الأربعاء، 14 نوفمبر 2018

مجلة أنكمدو العربي للثقافة والأدب // زووربا اليوناني : معالجة مشكلات الإنسان المعاصر وهمومه // بقلم : اياد خضير // العراق

زوربا اليوناني
معالجة مشكلات الإنسان المعاصر وهمومه
اياد خضير / العراق
رواية للكاتب نيكوس كازانتزاكسي تدور أحداثها عن قصة رجل مثقف اسمه باسيل غارق في الكتب يلتقي مصادفة برجل أمي مدرسته الوحيدة هي الحياة وتجاربه فيها.
( ــ ما مهنتك ؟ يا رجل
كل المهن بالرجل ، واليد ، والرأس ، كل شيء .. ولا ينقصني إلا أن أختار
ــ أين كنت تعمل ، في المدة الأخيرة .
ــ في منجم ، أنني عامل خبير في المناجم ، لو تعرف ، وخبير في المعادن ، أعرف كيف أجد العروق واشق الأنفاق وأهبط الى الآبار ولا أخاف كنت أعمل جيدا إذ كنت رئيس عمال ولم يكن شيء أشكو منه ) ص15
تنشأ صداقة بينهما يتعلم المثقف باسيل الذي يملك مالا كثيرا ورثه من أبيه يتعلم بارسيل من زوربا الكثير عن الحياة وأسرارها زوربا رجل أمي لا يعترف بالكتب ويسخر من صاحبه ويقول له كتبك تلك ابصق عليها وبالرغم من التناقض بينهما يجمعهما حب عميق وصداقة شفافة وصادقة .
( ــ ما اسمك ؟
الكسيس زوربا ويدعونني أيضا ( مجرفة الفرن ) من باب المزاح بسبب طولي وجمجمتي المسطحة كالكعكة ) ص16
لقد جمعت بين هذين الشخصين المتناقضين فكرياً وعقائدياً وسلوكياً علاقة وشيجة قوامها لا المصلحة او تبادل المنفعة بقدر ما هي علاقة تحمها التكاملية فكل منهما رأى الأخر مكملاً لنفسه وكان كلا منهما وجد في الآخر نصفه المفقود او نصفه الذي يبحث عنه .
زوربا هي شخصية حقيقية قابلها نيكوس في إحدى أسفاره ، وقد أعجب به إعجابا شديدا ، فكتب رواية باسمه وصف شخصية زوربا في روايته وصفا دقيقا زوربا يحب الحياة بكل إشكالها يذكر الحزن ويذكر الفرح دائما في لحظات حزنه الشديد او سعادته الشديدة في تلك الرقصة ( رقصة زوربا ) يقفز الى الأعلى يرقص رقصته المشهورة لأمتار ويستغل كل ما هو حوله من بشر او من أدوات وجمادات أصبحت تمارس جماعياً في الشوارع والساحات لتعبر عن الاقتران بالحرية والانطلاق ، يروي شخصية زوربا شخص يوناني باسيل المثقف الثري مهوس بالقراءة والثقافة يرغب في استثمار أمواله في منجم للفحم فيقنعه زوربا الرجل الأمي الذي عجن ثقافته بطين التجارب والأسفار وهي الثقافة التي أتاحت له ان يكون موقفا مختلفا من الحياة قوامه صون إنسانيته من كل التهديدات (تخلصت من الوطن ، تخلصت من الكاهن ، تخلصت من الماء أنني أغربل نفسي كلما تقدم بي العمر غربلت نفسي أكثر أنني أتطهر كيف أقول لك ؟ أنني أتحرر ، أنني أصبح أنسانا )، آلة السنتوري التي يعزف بها زوربا آلامه وأشجانه ، والحورات العميقة التي تقصد سبر أغوار النفس الإنسانية ، كلها مشتقات للكتاب يعسر ان تغادر ذاكرة القارئ.
اقنع باسيل بأنه يستطيع استثمار أمواله في المنجم بصناعة مصعد ينقل الفحم من مكان الى مكان آخر لكن محاولته تبوء بالفشل ولكن زوربا المفعم بالحياة لا ييأس يحتاج لأدوات من المدينة فيأخذ كل أموال باسيل ويذهب الى المدينة ، يشعر بالتعب ويدخل إحدى الحانات فتقترب منه غانية فيرفضها فتشعره بانتقاص الرجولة ولكن زوربا المفعم بالرجولة لا يقبل هذا التصرف ويصرف كل أمواله عليها ويكتب رسالة الى الرئيس انه دافع عن كل الرجولة بالعالم .
رواية عميقة وبصيرة نافذة ، معالجة مشكلات الإنسان المعاصر وهمومه وأخيرا تسوء أحوال باسيل المالية فيغلق المنجم ويغادر الجزيرة ويودع زوربا ويرقص معه الرقصة الأخيرة على الشاطئ .
قيل ان يموت زوربا نادى معلم القرية وأوصاه قائلاً:
( ــ تعال هنا يا معلم المدرسة لي صديق فلان في اليونان ، عندما أموت أكتب له أنني حتى اللحظة الأخيرة كنت محتفظاً بكامل عقلي ، وأفكر به ، وإنني لا آسف ألبته على ما فعلته وليعش قي صحة جيدة وليعلم انه قد حان الوقت بالنسبة له ليصبح منطقياً ) ص315
وقد انتهى استثمار المنجم بإخفاق ، ولكن القصة التي يعيشها القارئ مع هذين البطلين والأبطال الآخرين ، ولا سيما تلك المرأة المغامرة التي وقعت في غرام زوربا، تظل إحدى الروائع الكبرى في الأدب الحديث ، وقد أخرجت حديثا في فلم ممتاز تولى دور زوربا الممثل انطوني كوين ، الى جانب ايرين بابس التي مثلت دور تلك الأرملة التي ضحت بنفسها لمجد القرية .
الكاتب كازانتزاكيسي برؤيته العميقة وبصيرته النافذة ، يتقدم غالبة أدباء القرن العشرين في معالجة مشكلات الإنسان المعاصر وهمومه الاجتماعية والثقافية والتربوية والدينية والسياسية وهو لم يقف عند عرضها وتحليلها وإنما سعى الى الحلول المعقولة لها وروايته زوربا اليوناني تعج بتلك المشاكل والحلول ، رواية مدهشة ، ستظل في طليعة الروايات العالمية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق