الاثنين، 12 نوفمبر 2018

مجلة انكمدو العربي للثقافة والأدب // قراءة في نص / بانتظار غودو // للأديب حسين الساعدي // بقلم الاستاذ : حميد شغيدل الشمري / العراق

قراءة في نص الرائع
حسين عجيل الساعدي
بانتظار غودو
.................
ان اي نص ادبي كان، شعرا او نثرا اوقصة يرتبط ارتباطا وثيقا بعنوانه وقيل الكتاب يقرا من عنوانه..العنوان هو الشذى الذي تتنفسه مع كل كلمة وردت في النص يجعلك مبحرا وكأن هناك سببا قويا يربط الذهن بالكلمات .
ربما ينحرف النص عن مسار العنوان لكن الكاتب الحاذق هو الذي يستطيع ان يعيد المركب الى مسراه وهذا ما لاحظته بنص الاديب الرائع الاستاذ (حسين عجيل الساعدي.)
ان( غودو )منقذ لم ياتي لكنه يمثل الامل للفقراء كما ان نص (صاموئيل بيكت) لم يكن نصا قويا قي تركيبه ولكنه كان رائعا بثيمته والتي اججها بداخلي نص الرائع الساعدي.
لا ادري لماذا تذكرت قصة الشاعر الصعلوك سليك *والتي تحمل الواقعية حيث انتظار امه الازلي له ..لم يعد سليك مثلما لم يعد غودو.
انها الاحلام التي لم تتحقق والتشبث بالغائب الذي لا يعود بسبب عجز الحي عن تحقيق مطالبه يلتجئ الى الغائب الذي رسمه في ذاكرته.
الحياة والموت نقيضان لا فراغ بينهما انما وجد الكاتب لحظات
تنفس من خلالها عجز الفقراء الامل ،هم يعلمون انه لا ياتي ولكنها القشة التي يتشبث بها الغريق.هل هي لحظة الاحتضار التي تعيد كل الذكريات....وتتيه فيها الذاكرة بين الدروب والطرقات...
(يلتـهمُ أرصـفةً كـثةً بالرحيلْ .
يمتهـنُ غـربـةَ الإنفصالِ عن جسدِ المدينةْ)
نعم انفصال الجسد عن الروح وهنا مثل الروح بالمدينة.استعارة رائعة تبين مدى تعلق الجسد والذي هو الانسان بالمدينة والتي هي الروح
ثيمة الانتظار ضلت تتماسك مع عنفوان وهيجان المشاعر المكبوتة والتي يبوح بها تارة وتارة اخرى يعبر عنها بالرمزية والاستعارة والتشبيه..
ان للقصيدة النثرية فسحة كبيرة للتعبير عن الخوالج والاماني استطاع المبدع الاستاذ حسين الساعدي من ان يوظفها ويستفيد منها باقصى حد وهذا دليل تمكنه حيث يقول:-
(بـين شـارعٍ وأخـرٍْ يجـوسُ الارضَ منهـكاً
يبددُ الصمتَ وقع أقدامٍ وئيدةْ
يقتـربُ مـن حـي السـكارى)اية صورة هذه وكاني اتحسس وقع الاقدام الحافية المسكينة ..من يرتدي حانات السكر ولماذا سمي حي السكارى؟...انه البؤس بعينه سكارى من الجوع وسكارى من الخوف..نساء في فوضى الفقر والاحزان ورجال في متاهات الطرق يجمعهم الانتظار والجوع.
من جنى على من ..هل الفقراء جنوا على انفسهم ام جنى عليهم الاخرون ...سؤال ورد ضمنا في النص وعبر عنه بالاصابع البنفسجية التي صبغت طريق الحياة لينتظروا من ينقذهم من الظلم والجوع والفقر .
(أستغفلـتُ سـبابـتي بخطيئـةِ البنفسجِ المـلـوث بـالـدمِ
سـوف لا أخـرجُ محتـجاً
فـي زمـنِ آلـهةٍ توحشـتْ
حتى أرفـعَ عقـيرتـي بنـداءٍ
أتسـلـقُ جـبلَ )
.انهم لا يعرفون غودو انه مستقر في عقولهم التي لايفكروا الا برغيف خبز مهما يكن يابسا او لينا من يد غودو الذي يعبث بخيالاتهم.
تذكروا ايها الفقراء ان غودو لايعود كما لم يعد الصعلوك سليك...
اطلقوا العنان في الفضاء الرحب وبين الحقول وارسموا المستقبل بايديكم...
النص ممتع جاء بكثير من الرمزية ...وتتعدد القراءات فيه،
احسن الشاعر باختيار العنوان الذي لون النص باللون الابيض الذي اراد منه ان يكون طريقا للخلاص .
لا اطيل قد يفقد النص بريقه
واترككم في رحلة الجمال
وعذرا للاختصار
*********
*سليك بن سليكة..صعلوك عداء كان يخرج وحيدا يسبق الارنب ويصيده يقاتل النمور والاسود
خرج مرة ..وخرجت امه مولولة تنتظره ورثته ولم يعد
----------------------------------------
النص
*****
في انتظار غودو *
حسين عجيل الساعدي
بين أن تحيا أو تموتٙ
فراغٌ ينـوءُ بحامـلهِ عبثاً ينمو عمراً جديداً
يلتـهمُ أرصـفةً كـثةً بالرحيلْ .
يمتهـنُ غـربـةَ الإنفصالِ عن جسدِ المدينةْ
يـذرعُ ظـلاّ مـرقـعاً بخُطـىٍ عـرجـاءٙ
بـين شـارعٍ وأخـرٍْ يجـوسُ الارضَ منهـكاً
يبددُ الصمتَ وقع أقدامٍ وئيدةْ
يقتـربُ مـن حـي السـكارى صمـتُ مرحلةِ الإستفاقةْ .
بائسٌ هذا الغريقِ ، ببؤسِ أبنائهِ
آيامى أنتثرنَ
على جرفِ آهاتهنْ
تصفدتْ عيونهنَ عرقاً
أنخرطنَ بالبكاءِ من فرطِ أنتظار
جيشُ أطفالٍ تسوقُه أدلجةُ المعابدْ
أرتمـوا عـراةً
خلـفَ أطـلالِ جـدرانِ صفـيحٍ والـواحِ طـينْ
نهـرٌ مـن جـياعٍ يمتدُ على طولِ مدينتيْ
يـرتـدونٙ بـؤس سنـينٙ عجـافْ
تلفُحُـهم أسـنانُ دخـانٍ موحـشٍ عـند كـورِ طينٍ أسـودْ
أرواحٌ مهجـورةْ
تحـتٙ جُنـحِِ ليـلٍ نجـومـهُ مفقـودةٌ
تسـاقـطتْ لحومُ الأياديْ
وريقـاتُ خـريـفْ .
فجـرٌ يلملمُ أشـعتٙهُ
تتـدلـى لأسـماءٍ مهمـوسـةٍ
تنظـرُ مـن شـقٍ فـي حجـرِ الـروحْ
يتنفـسُ حشـرجة تحتضـرُ
عـبرَ نـافـذةِ جـرحٍ عتيـقْ
رُشَ بـرذاذِ ملـحٍ كـان ينتظـرُ القـادمَ مـن العالـمِ الاخرْ
ينظـرُ مـن وراءِ زجـاجٍ معتـمْ
صـريـرُ هـواجـس شـكٍ أثقـلـتْ جمجمـتي
أقـرُّ أنـي مـذنـبٌ
أستغفلـتُ سـبابـتي بخطيئـةِ البنفسجِ المـلـوث بـالـدمِ
سـوف لا أخـرجُ محتـجاً
فـي زمـنِ آلـهةٍ توحشـتْ
حتى أرفـعَ عقـيرتـي بنـداءٍ
أتسـلـقُ جـبلَ المـكارهْ
أرمـي سـنارتـي لأصـطادٙ سحـباً
الـريـحُ تـرمـي بـها بعيـداً
أتـرقـبُ قطـرات مطــرٍ
مطــرْ
مطـرْ
تصفـعُ آثـارَ مٙـن عبثـوا .
_________________________
* مسرحية للكاتب الايرلندي ( صموئيل بيكت) المسرحية تدور حول شخصيات معدمة ، مهمشة ، ومنعزلة تنتظر شخصاً يدعى (غودو) ليغيّر حياتهم نحو الأفضل 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق