تحليل عنوان (( أقلام تحت الأنقاض ))
للشاعرة فوزية أحمد فلالي / المغرب !
قراءة نقدية بقلم :الاستاذ صالح هشام
٠٠٠٠٠٠يقول النفري :( كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة )
في هذا النص ( أقلام تحت الأنقاض ) للشاعرة فوزية احمد فلالي سأركز على قراءتي العنوان فقط ،وهذا ليس راجعا لكوني من هواة قراءة العناوين وتجاوز النص وإنما لكونه الإشارة القوية التي ستشد القارئ لقراءته قراءة واعية تحليلا وتفكيكا .ولكونه عصارة أو خزان لمجمل دلالات النص ، التي سيصرح ببعضها ويلمح لبعضها الآخر ، أيضا لأن النجاح في صياغة عنوان النص يضمن بشكل أو بآخر إقبال المتلقي على التهام النص، ويفتح أفق القراءة أمامه، فمنه يستنتج مجموعة من التساؤلات والأسئلة ، التي يعرفها بحدسه القرائي : أن المبدع سيجلي أمام عينيه ضبابية النص هذا إضافة إلى كون هذا العنوان ، يكون بمثابة لوحة إشهارية للمادة المتوخى عرضها على (المستهلك / القارئ) !
(أقلام تحت الانقاض )عنوان تتوهج فيه نواتج دلالية عدة ، وتضيء في ثنايا هذا التركيب النحوي البسيط ، والتي سيسلك سبيلها ، هذا المتلقي الذي لا يحصر قراءاته في بناء النص ،أوفي البحث عن المعاني التي سيطاردها كما يطارد خيوط الدخان ،فتظل أمامه ضبابية ،سرابية ما لم يربط أفكار هذا العنوان بأفقها الزمني وربطها بملابساتها التاريخية والآنية ،كما سنرى في هذه القراءة!
والاعتماد على قراءة الألفاظ مفردة ، التي تكون نسيج هذا العنوان ، وأعني بقراءة المفردات ، ربطها بمرجعيتها المحفوظة في ضميرنا الجمعي، لا طائل منها ، لأن هذه المرجعية لا بد وأن تكون ضحلة فقيرة ،ويرجع فقرها وضحالتها إلى الاقتصار على المعاني المعجمية ،التي لن تمنح المتلقي الوقوف على تلك الجماليات اللغوية من صياغة وتركيب يساهم في فتح النص على أفق عدد لا يعد ولا يحصى من القراءات،قراءات ستختلف بطبيعة الحال من قارئ إلى آخر وفق مايتميز به من قدرة على نيل البعيد والقصي من النواتج الدلالية سواء في هذا العنوان بصفة خاصة او في النص بصفة عامة !
على مستوى التركيب النحوي ،لم تخرق الشاعرة القواعد النحوية ، إذ حافظت على الكلمات في موقعها الطبعي من جغرافية الإعراب ، فصرحت بالخبر( أقلام) متبوعا بشبه جملة ( تحت الأنقاض ) مع التركيز في بناء الجملة أو ما يعرف بين النحاة (بالنص الأصغر )على العمدة باعتبارها لا تغيب عن الصياغة في الجملة، (هذه أقلام ) أما شبه الجملة فإن توظيفها من الاهمية بمكان لأنها تساعد على إزالة ضبابية الجملة من ذهن القارئ ، وما دام الأصل في الخبر هو التنكير والتعريف أصل في المبتدأ ، فقد وظفت خبرها نكرة (أقلام ) مع تركها حرية تقدير المبتدأ للمتلقي ، والمرجح أنه سيقدره باسم الإشارة ، ولكن يبقى فارق التقدير حسب تأويل الجملة ، فهناك من سيقدره ( بهذه :الأقلام ) وهناك من سيؤوله ( بتلك الأقلام ) حسب ما تقتضيه أحوال رؤية المتلقي الخاصة . وانفتاح النص - في اعتقادي - من انفتاح عنوانه أيضا على تعدد القراءات !
لاحظت حسب قدرات فهمي وتأويلي ، أن الشاعرة صرحت بمضامين النص ومحتوياته في هذا العنوان، الذي تكمن روعته في تفوقها في اختيارعناصره ،و التي سأركز على الأهم منها ،و سأحصرها في كلمتين هما (أقلام ) و(أنقاض) إذ وردت الأولى جمعا نكرة مفرده (قلم ) والثانية ( الأنقاض ) وقد وردت معرفة ، وتحصل مزية الكلمتين المذكورتين من خلال صياغتهما في تركيب لا يخرج عن حدود الجملة الإسمية ، وإحكام التركيب النحوي غالبا ما يجر وراءه معان ونواتج دلالية غاية في الروعة ، لأن روعة المعنى من روعة جمال الصياغة ، إذ كان التركيب يعتمدعلى أسس الجملة النحوية ،من عمدات (مبتدأ وخبر)وفضلات (تحت الأنقاض) التي لها دورأساسي في توضيح الجملة وبنائها بناء يؤدي إلى تقريب مقاصد المبدعة إلى ذهن القارئ، كان بإمكان الشاعرة توظيف العمدات في هذا العنوان والتي لا تخرج عن المبتدأ والخبر (هذه أقلام ) وتستغني عن الفضلة ( تحت الانقاض ) ، لكن ستظل الجملة غامضة الدلالة ، وبالتالي يبقى مراد المبدعة صعب المنال ، إذ مهما خضعت الجملة إلى التأويل والتفسير ،وطرح إسقاطات يختارها كل قارئ ، سيظل المعنى شاسعا، مما يزيد من توسع أفق احتمالات لا تنهي !
لكن الشاعرة حاصرت المتلقي بمفردتين أساسيتين في عنوانها ( أقلام ) و(أنقاض ) وضحتهما ( تحت الأنقاض ) فضيقت عليه دائرة الاحتمال ، ورغم ذلك فالتأمل في التركيب الصياغي للجملة ، يفتحها على آفاق غير محدودة من التأويلات ، فهذه الكلمات لا تقصد لذاتها كما وردت في شروح المعجم ،وإنما نجد الشاعرة بتقنية تحسب لها، ،أنها تقصد منها ذلك المخزون التراكمي الهام ،من خلال استعمالها في سياقات سابقة ، ويبقى دور المتلقي هو تتبع هذا المخزون واستحضاره ، في الموقف الحاضر الذي يمسه التعبيرعنه في القصيدة بصفة عامة ، إذ يتضح أن القلم - عبر الزمن - كانت له رمزية عظيمة ، وستبقى عظيمة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، فهو ليس مقصودا في تلك المرجعية المحفوظة ،التي لاتخلو من فقر وضحالة ، بل هو رمز العلم والمعرفة ، رمز للنور والتنوير ، إلى الحد الذي أصبح فيه القلم مجازا يحل محل أصحابه ،فمكانته لا تخفى على أحد في القرآن الكريم ، قال تعالى ( نون والقلم وما يسطرون ) وقال أيضا (إقرأ باسم ربك الذي خلق ، خلق الإنسان من علق ، إقرأ وربك الاكرم ، الذي علم بالقلم ، علم الإنسان ما لم يعلم ٠٠٠٠٠) إذ ربط سبحانه وتعالى العلم بالقلم . وانطلاقا من استحضار المتلقي لرمزية القلم ومكانته في التفكير الإنساني ، فإنه سيتجاوز السباحة عالى السطح ، ليبحر في متاهات عمق الجملة !
فالقلم سيجر لا محالة وراءه ٠٠التنوير ٠٠ العلم ٠٠ المعرفة ، الأدب ٠٠ الفلسفة ، هو ديدن الفكر والمعرفة الانسانية منذ أبد الدهر ، فيجد القارئ نفسه أمام إشارات عميقة الدلالة ،غنية بالإسقاطات ،وتقودنا بالتالي هذه المفردة إلى مادتها اللغوية التي لا تخرج عما تختزنه القواميس من شروحات !
وقس على ذلك في دلالة ( الأنقاض ) التي بدورها تخرج عن القصد المرجعي المحفوظ كقولنا ( أنقاض ،،، بقايا هدم بناء أو إلغاء الحكم وإبطاله من الفعل نقض ، أو او او ..، بل سيجبر المتلقي على استحضارالأنقاض في أبعادها الرمزية وما جرت من ويلات على الإنسانية عبر التاريخ ،من حصار طروادة وتدميرها إلى إحراق نيرون روما ،إلى تدمير المدن العربية بما فيها بشرا وحجرا وشجرا ، نتيجة حروب خرقاء أتت على الأخضر واليابس ،فأصبح كل ما على وجه الأرض العربية أنقاضا ، حروب لا تحدد ضحاياها بدقة بل تخبط العشواء دون تبصر أو بصيرة ، لكن إلى هنا تبقى الأمورعادية ، وبإمكان أي قارئ يتقن تفكيك الرمز خبير في اختيار المناسب من الإسقاطات التي لا تدمر جوهر العنوان، وتحرف مقصود الشاعرة عن مساره الصحيح ،إذ يتبادرإلى الذهن سؤال : ماذا تريد الشاعرة قوله من هذا العنوان ؟ وليس ماذا قالت فيه؟ فيمر إلى الربط بين المفردات التي لا تستمد فضيلتها ومزيتها إلا مما بعدها أو ما قبلها ،باعتبارها خادمة للمعنى ، فنقول مثلا ما علاقة أقلام بالأ نقاض ؟ وما ذا تريد الشاعرة من اختيار هذه المفردات في تركيب نحوي عاد وبسيط
(جملة إسمية) . سيجرنا تأويل هذا العنوان إلى ربط النص الادبي بصفة عامة بالبيئة التي أنتجته ،مع مراعاة ضرورة استحضار مخزوننا التراكمي وربطه بالزمن الماضي ، لأن البارحة أشبه باليوم ، ومعاناة كل من حمل قلما لتقويم اعوجاج عوج الإنسانية عبر التاريخ، إلا وكان مآله الردم تحت الأنقاض ،وربما لا يقصد بالانقاض فقط كل ما يترتب عن الحروب من تدمير ،لا يفرق بين الطفل والشيخ ولا تسلم منه حتى الأقلام / شموع المجتمعات ،وإنما تختلف عمليات الردم من المقصلة إلى المشنقة إلى المحرقة ، إلى الذبح من الوريد إلى الوريد إلى القتل بالرصاص الغادر، كل هذا أعتبره أنقاضا تطمر العقول المفكرة ، وتقمع حرية الأقلام وتثنيها عن القيام بواجب مقدس أنيطت به منذ فجر التاريخ ، وأقول لكل قلم : بيت من قصيدك أو فكرة من أفكارك ستطمرك تحت الأنقاض لا محالة ، وستقبرك قسرا وإجبارا وستمارس عليك كل أنواع القتل !
وأعتقد أن الشاعرة تقصد واقع البيئة العربية ،المشتعلة في كل مكان من البر إلى البر ، ومن البحر إلى البحر ، و التي ، تعيث في الأقلام فتكا وتدميرا ٠٠٠ وإطمار الأقلام تحت الأنقاض يتخذ أوجها مختلفة ،كإطمار العلماء وإقبارهم وهم على قيد الحياة ، وتركهم يجوبون شوارع عواصمنا العربية بعد غسل أدمغتهم ،و سلبهم القدرة على التفكير ،وتدبر أمور من ينتظر منهم التدبر ، ولنا خير مثال في كل ما نشاهده في كل بؤر التوتر في العالم العربي ، ولا داعي لذكر أسماء علماء كانوا يشار إليهم بالبنان في غرب الأرض وشرقها . ومصيبة إقبار علماء / أقلا م تكمن في كونهم ،لم يرحب بهم في يوم من الأيام ، فيصنفون ضمن الطبقات المأزومة المهمشة غير المرغوب فيها . فإطمارهم وإقبارهم تحت الأنقاض عنوة ليس بالغريب على مجتمع من المجتمعات أو بلد من البلدان ،فالشعراء يوصفون بالمجانين ، والعلماء يتهمون بالزندقة أو المروق عن الدين ،فتتلمس سيوف القتلة أو نصال المقاصل وحبال المشانق أعناقهم ، وتحرق أجسادهم في أكوام كتبهم ، إلا من خالف قاعدة تنوير العامة ، والتصق بأبواب الحكام ،والمشكل يتجلى بدون شك في أن كل تنوير للعقول هو تهديد للكراسي المهترئة ٠
ويتضح أن الشاعرة فوزية أحمد أحسنت اختيار ألفاظ غنية بالدلالات والمعاني الثواني بمفهوم الجرجاني ، حتى خارج التركيب والصياغة ، لانها تستمد تفكيكها من مخزوننا التراكمي لكل كلمة / كلمة ، خصوصا إذا كنا نحسن ربط حلقات أحداث الماضي بالحاضر،إذ الحاضر لا يقل أهمية عن الماضي ،وإن اختلفت ظروف وملابسات هذه الأنقاض التي تطمر الفكر التنويري الإنساني واختلفت أسباب هذا الاطمار / الإقبار القسري ،لكن تزهو عمليات التحليل والتفكيك ، عندما نتناولها في هكذاصياغة بسيطة تظهر في البداية عسلا يخفي سما ، وقت الغوص فيها والإبحار في تفكيك وحداتها وربطها بواقعنا الإنساني ، منذ طرد أفلاطون الشعراء من جمهوريته ،لأنهم ليسوا إلا كائنات مجنونة ، أو إقبار كل من خالف فكرا متزمتا يفرض الخطأ بقوة الحديد والنار ، ويغض الطرف عن الصواب !
لكن هذه الأقلام -كما أشارت الشاعرة إلى ذلك في نهاية النص- ستبعث من تحت الأنقاض ، من تحت الركام كما العنقاء تبعث من تحت رمادها ، وستزهر الأفكار التي ستتحول إلى مبادئ ، تخاض في سبيلها المغامرة !
ولا يسعي في هذه القراءة إلا أن أنوه بالشاعرة فوزية أحمد فلالي ،التي جعلتني أقف بإسهاب عند عتبة النص دون أن أمارس حقي في فن الاستغوار في متاهات النص الذي أظن أن كل جملة أو سطر فيه ستحتاج إلى دراسة طويلة ومعمقة باعتباره صدفة تعج بالدرر ، يستوجب شقها دون تكسيرها ذوقا مميزا ليظفر بجواهرها دون أن يلحق بها الاذى !
مزيدا من الإبداع الشاعرة المميزة فوزية أحمد فلالي !
النص /أقلام تحت الانقاض
للشاعرة فوزية أحمد فلالي
الليل يسري دون هوادة
والصبح يتنفس الندى
من تباريح شروق الخط
انبثق نور خافت
يعلن عن ميعاد ولادة
قبل التاسع
قيصرية المعاني
المخاض لازال كأنه كهرباء
بفستان مائي
رياح الشرق حاولت جاهدة
أن تزيل القمع
عن تلك الأقلام المحتحزة
تحت ضباب الانقاض
دون جدوى...
عكستها عواصف غرلية
بمعاول من حديد
شحدت على الأسنة
والليل يراقص نوم
أجفان وردية غفلها الحلم
شربت حتى الثمالة
نبيد...رقص.....وتر...؟
الكل ينتظر بزوغ فجر
دون صياح
دون رعب
برداء علم أبيض
يعانق سحاب العشق
يقبل أيادي من خشب
صنوبرو عرعار
هي شجرة الأرز في واحة الأيام
حبلى بأغصان ثمار الحق
هناك في أقلام بيد من حديد
لم تمت ...لن تحتضر
كيف لها أن تبقي تحت الأنقاض؟
فصل الربيع أقبل بباقات ورد
بشمس ذهبية
بمجلد وتاريخ حضارة
صفر الرياضيات
وخلطة كمياء
فصاحة ألسن على أبواب بابل
قحطان وتلمسان
والجواهر تزين عقد
خرير دجلة والفرات
أقلام اليأس تعلن حرية التراب
تبري قلم الرصاص...تتحرر
أكتب قصيدة الغزل بكل الألوان
سأنفض عن قبري الغبار
حيث قصري يشيد فوق الانقاض
أزف على هودج شقائق الاقحوان
بأحمر شفاه
من زهر شقائق النعمان
بقلمي الشاعرة فوزية أحمد الفيلالي في 25مارس2017
للشاعرة فوزية أحمد فلالي / المغرب !
قراءة نقدية بقلم :الاستاذ صالح هشام
٠٠٠٠٠٠يقول النفري :( كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة )
في هذا النص ( أقلام تحت الأنقاض ) للشاعرة فوزية احمد فلالي سأركز على قراءتي العنوان فقط ،وهذا ليس راجعا لكوني من هواة قراءة العناوين وتجاوز النص وإنما لكونه الإشارة القوية التي ستشد القارئ لقراءته قراءة واعية تحليلا وتفكيكا .ولكونه عصارة أو خزان لمجمل دلالات النص ، التي سيصرح ببعضها ويلمح لبعضها الآخر ، أيضا لأن النجاح في صياغة عنوان النص يضمن بشكل أو بآخر إقبال المتلقي على التهام النص، ويفتح أفق القراءة أمامه، فمنه يستنتج مجموعة من التساؤلات والأسئلة ، التي يعرفها بحدسه القرائي : أن المبدع سيجلي أمام عينيه ضبابية النص هذا إضافة إلى كون هذا العنوان ، يكون بمثابة لوحة إشهارية للمادة المتوخى عرضها على (المستهلك / القارئ) !
(أقلام تحت الانقاض )عنوان تتوهج فيه نواتج دلالية عدة ، وتضيء في ثنايا هذا التركيب النحوي البسيط ، والتي سيسلك سبيلها ، هذا المتلقي الذي لا يحصر قراءاته في بناء النص ،أوفي البحث عن المعاني التي سيطاردها كما يطارد خيوط الدخان ،فتظل أمامه ضبابية ،سرابية ما لم يربط أفكار هذا العنوان بأفقها الزمني وربطها بملابساتها التاريخية والآنية ،كما سنرى في هذه القراءة!
والاعتماد على قراءة الألفاظ مفردة ، التي تكون نسيج هذا العنوان ، وأعني بقراءة المفردات ، ربطها بمرجعيتها المحفوظة في ضميرنا الجمعي، لا طائل منها ، لأن هذه المرجعية لا بد وأن تكون ضحلة فقيرة ،ويرجع فقرها وضحالتها إلى الاقتصار على المعاني المعجمية ،التي لن تمنح المتلقي الوقوف على تلك الجماليات اللغوية من صياغة وتركيب يساهم في فتح النص على أفق عدد لا يعد ولا يحصى من القراءات،قراءات ستختلف بطبيعة الحال من قارئ إلى آخر وفق مايتميز به من قدرة على نيل البعيد والقصي من النواتج الدلالية سواء في هذا العنوان بصفة خاصة او في النص بصفة عامة !
على مستوى التركيب النحوي ،لم تخرق الشاعرة القواعد النحوية ، إذ حافظت على الكلمات في موقعها الطبعي من جغرافية الإعراب ، فصرحت بالخبر( أقلام) متبوعا بشبه جملة ( تحت الأنقاض ) مع التركيز في بناء الجملة أو ما يعرف بين النحاة (بالنص الأصغر )على العمدة باعتبارها لا تغيب عن الصياغة في الجملة، (هذه أقلام ) أما شبه الجملة فإن توظيفها من الاهمية بمكان لأنها تساعد على إزالة ضبابية الجملة من ذهن القارئ ، وما دام الأصل في الخبر هو التنكير والتعريف أصل في المبتدأ ، فقد وظفت خبرها نكرة (أقلام ) مع تركها حرية تقدير المبتدأ للمتلقي ، والمرجح أنه سيقدره باسم الإشارة ، ولكن يبقى فارق التقدير حسب تأويل الجملة ، فهناك من سيقدره ( بهذه :الأقلام ) وهناك من سيؤوله ( بتلك الأقلام ) حسب ما تقتضيه أحوال رؤية المتلقي الخاصة . وانفتاح النص - في اعتقادي - من انفتاح عنوانه أيضا على تعدد القراءات !
لاحظت حسب قدرات فهمي وتأويلي ، أن الشاعرة صرحت بمضامين النص ومحتوياته في هذا العنوان، الذي تكمن روعته في تفوقها في اختيارعناصره ،و التي سأركز على الأهم منها ،و سأحصرها في كلمتين هما (أقلام ) و(أنقاض) إذ وردت الأولى جمعا نكرة مفرده (قلم ) والثانية ( الأنقاض ) وقد وردت معرفة ، وتحصل مزية الكلمتين المذكورتين من خلال صياغتهما في تركيب لا يخرج عن حدود الجملة الإسمية ، وإحكام التركيب النحوي غالبا ما يجر وراءه معان ونواتج دلالية غاية في الروعة ، لأن روعة المعنى من روعة جمال الصياغة ، إذ كان التركيب يعتمدعلى أسس الجملة النحوية ،من عمدات (مبتدأ وخبر)وفضلات (تحت الأنقاض) التي لها دورأساسي في توضيح الجملة وبنائها بناء يؤدي إلى تقريب مقاصد المبدعة إلى ذهن القارئ، كان بإمكان الشاعرة توظيف العمدات في هذا العنوان والتي لا تخرج عن المبتدأ والخبر (هذه أقلام ) وتستغني عن الفضلة ( تحت الانقاض ) ، لكن ستظل الجملة غامضة الدلالة ، وبالتالي يبقى مراد المبدعة صعب المنال ، إذ مهما خضعت الجملة إلى التأويل والتفسير ،وطرح إسقاطات يختارها كل قارئ ، سيظل المعنى شاسعا، مما يزيد من توسع أفق احتمالات لا تنهي !
لكن الشاعرة حاصرت المتلقي بمفردتين أساسيتين في عنوانها ( أقلام ) و(أنقاض ) وضحتهما ( تحت الأنقاض ) فضيقت عليه دائرة الاحتمال ، ورغم ذلك فالتأمل في التركيب الصياغي للجملة ، يفتحها على آفاق غير محدودة من التأويلات ، فهذه الكلمات لا تقصد لذاتها كما وردت في شروح المعجم ،وإنما نجد الشاعرة بتقنية تحسب لها، ،أنها تقصد منها ذلك المخزون التراكمي الهام ،من خلال استعمالها في سياقات سابقة ، ويبقى دور المتلقي هو تتبع هذا المخزون واستحضاره ، في الموقف الحاضر الذي يمسه التعبيرعنه في القصيدة بصفة عامة ، إذ يتضح أن القلم - عبر الزمن - كانت له رمزية عظيمة ، وستبقى عظيمة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، فهو ليس مقصودا في تلك المرجعية المحفوظة ،التي لاتخلو من فقر وضحالة ، بل هو رمز العلم والمعرفة ، رمز للنور والتنوير ، إلى الحد الذي أصبح فيه القلم مجازا يحل محل أصحابه ،فمكانته لا تخفى على أحد في القرآن الكريم ، قال تعالى ( نون والقلم وما يسطرون ) وقال أيضا (إقرأ باسم ربك الذي خلق ، خلق الإنسان من علق ، إقرأ وربك الاكرم ، الذي علم بالقلم ، علم الإنسان ما لم يعلم ٠٠٠٠٠) إذ ربط سبحانه وتعالى العلم بالقلم . وانطلاقا من استحضار المتلقي لرمزية القلم ومكانته في التفكير الإنساني ، فإنه سيتجاوز السباحة عالى السطح ، ليبحر في متاهات عمق الجملة !
فالقلم سيجر لا محالة وراءه ٠٠التنوير ٠٠ العلم ٠٠ المعرفة ، الأدب ٠٠ الفلسفة ، هو ديدن الفكر والمعرفة الانسانية منذ أبد الدهر ، فيجد القارئ نفسه أمام إشارات عميقة الدلالة ،غنية بالإسقاطات ،وتقودنا بالتالي هذه المفردة إلى مادتها اللغوية التي لا تخرج عما تختزنه القواميس من شروحات !
وقس على ذلك في دلالة ( الأنقاض ) التي بدورها تخرج عن القصد المرجعي المحفوظ كقولنا ( أنقاض ،،، بقايا هدم بناء أو إلغاء الحكم وإبطاله من الفعل نقض ، أو او او ..، بل سيجبر المتلقي على استحضارالأنقاض في أبعادها الرمزية وما جرت من ويلات على الإنسانية عبر التاريخ ،من حصار طروادة وتدميرها إلى إحراق نيرون روما ،إلى تدمير المدن العربية بما فيها بشرا وحجرا وشجرا ، نتيجة حروب خرقاء أتت على الأخضر واليابس ،فأصبح كل ما على وجه الأرض العربية أنقاضا ، حروب لا تحدد ضحاياها بدقة بل تخبط العشواء دون تبصر أو بصيرة ، لكن إلى هنا تبقى الأمورعادية ، وبإمكان أي قارئ يتقن تفكيك الرمز خبير في اختيار المناسب من الإسقاطات التي لا تدمر جوهر العنوان، وتحرف مقصود الشاعرة عن مساره الصحيح ،إذ يتبادرإلى الذهن سؤال : ماذا تريد الشاعرة قوله من هذا العنوان ؟ وليس ماذا قالت فيه؟ فيمر إلى الربط بين المفردات التي لا تستمد فضيلتها ومزيتها إلا مما بعدها أو ما قبلها ،باعتبارها خادمة للمعنى ، فنقول مثلا ما علاقة أقلام بالأ نقاض ؟ وما ذا تريد الشاعرة من اختيار هذه المفردات في تركيب نحوي عاد وبسيط
(جملة إسمية) . سيجرنا تأويل هذا العنوان إلى ربط النص الادبي بصفة عامة بالبيئة التي أنتجته ،مع مراعاة ضرورة استحضار مخزوننا التراكمي وربطه بالزمن الماضي ، لأن البارحة أشبه باليوم ، ومعاناة كل من حمل قلما لتقويم اعوجاج عوج الإنسانية عبر التاريخ، إلا وكان مآله الردم تحت الأنقاض ،وربما لا يقصد بالانقاض فقط كل ما يترتب عن الحروب من تدمير ،لا يفرق بين الطفل والشيخ ولا تسلم منه حتى الأقلام / شموع المجتمعات ،وإنما تختلف عمليات الردم من المقصلة إلى المشنقة إلى المحرقة ، إلى الذبح من الوريد إلى الوريد إلى القتل بالرصاص الغادر، كل هذا أعتبره أنقاضا تطمر العقول المفكرة ، وتقمع حرية الأقلام وتثنيها عن القيام بواجب مقدس أنيطت به منذ فجر التاريخ ، وأقول لكل قلم : بيت من قصيدك أو فكرة من أفكارك ستطمرك تحت الأنقاض لا محالة ، وستقبرك قسرا وإجبارا وستمارس عليك كل أنواع القتل !
وأعتقد أن الشاعرة تقصد واقع البيئة العربية ،المشتعلة في كل مكان من البر إلى البر ، ومن البحر إلى البحر ، و التي ، تعيث في الأقلام فتكا وتدميرا ٠٠٠ وإطمار الأقلام تحت الأنقاض يتخذ أوجها مختلفة ،كإطمار العلماء وإقبارهم وهم على قيد الحياة ، وتركهم يجوبون شوارع عواصمنا العربية بعد غسل أدمغتهم ،و سلبهم القدرة على التفكير ،وتدبر أمور من ينتظر منهم التدبر ، ولنا خير مثال في كل ما نشاهده في كل بؤر التوتر في العالم العربي ، ولا داعي لذكر أسماء علماء كانوا يشار إليهم بالبنان في غرب الأرض وشرقها . ومصيبة إقبار علماء / أقلا م تكمن في كونهم ،لم يرحب بهم في يوم من الأيام ، فيصنفون ضمن الطبقات المأزومة المهمشة غير المرغوب فيها . فإطمارهم وإقبارهم تحت الأنقاض عنوة ليس بالغريب على مجتمع من المجتمعات أو بلد من البلدان ،فالشعراء يوصفون بالمجانين ، والعلماء يتهمون بالزندقة أو المروق عن الدين ،فتتلمس سيوف القتلة أو نصال المقاصل وحبال المشانق أعناقهم ، وتحرق أجسادهم في أكوام كتبهم ، إلا من خالف قاعدة تنوير العامة ، والتصق بأبواب الحكام ،والمشكل يتجلى بدون شك في أن كل تنوير للعقول هو تهديد للكراسي المهترئة ٠
ويتضح أن الشاعرة فوزية أحمد أحسنت اختيار ألفاظ غنية بالدلالات والمعاني الثواني بمفهوم الجرجاني ، حتى خارج التركيب والصياغة ، لانها تستمد تفكيكها من مخزوننا التراكمي لكل كلمة / كلمة ، خصوصا إذا كنا نحسن ربط حلقات أحداث الماضي بالحاضر،إذ الحاضر لا يقل أهمية عن الماضي ،وإن اختلفت ظروف وملابسات هذه الأنقاض التي تطمر الفكر التنويري الإنساني واختلفت أسباب هذا الاطمار / الإقبار القسري ،لكن تزهو عمليات التحليل والتفكيك ، عندما نتناولها في هكذاصياغة بسيطة تظهر في البداية عسلا يخفي سما ، وقت الغوص فيها والإبحار في تفكيك وحداتها وربطها بواقعنا الإنساني ، منذ طرد أفلاطون الشعراء من جمهوريته ،لأنهم ليسوا إلا كائنات مجنونة ، أو إقبار كل من خالف فكرا متزمتا يفرض الخطأ بقوة الحديد والنار ، ويغض الطرف عن الصواب !
لكن هذه الأقلام -كما أشارت الشاعرة إلى ذلك في نهاية النص- ستبعث من تحت الأنقاض ، من تحت الركام كما العنقاء تبعث من تحت رمادها ، وستزهر الأفكار التي ستتحول إلى مبادئ ، تخاض في سبيلها المغامرة !
ولا يسعي في هذه القراءة إلا أن أنوه بالشاعرة فوزية أحمد فلالي ،التي جعلتني أقف بإسهاب عند عتبة النص دون أن أمارس حقي في فن الاستغوار في متاهات النص الذي أظن أن كل جملة أو سطر فيه ستحتاج إلى دراسة طويلة ومعمقة باعتباره صدفة تعج بالدرر ، يستوجب شقها دون تكسيرها ذوقا مميزا ليظفر بجواهرها دون أن يلحق بها الاذى !
مزيدا من الإبداع الشاعرة المميزة فوزية أحمد فلالي !
النص /أقلام تحت الانقاض
للشاعرة فوزية أحمد فلالي
الليل يسري دون هوادة
والصبح يتنفس الندى
من تباريح شروق الخط
انبثق نور خافت
يعلن عن ميعاد ولادة
قبل التاسع
قيصرية المعاني
المخاض لازال كأنه كهرباء
بفستان مائي
رياح الشرق حاولت جاهدة
أن تزيل القمع
عن تلك الأقلام المحتحزة
تحت ضباب الانقاض
دون جدوى...
عكستها عواصف غرلية
بمعاول من حديد
شحدت على الأسنة
والليل يراقص نوم
أجفان وردية غفلها الحلم
شربت حتى الثمالة
نبيد...رقص.....وتر...؟
الكل ينتظر بزوغ فجر
دون صياح
دون رعب
برداء علم أبيض
يعانق سحاب العشق
يقبل أيادي من خشب
صنوبرو عرعار
هي شجرة الأرز في واحة الأيام
حبلى بأغصان ثمار الحق
هناك في أقلام بيد من حديد
لم تمت ...لن تحتضر
كيف لها أن تبقي تحت الأنقاض؟
فصل الربيع أقبل بباقات ورد
بشمس ذهبية
بمجلد وتاريخ حضارة
صفر الرياضيات
وخلطة كمياء
فصاحة ألسن على أبواب بابل
قحطان وتلمسان
والجواهر تزين عقد
خرير دجلة والفرات
أقلام اليأس تعلن حرية التراب
تبري قلم الرصاص...تتحرر
أكتب قصيدة الغزل بكل الألوان
سأنفض عن قبري الغبار
حيث قصري يشيد فوق الانقاض
أزف على هودج شقائق الاقحوان
بأحمر شفاه
من زهر شقائق النعمان
بقلمي الشاعرة فوزية أحمد الفيلالي في 25مارس2017
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق