السبت، 13 يناير 2018

سيدة المسرح // قصة قصيرة : للاديب الاستاذ // كاظم مجبل الخطيب // العراق

قصة قصيرة 
[ سيدة المسرح ]
الاماكن التي نحبّها لا تمحى تفاصيلها من ذاكرتنا ،نعم تستطيع أقدارنا ان تنقل اجسادنا بعيداً ولكن ارواحنا تبقى تطوف حول ما تركناه ربما مجبرين ولكن ما يؤلم ان نغادرها مختارين لظروف قاهرة فوق تحمّلنا ،بينما الحنين اليها مهما ابتعدنا يستحيل الى شوق يتوقد مع الزمن ،نبكي عليها ،نناجيها وهي لا تسمعنا لكي تواسينا بالرد علينا ،وترانا لاسبيل لدينا لاستمرار حياتنا غير مجالسة لياليها الغابرة فهي نديمنا ومؤنسنا حين تستوحش دنيانا لا يهمّ كم أمضينا من عمرنا لأجلها ،هي عزاؤنا حين تتفاقم بلوانا .الوقت ليلاً والمكان مسرح لم يبقَ من جمهوره غير امرأةٍ غادرت المكان قبل عشرين عاماً حين كان الناظرون يرقصون طربأً على تموّج خصرها الضامر وقد تهادى على جسدها الابيض شعرها اسوداً مسدولاً على كتفيها لتبلغَ شهرةً ما بلغتها وهي راقصة كما وهي ممثلة ،صارت تخبئ تحت شالها الازرق ذكريات مجدها الذي لا تنساهُ وهي تمرُّ بأصابعها على مساحات رأسها المتصحّر بعد تساقط شعرها ليأخذَ معهُ الدنيا بكلّ امنياتها .
مازالت ذاكرتها موقدةً بمصابيح نهاراتها الغابرة هنا حين كانت شمسها تشعُّ القاً وبهاءً اذا انطفت أضواء المسرح ،كلّ ركنٍ هنا يستفزّ ذكرياتها ،الخشبة تحفظ ابعادها ،الكواليس ،المغاسل المنزوية ،غرفة تبديل الملابس،تذكر اين اصابها الدوار وسقطت أول مرة وهي تغيّر مكياجها ،جميع الاشياء الصامتة تتحدّث اليوم معها لم تعد مقتنيات ،المقاعد،الجدران ،الستائر،كلّ ماتقع عليه عيناها يسأل عنها ويفتقدها ، من يساعدها على اجتياز محنتها وقد تخلّى عنها أقرب الناس اليها بعدما اصبحت غير منتجةٍ له ذاك الذي استعمل كل الوسائل للوصول اليها مستجدياً قبولها به زوجاً وهي في عزّ مجدها الفني يقابلها جاحداً لئيماً ليغادر حياتها غير مأسوفٍ عليه وما بقي في ذاكرتها وهي كانت تدرك اهدافه الوصولية النفعية ولم تفاجأ بما أقدم عليه وكأنّه حقبة سوداء مرّت بحياتها لا تتوقّف عندها كثيراً ولا تودّ سماع اخباره .
أحد الفنّيين يسأل مخرج المسرحية :
-أليستْ هذه الجالسة لوحدها هي الفنانة ..........؟
- نعم هي 
-كأنّ الجمهور لم ينتبه لها كما يفعل مع النجوم الكبار 
- ربما الليالي تبدّل نجومها حسب الأنواء وتبدّلات أحوالها 
-وهل النجوم تتبدّد أنوارها مع تقادم السنين 
-دعنا بعيداً عمّا نجهله ما دمنا نتحدّث عن نجوم الأرض التي لابدّ من أفولها يوماً ما 
المخرج المخضرم كان مرحباً بها ومهتمّاً بتشريفها وحضورها وأسعده كثيراً اهتمامها بالمسرحية .
ذات مساء وقبل بدء العرض استأذنتْ الحاضرين لتقديم مشهد تمثيلي (مينو دراما) والمخرج مع الجالسين ينصتون لنبرات صوتها الرخيمة التي ما بدّلتها السنين:
- لمن تحبّ لا تفكّرْ كم أعطيت ولا تنتظرْ منهُ مقابلاً ما دام مستحقّاً للعطاء
- فما قدر شعر رأسي وقد احترقت خصلاتهُ هنا ،تستمر في اداء المشهد :
- ولا بأس لو متُّ لأجل من احببت،هنا صارت دموعها تملأُ خديها وسط صمت رهيب وإنصات شديد كسرهُ صوت اطلاق النار من مسدس بيدها مخترقاً رأسها،الجمهور راح يصفّقُ ل( ليلى ) بحرارة لم تسمعها سابقاً وهي تؤدي مشهدها المسرحي بطريقة مذهلة لكن الدماء غطّتْ رأسها وكأنّهُ امسى بديلاً لشعرها الجميل ،
احد الجالسين راح يهمسُ لصاحبهِ:
-انظر الدماء التي ملأت جسدها
-أيّةُ قدرةٍ على التمثيل هذه ؟
- كأنًّ صوت الرصاص خرج من اطلاقة حقيقيةٍ ؟
- هي حقّاً سيدة المسرح.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق