الأربعاء، 26 أبريل 2017

المعنى التكويني في أشكالية النص // للناقد عباس باني المالكي // قراءة نقدية لمجموعة نهارات مؤجلة // للاستاذ رجب الشيخ / العراق

(المعنى التكويني في أشكالية النص)
للناقد عباس باني المالكي
--------
قراءة نقدية لمجموعة(نهارات مؤجلة) للشاعر رجب الشيخ
عندما يبنى النص الشعري على هاجس الذات وتشظي المعنى الداخلي، تولد الأحساسات التكوينة للصور الشعرية في فكرة النص، وهذا ما يجعل المعنى في الجمل يرتب ترتيبا متجاورا في الرؤيا الوجودية لهذه الذات ،كما يؤدي الى الترتيب النسقي في أختيارات الشاعر للفكرة التضمينية لكل هذه الأحساسات ، ويكون الشاعر هنا المؤطر لصيغ التأمل التقريبي الذي يجعل الشكل يمتلأ بالمضمون لكي يأخذ التأويل الدلالي على قدر المعنى ، فلا يحدث التضاد ما بين مفهوم الذات والأشياء بقيمتها الوجودية ، ويتطلب هذا أمتداد سيميائي في الفكرة التكونية لأحداث التناظر الفعلي ما بين التأثيرات البصرية للشاعر ،والأشياء الخارجية لكي يسمى الأشياء بأسمائها الرمزية وفق الرؤيا التي تكونت لديه، أي أن شاعر هنا يوسع من ذائقته الدالية في معاني هذه الأشياء ، لكي يحدد قيمتها الأدراكية ضمن هاجسه الوجداني ونجد الشاعر رجب الشيخ بمجموعته الشعريىة ( نهارات مؤجلة ) قد أستطاع أن يبني نصه ليس على حسية الأشياء وتأثيرها الزمكاني ، وأنما بنى نصه على تحقيق القيمة معنوية لهذه الأشياء، لكي لا تنحرف عن زاويتها التأثيرية في قيمتها الوجودية ، نجده يجعل النص ينمو بشكل أفقي من أجل أن يكسب كل التأثيرات البصرية عمق ترادفي لمضمون النص ولا يبتعد عن البؤرة النصية الداخلية ، أي أنه يحاول أن لا يجعل النص نص ذاتي بقدر ما يكون نص نص المعنى الذي يشمل تجربة إنسانية واسعة في أفقها المعنوي أتجاه الحياة ومعانيها المختلفة ...
نص مواسم الثلج ص 7
(أفتش عن وطن /مابين طرقات مكتظة /وجوه مكفهرة ... وأحيانا تشبهني /وأخرى سحائب مطرأسود /الأرض ما بين صعودونزول /رغبةإعلان الذات أوالوقوف في صف الانبهار/شخص ينتظرقرارات/صائبة ...خائفة.. مرعبة /مستقبل مجهول بعدما وطأت قدماه أرضا /خفيضة...خلف قصص الحظ /أفكارملبدة بدفءِ القلوب /ضمأ يذّوب مواسم الثلج /
مواعيدنا حتى الثمالة )
الشاعرهنا يحقق البعد التأثيري لمضمون فكرته التكونية وما يشعر به أتجاه وطنه الذي أصبح مجموعة من الأسئلة الوجودية ،هو يبحث عن وطنه هو داخل هذا الوطن ، لأنه يشعر أن كل ما يعيشه داخل وطنه لا يمثل له ما يريد أن يراه فيه ، لهذا تتدرج عنده المعاني وتتشكل لدية الأزمة ، لأن كل شيء في وطنه خارج المعنى والرؤيا التي يري أن تحضر من خلاله هذا يعطي ابعاد الداخليه لأحساساته أتجاه ما يراه ، حيث يماثل ما بين الوجوه والتي هي التعبيير عن كل ما يشعر به(وجوه مكفهرة ...)، وهي تشكل له حالة أستنزاف معنوي تعبيري عن المعاني المتدرجه في معاناته ليبين من خلال الأيحاء عن الفكرة التي يعشها من الداخل لأنه يعكس الفكرة عليه وكأنه هو نفسه الذي يشترك في صنع هذه المعاناة (وأحيانا تشبهني )، بعد أن طرح سؤاله ( أفتش عن وطن) وبعد هذا السؤال يحاول أن ينضج رؤياه التي تحقق له التناظر النفسي ما بين معاناته وبين ما يراه في وطنه ، فالشاعر أستطاع أن يحقق التوزاني المعنوي ما بين المضمون والشكل ، لكي يبعد نصه عن أشكالية المعنى الجوهري داخل أتجاهات تفكيره في وجودية الحياة حوله ، وقد أنعدم الأمل لديه قد أصبح كل شيء حولة ضبابي وسحائب مطر أسود (وأخرى سحائب مطرأسود /الأرض ما بين صعودونزول /رغبةإعلان الذات أوالوقوف في صف الانبهار/شخص ينتظرقرارات/صائبة ...خائفة.. مرعبة /مستقبل مجهول بعدما وطأت قدماه أرضا)فكل أصبح غير ثابت وغير واضح وحتى الأرض أصبحت متموجة لأعدم الأستقرار حوله ، رغم ما يشاع من أعلانات التي توحي بالأنبهار ، لكن أصبح كل شيء مرعب ومجهول ، لهذا يشعر أن الحياة قد أنعدم الأمل فيها (خفيضة...خلف قصص الحظ /أفكارملبدة بدفءِ القلوب /ضمأ يذّوب مواسم الثلج /مواعيدنا حتى الثمالة ) مع كل ما يرى لكنه لا يفقد الأمل كليا بل يحاول أن يعيد الأمل عنده ، ما يذوب الثلج ، لكنه لا يصدق هذا لأنه يشعر أن كل هذا هو الخروج من الوعي ليعيش باللاوعي (مواعيدنا حتى الثمالة ) ليصل الى الثمالة التي تفقده وعيه بحركة الحياة التي حوله لكي يعيد التوزان المعنوي ضمن الرؤياه الموحدة داخل ذاته وأتجاه ما يعيشه.....
نص همسة ص 15
(يراودني الشك /أتذكرحلمي /أرسم كل مدارات الكون /لأرتقي سلما لا يُذبح /على أرصفةٍ من رماد /تتوارى خلفي قصص الليل والطرقات /مدوناتي .. قصص الطفولة ...أحلام الشباب /أغنياتي التي أحفظها /عن ظهرقلب /لوحاتي التي رسمتها /رسائل عشقي الأول ، الأخير/
آهاتٌ مؤجلة )
ويستمر الشاعر بخلق التوصيف البصري المتصاعد أتجاه ما يراه ، من أجل أن لا يتصادم بشكل كامل مع الظروف التي حوله يحاول أن يؤجل كل افكاره الأمتدادية وفق التأثيرات الأنعكاسيه داخل وجدانه ، لكي يجد المعنى الذي يتناظر مع كل ما يحس وضمن أنتمائة لحركة الحياة حوله ، فهو يشك بكل شيء حوله ، والشك تأثيري ما بين اليقين أو تحديد الرموز غير الواضحة أتجاه حياته ، لأنه يحاول أن يتصالح مع الظرف حوله ولكنه لا يستطيع ،لهذا يحاول أن يرجع الى الوراء من أجل ترمميم ذاته المصدومة من كل شيء حولها(يراودني الشك /أتذكرحلمي /أرسم كل مدارات الكون )والشاعر هنا يكتب حسب حسه الداخلي في تكوين جملته الشعرية ليس حسب تراكم المعنى بل وفق حساساته التفاعليه وضمن شروط الرؤيا الـتأثيرية ، التي تكون الجملة الصورية الرمزية، التي تعطي الأيحاء بعدا تكويني في فكرة النص ، لكي يجعل الأيحاء حسب الأنزياح البؤري المتفاعل مع رؤيوية الفكرة التي ترمز الى المسميات الوجودية ، لكي يوجد الجملة المكثفة الأيجازية ، وكذلك يجعل نصه مفتوح أي لا يقطع النص بالحاله اليقينيه في تصوره الأدراكي أتجاه الأشياء (يراودني الشك) وليس الشك الكامل بشكل لقطعي ، لهذا يبقى نصه يتدرج في جذب المعنى الداخلي المستمد من المعانى الوجودية للاشياء، والشاعر يبدأ دائما بالأفعال ( يراودني ، أتذكر ، أرسم ، أرتقي ) ليجعل الحاضر كأنعكاس الى الماضي حسب أستمرارية حركته في الحياة التي حوله ، لهذا يؤجل كل فعل تفاعلي مع حركة نمو الأشياء في المعنى الذي يكونه ، لهذا نجده يرجع الى ما عاشه ( تتوارى خلفي قصص الليل والطرقات /مدوناتي .. قصص الطفولة ...أحلام الشباب /أغنياتي التي أحفظها /عن ظهرقلب /لوحاتي التي رسمتها /رسائل عشقي الأول ، الأخير/ آهاتٌ مؤجلة ) ولأنه عجز بالتصالح مع حاضره لأنه كل شيء فيه يتحول الى رماد، مع كل محاولاته الأرتقاء على هذا الحاضر ، حتى السلالم تذبح أي لا يوجد درب يوصله الى ذاته من خلال الحاضر (لأرتقي سلما لا يُذبح /على أرصفةٍ من رماد ) لهذا يرجع الى أيام شبابه وأحلامها في العشق ، والأنتماء لهذه الفترة من خلال جماليتها التي يشعر بها ويبقى متمسك بها ، ليتوارى خلفها من الحاضر الرمادي ، لأنه وصل الى مرحلة الأنقطاع عن هذه الحاضر وقد أستبدله بالماضي.....
ص 34 نص دهشة
(أحمل في كفي ريحا عاتية /تربك سفنا /تلوذ تحت رحمةالعواصف المجنونة /نخلةامتدت جذورها إلى حيثما تنتهي الشواطئ /رمال تدفع غبارها /فتقلع ثمار النارنج /وأشجاراللوزمنتشية /على أديم الأرض /لاتفارق وطنا /تترنح يمينا وشمالا /الرعب ......... /هزمواجع /كانت تشرأب الى حيث الدهشة )
والشاعر بعد أن كان يتحاوربالحوار التشاركي بحوارت داخليه تصورية حسب التصور الأدراكي المعنوي مع الظروف التي حوله ، نجده هنا يسعى الى محاولة التغيير فيها ،والثورة ضدها لكي يعيد الحياة كما يتمناهها ويتصالح مع حاضره الذي يعيش ، يحاول هنا أن يخرج من كل هذه الحوارات لكي يعمل الفعل التغييري أتجاه ما يحيطه من ظروف بعد أن شعر بالأخفاق أتجاهها (أحمل في كفي ريحا عاتية /تربك سفنا /تلوذ تحت رحمةالعواصف المجنونة )وقد استخدم هنا الأيحاء الرمزي لكي يبقى مساكا للفكرة الصورية التي تقارب الأبعاد السيميائية في العلاقات التناظرية ما بين المد الدلالي الوجداني ومعاني الأشياء ، لأن القصيدة عند الشاعر ماهي إلا أنساق تنبثق من مخيلة ذاته أتجاه المعاني، التي تكسبها الذات في لحظة تنوير العلاقات الجدلية والتشابكية الرؤيوية مع حركة الحياة ونواميسها، التي تحدد الفعل التأويلي في المسك بكل ما يعطي للرمز طاقة حيوية أستنباطية تقارب الفعل الخارجي مع الفعل الباطني لتصوره في المعنى لرموز الحياة وأشيائها التي تكون المعاني في فعل الحياة ، لهذا يجعل من داخلي هي المساحة التي تنير الأشياء ، رغم الأحباط والمرارة التي يشعر بها والتي يعكسها على المعاني التي يؤشرها من خلال الأرتداد التأويلي ، فكل شيء غير ثابت بسبب عدم ثبات الحياة التي حولة المتمثله بحياة الرمال (نخلةامتدت جذورها إلى حيثما تنتهي الشواطئ /رمال تدفع غبارها /فتقلع ثمار النارنج /وأشجاراللوزمنتشية /على أديم الأرض /لاتفارق وطنا ) حيث تسبب دمار لكل شيء حتى أثمار النارنج وأشجار اللوز ، أي تدمر كل رموز الحياة وبكل أشكالها الجملية من خلال ترنحها يمينا وشمالا ، وهذا ما يسبب له الكثير من المواجع ويخلف في روحه الدهشة من كل ما يحدث حوله من دمار وضياع لكل رموز الحياة الجميلة ...
ص 82 نص متاهات
(مرةهناك /فكرة تنضج لا تلبث كثيرا /فرح يشوبه الحزن /مكوث متاهات /حلم يمتد بعيدا /طرق شاقة /أعباء سوداء لهموم متراكمة /تستقرلحظات /ربما تحلق في جدران الخوف/تأملات تختلج الأشياء...عبرنافذة الوهم /الوهم يمسح الدمعةالساخنة /كلما تدارك الوهن المرسوم /خارطة /أصبحت على رفوف الزمن المر /،الشاردون،المغادرون،المنفيون،المهمشون،النائمون /على وسائد من طين /،الراقدون/مابين الخوف والعقاب /سياط /معلقة لجلود الخيبة /،ترهات /تعتري سطح الحقيقة /تصبح عبئا آخر ) .
ويستمر الشاعر بالكشف عن كل ما يسبب المتاهات ، فكل شيء ملتصق بالحزن حتى في حالة الفرح ، ويتراكم بشكل كبير وشاق ، وهذا ما يؤدي حتى الى خوف الجدران من هذه الهموم المتراكمة في الحياة حوله ، ويتحول الناس حوله الى مغادرين ومنفيين ومهمشين ، نائمين لأنهم لا يستطيعون أن يستمروا بمواجهة كل ما يدور حولهم من تهميش والخوف من العقاب ، فكل شيء يوحي بالوهم وضياع الإنسان ، وأن الأمل لا يستمر إلا لحظات ، وما هو وهي إلا مجرد نافذة وهم ، وهذا ما يسبب الوهن والضياع بسبب هذا الزمن المر الذي يتراكم على رفوف الحياة دون أنقطاع (مرةهناك /فكرة تنضج لا تلبث كثيرا /فرح يشوبه الحزن /مكوث متاهات /حلم يمتد بعيدا /طرق شاقة /أعباء سوداء لهموم متراكمة /تستقرلحظات /ربما تحلق في جدران الخوف/تأملات تختلج الأشياء...عبرنافذة الوهم /الوهم يمسح الدمعةالساخنة /كلما تدارك الوهن المرسوم /خارطة /أصبحت على رفوف الزمن المر /،الشاردون،المغادرون،المنفيون،المهمشون،النائمون) وبدل أن يحدث الأنفراج عن هذا الوضع ، وأنما العكس يحدث ما هو أكثر مكوثا في المتاهات ، ويتحول كل شيء جلود معلقة في المتاهة ، وكل شيء يجري عكس الحقيقة التي ينشدها ، حتى أماله في الحياة تتحول الى ترهات من الخبية والأنكسار (على وسائد من طين /،الراقدون/مابين الخوف والعقاب /سياط /معلقة لجلود الخيبة /،ترهات /تعتري سطح الحقيقة /تصبح عبئا آخر ) فليس هناك أمل بالتغيير وأصبحت الحقيقة المرة هي من تحرك الحياة وأصبحت عبئا ، بدل أن تصبح رافدا الى نمو الآمال بالحياة التي يتمناها ويريدها، أي كل شيء تحول الى عكس تناظره مع وجودية الحياة داخله ...
والذي يميز نصوص الشاعر رجب الشيخ هو التقارب المعنوى الذي يشير الى الدلالة من خلال فعل الأشارة دون السقوط بالمباشرة ، لهذا نجد نصوصه متماسكة متقاربة بالأيقاع الهرموني مع توهج المعنى بالصور التي تغذي هذا الأيقاع بالمشاعر المفعمة والجياشة في تكوين الجملة الشعرية التي تعطي الدلالة بعد إنساني يقارب مشهدية الحياة حوله ، دون الغوص بالرمز الذي يؤدي الى الغموض والأبهام ، لهذا نجده يستخدم لغة تقارب مفرداتها بالمعنى الموحي تؤدي الى المتاهة والأنكسار وضياع الإنسان وتحوله الى هامشي ومنفي وشارد داخل ذاته بسبب الحياة التي يحيا فيها دون الوصول الى الأمل الذي ينشده والحياة التي يسعى إليها .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق