ومضة : "جمالية الترميز" / بقلم شاهين دواجي
- أود في هذه الومضة أن أتكلم عن الرمز أو الترميز الجمالي كما تشاؤون هذه الخصيصة الجمالية التي تزل فيها الأقدام كل حين
- خاصية الترميز في الأدب تقنية فرضت نفسها في الشعر المعاصر خصوصا شعر التفعيلة فغدا كلام الشعراء " إيحاءً" سابحا في الملكوت .... الرمز هذه الآنية الضيقة التي اتسعت لجبال من الدلالات لأنه أساس "التكثيف" وباعثه.
- الرمز بالنظر إلى تمظهراته أنواع : فمنه الديني والأسطوري والطبيعي ومنه ماهو خليط من هذا وذاك .... لاأريد أن أسهب في الحديث عن ماهية الرمز وحده فهذا تعرفه العامة قبل الخاصة ... إنما أريد من ومضتي هذه أن أشير ألى سقطة بشأن الرمز تقع فيها فئة عظيمة من المشتغلين بحرفة الشعر ألا وهي سوء" استخدام الرمز " وتوظيفه التوظيف الذي يجلب البريق .
- كما ذكرت شعراؤنا يفهمون الرمز ويوظفونه لكن البريق في نصوصهم خافت أو منطفئ ؟
- فلا بد أن الخلل في التوظيف .
- إن توظيف الرمز هو أصعب شيء أثناء بناء " النسيج " إذ نحن مجبرون أن يكون "ترميزنا " موازيا للحالة العاطفية وللنسيج الدلالي لهذا النص .... - هذا إذا كان هذا الرمز جزءً ا من مجموع رموز في النص - أما إذا كان هذا الرمز هو مركز القصيدة وقطب الرحى فيها فنحن مجبرون أن يكون كل" حبة رمل" في هذا النص موصولة بهذا الرمز بحيث نستشف أن علاقتها به هي علاقة البنوة والأبوة .
- مشكلة شعرائنا أنهم يقحمون الرمز إقحاما ناتجا عن الإنفعال الساذج دونما رؤية للمآل الذي ستكون عليه نهاية التشكيل ومن هنا يكون "الرمز " في تشكيلاتهم كـ: "لبنة "في غير موضعها في بناءٍ ما .... فربما تسببت في انهيار هذا البناء ؟
- كعادتي سأخرج من الطرح النظري الى تطبيق بسيط من شأنه أن يوضح ما قلته قبل لحظة :
- يقول " أمل دنقل " في رائعة : البكاء بين يدي زرقاء اليمامة :
أيتها النبية المقدسة ..
لا تسكتي .. فقد سَكَتُّ سَنَةً فَسَنَةً ..
لكي أنال فضلة الأمانْ
قيل ليَ "اخرسْ .."
فخرستُ .. وعميت .. وائتممتُ بالخصيان !
ظللتُ في عبيد ( عبسِ ) أحرس القطعان
أجتزُّ صوفَها ..
أردُّ نوقها ..
أنام في حظائر النسيان
طعاميَ : الكسرةُ .. والماءُ .. وبعض الثمرات اليابسة .
وها أنا في ساعة الطعانْ
ساعةَ أن تخاذل الكماةُ .. والرماةُ .. والفرسانْ
دُعيت للميدان !
أنا الذي ما ذقتُ لحمَ الضأن ..
أنا الذي لا حولَ لي أو شأن ..
أنا الذي أقصيت عن مجالس الفتيان ،
أدعى إلى الموت .. ولم أدع الى المجالسة !!
- " أمل " هنا كان بارعا في توظيف كلا من الرمز : عنترة و زرقاء اليمامة من خلا ل ذلك التواؤم الذي خلقه بين الرمز و"دراما " القصيدة أي أنه أحسن إيجاد "المعادل الموضوعي" الأمثل لكل من الرمزين :
- "فزرقاء اليمامة "تقول الأسطورة أنها رزقت قدرة على البصر لثلاثة أيام وقد حذرت قومها قدوم الغزاة فلم يأخذوا برأيها وكان الغزو والسبي و.....و
- "فزرقاء اليمامة" كانت" المعادل الموضوعي "الأمثل " للمثقف " الذي طالب سلطة الستينيات بالإصلاح فأعرضت وكانت النكسة التي لا تزال آثارها الى اليوم .
- وهو في هذا المقطع يتكلم بلسان عنترة العبسي الذي قضى حياته مع " قطعان " عبس ولم يعبأ له إلا عندما اشتد الوطيس واحتدم النزاع ؟
- عنترة أيضا هو مثال المواطن " المهمش " الذي لا تعرفه السلطة إلا" مجندا" أو " متملقا "
- ولعلنا نرى أن الجانب الأكبر من الجمالية في هذا النص سببه استخدام ذكي لهذا الرمز .
- ملاحظة مهمة لا بد من الإشارة اليها : أن اسخدام الرمز قد يتعدد وفق وعي ورؤية الشاعر وذكائه ... بل ربما اسخدم بتضاد كما هوالحال مع الشاعرة " أريدات " التي استعملت رمز " الإسكندر المقدوني " على أنه رمز للفرد الطموح الذي بنى صرح بلاده بتفان .... وفي قصيدة أخرى استخدمت نفس الرمز لتعبر به عن الإستبداد والنزعة التوسعية والتعطش لدماء المستضعفين .... فذكاؤها جعلها تكيف الرمز وفق وعيها ورؤيتها الفنية .
- وهناك لطيفة أخرى هي آخر ومضتي وهي شيء نفيس لا يفعله إلا " المشعوذون " وهو استخدام ما أسميه " خيال الرمز " لا الرمز نفسه ... أي أن يشير الشاعر إلى أثر من آثار الرمز إشارة شفيفة لطيفة تحيل ... أي "الترميز عن بعد ".... وهو ما نجده في هذا البيت الساحر لحازم التميمي :
* لومي أخية صولجان خطيئتي ***** ماعاد في التفاح من أعصابي
- فهو يتحدث هنا بلسان " آدم " ألى " حواء " التي أغوته لكنه طيلة القصيدة لم يذكر إسميهما ؟ لم يحل إلى إسميهما غير لفظتي " خطيئتي " و " التفاح "لأنه بذكائه يعلم ماتمثله هاتين العلامتين في الذاكرة الجمعية للمؤمنين من كافة الأديان .... وهذا كما ذكرت آنفا لا يفعله إلا من كان الشعر زمرة دمه
- بقي أن أقول أن الإستخدام الحسن للرمز لا يمكن أن يتأتى بين ليلة وضحاها فلا بد من التمرس والدربة في نصوص الغير والتعامل الذكي والواعي معها .
شاهين دواجي/ الجزائر
- أود في هذه الومضة أن أتكلم عن الرمز أو الترميز الجمالي كما تشاؤون هذه الخصيصة الجمالية التي تزل فيها الأقدام كل حين
- خاصية الترميز في الأدب تقنية فرضت نفسها في الشعر المعاصر خصوصا شعر التفعيلة فغدا كلام الشعراء " إيحاءً" سابحا في الملكوت .... الرمز هذه الآنية الضيقة التي اتسعت لجبال من الدلالات لأنه أساس "التكثيف" وباعثه.
- الرمز بالنظر إلى تمظهراته أنواع : فمنه الديني والأسطوري والطبيعي ومنه ماهو خليط من هذا وذاك .... لاأريد أن أسهب في الحديث عن ماهية الرمز وحده فهذا تعرفه العامة قبل الخاصة ... إنما أريد من ومضتي هذه أن أشير ألى سقطة بشأن الرمز تقع فيها فئة عظيمة من المشتغلين بحرفة الشعر ألا وهي سوء" استخدام الرمز " وتوظيفه التوظيف الذي يجلب البريق .
- كما ذكرت شعراؤنا يفهمون الرمز ويوظفونه لكن البريق في نصوصهم خافت أو منطفئ ؟
- فلا بد أن الخلل في التوظيف .
- إن توظيف الرمز هو أصعب شيء أثناء بناء " النسيج " إذ نحن مجبرون أن يكون "ترميزنا " موازيا للحالة العاطفية وللنسيج الدلالي لهذا النص .... - هذا إذا كان هذا الرمز جزءً ا من مجموع رموز في النص - أما إذا كان هذا الرمز هو مركز القصيدة وقطب الرحى فيها فنحن مجبرون أن يكون كل" حبة رمل" في هذا النص موصولة بهذا الرمز بحيث نستشف أن علاقتها به هي علاقة البنوة والأبوة .
- مشكلة شعرائنا أنهم يقحمون الرمز إقحاما ناتجا عن الإنفعال الساذج دونما رؤية للمآل الذي ستكون عليه نهاية التشكيل ومن هنا يكون "الرمز " في تشكيلاتهم كـ: "لبنة "في غير موضعها في بناءٍ ما .... فربما تسببت في انهيار هذا البناء ؟
- كعادتي سأخرج من الطرح النظري الى تطبيق بسيط من شأنه أن يوضح ما قلته قبل لحظة :
- يقول " أمل دنقل " في رائعة : البكاء بين يدي زرقاء اليمامة :
أيتها النبية المقدسة ..
لا تسكتي .. فقد سَكَتُّ سَنَةً فَسَنَةً ..
لكي أنال فضلة الأمانْ
قيل ليَ "اخرسْ .."
فخرستُ .. وعميت .. وائتممتُ بالخصيان !
ظللتُ في عبيد ( عبسِ ) أحرس القطعان
أجتزُّ صوفَها ..
أردُّ نوقها ..
أنام في حظائر النسيان
طعاميَ : الكسرةُ .. والماءُ .. وبعض الثمرات اليابسة .
وها أنا في ساعة الطعانْ
ساعةَ أن تخاذل الكماةُ .. والرماةُ .. والفرسانْ
دُعيت للميدان !
أنا الذي ما ذقتُ لحمَ الضأن ..
أنا الذي لا حولَ لي أو شأن ..
أنا الذي أقصيت عن مجالس الفتيان ،
أدعى إلى الموت .. ولم أدع الى المجالسة !!
- " أمل " هنا كان بارعا في توظيف كلا من الرمز : عنترة و زرقاء اليمامة من خلا ل ذلك التواؤم الذي خلقه بين الرمز و"دراما " القصيدة أي أنه أحسن إيجاد "المعادل الموضوعي" الأمثل لكل من الرمزين :
- "فزرقاء اليمامة "تقول الأسطورة أنها رزقت قدرة على البصر لثلاثة أيام وقد حذرت قومها قدوم الغزاة فلم يأخذوا برأيها وكان الغزو والسبي و.....و
- "فزرقاء اليمامة" كانت" المعادل الموضوعي "الأمثل " للمثقف " الذي طالب سلطة الستينيات بالإصلاح فأعرضت وكانت النكسة التي لا تزال آثارها الى اليوم .
- وهو في هذا المقطع يتكلم بلسان عنترة العبسي الذي قضى حياته مع " قطعان " عبس ولم يعبأ له إلا عندما اشتد الوطيس واحتدم النزاع ؟
- عنترة أيضا هو مثال المواطن " المهمش " الذي لا تعرفه السلطة إلا" مجندا" أو " متملقا "
- ولعلنا نرى أن الجانب الأكبر من الجمالية في هذا النص سببه استخدام ذكي لهذا الرمز .
- ملاحظة مهمة لا بد من الإشارة اليها : أن اسخدام الرمز قد يتعدد وفق وعي ورؤية الشاعر وذكائه ... بل ربما اسخدم بتضاد كما هوالحال مع الشاعرة " أريدات " التي استعملت رمز " الإسكندر المقدوني " على أنه رمز للفرد الطموح الذي بنى صرح بلاده بتفان .... وفي قصيدة أخرى استخدمت نفس الرمز لتعبر به عن الإستبداد والنزعة التوسعية والتعطش لدماء المستضعفين .... فذكاؤها جعلها تكيف الرمز وفق وعيها ورؤيتها الفنية .
- وهناك لطيفة أخرى هي آخر ومضتي وهي شيء نفيس لا يفعله إلا " المشعوذون " وهو استخدام ما أسميه " خيال الرمز " لا الرمز نفسه ... أي أن يشير الشاعر إلى أثر من آثار الرمز إشارة شفيفة لطيفة تحيل ... أي "الترميز عن بعد ".... وهو ما نجده في هذا البيت الساحر لحازم التميمي :
* لومي أخية صولجان خطيئتي ***** ماعاد في التفاح من أعصابي
- فهو يتحدث هنا بلسان " آدم " ألى " حواء " التي أغوته لكنه طيلة القصيدة لم يذكر إسميهما ؟ لم يحل إلى إسميهما غير لفظتي " خطيئتي " و " التفاح "لأنه بذكائه يعلم ماتمثله هاتين العلامتين في الذاكرة الجمعية للمؤمنين من كافة الأديان .... وهذا كما ذكرت آنفا لا يفعله إلا من كان الشعر زمرة دمه
- بقي أن أقول أن الإستخدام الحسن للرمز لا يمكن أن يتأتى بين ليلة وضحاها فلا بد من التمرس والدربة في نصوص الغير والتعامل الذكي والواعي معها .
شاهين دواجي/ الجزائر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق