الأربعاء، 14 نوفمبر 2018

مجلة انكمدو العربي للثقافة والأدب // الجدار لسارتر : دليل على العبثية والمصادفة القدرية // بقلم : اياد خضير// العراق

الجدار لسار
تر
دليل على العبثية والمصادفة القدرية
اياد خضير / العراق

الجدار عنوان كتاب لسارتر يتضمن خمس قصص أولها الجدار يتناول سارتر في هذه القصة ، ثلاثة من السجناء تعرضوا للسجن بسبب أفكارهم الثورية وذلك في زمن الحرب الأهلية الأسبانية ويصور جان بول سارتر الحالة التي عليها المحكوم بالإعدام وتداعيات الخوف الذي ستتعرض له المجموعة والذي يؤدي بصاحبه لمعاناة شديدة وفقدان الأمل وإحباط وربما أيضا يقوده إلى الجنون ..
أبطال هذه القصة هم: بابلو (الراوي) توم عضو الفرقة الدولية ، جوان (الفتى). يتم استجواب هؤلاء الثلاثة على شكل محاكمة سريعة، ويتم الحكم عليهم بالإعدام بتهمة الإرهاب ، هنا يظهر الخوف على (جوان ) ويقول للمحققين: ( إن أخي جوزي هو الفوضوي وأنتم تعرفون هذا جيداً، إنه ليس هنا. أنا لا أنتمي لأي حزب، ولم أعمل في السياسة مطلقاً ) لكن المحققين لم يعيروا لكلامه أي أهمية ويقومون باقتياده مع كل من (بابلو) و( توم ) إلى السجن الذي كان عبارة عن غرفة في قبو أحد المشافي، وكان بارداً جداً ذا ثقوب جانبية وفتحة في السقف يمكن من خلالها رؤية السماء. كان هؤلاء الثلاثة يعيشون حالة من الرعب والخوف منتظرين في هذه الغرفة الباردة لحظة إعدامهم الذي سيتم تنفيذه غداً.
كان سارتر عظيما في تصوير هذه الحالة أن تتخيل مشاعر هؤلاء المحكومين بالإعدام وكيف تحاصرهم مشاعر رهيبة كيف يسقط في أيديهم وتسرق منهم الحياة في لحظة بكل برود وقسوة ! تصطف المجموعة على الجدار المعدّ للإعدام كيف تكون مشاعرهم والموت يدنو منهم .
( انظر بين رجليك أيها القذر كانت تحت رجليك بركة ونقاط تتساقط من سرواله .
فقال مرتعدا : ما هذا ؟
فقلت له : أنت تبول في سروالك .
قال غاضبا: ليس هذا صحيح أنا لا أبول ولا أشم شيئا ) ص22
حضر الحراس فنادوا على توم وجوان الذي صار يركض كالمجنون في الغرفة ويقول: (لا أريد أن أموت) رغم ذلك يأخذه الحراس حملاً ويقومون بإعدامه هو وتوم. يفاجأ (بابلو الراوي) لماذا لم يقوموا بإعدامه مع أنهم حكموا عليه بالإعدام فيقومون بنقله إلى غرفة يوجد فيها اثنان من المحققين ويقومان بسؤاله: أين ريمون غري؟
يجيبهم (بابلو) لا أعرف. يقولون له: سنضعك في غرفة الغسيل لبرهة من الوقت اجلس وفكر، إذا قلت لنا أين هو سنطلق سراحك وإذا خدعتنا فستلقى مصيراً سيئاً. أعاد الحراس (بابلو) وسأله المحققون مرة ثانية: أين ريمون غري؟
( أنها حياتك مقابل حياته ، نحن سننقذ حياتك اذا قلت لنا أين هو ) ص30
( كنت اعلم أين كان غراي كان مختبئا في بيت أبناء عمه على بعد أربعة كيلو مترات عن المدينة وكنت اعرف كذلك أني لن اكشف عن مكان وجوده ألا اذا عذبوني ) ص31
قرر بابلو أن يخدعهم وقال لهم: (أنا أعرف أين هو ، فهو مختبئ في المقبرة، في قبو صغير، أو في كوخ الحفارين).
أراد يذلك خداعهم وأنهم سوف يعودون ويعذبونه ويعدم واقفا أمام الجدار.. جدار الموت لأنهم لم يعثروا على الثائر ريمون غراي لكن القصة أخذت منحى آخر فكانت المصادفة العبثية (السارترية) تحمل رامون إلى المقبرة التي وجد فيها ملجأ آمناً، بل أشدّ أمناً من المكان الذي كان يختبئ فيه سراً من قبل، وهناك يلقون القبض عليه ويعدمونه فورا .
أما (بابلو) الذي خان صديقه من غير قصد، بل بالمصادفة القدرية، وعلى خلاف ما كان ينوي، فيجد نفسه في الساحة الخارجية للسجن بين موقوفين ينتظرون إخلاءهم خلال ساعات قليلة ، ولكن هل تراه نجا من الإعدام المجازي الذي كان عاشه في السجن متخيلاً نفسه مقتولاً عند أسفل الجدار؟
كان بابلو يعتقد أنه سيهزأ بهم وتخيّل كيف سيعذبونه عندما يعودون ولا يعثرون على الثائر (ريمون غري). عاد الحراس ووضعوا (بابلو) في الساحة الكبيرة تمهيداً لإطلاق سراحه، وهناك فجأة التقى (غارسيا) الذي كان يعمل خبازاً.
قال غارسيا: لم أكن أفكر بأني سأراك على قيد الحياة.
أجابه بابلو قائلاً: لقد حكموا عليّ بالإعدام، ومن ثم غيروا فكرتهم ولا أدري لماذا.
قال له غارسيا: لقد غادر ريمون غري بيت عمه حيث كان يختبئ وكان يريد أن يختبئ عندك لو لم يتم القبض عليك، ولهذا ذهب واختبأ في المقبرة.
وهكذا تأتي شخصيات سارتر لا تخلو من عنف لا تخلو من جنون لا تخلو من إثارة بعيدة تماما عن النمطية لا تتوقع تصرفاتها تجعلك تشعر بالنظرة السوداوية التي يحملها سارتر تجاه العالم إنه كما قال عنه أندريه مولرو: فعلا خبير المشاعر الإنسانية الصاخبة.
( الوجود يسبق الماهية فالإنسان مسؤول عما هو كائن، فأول ما تسعى إليه الوجودية هي أن تضع الإنسان بوجه حقيقته، أن تحمّله من ثم المسؤولية الكاملة لوجوده، وعندما نقول إن الإنسان مسؤول عن نفسه لا نعني أن الإنسان مسؤول عن وجوده الفردي فحسب بل هو مسؤول في الحقيقة عن جميع الناس وكل البشر )
تعد قصة " الجدار " من أرقى الأعمال الفنية التي تمثل التفكير السارتري فهي تظهر مدى العمق الذي بلغه الكاتب الفرنسي في سبره أعماق المشاعر الإنسانية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق