الخميس، 19 مايو 2016

ملف خاص بالاديب المبدع / رياض ماشي الفتلاوي / العراق

رياض ماشي الفتلاوي
العراق \النجف الاشرف \مواليد\ 1\7\1972
درست المراحل الابتدائية في قرية من قرى قضاء المشخاب التابع لمحافظة النجف الأشرف وتخرج من ذلك القضاء العديد من الكتّاب والمفكرين والعلماء والشعراء.
كان والدي فلاحا مناضلا ينتمي الى النظام الاشتراكي وقد حورب من قبل نظام البعث البائد حتى أنهى أغلب حياته هاربا من بطش الظلم وكنت امارس الكتابة منذ نعومة أظافري حيث أكتب ما يخطر في بالي من نصوص قصيرة تعبر عن مشاعري المحبوسة.
فلم أجد المتسع الكافي لأشارك ما أكتب مع الأصدقاء حتى عام 2006 عندما دخلت الى عالم الشاشة المستطيلة
وكنت أعبر عن كتاباتي في المنتديات وقبل ذلك انهيت الدراسة الإعدادية ودرست المقدمات في مدرسة دينية تركت الدراسة بسبب الضغوط البعثية وعملت في سلك التجارة حتى أصبح لي أسم معروف في سوق التجارة.
بعد ذلك تفرغت للكتابة تفرغ تام عام 2010
 شاركت في العديد من المنتديات الأدبية وكنت السبّاق في النشر حتى حصلت على عديد من الشهادات التقديرية ومنها وسام الابداع منتدى الفينيق العربي وسام الابداع مجموعة تجديد الأدبية هوية انتماء لشعراء العرب هوية فنون لمؤسسة فنون الثقافية هوية تجديد الأدبية هوية أتحاد الأدباء لمحافظة النجف.
شاركت في مسابقات عديدة لقصيدة النثر وكان الاغلب في المراتب الأولى.
صدر لي ديوان أساطير الزمن عن دار جان الألمانية
وصدر لي ديوان دموع الورد نفس الدار
وصدر لي ديوان مدينة الصبر لدار المتن بغداد
ولي ديوان المرايا قيد الطبع
وديوان نسائم قيد الطبع
شاركت في ديوان صدى الربيع مع مجموعة شعراء من الوطن العربي
وديوان بوح أدرد مشترك مع مجموعة شعراء الرصيف من الوطن العربي
وديوان قصائد نثر مختارة الجزء الأول مع مجموعة شعراء من الوطن العربي
وديوان حروف وهواجس مشترك مع مجموعة شعراء من الوطن العربي
نشرت لي بعض الصحف منها المستقبل العراقي
ومجلة شرارة الصادرة عن الحزب الشيوعي العراقي
نشرت لي العديد من المواقع الالكترونية منها
مؤسسة صدى الفصول
شبكة مواقع حبرستان الأدبية كلام من ذهب
مؤسسة تجديد والادب العربي المعاصر
صحيفة الهيكل الالكترونية
مجلة انكمدو وهمسات القمر
مؤسسة زيتونة
 مؤسسة المعارج الواقعة في المانية
مؤسسة الأقلام
صحيفة فنون
مؤسسة شناشيل ابنة الجلبي
والعديد لا تحظرني
النصوص
(1)
بحر
جلست وظلي
على صخرة صماء
في سواحل البحر الميت
أبحث عن حياة
تشبهني
 حين سرقتني الأمنيات
من بين شفاه الصبح
استيقظت من حلمي
هناك صوت
يهمس 
كأنه ذاك البحر
 تذكر النسيم
ورقصة الرمال
ودبكة النورس على ظهر الأمواج
أرى دمعة تغني
على خد البحر
وضحكة صفراء على شفاه ريشيتي
حين رسمت الشمس
بلون أزرق
والقمر يرتدي ثوب الغبش
وصفحة البحر
فارغة
تنتظر لون السماء
كم يتمنى القلم
ان يكتب هذياني 
بكل الألوان
ضحكت حين هرب الحلم
من غفوتي
وأنا أعد رحلت الوطن
على رؤوس الأصابع
أحرقت الشمس
بوجه الغروب
وقرأت تعويذة البخور
حتى لا يصيب الجنون
حلمي العطشان
رميت عود الثقاب
بكنيسة الراهب
حين سمعت الشجرة العجوز
تلقن غصنها
الاعتراف
خشيت من ريشيتي
ترسمني 
وتنسى ضحكة البحر
وزقزقة الجرف
على ساحل القصيدة
(2)
درس
*******
وراء الافتراضات
أبحث عن هشاشة الأنا
ألملم السقوف
المختفية في ثقوب الامازون
خلف المرايا
ثالوث غربتي
وضحكة طفل غريق
وجدار مشيد
تحته سر المراكب
تكسرت مجاديف الدروب
بمرايا البيت العتيق
وسقط عش الغراب
من باطن المدخنة
يحمل اسطورة الدفن
وخثرة من بقايا دم هابيل
يحتفظ بها
الى بني الطيور
التي يتشائم من نعيقها الصبح
هكذا وجدت الدرس
على لوحة رمادية كتبها الزمن
بمنقار غريب
يلحن العلوم على نغمة اللا غفلة
البئر لم يك غدار
كأخوة يوسف
حين ضم النبوة بين اضلاعه
الذئب علق ظلامته
على قميص البراءة الملطخ بدم الكبش
حتى سجل التاريخ
ملحمة الحسد
أنفرد الأنسان بفن اللا أخوة
عندما تتصادم السطور
بورقة واحدة
تحمل صفحات الموت
(3)
رحلة اختبار
***********
دخلت في سرادق جسدي
أبحث عني
وسط كهوف الروح
فما وجدت
غير شجرة بلهاء عارية
سقطت أوراقها
في مدينة الاحتراق
هناك ظل
يشبه جسدي الضام
يحمل قلب محطم
على ظهره المحدودب
يشق الدروب
بنفس من دخان
الضوء يترقب
زائر الظلام
تسلل بهدوء
يحمل دفتر كوابيس الليل
كم هو ظلي أحمق
حين غادر جسدي
يبحث عن معول
أرض خصبة
حتى يدفن قلبي
بعيدا عن تلك الأوجاع
ضحكت
ضحكت حتى استيقظت
جميع الظلال
من ضحكتي البلهاء
وسط مقبرة الروح
عجب أين ذهب الظل بقلبي
لايعلم أن النبض
مازال سجينا بين الأضلاع
قلب بلا نبض
وجسد بلا ظل
معادلة الموت والحياة
في الاختبار
النتيجة في الحلم الأول
(4)
غريب في وطن
***********
مازلت ابحث عن شيبتي
وسط الحقول
كباحث عن ظله في سرادق العتمة
أنظر الى ذاك الماضي
البعيد حين كنت افصل الصبح
الى ثلاث دروب
تأخذني عبر الجسور
ادق باب الفجر
بذاك المحراث على كتفي
حتى تنطوي
تحت أقدامي المسافات
وأنا أداعب السنابل بضحكة الماء
كنسمة السحر
عندما تحمل الندى
الى تلك الارواق العطشة
أي زمن هذا
يرسمني على لوحة قليلة النظر
الوانها باهتة
لاتشبه مجلس عمومتي
حين كانت الدلة
ترقص وسط الموقد
والفنجان يرتل أغنية النهر
اين تلك الوجوه
البريئة
التي تحمل هموم الأخرين
حين طرزت مجالسها على ظهر النهر
بصوت الريف
مازال تراب الشارع القديم
يحمل اكفان الطيب
وضحكة القصب
وحنايا مضائف البردي
مازال العنبر
يبحث عن ذاك الدهن الحر
وطير الأهوار
واسراب البني والشبوط
رحلت ملامح العطر
مع القبور
التي ضمت رفاة قريتي
حتى اصبحنا
كضجيج المدن
وصرخة الأرصفة بأقدام النساء
لست أدري
هل نحن من قص شريط الموت
لقريتنا
أم زاغت الأبصار
واختفى الحياء
كعنبرنا الذي اكلته السنين بعجافها
(5)
لعنة العراق
...........
قصائد الوطن
تحج إليها الكلمات
تطوف حولها الدموع سبعا
تنحر قافيتها
تحت أقدام المنصة
أضرحة
تنذر الحروف صوائغها
ترمي السجال
وسط سطورها المنحوتة
من خزف الارتجال
تلبي
تحلق رأس القصيد
ترمي الجمرات
بشرر من لهب
يحرق اذيال الفاسدين
كعبة الشعراء
ملاذ المحرومين
قدسية الأحرار
كهنوتية
لسان حاد
غمده وطن مجروح
تسلقت على ظهره ضباع جائعة
مزقت جلد الفرات
وسبت دجلة
على هودج الأحزاب العارية
بكى النخيل
حتى ابتلت السطور
وتمثال المتنبي
مازال يحمل لعنة العراق
بالقرطاس والقلم
(6)
غواية الاصابع
رحلت في دهاليز التاريخ أعد غواية الأصابع. حتى أحرقت أصابعي العشرة خشية الأملاق، لم أدخل في باطن الشمس أحسب خيوط النهار في صفحة الغروب، كم هي أحلامي بلهاء استعارت معطف الأضغاث تقي ارتجافها من التأويل في ساعة الهامش، تتجول بين أصابع الليل كجعجعة البرق في نهاية نيسان، مازلت الملم النهارات الساقطة في وادي المساءات حتى وجدت ندبات الحروف في قصائد مستعارة من عالم أخر لا يشبه عالمنا، عجبا رأيت شاعراً لم يبلغ الحرف يهجي قصيدة عجوز قد بلغت من القافية مبلغ الحصاد للثمر، يحسب عثرات النبوة في رسائل السماء كمن يغربل الجبال بثقوب النمل، حروف الشاعر بيضاء عليها هيبة القصيدة وملامح الوطن، لست ممن يطرز سجادة الأدب بسنارة الشارع تعلمت الكلام من رحم المجالس، أكتب ما تبقى من رماد الروح المحترقة بسبابة الوجع حتى أصبحت من رواد الألم.......
(7)
عراق للبيع
سيتم إلغاء الشعب
في صفقة البرلمان الأولى
المشتري
دفع الثمن
بلد بلا ضجيج
صوت خلف الكواليس
سالغي الحكم
حين أجد الأسواق تضحك
والأيدي متصافحة
يطربني الموت
يسألني عقيدتي
أنا المجروح
على خارطة العراق
ممزق
بخناجر السياسة
شربنا كأس الفراق
على مائدة التدين
معابدنا تكبر
وقلوبنا تمزق ثوب التكبير
بخنجر الطائفية
جدار البيت هش
كلب الجار ينبح على دكة الباب
ونهر الدم
يجري
على أرصفة الجهل
زكاة
صوم
صلاة
وجيب طويل
لا تملؤه الدنانير
اعتصام
تظاهرات
فاسق يسرقنا
ونحن نسرق الفسق من خزائن أنفسنا
عراق للبيع
الثمن مدفوع مسبقا
(8)
الدمعة الحزينة
.......
على أجنحة السحاب
ركبت دمعتي
تشق الخدود الراسيات
تكلم العالم
بصوتها الحزين
وقلبها الذي يقطر الحنين
أي دمعة انت
سجد الكون
تحت قدميك
يزف الغد
على حصان ابيض
كجنائن بابل المعلقة
خذي بعضي
خذي ما تبقى مني
ودعي لطفلتي كسرة رغيف
وقطعة من خشب
اقطعي كل الاصابع
دعي السبابة تكتب من ريق الأحزان
على لوحة الخشب
التاريخ أعمى
لم ير
سوى جعجة فصول
في ركن الألم
لا ترحلي ايتها الراقدة وسادة الجفن
لن ترحلي
علمت ذلك
حين جلست والصبح وخد الشمس
نبحث عن صدى
بريق البسمة
بتلك الشفاه الاسيرة
تشققت ملامح الصمت
حتى انفجرت اسراب الدموع
من باطن الوجع
سأمت الهدوء
جلست بين أشلاء الروح
ابحث عن قبر وحدتي
وسط الانكسارات
وجدت كفنا ممزق
ووردة حمراء مشنوقة
على قبر مهدم
عرفت حينها
لن أعيش
إلا مع تلك الشقراء الماجنة
الدمعة الحزينة
(9)
سفر
اكتشفت ذات يوم عندما كنت في العشرين من قرني. لي عشرة أحلام مبتورة فقدتها في زوبعة الدوار عندما ركض الجميع على ظلي يتبركون بملامسة قميصي الذي قدته حروب الساعة. رحل جلدي على حصان ابيض يبحث عن جسد ناري يلتهم حطب الذكريات حتى رأيت دخان طفولتي على تلك الصخرة العمياء التي حبست أنفاس الماء في فم النهر. الدرب مازال يتعكز على لعنة الأجداد حين برز الشيب على ناصية الأطفال يبحث عن مساحة يضع فيها جبروته. ليت القلم لم يكتب أضحوكة الثورة في سلسلة الوعود حيث النخلة باعت جذعها بثمن بخس لتطعم السنابل. وساعتنا مازال رقاصها يتبختر كغيمة صيف تسرق الظلال. جمعت حروفي في جسد امرأة حيث بان الربيع بقوافيها...
(10)
ظل
جلست على دكة الألم. أرسم الذكريات على لوحة من صدأ الأيام .تكلمني أريكة الصبح بصوتها الشمسي، تدغدغ وجعي خيوط الفنجان المتشابكة وسط قهوتي البلهاء. حين رحل ظلي يبحث عن جسد أخر لا يحمل الندم... رأى في باطن الشجرة الملعونة فارس أحدب يمتطي صهوة الليل الجامح كنهر عطشان يستجدي الارواء من بقايا صدفة عمياء على سفح الندى. رجع ظلي يحمل حلما جديدا أشبه بنبتة القمر على خد الأمواج. جلست وظلي نتصفح دفتر الغروب نعد السنين المهاجرة وسط الحقول. حتى بكى ناعور الفصول على تلك السنبلة العذراء حين فقدت قمحها بعاصفة المناجل... سلال النهار تنتظر هطول الأمطار على تلك الأقبية. حتى تمتلئ عين الوردة بتعويذة النحل ويغزل أبن الجبل سجادة العسل البري لتلك الموءودة التي دفنتها معابد الوثن... أي ربيع يحملني بعيدا عن خيوط عروبتي لم أعد اتحمل خيبات المنابر حين فقعت عين الشمس بدبوس المعابد حتى هلال الجامع الكبير أصبح بوجهين ولسان يتكلم بلغة الموت متى أيها الظل المختفي خلف العتاب ترسمني كحرف وسط القصيدة يلملم ما تبقى من وطني بلغة واحدة تشبه حمامة بيضاء تحمل غصن الزيتون...ِ
قراءات و دراسات

الصورة الشعرية في الشعر السردي عند رياض الفتلاوي



د أنور غني الموسوي

للشاعر العراقي رياض الفتلاوي قصائد منشورة في مجلة تجديد الادبية المتخصصة بقصيدة النثر النموذجية المكتوبة باسلوب السرد التعبيري و بالنثروشعرية التي تظهر بشكل جمل و فقرات . وفي هذه الشكل من الكتابة تتخلى الايقاعية عن مركزيتها التي تظهر بها في الشعر النثري الحر و القصيدة الحرة لتحل محلها اللاايقاعية النثرية ، كما ان الصورة الشعرية تنتقل من منطقة الحامل للنص و الممثل لشعريته و لغته لتكون محمولا فيه  وجزء من ابهاره و شعريته، و هذه القضية من دقائق الامور التي تميز قصيدة النثر عن القصيدة الحرة .

البحث في تجليات و وجودات الصورة الشعرية في الشعر السردي و السردية التعبيرية يقع ضمن مجال العوامل التعبيرية العميقة ،  و لا ريب ان كثيرا من الفرضيات قد سقطت و كثير من المسلمات قد اهتزت و الان صار توهج اللغة المتمثل بايحائتها الاستثنائية و رمزيتها الاستثنايئة و كثافة العبارة و تشظي النص  هي الصفة الاهم و المميز الاهم للشعر كما انه صار من المتسالم عالميا ان الشعر السردي هو المميز الاهم لقصيدة النثر ، وهو ما يميزها فعلا عن القصيدة الحرة و ان كتبت بغير وزن .

  ان الصورة الشعرية في الشعر الصوري و القصيدة الايقاعية ليست فقط مركزية و انما ايضا هي التي تدلل على شعرية النص و هي المعرّفة له ، لكن الصورة الشعرية في الشعر السردي و قصيدة النثر تكون موجودة بوضع مختلف بحيث تكون جزء من شعريته . و بعبارة ثانية  بينما تكون الصورة الشعرية و الايقاع هي شعرية القصيدة الحرة فانهما جزء من شعرية قصيدة النثر . فتحافظ قصيدة النثر على توهج لغتها و على ايحائتها و رمزيتها و على صورتها الشعرية و ايقاعية عميقة من دون ظهور نصي لكل ذلك ، و انما النصية تكون للنثروشعرية و للسردية التعبيرية و الشعر السردي .

 هنا سنتناول قصيدة لرياض الفتلاوي منشورة في مجلة تجديد كتبت بالشعر السردي و النثروشعرية العاليةهي قصيدة ( لغز)

( لغز )

دعنا نمارس أنا وأنت لعبة الفضاء أجلس أعد زقزقة العصافير وأنت تعد الغيوم نجمعها بصندوق أشبه بحلم قديم أتذكره حين كنت في زاوية بعيدة عن عالم اللامركزية حيث الوجود زرع بذرتي كسنبلة في حقل البراءة. دعنا نسير بعيدا عن طقوسنا حتى نعرف ما تبقى في الدروب من معابد ونترك لعبتنا الشرقية في مستنقع المقابر  . تعال أرسمك على لوحة أجدادي وترسمني على ما تحمل من بقايا الواح خاصتك لعلنا نجد في الرسم ما خبأته الآيات المركونة على رف الجهل دعنا نفك الرموز التي غلقت الأبواب في قصر الساحرة التي علمتنا طقوس الكفر . لن تخونني الذاكرة حين كنت اتعلم ركوب البحار رأيت حورية في وادي العجب تتكلم بألغاز مبهمة حفظت منها ثلاثة نجوم كبيرة تناسلت منها أحد عشر كوكبا تمسك مجرتنا وما زلت أسير على فك الالغاز المتبقية في نهاية الغروب ، هل يبقى ليلنا كما هو أم تراه يتبعثر في اللغز ؟.ما رأيك أن نمارس لعبة الحمام حين يحمل بمنقاره غصن الزيتون حتى ينتهي اللغز ونحن بعيدون عن المقابر ؟

مجلة تجديد 26\2\2016
ان   الصورة الشعرية كعامل تعبيري عميق و مبهر ليست شيئا جديدا بالكامل عن تجرية الانسانية و وعيها و انما هي حالة توهج و ابراز لما هو موجود فعلا ، و الابهار الذي يحققه النص الشعري ليس بالابتكار الصوري فحسب لان ذلك سيزول مع الوقت ،و انما يكمن فعلا في التذكير بجوانب من الوعي عميقة . ان من القوانين الثابتة في الاستجابة و التلقي العقلي الواعي للاشياء و المشاهد و المعارف انها تبهر و تدهش بالامور العميقة و كلما ازداد عمق المشهد او المعرفة المتلقاة ازداد مقدار الانبهار و استمر اكثر طويلا ( الموسوي ؛ ميكانزما الاستجابة الجمالية 2015) .

في شعر رياض الفتلاوي ابحار عميق و فذ  ، يلتقط الدرر و يقتنص الجمال العميق   في بحار الوعي و الانسانية . و سنتتبع دلائل و صور تلك الالتقاطات و الاقتناضات العميقة الماوراء نصية . و  سنعتمد هنا لغة واقعية و موضوعية و لا نعتمد الا الاشارات و الدلائل الواقعية ، و ذلك ليس فقط للابتعاد عن النقد الادعائي و الانطباعي ،و انما ذلك يقع في طريق سعينا لتكامل نظرية النقد التعبيري و التقدم نحو النقد العلمي .

لقد اوضحنا في كتابنا التعبير الادبي (الموسوي2016) ان في النص ثنائية بارزة هي المعادل التعبيري النصي و العامل التعبيري العميق و بالقدر الذي تبرز فيه الشعرية في التوظيفات و التفنن الاسلوبي في المعادلات التعبيرية كالسرد التعبيري و وقعنة للخيال و تعدد الاصوات فان روح الشعرية و جوهرها الخام في العوامل التعبيرية العميق . ان ما يفعله الشاعر ليس فقط رؤية مختلفة للاشياء و لا تلاعب بالكلمات كما ادعى اهل الحداثة و انما هو الاطلاع العميق على حقائق الامور و التعرف على الاشياء في عوالم عميقة ثم يقتنص النظام و العلاقة الاستثنائية بينها و يطرحها و يبرزها لنا بمعادل نصي . هنا سنتناول الصور الشعرية باعتبارها عوامل شعرية عميقة قد اطلع عليها و تعرف على ملامحها و ابرزها لنا الشاعر  رياض الفتلاوي . تلك العوامل التي تختلف من حيث الكيف كما انها تختلف من حيث العمق و كلما ازدادت عمقا في الوعي الانساني فانها تكون اكثر توهجا و اكثر ابهارا.

في قصيدة ( لعز) نجد هذا المقطع النثروشعري بالسرد التعبيري :

(دعنا نمارس أنا وأنت لعبة الفضاء أجلس أعد زقزقة العصافير وأنت تعد الغيوم نجمعها بصندوق أشبه بحلم قديم أتذكره حين كنت في زاوية بعيدة عن عالم اللامركزية حيث الوجود زرع بذرتي كسنبلة في حقل البراءة. )

ان تعبئة العبارات بطاقات ايحائية و رمزية و جعلها عاكسة لرسائل متعددة من الامور الظاهرة هنا، فأول ما يصدم الوعي هو تلك الدعوة الواعية و الجدية و الناضجة الى ماذا ؟  الى ( اللعب ) ، هنا يحصل كسر للمنطقية و ينتقل الذهن الى مجال الايحاء و الدلالة غير المباشرة ، و يتحول خط الرسالة الى مجال اخر . من المهم جدا و كما اوضحنا في مناسبة سبقة ان ما يحفز و يثير الاستجابة الشعورية و الاقرار بالعمل الادبي او الفني هو ( التنقل السريع و اللامنطقي ) بين مجالات المعنى و تواجد الكيانات الذهنية ، حيث ان المحادثة العادية قائمة على تداولية و تعاونية ، و حينما يحصل قفز و تنقل غير منطقي تختل تلك التداولية ، وهذا الامر كما يحصل بالانزياح المفرداتي فانه يحصل في النظام الكلامي او التجاورات البيانية . ما حصل هنا قفز و كسر لمنطقية النضج و الجدية  و التحول الى مجال اللعب ، و هو امر مع تأجيل البوح يحقق نظاما دلاليا مفتوحا و يحقق نظاما تأويليا يعتمد على خلفية القارئ  الاجتماعية و السياسية .

من خلال القراءة الاكثر عمقا للنص نجد ان كلمة او مفهوم او حقيقة ( لعبة ) كان لها بعدان او تأريخان تأريخ خارجي اراد الشاعر الاشارة اليه وهو ما يجري في الواقع و ما يحركه في حياة و بيئة و امة  الشاعر ، و التأريخ الثاني التأريخ النصي وهو في قبال التأريخ الخارجي ، وهذا ما اسميناه ( الرمزية النصية ) في قبال الرمزية الخارجية لذلك الرمز .

لقد هيمنة اللعبية و اللغزية على النص و صارت جميع وحداته و مفرداته تتلون بمزاجها و اشيائها (  أعد زقزقة العصافير وأنت تعد الغيوم \ نجمعها بصندوق أشبه بحلم قديم \ زاوية بعيدة عن عالم اللامركزية \ حقل البراءة. \  ونترك لعبتنا الشرقية في مستنقع المقابر  . \ دعنا نفك الرموز \  قصر الساحرة \  ركوب البحار \   حورية في وادي العجب \ بألغاز مبهمة \ فك الالغاز المتبقية \ يتبعثر في اللغز \ نمارس لعبة الحمام \حتى ينتهي اللغز )

و من الواضح و كما هو معهود في كتابات رياض الفتلاوي فانه يعتمد الرمزية القريبة و يهتم بالقارئ و لا يجعل نصه مغلقا او يغرقه بالرمزية العالية كما عند البعض مع الاسف ، و تكون رسالته واضحة مع توهج اللغة و عبارات النص وهذا ادب فذ ، اذ تبرز رسالة النص في اكثر من موضع فيه لكنها تتجلى في ( عبارة ( ونترك لعبتنا الشرقية في مستنقع المقابر ) .   و عبارة (هل يبقى ليلنا كما هو أم تراه يتبعثر في اللغز ؟)  و عبارة ( ما رأيك أن نمارس لعبة الحمام حين يحمل بمنقاره غصن الزيتون حتى ينتهي اللغز ونحن بعيدون عن المقابر ؟) )

تتميز الصورة الشعرية في الشعر السردي المكتوب باسلوب السرد التعبيري بالعذوبة ، و نقصد بالعذوبة هو تقريب الصورة و عدم التحليق بها كما في الشعر الايقاعي الحر . حيث ان الشاعر يعمد الى وقعنة الخيال ، اي انه يظهر الصورة و كأنها واقع ، وهذه الحالة تحتاج الى ( لغة متموجة  ) و التي لا تتوفر بسهولة الا في السرد التعبيري .

ففي مقطع ( دعنا نمارس أنا وأنت لعبة الفضاء أجلس أعد زقزقة العصافير وأنت تعد الغيوم) نجد العبارة بدأت بلغة واقعية و يومية ( دعنا نمارس انا و انت )  ثم ادخلت الخيال فيها ( لعبة الفضاء ) ثم عادت الى الواقعبة ( اجلي اعد ) ثم رجعت الى المجاز و الخال ( اعد زقزقة العصافير ) ، هكذا طرحت الصورة الشعرية و خصوصا صورة (أعد زقزقة العصافير وأنت تعد الغيوم ) في نظام و سياق سردي قريب ، فصار قريبا و عذبا .

و هكذا نجد الصورة تتصف بالعذوبة و القرب بفعل اللغة المتموجة في عبارة

(  نجمعها بصندوق أشبه بحلم قديم أتذكره حين كنت في زاوية بعيدة عن عالم اللامركزية حيث الوجود زرع بذرتي كسنبلة في حقل البراءة. )

اذ نلاحظ ان التركيب و الجمل تنتقل من مقطع شديد الواقعية الى مقطع مجازي و خيالي وهكذا بالتناوب محققا لغة متموجة من حيث القرب و البعد و المنطقية و اللمنطقية و الواقعية و الخيال .

و ايضا لغة متموجة عذبة في عبارة

(  لن تخونني الذاكرة حين كنت اتعلم ركوب البحار رأيت حورية في وادي العجب تتكلم بألغاز مبهمة )

اننا نجزم بعد استقراء و فحص و تجريب متكرر انّ اللغة المتموجة بين المطنقية و الرمزية و الواقعية و الخيالية تنتج نصا عذبا . و هذه التجريبية و التوقعية و الثبوت من سمات المعرفة العلمية و يمكننا ان نعد هذه الحقيقة احد القواعد العلمية في الأدب و من عناصر الأدب العلمي .

و في اسلوب او اطلاع شعري لرياض الفتوي نجد الشعور القوي بالاشياء ، فتأتي صوره الشعرية مفعمة بالصدق و الاخلاص و نافذة عميقا قي التجربة الانسانية  .

يقول الشاعر

(دعنا نمارس أنا وأنت لعبة الفضاء أجلس أعد زقزقة العصافير وأنت تعد الغيوم نجمعها بصندوق أشبه بحلم قديم أتذكره حين كنت في زاوية بعيدة عن عالم اللامركزية حيث الوجود زرع بذرتي كسنبلة في حقل البراءة. )

في هذا المقطع تتجلى لغة الخلاص بالاتجاه نحو الحلم و عالم البراءة و الذكرى ، و طلب ذلك العالم و لو بصيغة لعبة و تخيل و افتراض و جاءت المفردات التعبيرية الانثيالية المتوافقة مع هذا الجو النصي بعبارة ( زقزقة العصافير \ و عد الغيوم \ و صندوق ) ان الشعور العميق بالاشياء و دمجها في لغة البيان و الصور المركبة ليس امرا سهلا ، و لطالما يكون فيه اخلال  من جهة عدم المناسبة سواء بالابتعاد عنه الى الاعلى او الاسفل فلا تكون انسيابية و تناسقية انثيالية و تجليات اللاوعي ، وهذا الذي نتكلم عنه يفهمه الكتاب و يحس به القراء  ، اذ لا بد من شبَه و محاكاة في العبارات  و المفردات التي تتكون منها الصور و الرسالة و الخطاب المضمن و الواقع خلقها و المحمول في داخلها الرمزي .

ثم يتجه الشاعر الى رسالة انسانية و كونية تتجاوز الاختلافات كافة و الرجوع الى الوحدة و الجوهر  فيقول :

(  دعنا نسير بعيدا عن طقوسنا حتى نعرف ما تبقى في الدروب من معابد ونترك لعبتنا الشرقية في مستنقع المقابر  . تعال أرسمك على لوحة أجدادي وترسمني على ما تحمل من بقايا الواح خاصتك لعلنا نجد في الرسم ما خبأته الآيات المركونة على رف الجهل دعنا نفك الرموز التي غلقت الأبواب في قصر الساحرة التي علمتنا طقوس الكفر . )

و لقد نجح ايضا الشاعر هنا في توظيفاته حيث ان المناسبة عالية بين الرسالة و الخطاب الخلفي و المختارات الصورية ( فنسير بعيدا عن الطقوس \ ما تبقى في الدروب من معابد \ نترك لعبتنا الشرقية في مستنقع المقابر \ أرسمك على لوحة أجدادي \ وترسمني على ما تحمل من بقايا الواح خاصتك \ رف الجهل \ دعنا نفك الرموز \ غلقت الأبواب في قصر الساحرة \ علمتنا طقوس الكفر )

من الواضح طغيان صوت التقارب و صوت الرفض لكل اسباب الاختلاف و البحث عن طريف الخلاص و الخروج من مستنقع الموت و جاءت مفردات النص و اسناداته و جمله متناسقة و معبرة عن المزاج العام للنص و رسالته و خطابه .

هكذا تتمظهر الصور الشعرية العميقة في النص السردي التعبيري و في الشعر السردي ، رقيقة عذبة و في ذات الوقت متوهجة و حية ، وهذا ما نجده في باقي نصوص رياض الفتلاوي و نصوص شعراء الشرع السردي و السردية التعبيرية في مجموعة تجديد و مجلة تجديد ما يعكس اهمية هذا الشكل و تلك التجربة .

ضوء على نص (غربة ) للشاعر المبدع رياض ماشي الفتلاوي
 الناقد (حيدر الأديب)
في إشارة للدكتور أنور غني الموسوي بأن قصيدة النثر السردية يتصف سردها بانه سرد مانع للسرد ويتجلى هذا القول في نص غربة للشاعر رياض ماشي الفتلاوي
والنص يسير حثيثا في سياق ( الأغتراب السلبي ) متخذا منه حقلا ليصف الدين لابكونه ثوابت الشريعة ومصاديقها بل ليصفه بلحاظ الدين كفهم ومنجز سلبي يقدمه الأنسان الكفور لنعمة هذا الدين وهيمنته على الأديان للوصول الى الكمال ونحن غير معنيين بالمعنى فالتلقي المختلف سيخلق متعة التأويل ولكننا معنيين باليات توصيل هذا المعنى في كتلة النص …. تبدأ كتلة النص بسرد طبيعي واصف مستقطب في لوحة ذهنية ( اصبح وهما ) ولوحة تشكيلية ( كتاب على رف مهجور/ شجرة عارية ) ثم يتقدم خطوة اعمق على ذمة اللوحة التشكيلية (سنبلة على جدول عطشان / منائرمختفية خلف الظلال) في إشارة الى ضياع الدين بعد ذلك يتوتر النص لتبدو ممانعة السرد للسرد عائدا الى أول النص في تناصات منها اشارية واحالية الى نتائج حتمية اعتمد الشاعر فيها على ( فلما أزاغوا أزاغ الله قلوبهم ) بمعنى ان الشاعر وزع فهم هذه الاية عبر سرده الوصفي منذ اول النص وحتى مزامير البعوض
وادخل الفن التشكيلي في رسم لوحاته ليجسد تناص نتيجة الاية عبر سيمائية (وهم –كتاب- رف مهجور- شجرة عارية – سنبلة – جدول عطشان – صرخة مصلين – مزامير البعوض) ان مداليل هذه الإشارات في الفهم السيميائي شحن السرد فيما وراء السرد لعطي تناصا اشاريا …. ثم ياتيك التناص لنص غائب ( وما جعلنا الرؤيا التي أريناك الا فتنة للناس والشجرة الملعونة ) يوم راى النبي ص قرودا على منبره
فاعطي ليلة القدر التي خير من حكم القرود … ان التناص هنا تناص اشاري فالنص يشير الى نص وكلا النصين اعتمدا البنية الرمزية والأشارية والحق انه تناص اشاري مفارق اعتمد الانزياح عن دلالة النص الأصلي فالنص في موضع سورة القدر اعطى البديل الذي هم ليلة القدرومزاياها العالمية وابعادها الإنسانية الا الشاعر هنا ينعى نفسه بان الجامع رمز النداء الإلهي بانه مبتور ولا تعويض ولا حل بديل لهذا الواقع المرير … التناص الأخير هو تناص عيني تم فيه استدعاء النص الأصلي على مستوى الذهن ( واذا المؤودة سئلت بأي ذنب قتلت ) ليعمل الانزياح على مستوى اللغة ( لون – دفنت ) ان اللغة حق للجميع والتركيب ( واذا المؤودة سئلت باي ذنب قتلت ) هو حقوق الهية تعمل مصاديقها دون انتهاء في العوالم والبطون عمد الشاعر بذكاء الى الذاكرة الجمعية لينزاح بها الى ( لون – دفنت ) لا لينزاح ( بذنب – قتلت ) وهذا التناص الأخير تناص موجع لبيان دفن الإنسانية والدين ولا يخفيك ما لكلمة لون من سيميائية عالية اكتسبتها من النص القراني الذي رفدها حيث تشير هنا الى الطائفية البغيضة والمقيتة … انه انزياح ذكي بدليل ان النص الثاني اصبح مصداقا لها لا انزياحا بها وعنها بل انزاح بالذاكرة الى دهشة الشعرية التي تريد ان تقول لك ان ما تبقى هو فسحة طفل تحمل علامة استفهام …الى اين هذه الغربة ؟
ان الية التشكيل الفني والتناصات المتقدمة والانزياحات العالية والمجازات العابرة لذاتها هي أدوات وانساق عملت بجد في كتلة النص السردي التعبيري لقصيدة النثر على يد رياض ماشي الفتلاوي وانا هنا قدمت مقاربة للجملة النقدية ( السرد المانع للسرد وقدمت تمرينا لنفسي استظل بنص غربة ) من هنا يتبدد القول الغربي بان النص منغلق على ذاته ولا يحيل على واقع بل أقول ان النص منفتح على الواقع وعلى ذاته وعلى مرجعياته ولكل نص بنانه في شعلة الشعرية …. شكرا للدكتور انورغني الموسوي على هذا المنبر الجديد وشكرا للنص المبدع ( غربة )

عن دموع  الورد 

ابراهيم  داود الجنابي



الشعر تلك المفردة  المترامية الابعاد  في معانيها وتاريخها وتنوعاتها   وجذور النشاة  الممتدة  الى  اقاصي الزمان  والمكان فالتواريخ  تتحدث  عن رقم طينية  وجدت عليها مدونات  شعرية وملاحم يحيلها  البعض  الى ان  كتابة النص النثري والمفتوح تعود الى تلك الحقب التاريخية الموغلة في القدم .. واذا ما تحدثنا عن  التراث الشعري القديم  تحديدا  يمكننا القول ان النصوص  القديمة السومرية منها والبابلية  وحضارة وادي الرافدين ووادي النيل وما تلاها   حفلت بالكثير من هذه المدونات .واذا ما  قلنا ان الشعر العربي  والعمودي  منه سيطر  لقرون عدة وبقي  هذا القالب الشعري مهيمنا الى ان وصل التمرد  على  العمود  من خلال ثورة شعر التفعيلة  والتي فجرها السياب ونازك الملائكة  ومن تبعهم  فتحت افاقا للتمرد  على ما هو  سائد  لتظهر لنا قصيدة النثر وبتسارع  لا يشبه  ما سبق من هيمنة  نرى  هذه التحولات  تتيح مساحة  اوسع في فن  الكتابة والنص المفتوح ولابد  من الاشارة  الى اننا لسنا بصدد عرض  تاريخ نشأة الشعر وإنما  المساحات  التي  منحت  للكاتب كي يسترخي كثيرا  ويمتلك مساحة  اوسع  مما  فرضه القيد  والقالب  الوزني  والإيقاعي ..شرط ان يكون المنجز  الجديد  علامة  واضحة وراكزة  في عالم  الكتابة الابداعية  وليس  كما يفهمه البعض على ان التخلص  من الوزن والقافية  سيتيح لهم  ولوج عالم الشعر بتصورات

عقيمة  و ان الكتابة  ستكون  اسهل  بأفقها الجديد  هذا  متناسين ان  المدونة النثرية  تحتاج افقا شاسعا من الادراك  والتخييل  وان هذا الفن الشعري له مقوماته التي  لا تعتمد  فقط  على  التمازج  بين الاجناس الادبية فقط  وإنما اجراءات  تنافذية تستند الى قدرة الكاتب الثقافية والمعرفية وعمق التجربة الابداعية… ولأننا بصدد المجموعة الشعرية (دموع  الورد) للشاعر رياض ماشي الفتلاوي  والصادرة عن دار جان للنشر في المانيا 2016 والتي حفلت  بنصوص  متنوعة من حيث المضامين  والأشكال  والثيمة   وكانت الغلبة  فيها  ما ينتمي  (للسردية  التعبيرية) او  ما  يسمى (النثر الشعري )  وما التحق منها  من  مصطلحات  تصب  في  بوتقة  الكتابة الجديدة ..وهنا نتلمس في نصوص الفتلاوي  حالة النفور من واقع  جدير بنا ان  نطلق عليه  واقعا  مربكا  وانتقالة  تكاد ان  تمزق  الشبكة المجتمعية الى حد ما  .. اذا نحن ازاء نصوص تنتفض  على هذه المرارة  والتوجس من ارهاصاتها فهو  يحاول  التخلص  من  الافق الضيق الذي  بات واضحا في  مدوناته  وصولا الى نص يمتلك   شبكة العلاقات المنسجمة   في  الكتابة ولا اجزم  انه  افلح تماما   لكنه  استطاع  ان  يسجل حضورا جيدا   في  تلابيب النهج  الذي يتبنى  الغور  اشاريا وأحيانا  بشكل  مباشر متجاوزا  مرحلة  الخوف من الرقيب  فهو  ينتفض  بما اوتي له من مفردة صارخة بوجه التعسف القسري من خلال  الرفض  لما نسميه واقع الخرافة والآثار المتخلفة من الماضي  وثورة  على الواقع الجديد  الذي  عبر عنه  بنصوص  ارتسم في كنهها  كل ما ذكرنا فتناوب  فيها ما هو ملغز وما هو يقع تحت طائلة  الكشف القرائي فنلحظ الانحراف  الوظيفي للجملة وخلخلة القصد وهذا ما يفسر هدف المغايرة  والتحايل  على النمطي  والتقليدي فتجده يفتت الزمان والمكان ليحليك الى منطقة الادهاش تارة وأخرى الى حيز الاكتشاف  عن الجزء من الكل  فنقرأ في  نص (صلاة الامير )

(لاهث أنا وراء المسافات أبحث عن ظلي …وسط كومة قش في منفى الدروب حجرة ملقاة بين الغروب يتعثر فيها الضوء طريق الليل ليس معبدا وخنجر الظلام مازال يمزق ثوب الفجر غيمة الصبح تهزها الريح يتساقط من حجرها المطر تبتل شفاه شجيراتنا يبتسم النهار فتضحك السهول شارعنا ثمل يحتسي الأوجاع بكأس الغفلة بوصلة في سجادة الأمير تشير الى قبلة الجيوب يصلي خاشعاً حتى تبتل سريرته
من لقمة الجياع أي إله يعبد أميرنا هناك رب كان تمراً فكم إله في داخلنا نعبده والتمر شحيح في الأسواق)

نتلمس  في النص  السردي  هذا انه  يمثل الصرخة  الكبيرة بمتمثلاتها المثيولوجية
والتي  تعبر  عن  رفضها  للواقع  الحالي  عبر قنوات التماثل  التاريخي   الذي اضحى سمة عصرية  تجتاح العقل  المدجن   صوب  تلك التواريخ  التي تتوالد  قيحا  وتزج سمومها  من خلال التناقل  الحرفي  لما  هو يتآزر  مع احداث  ارخت  عبر حقب   فات عليها  زمن  تأكل  وانهارت مقومات حضوره   من خلال اندثار   تلك الحقب  .. لكنها ظهرت  للعيان  عبر  مزيفات   يريد  الشاعر  ان   يدونها  تاريخا   متوجا   بالدجل   وينتفض  عليها   من خلال حكائية    تندرج  تحت  طائلة   الحق والانتفاض  على قواقع  زمن غابر  توسمت فيه ايامنا   التي  نعيش   وانتعشت   لان مريديها   ممن يتسنمون  دفة اليوم  ولا يجيدون العوم  .. انها حقا  صرخة مدوية بوجه  ممن  يرتكبون الاثم فينا لعل  ما غلب  على نصوص  المجموعة  امر  اشرنا له   في ما  سبق  والنصوص  الاخرى   توسم  الغالب فيها   نحو  ما  هو  ينتمي  بإصرار  حيث دائرة  الحب  العذري  والعشق  المتناهي   التوصيف   وقد   كان  الحضور الاكثر      لهذا السلوك   الجمالي  الذي  اجاد فيه الشاعر ايما  اجادة وربما  لم يخرج   في سلوكه  الكتابي  عما ذكرنا   في  الايماء  الى  حبيبته   التي  كان  لها  تواجدا  بين ثكنات  نصوصه  واستحلت مساحات  شاسعة

رجع صدى قصيدة الأصابع المختنقة

 عزة الخزرجي

الشاعر رياض الفتلاوي

الأصابع المختنقة)

شارع الرماد

تملؤه أجساد عراة

تجتمع الأكفان في حنجرة الموت

وغرغرة الحياة

في أطراف القبور

حيث الدفان يقتات ليلاً

بسرقة الأحلام من نوم اليرقات

الأصابع اختنقت

في حوض البنفسج

لعبة الملوك مارستها القرود

عندما تسلقت على أكتاف الجسور

وعورتها مكشوفة

لا تسترها الثياب القصيرة

السماء بزرقتها

لم تدفئ السنابل العارية

من وهج الصقيع

والحقل مزقته سنون المناجل

بصفقة خاسرة

مع خفافيش الظلام

قديس الليل يحوك العتمة

ليغلق فم الفجر

يوهم الصبح بملامح القمر

الشمس تكشف الأوراق

فما عاد البنفسج

يخنق الأصابع

رماد ويقايا حريق أشلاء متناثرة وألوان هجرت المكان وأضواء انحسرت وتلاشت وليس

ثمَة سوى أشباح باهتة تحتضر أو هي مفارقة للحياة فكل معمَرات المكان تتشهد على دمار وهوله


لذا حدث ما يستبعد وقوعه اختناق الأصابع وهي تستغيبث أو تشير اشارة مرتعشة للجاني بأصابع خارت قواها وستسلم للموت بعد حين وكأن هذه القصيدة لوحة الغورنكا للرسام الاسباني بيكاسو وقد أدان الحرب وهولها بعناصر التشكيل الفني من قتامة ولون رمادي طاغ وأشكال حيوانية وبشرية متناثرة من هول القصف اثر غارة جوَيَة مقزعة تحية للشاعر رياض الفتلاوي وهو يرسم بالكلمات مشهد زحف القبح وهوله .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق