الاثنين، 8 أبريل 2019

مجلة انكمدو العربي للثقافة والأدب // جزء من دراسة في المجموعة القصصية : الرحيل إلى تسنيم / للروائية والقاصة التونسية / مسعودة بوبكر / بقلم الناقدة سهيلة حماد : تونس

جزء من دراسة
لقراءة في المجموعة القصصية :
🐛🐛 الرحيل إلى تسنيم، مجموعة للمؤلفة الروائية، والقاصةالتونسية: مسعودة بو بكر، أصدرتها دار النشر البدوي سنة ٢٠١٧.
العنوان:
هو إسم لإحدى القصص التي احتوتها المجموعة،
التي تتألف، من ١١ قصة قصيرة تتصدرها قصة إسمها بين خيط أريان وحبل المسد :
أما أريان، فتبينت أنها بطلة الحكاية، التي استقدمتها المؤلفة، من الأدب التخييلي، العجائبي العالمي، داخل القصة و التي جعلت منها مدخلا لقصصها، لتهيئنا للاستعداد للإبحار في عالمها التخييلي، الذي يغلب عليه الغرائبية والعجائبية، وإن بدت الشخوص (كالدواعش، والمهربين، والإرهابيين) في باقي القصص من الواقع الحديث، المعاصر، الذي تصدر المشهد الإعلامي بعد الثورة، ، إلا أنها لا زالت شخصيات
مغمورة... يكسوها الغموض، وتنسج حولها الخرافات، شخصيات فانتازمية، كقصة الغول. هذا الغول الذي صورته الذاكرة الشعبية للشعوب، وسوقته للتعبير عن الشخصيات المسكونة بالشيطان، للدلالة على عدم آداميتها، وإبراز مدى الشر الذي يطبعها، ويغشى بصائرها .... والتي استقدمتها هي الأخرى في شكل أرواح، لتؤثث عالمها الغرائبي، و العجائبي، كما استقدمت شخصية، من الذاكرة الإنسانية، التي تمثل الخير المتجسد في كائن قزم، إسمها عقلة الإصبع، لترصد أدق التفاصيل... وهي ترمز بها إلى الإرادة والإصرار. كما زجت بها في "دار المْعلمة" في ماض مضى، ولكنه ظل عالقا في ذاكرة الساردة (عقلة الإصبع )*، يضيء عتمة حاضر ملفوظ، واقع مرسوم بألوان الغول.... تتفاوض معه، كارهة له، تُضخّم بشاعته، وتعمل جاهدة من أجل إرجاع بريق الألوان الزاهية، لخيوط لطالما شكلت مجتمعا متناغما ...
أما عن حبل المسد فيحيلنا إلى الآية :
"وفي جيدها حبل من مسد ":
هذا التناص، من القرآن، له علاقة بالدين يجمع بين عنوان قصة المدخل، وعنوان المجموعة القصصية، الرحلة إلى تسنيم من حيث الإيحاء ...
هذا المدخل، له وظيفة توضيحية، إلى جانب الغلاف، وكلمة الناشر (تلك المقدمة الغيرية )* باعتبار أنها فضاءات موازية للمتن، جاءت مختزلة بمثابة خارطة طريق، تبيانية، لمساعدة القارئ على الاستنارة، وكشف الطريق لكشف موضع رجليه، حتى لا يتوه أو يحيد و ينزلق ..
خيط رفيع(من حرير)، يستعمل في التطريز، ومسد قوي قد تستعمله الرافعات أو البحارة في الصيد... مقاربة غريبة ولكن في العالم العجائبي كل مستحيل ممكن .....
الاستهلال جاء مكثفا.. متشظيا... يتراوح بين جمل طويلة.. وأخرى قصيرة.. مبنية إلى ضمير المتكلم (أنا) إذا السارد غير محايد ....أما الزمن فهو الحاضر ...
لنعلم بعد ذلك أن( الأنا)، تلك الساردة الهاربة بطقوسها، تصر على الحلم، وعلى الحكي بطريقتها حيث تقول مؤكدة :
"أظل أنا الحلم إذ أفتل الحكاية بين خيط حرير وخيط مسد ..."
جملة، حمالة أوجه، ودلالات قد تعني:
أن الفتل بيدها، (أي البطلة الساردة سيدة الحكاية، ومن ورائها القاصة ) تتحكم بفتل الحكي، وتطوعه كما تشاء ...
فقد تمزج بين الصنفين، كما جاء في قصة أريان وتيزي، خيط أوله من حرير وآخره حبل من مسد...
البطولة، لاتستدعي الشكل ولا الحجم... فقد انتقت بطلةٌ خنفساءَ، حملتها الحياة، في مواجهة الموت . ص 16. أي يكفي الإيمان بالقضية والإصرار والعزيمة والمثابرة لتحقيق المعجزات ...
أو ربما تقصد، أن تجمع في الحكي بين اللين والقوة، والخير والشر، كما جاء في تبويبها لقصصها...
*مدخل ص11:
*بين خيط أريان وحبل المسد ص11:
الخير / والشر
يُهزم الغول...
يُنقض تيزي، بتسلقه لسور قلعة الموت، بفضل خيط أريان و الخنفساء. يتنكر تيزي للأميرة، ويتخلص منها، مخافة من بطش أبيها، حتى لا يلحق الأذى بأهله...
*خيط أحمر في الصحراء ص 19:
المهرب الذي لقي حتفه / والذي اقتص من غريمه...
دم المهرب سائل كخيط أحمر على كثبان الرمل في الصحراء يتغير لونه بفعل خيوط أشعة الشمس....
غياب القيمة / الحج بمال حرام
العودة إلى مفهوم الأخذ بالثأر
*حيث لا ظل يتبعني ص 34:
قصة الجزيرة العائمة، على ظهر أمواج البحر، المقاطعة، المقتطعة من الأرض السمراء، بثقافتها وطقوسها الحاملة لأمل البعث:
في بطن الإفريقية الرمز ....
الشجرة الرمز ...
*الرحيل إلى تسنيم ص44:
قصة الدواعش، والرحيل إلى الأجسام البضة والغضة ...
كطعام مقبل للحوريات في الجنة... وهتك شجرة التوت رمز نحس العشاق المسقية بدم ثيرزبي وحبيبها ....في الأسطورة اليونانية .
*الدليل ص58:
الدليل كان دليلا، على أن اختيار الدليل، كان من الأول دليلا على قصور في التفكير، ثم دليلا على بداية الوعي والإدراك بضرورة التفكير،" قبل أن تأتي بأي شيء " ص 62.... ثم التدليل على أن السيّء منا، وإن كان سجينا فله تقدير للجمال، ويمكن أن يعبّر عنه، حتى بعقد لولي من الشمع المذاب، المنظوم، بخيط من أجل إرضاء والدته...التي قد ترمز من جديد، إلى وطن لا زال لم يقطع الحبل السري، الذي يربطه بإبنه .... يحاول السارد جاهدا توفير آليات التفكير و شحن بدايات الوعي ....
نلاحظ تكثيفا، لمفردات الوعي والتفكير والرهان، وتعريجا على الزمن، الحقبة التاريخية، إبان الثورة أي في زمن المدة الأولى، زمن تأريخ حضر التجوال، بالرغم من أن القاصة اعتنت بالملاحظة التسجيلية، والحوار التوضيحي، إلا أنها سعت إلى تنميق الحكاية، وتأثيثها بالشكل الذي يليق و موضوع الوعي، والإدراك ....بالتحلبل تارة والتوضيح تارة، أخرى بالسرد، أو اللجوء إلى الحوار التوضيحي، و محاولة استرجاع ذاكرة المعالم الجماعية ...
والفردية كما ذكرت أدوات الدفاع، التي لجأ إليها المجتمع حينها، للدفاع والذود عن النفس في الأوقات الحرجة للوقوف ضد المجهول:
مطوى،
بخاخ غازي
أما للتعبير عن الغضب فقد لجأت الأحياء الشعبية :
إلى حرق العجلات.
وهذا يرمز إلى قلة الوعي الحقيقي وقد وضح مفهومه :
"السجين الدليل" للفتاة.
رمزية هذا الرجل الدليل السجين قد يكون الوعي والإدراك شُخّص في شكل سجين ...
.
الفرحيم ص 73:
قد يكون اختزال المقصود به الفرار إلى الجحيم، تم حذف الثلاث أحرف الأخيرة لكلمة الفرار ( رار ) و حذف الثلاث حروف الأولى لكلمة الجحيم (الج) ثم دمج ما تبقى من الكلمتين .
🐛 قد يكون اختزال للفردوس والجحيم .باستحداث مصطلح جديد، يطمس الفردوس، ويدوسه بآخر حروفه، ويطلس الثلاث الحروف الأولى من الجحيم وبذلك يقضى على أول حروف الجمال، وتنتهك الفردوس بالحيم ....
الفرحيم :
تذكرني بعنوان رواية "المتشائل" التي جمعت بين المتشائم و المتفائل .
لفظة الفرحيم في القصة يراد بها توصيف "ذاك التيه العظيم ما بين صقر وتسنيم" كما جاء في التقديم ، وأعني التصدير" على طبول اليسار ورفعة اليمين ...وحديث غير مبين...
*الزيارة ص 78:
أم استعدت لزيارة ابنها الذي وعدها، وتنتظر حلوله ....
أم تضج منها رائحة زوجها ....
"نجاهد ذاكرتها، في القبض على وشائح الذكرى والعشرة الطويلة، التي تفيض منها روائح الزمن، من خشية الإنفلات و والتبخر "ص 85
تشخيص الذاكرة، تستحضر الروح والروائح والزمن والمكان .
تلبس فستانا لا يشبهها، وهو ترميز إلى الغربان السود الذين اكتسحوا كل الفضاءات، وغيروا معالم الشخصية التونسية التي كانت تشبه الموزاييك و مزهرية باقة الورود المختلفة الألوان التي كان عليها النسيج الاجتماعي... حيث عُوِّضت (الجٌبَّةالتونسية) ب(الهركى) و(البَلْغَة )ب(الحذاء الرياضي)، (والعباية) عَوَّضت (الفوطة والبْلُوزة والسِّفساري والتخليلة أو الخِلَّة والفساتين العادية، و البنطلون )...
كذلك استحداث عادات جديدة كالزواج العرفي.. وجهاد النكاح ... وغيره ....وتكفير من كان لايشبههم ...
*حي أبدا ص 89:
الخيوط تلاحقنا : في كل ركن من القصص، حتى في قاعة السينما، حيث تداعب أنامله شالها العنابي :
" وتتعثر في ارتباكها بين خيوطه"
كذلك ذاكرة الروائح:
" سيترك فيما بعد، ندى عرقه، وقطارات المطر الليلي، على طرف شالها ...وسيظل على جبينه، وعلى أطراف أصابعه، شيء من عطر البنفسج ....).
تسجيل جمال نقوش الفضاء، مستعملة لفظة " التأمل" للدلالة على الإبداع والتسبيح والاعتزاز بالرموز الذين ساهموا في تشييد حضارة ذهبية ....
فيما كانت هي" تنظر إلى التصحُّر بمنتصف وجهه وعنقه" .... المرأة قد تكون تونس التي لا ترى إلا مخلفات التصحّر الذي أنتجتها العهود الماضية، التي لم تبني الإنسان. صحيح بنت المعمار، عتَّقت النبيذ الذي رمز إليه (اللون العنابي للشال الذي اقترن دائما بالعجائز ) ونسي الإنسان .....إذا الذاكرة هي
ذاكرة، هشّة مشوّهة ...
لذا وجب حتما، حمايتها ...بإعادة بناء إنسان يكون "البنك الحامي، والدِّرع الواقي، لذاكرة، لا تطلس بجرة قلم وغد محرِّف لتعاليم الدّين ... إنسان معتزّ بذاته، فاعل لا مفعولا به معتز بهويته لا مغتربا...
*فراحيم الحسن ص 95:
التعميد، وسوء استعمال الدين باستغلال المنبتين ...
والناقمين....
رفوف الوجد ص106:
يظل الحلم، كحلم عقلة الإصبع، التي ظلت تحلم بالرجوع إلى بيت أمها، بعد أن أنقضها الطير، وحطّ بها، على أرض الزهور، والطيور، بعد أن لاذت بالفرار من ابن الضفدع، والخلد والحشرات، وتزوجها ملك غابة الزهور، وأهداها جناحين للتتمكن من الطيران، والوصول إلى أمها، التي كانت ترعاها وتحميها وتدلّلها، والتي كانت تمثل لها، الأمن والأمان والإطمئنان ،قبل أن تختطفها الضفدعة من على قشرة الموز ....
عقلة الإصبع، تلك الكائن الأسطوري الذي يقارب حجمها الحشرة، ما كان يعنيها الأشكال، ولا الألوان بقدر ما كان يهمها سفط الخيوط المتعالقة، التي كانت تتسلى بتخليصها من تشابكها ..وتحرص بأن لا تتلف أي فتلة منها، مهما كان قصرها، فقد تصلح لتطريز زهرة على رأي معلمتها في "دار المعلمة " وهي إشارة إلى ذاك الحنين إلى الزمن الجميل، زمن الألوان الزاهية، الجميلة، المتشابكة أفراده، والتي لاترغب في التفريط بأحد منه، زمن يشبه أرض الزهور والطيور التي عرفته عقلة الإصبع في الأسطورة.
🐛الإبداع:
🐛 ائتلاف الالفاظ مع معانيها، ومجاورة الملائم بالملائم والمناسب بالمناسب مثلا في قولها:
* له(أي الموت)، في دنيا الناس، عشاق وسماسرة . وتجار ومروجون، منظرون ومجندون متفنون ومتفلسفون دعاة ومفتونون .....ص١٥
*تقام له مواكب جنائزية تحدوها المناحات .. وسراديق عزاء لا نهاية له..وللموت طريق صامت كسير لا نأمة فيه ولا نفير، يهال التراب على من انتزعه وقد يغيب المشيع والمعزي ...
خفقة جناح لا رجع في الهواء لصداها .
من المحسنات الابداعية التي استعملتها الكاتبة نذكر على سبيل الذكر لا الحصر :
رسم لوحة مشرقة، ص١٢/١٣ تقابلها لوحة قاتمة ،ص١٤/١٥
لوحة مشرقة : ص ١٢/١٣
في زمن الوداعة الجميل من وعيي، ما عرفت نسوة حيينا إلا جميلات لم يكتسح قامتهن السواد ولا نظراتهن الانكسار ولم يكن عورات ...كن ربّات الخصب والجمال والحب ،خضرة الحقول الدائمة، مهما شحّ القطاف ....
*لوحة قاتمة :ص ١٤/١٥
له مواكب زعيق ونفير واستنفار واستنكار ووعيد وتوعد وحداد ..و تقام له مواكب جنائزية تحدوها المناحات ...
* براع التكثيف في التعريف:
كتعريف الموت ب:
الموت ميتات ...موت عادي ..موت مجاني ...موت حق ...موت قهر ...موت هول موت رحمة دمار ..موت خلاص
تواصل تعريف الموت بالوحش : براع في استعمال الصور المجازية بشعة
وحش يَصرع ولا يُصرع ...رعب مشرع أشداقه لا يشبع ولا يهدأ.....
*صورة مجازية جميلة : ص١٢ مثال
"والحكاية مراكب من خيول ضوئية تأخذنا بين غفوة وغفوة إلى منازل القمر ودرب التبانة ومعتلى الزهرة والشعرى ....."
اعتمدت التكرار :
الذي كان حاضرا باستمرار...للتأكيد، مثل ما جاء في المثال السابق، حيث تكرر اللفظ غفوة، "بين غفوة وغفوة" استعمل للتأكيد ولتجميل الجملة الإنشائية تنغيما .في ص 112 " كان الزمن غير الزمن" إلخ....
هذا إلى جانب الطباق والجناس وغيرها من المحسنات البديعية التي جعلت الأثر، أثرا محلاّ بالزخرف الشعر...
انتهى
سهيلة بن حسين حرم حمٌاد
تونس 04/04/2019
نادي السرد توفيق بكار
دار الثقافة ابن خلدون
بإدارة الدكتور مصطفى المدايني
يتبع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق