، طبخ الحكايات حوله ، ثم مالبثت دعاية ، انه اعدم ، ثم ظهرت حكايته انه جلس في الصباح يصرخ ويسب بصدام حسين – وهذه جريمة كبرى – يصيح بجنون اريد الإعدام ، وقد روي لاصحابه انه رأى حورية في الجنة وقد رأى مكانه هناك ، كان الصبي صادقا في مبادئه ، مؤمنا بآخرته ، لم تلوثه جاهلية السياسة بأراجيسها ،في حين تتناول حكايات صدقه وبراءته وحسن خلقه ، تتناقل معه فيما بين هذا وذاك : قيل نقل الى مكان وقيل الى المحجر ، وقيل عذب فمات ، وقيل اعدم، وقيل رمي للتماسيح ،... ، لم نره بعد ، لكن ظلت صورته حية ولا اعتقد انها ستغيب ، واغلق ملفه كما اغلق ملف الالاف السجناء الذين غيبوا بالتيزاب او التماسيح ، او اعدموا بتجارب كيمياوية من قبل التصنيع العسكري...، ما أدهشني ان بعد ثلاثين عاما ، تفتح بريطانيا ملف حنظلة ، الذي ظل عالقا باذهان الناس ، وتحول الى شعار لكل انسان صدق مع القضية الفلسطينية ، واصبح الكارتير حنظلة - للرسام الفلسطيني ناجي العلي- ، مصوغات ذهبية بجياد الحسناوات، قصة اشبه بقصة الفتى بل انه حنظلة العراق ، ذلك الصبي السجين ، شبيه بالفنان ، او ما رسمته مخيلة ناجي العلي، الذي يمكن ان نختصر حياته بكلمته التي عبر عنها ان من يكتب عن فلسطين او يرسم فلسطين انه ميت ، هجر من فلسطين بعمر العشرة وظلت الذاكرة بعمر العشرة حتى كبر بين حيطيان اللجوء يرسم حنظلة ذلك الطفل الذي ليس له جنسية أي بلد وينظر الى الامام ويديه للخلف معلنا لا حل مع تنازل الأرض ، واغتيل ناجي العلي بلندن بعد ان عرى الجميع ، وفجر تمثال ناجي العلي، وغيبت رسوم ناجي العلي ، ومنع فيلم نوري شريف لانه مثل ناجي العلي، لان من اغتال ناجي العلي العرب ، حكام وساسة ، لكن حنظلة صار شعارا وظل بعمر العشر السنين ينتظر النصر والعودة ... اغتيل ناجي العلي على يد فلسطيني وهو يحمل خرائط فلسطين كما اغتيل الصبي على يد عراقي وهو يحمل بهمه العراق ... وكلاهما ينتظران العودة ، عودة الصدق والأمانة والعدل
قد يسأل احد ماذا تريد ان تقول ؟ هل البعث لازال ؟ ربما اغير سؤالي لك اخي القاريء وأقول : هل نستطيع ان نتطهر من ادران البعث ؟ هل نستطيع ان نشفى منه ؟ يحتاج لنا مستشفى لعلاج النفسي حجمه خريطة العراق ! هكذا نحن بعثيون وان تغيرت الأسماء دعوة ومجلس اعلى ..... الى آخره من الأحزاب السياسية العراقية ، وأمويون وان تغيرت الأسماء الى عباسيين ، وعباسيون وان تغيرت الأسماء الى العثمانين او قل قبلها مماليك ، وعثمانيون وان صرنا انكليز ، وانكليز وان صرنا ملكيين ، وملكيون وان صرنا بعثيين، وبعثيين وان صرنا دعوة او خمسمائة حزب كما هو الان، وكما هذه اللحظة يحكمنا العبادي ، نوري سعيد في هدوءه فهو إنكليزي السياسة ، وبعثي في منهجه ، خدع الجميع بهدوء ونقل النصر بهدوء ، ولم يضف شيء للبلد لانه عرف ان البلد لايحب الا ان يكون هكذا ، هو صفق مع العبادي لانه تحرك ضد الاكراد أصدقاء الامس ، ولم يسألوه عن : المستشفيات ، ولا عن الطرق ، ولا عن الزراعة ، ولا عن المدارس ، لم يسألوه عن ايتام الشهيد ، او امه التي تجمع من المزابل قوتها ، وهو يلبس ارقى واجمل ويأكل الذ واطيب ويسكن ارفه واوسع ، لم يسألوه عن المتسوليين كم صار عددهم ، ولا عن الجياع ما قوتهم ، ولا عن أموال البلاد المسلوبة ، ولا التيهان في المحاكم والامن والشرطة ، لم يسألوه عن أي شيء يقدم لهم من الحياة ، بل علقوا صوره أبو يسر : قائدا تحدى الاكراد ، كما علقوا صور المالكي من قبله ولايزالون ، قائدا فذا ، كما علقوا صور صدام ، وغيره ، والجميع اجرموا بحق شعبهم ، بيع الانسان ، وعاد النخاس ، وهتكت الاعراض ، وسرقت الأموال ، وظلم العباد ، ولازال كلما يأتي رئيس وزراء يصير قائد ضرورة ، وتبرر افعاله ، ثلاثون سنة تبرر أفعال صدام حسين ، وتبرر أفعال من تلاه ، على الرغم من الأموال الهائلة والأرقام المخيفة ، لازال كل فريق يبرر لقائده ، ولو نظر المبررون لانفسهم لوجدوا انهم سواء ، وان الاختلاف فيما بينهم شيء واحد ، فقط وهو سياسة اسكات الشعب ، مثلهم كالام ومثل الشعب كالأطفال الجياع ، فيهم من يسكت بكائهم يضربهم مباشرة ، وفيهم من يشبع احدهم فيضربهم ، وفيهم من يملأ القدر ماءا حتى يناموا ويستراح منهم ، والأخير سياسة العبادي ، الذي قدره يغلي منذ اربع سنوات للإصلاح ، نامت المظاهرة على قدر التكنوقراط ، ونامت المظاهرة على تعديل الخصخصة ونامت المظاهرة على اجبار الناس والتلاعب بهم بالبطاقة الانتخابية بان بقطع كميتهم ورواتبهم ، ثم ناموا على انتظار الكمية الغذائية التي لم يبق منها غير الطحين المتأخر ، ونام الشعب وهو ينتظر عقوبة السراق ، ونام الموظفون وهم ينتظرون رفع الاستقطاع ، ونام الشعب وهو يجبرهم على كل شيء ، من دون ان يحسوا بسياسته الإنكليزية ، اعتقد البعض اول ما اعتلى العرش السلطوي انه كما قالوا : ( خبل ) وقالوا: ( طبل ) وما ظنوا فكان الثعلب يدير المخابيل والطبول من دون ان يشعرون،كان الم العصا في البعث داميا ومن بعده انهيار ثم عصا ثم غلي القدور ، لازال القدر يغلي بالماء والعبادي يخوط كي تنام الجياع...
والشعار 
والاثر 
والانتظار 
هنا حنظلة والصبي :
لازال الصبي وجه مرسوم من اجل العراق ، لم ولن ينم طفل العراق ، كما حنظلة لم لن ينم ، سيأتي يوم ويقع العبادي في قدره ، لان دمه اموي وعباسي وعثماني وملكي وبعثي ودعوة وليس إنكليزي ، ويظل الطفل يرسم شهداء العراق ، حشده وجيشه ، وابناءه الغيارى ، ...
كلما نفخ بالنار كي يغلي بالماء ، دعى حنظلة اخوته اما يقلبوا القدر ، او يضعوا صاحبه فيه فيطبخ ، وتطبخ معه الخصخصة ، والأموال المسروقة ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق