الثلاثاء، 16 فبراير 2016

محاولة لسبر أغوار النزوح / بقلم حنان مصطفى /

محاولة لسبر اغوار النزوح .
النزوح هو ان لا تملك خيارا فتترك فنجان قهوتك الساخنة فى وجل, على حافة شرفتك بعد اول رشفة و تغادر كأنما داهمك خبرا سيئ.
النزوح هو ان تلفظك الارض و السماء معا, ان يعرض عنك الاحبة, ان تناصبك كل التفاصيل المألوفة العداء.
النزوح ...هو ان تطرح العاب طفلك على لحافه الملون و تقنعه بان يختار منها قطعتين فقط ...فيلتقط دبه البني المحشو و كتابه الملون غاصا فى دموعه و هو يضعها فى حقيبتكما الزرقاء المشتركة التى اختزلت فى ثناياها عمرا ...و لتكون تميمة لليتم القادم .
النزوح ...يجعلك توصد نافذة غرفتك الخلفية باحكام ,فى وجه قطتك المتسللة منها منذ اعوام ..و تغادر دون ان تبرر لها خيانتك ..!!
هو ان لا تعود تملك (مرقد عنزة ) فى حضن امك ..و انت يداهمك الطوفان فتتعلم ان تقف على ساقا واحدة ...ان ينكسر نزقك و جنونك ان لا تعد تتذكر كيف تناغي الموج او تشاكس الشمس و تتخلي عن حماقاتك لتتقمصك قسرا خيبة الكهولة الصاغرة .
النزوح ...هو ان تتكاثف ذاكرتك حد الاختناق ...فتقترف انتحارا فاشلا ..و تعيد تأهيلها بتهجئة ابجدية الاشياء من الصفر .
هو ان تعود اجردا و يسقط عنك جلدك الاسمر ..و انت تمارس غزلك السمج مع شجرة الصنوبر الشمالية ...و دهاليزك تتوق عشقا لشجرة الزيتون التى كنت تختبئ فيها صغيرا .
هو ان تتربص بالعتمة كل ليلة لتخرج شمسك الصغيرة من جيب سترتك و تعلقها على حافة سريرك و تتأبط نفسك مهدهدا متمتما باهزوجة قديمة لجدتك .
باختصار : النزوح هو شكل مؤكد من أشكال الرحيل ...هو ان تقطع المسافات لتحاول لباقي عمرك ان تتعلم كيف تقف على ساقيك معا بدل واحدة ...و أن تتعلم كيف تتوقف عن تلمس الأشياء حولك كالكفيف عندما يغمرك النور....!!!!

هناك تعليق واحد: