الثلاثاء، 11 أبريل 2017

أمين جياد : قراءة في ديوان / إن نسيت فذكروني / بقلم الاستاذ حسين الساعدي ج 1/ العراق

أمـين جيـاد .. قـراءة فـي ديـوان 
(إن نسيـتُ .. فَـذكّـرونـي)
بقلم / حسـين السـاعـدي
الجــزء الاول
(إن نسيـتُ .. فَـذكّـرونـي) ، مجموعة الشاعر "أمين جياد" الشعرية ، الصادرة من "دار أمل الجديد" في سوريا ، التي أحتوت على (64) نص . الشاعر "أمين جياد" شاعر سبعيني صدرت له مجموعتان شعريتان وله عدة مجاميع قيد الطبع .
عنوان المجموعة الشعرية ، هو العتبة الذي يكشف عوالم النص . حتى اعتبره البعض نص مستقل بذاته لا ينتمي الى محتوى القصيدة ، نعم ، أرى ذلك وهو مجتزء من حديث نبوي شريف يروى للرسول (ص) ، ولذلك نرى الشاعر "أمين جياد" أولى أهمية بالغة لعناوين نصوصه ، من حيث فنية البناء ودقة اللغة التعبيرية فيه ، بدءً بالكيفية الذي شكل بها الشاعر خطابه من أول عتبة النص المتمثلة بعنوان مجموعته الشعرية (إن نسيـتُ .. فَـذكّـرونـي) ، الذي شكل الخصائص الشكلية ، والوظائف الدلالية لخطابه الشعري ، وأنتهاءً بعناوين نصوصه الفرعية . خاصة إن أغلب شعراء قصيدة النثر أعتمد على الرمزية بشكل مفرط الى حد الغموض في قصائدهم من خلال إستخدام اللغة والدلالة والإيقاع والصورة والعبارات المرموزة غير المرتبطة بالواقع ، وهذه الرمزية أصبحت وليدة الحداثة خاصة إذا كانت صادرة (من أعماق تجربة ذاتية تحافظ على عمق الرؤية الفنية والخيالية الشعرية ) . لذلك نرى الشعراء التي تتسم نصوصهم بالرمزية ، أرادوا أن يعبروا عن أفكارهم ومشاعرهم ، وعن طبيعة المعاناة الشعرية لديهم ، بإستخدام الرموز . 
الديوان (إن نسيـتُ .. فَـذكّـرونـي) في نظر "أمين جياد" ينصب على عدة تجارب إلا أنه يتجه الى مصب واحد وهو الرؤية الفلسفية إتجاه ما هو قريب الى روحه و من ثم التوغل الى حالة التصوف صورة و تركيباً . 
السمة التعبيرية عند"أمين جياد" أعتمدت على التمييز بين التعبير والتجريد، فهي ذات بعد واسع غطت مساحات قصائده . فكل قصيدة لـها سيناريو خاص بها ، ولها بنيتها الدلالية المكتملة وتكوينها النفسي . فهو في نصوصه الشعرية يناغم بين الإحساس اللغوي والإيقاع الشعري . وكذلك بين الرؤية الصوفية والتأمل الفلسفي ، واذا أردنا أن نستقرء ديوان الشاعر "أمين جياد" لايمكن أن نحيط به من جانب واحد فقط ، بل يتعدى إلى عدة جوانب بما تضمنته من مضامين شكلت أتجاهات متعددة في الرؤية الى الديوان ، ويمكن أن نتناول هذه الرؤى بمباحث متعددة من أجل إعطاء صورة مكتملة عما أحتواه من موضوعات .
المبحـث الأول
أشـكاليـة أستنطـاق الحجـر
يمكن أن نطلق على الشاعر "أمين جياد" شاعر (الحجر) لكثرة إستخدامه مفردة الحجر بشكل ملفت للنظر . 
يتكلم الشاعر عن إشكالية الأحجار في نصوصه الشعرية بقوله:(فلسفتي الشعرية منذ السبعينات ..وفي قصائدي تتضح أبعاد هذه الإشكالية . نعم هي الحكمة والفلسفة الشعرية وقدسية المعاني ودلالاتها) ، وقد بين "أمين جياد" المضامين الفلسفية والإيحائية للحجر في نصه الشعري الذي يحمل عنوان (للحجر معنى) .
الأحجار تعلم الإنسان "الحكمة" 
الأحجار "تخلخل الزمن الضائع" 
الأحجار "ضياء الروح" 
الأحجار "كيان امرأة"
الأحجار "مرايا الحب"
أضافة الى ما حملته نصوصه الاخرى من معاني للحجر والأحجار .
ففي أحدى تعليقاته عن ديوانه يقول: (هو الأنطلاقة الحقيقية لترسيخ عالمي الخاص في الشعر و تميزي عن أصدقائي الشعراء من خلال الهم الإبداعي و ألالم الموضوعي الذي تشكل عندي في المعاني الجليلة و الإنسانية لموضوعة الأحجار) .
ذكر الشعراء العرب قديماً وحديثاً (الأحجار) في تشبيهاتهم ، فهذا ذو الرمة يقول:(عشيَّةَ ما لي حيلةٌ غيرَ أنَّني - بِلَقْطِ الْحَصى وَالخَطِّ فِي التُّرْبِ مُولَعُ)، وقال تميم بن مقبل:(ما أطيبَ العيشَ لو أن الفتى حجرٌ تنبو الحوادثُ عنهُ وهو ملمومُ)، وقال المتنبي: (أصخرة أنا مالي لا تحرّكني - هذي المدام ولا هذي الأغاريد)، وقال عمرو بن براق:(فلو أن ما بي بالحصى فلق الحصى - وبالريح لم يُسمع لهنَّ هُبوبُ) ، وقال أبو نؤاس:(صَفْراءُ لا تَنْزِلُ الأحزان ُساحتها - لـوْ مَسَّها حَجَرٌ مَسَّتْهُ سَرَّاءُ) وغيرهم من الشعراء . حتى أن شعراء الحداثة لم يتخلصوا من هذه التشبيهات على الرغم من تغير الأنساق الشعرية في القصيدة ، وصولا إلى القصيدة النثرية ، وظل الحجر معتمد من قبل الشعراء كنسق شعري في (التشبيه) في شعرهم لمقاربة خصائصه بالموجودات ، بما يحتويه من غموض وسيطرة على الحكمة ، التي ربطت الأحجار بالأفكار ، كونها رموزاً لطاقة متمركزة فيها ، وهذه الطاقة (تنبع من داخل الفكر لتتحول إلى طاقة تنتقل إلى الحجر، يساعدها في ذلك بريقها وكينونتها الجمالية التي هي نتاج عضوي لمخاض وولادة الطبيعة ، إنها روح الطبيعة) ، وتشير إلى (الكينونة الأسمى بمعنى أنها بعيدة لايمكن فهم كينونتها لكونها تفوق الوصف، بسبب غموضها وتجريدها) . 
يقول علي الإمارة:(صمت الحجر بليغ ذو لغة ساحرة حين تستنطقه قوة شعرية تقترب بصياغتها من بلاغة الصمت .. فتجعل منه نصاً يـُقرأ ويـُسمع أي أنها تدخله معها في فضاء التلقي والتاويل) . صاغ الشاعر "أمين جياد" أفكاره الفلسفية حول الحجر من خلال نصوصه الشعرية ، فشكل -الحجر- بؤرة دلالية أتشحت به نصوصه . فالبحث في "ماهية" الحجر يكمن في الرؤية الشعرية لطبيعة الأشياء وأشكال الموجودات وتنوعها ، الممتدة على مساحة الكون . وهذه "الماهية" شكلت فضاءات ذاتية للحجر والإنسان ، أستلهمها الشاعر ، فأسقطها في نصوصه . فـ(الحجر هو الإنسان الذي يستعد لجنازته منذ لحظة الولادة. والإنسان هو الحجر الذي يرتدي خلوده منذ أن يوجد ) . فهو -الحجر- يحمل دلالات شعرية شتى تستدعي التأمل والتأويل . فدلالة صلابته تتفتت عند الشاعر حين يستكشف مكامن الجمال فيه ومايمتلكه من خصائص مؤثرة في الجانب الروحي . 
نلاحظ الشاعر "أمين جياد" يستخرج المعاني من الحجر ، فتكون مفتتحاً للقصيدة ، حتى صار الحجر عنواناً لأكثر من نص شعري في مجموعته (أحجار الجسد الملونة/ أحجار المجنون/للحجر معنى/أحجار مريم/أحجار الشاعر/أمسك لون الأحجار) . فهو أعتمد على فضاء الدلالة للحجر والقدرة الشعرية وهي (أشبه بالأزميل) الذي يوسع من دلالة الحجر . فالحجر رمزاً لغوياً مليئاً بالدلالات والإيحاءات ، وهذا ما دفع الشاعر الى إستخدمه في نصوصه الشعرية من خلال الإستعارات والتشبيهات الشعرية للأحجار الكريمة (الياقوت/الزمرد/العقيق/الماس ..) . فبرع في تضمين أصناف من الأحجار الكريمة في نصوصه الشعرية . وهذا يذكرنا بالشاعر الروسي الشهير "بوشكين" حين كتب قصائد مخصصة للحجارة المفضلة لديه (كان متذوق كبير للحجر الكريم ، ويعتقد أنها سوف تجلب له السعادة ، كتمائم ) .
إذن علينا أن نقرأ ديوان الشاعر "أمين جياد" مرات لأستنطاق أحجاره . لأنه جعل من الحجر الجامد ، كينونة حسية ، العين "فيروز" في إشعاعها و"ياقوت" في لمعانها ، الشال "ياقوتي" ، الصوت "ياقوتي" ، العشق "لازوردي" ، الزمان "لؤلؤ" ، النهدان "حجران" يضيئان ، وغيرها من الأستعارات ، التي شكلت تكوينات لونية وتعبيرية وجمالية عبر أستنطاق (الصيرورة الخفية لطبيعة الأشياء) .
يقول الفيلسوف "غاستون باشلار": (عندما يضرب الحزن الحجارة سوف يكون الكون كله أخرساً)، وإذا أردنا معرفة كنه هذه الأحجار التي ذكرها الشاعر "أمين جياد" في ديوانه ، من خلال ما تحتويه من كينونة . فقد ذكر (الياقوت) وهو يغذي النفس بأحاسيس الصدق والوفاء والاخلاص ، و(الفيروز) وهو يحث على تحقيق الذات ، و (اللازورد) في رمزيته للعفة ، و (العقيق) وأرتباطه بالنقاء والإخلاص والصدق ، و(الماس) وهو يعزز قوة العقل والروح ، و(الزمرد) في رمزيته للأمل والإخلاص . كذلك وردت "الأحجار" في الديوان ، بصيغ المفرد والجمع (70) مرة ، منها في حالة الجمع (43) مرة ، وفي حالة المفرد (27) مرة . وردت في (37) نص من مجموع النصوص البالغ عددها (64) نص . وجاءت كعناوين في (7) نصوص . ورد الحجر بمسميات الأحجار الكريمة بما تحمله من خصائص نفسية وجمالية وروحية لها الأثر على أنفعالات الإنسان :
1- الياقوت/ ورد (22) مرة .
(عيناك أتحدتا بين الموج وصايا لمعت كالياقوت على وجهي)،(يسيل الحجر الياقوتي على كفيها)،(تسمع صوتاً ياقوتياً من بين الأحجار)،(الأبواب كيان أمرأة من ياقوت)،(الغربة باب من ياقوت على موج البحر)،(حدقت اليها .. وكأني الياقوت على قامتها)،(وأراك كنور الياقوت على تيجاني) ...وغيرها
2-الماس/ ورد (6) مرة .
(وتضعين البرقع الماسي على شعشعتي)،(أريد أن أفرك روحك بين دمي كالماس) ...
3-العقيق/ ورد (7) مرة .
(عقيقك منفرط)،(شفة مسجرة يلفحها العقيق)،(بين خاصرتك العقيقتين) ...
4-اللازورد/ ورد (2) مرة .
(عينيك الآسرتين اللازورديتين)،(ملاك يتغطى بالعشق اللازوردي) ...
5-الزمرد/ ورد (7) مرة .
(أفتح كل زمردة تقبع فيها)،(هنا امرأة تقبع في زمردة)،(أقرأ في الأوراق زمردة تتشظى ) ...
6-الفيروز/ ورد (2) مرة .
(عيناك الفيروزيتان تشعان) ..
7-اللؤلؤ/ ورد (4) مرة .
(علقت على صدري لؤلؤة)،(وزماني يتشظى في معبدها كاللؤلؤ) ...
فيكون مجموع هذه المسميات (48) مرة ، أما إذا أضفنا هذا العدد الى عدد ما ذكر بلفظ حجر أو أحجار فيكون المجموع (118) مرة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق