الجمعة، 28 أبريل 2017

قراءة لديوان الشاعر فاضل حاتم / ذاكرة الثلج ج 1 // بقلم الشاعر عامر الساعدي // العراق

القراءة النقدية التي كتبها الشاعر عامر الساعدي عن مجموعتي الشعرية الاخيرة ذاكرة الثلج ..قراءة نقدية مجزية في الكشف عن أهم النقاط التي شكلت مبنى القصيدة.. شكراً جزيلا للأخ الشاعر عامر الساعدي .
-------
((ذاكرة الثلج ، ولغة ذاكرة الشاعر فاضل حاتم )). قراءة للديوان (الجزء الاول)
ذاكرة الثلج ديوان شعري بقطع متوسط صادر من مطبعة الميزان لسنة 2017 يضم (40) نص . 
سؤال مهم يطرح نفسه ويحتاج الى تأويل لماذا ذاكرة الثلج ؟! .
فالشاعر جعل أهمية العنوان قبل المتن للديوان إن كانت هناك غايات في نفسه ، أو قد تكون ضربة فنية بأسلوب مختلف ليجعل القارئ يتساءل عن ماهية العنوان ، حسب قراءتي للديوان وجدت هناك نصوصا وقصائد تحتاج فك رموزها المخبأة ، تحتاج الى تمعن ودراية كبيرة للوصول الى فكرة الشاعر ، لكن من الصعب أن يصل احد ما ، فالشاعر وحده قادر على تلك الاسماء والعناوين .
نعم اننا نقف على عتبة الديوان وتلك الذاكرة الثلجية التي تدور في فصلها الادبي ، الشاعر أراد أن يبذل الجهد الكبير ليجعل للحرف مرآة ذو وجه واحدا ليضع المتلقي أمام خيارا واحدا لا ثان له ، أي أن يجبر المتلقي على القراءة ، وبنفس الوقت تاركا حرية التأويل ، وحرية المفهوم حسب رؤية .
الاسلوب الذي استخدمه الشاعر ( فاضل حاتم ) هو أسلوب المقصد ، قد يسأل البعض عن مصطلح المقصود ، أو المقصد، والمقصود به التفرد الخاص بأسلوبه دون تقليد احد ما .
كذلك أستخدم الطريقة الفنية الصحيحة في صياغة موضوعه المهم وهذا ما كان ولازال يؤكد عليه دائما الناقد العراقي ( عباس باني المالكي ) في مقالاته المقروءة ، أو أثناء الحوارات الادبية المفتوحة ، يقول على الشاعر أن يحافظ على الوحدة العضوية للنص أو ماهية الموضوع، أي على الشاعر أن لا يخرج عن وحدة الموضوع المهمة ، وأن يكون هناك ترابط فيما بين الجمل وان يكون سهلا وسلسلا للمتلقي ، وهذا ما نؤكده بحديثنا هذا.
إذن لا يمكن تصنيف الشاعر ضمن خطة معينة ، أو درجة معينة والسبب أننا لو اعطينا تصنيفنا للشاعر الان قد يكون الغد أقوى بل قد نكون أعطيناه مظلومية بهذا التصنيف فالشاعر الحقيقي مبدع ومتطور ومجدد ، كذلك لا يمكن التعامل مع الشاعر على ما كتب افضل ، أو نتعامل مع شخصية الشاعر نفسه ، فالربط بين الجملتين هو يجب التعامل مع ما موجود بداخل ما كُتب ، فمن الحكمة أن يكون للنص الحقيقي اهتماما كبيرا بكل زواياه ، وكل مضمونه .
الاسلوب النفسي والطريقة التي كتب بها الشاعر ( فاضل حاتم ) قد تكون مختلفة عن غيرها لوجود عامل مهم بداخل النصوص إلا وهو العامل النفسي الذي مكنه في كتابة النصوص والقصائد ، حيث إن العامل النفسي هو الدافع للأبداع أحيانا ، والوقت الذي يمر به الشاعر .
إذن الشاعر الجيد الذي يجمع بين الاسلوب والموضوع ويضيف اليه الانفعال أثناء الكتابة يخرج بناتج جيد ، قد يضيف إلى الابداع بعض التوابل الادبية التي تجعل نكهة النص فاخرة لحد ما .
وهنا الشاعر يكون الشاهد على روحية الصلة بين القلم والورق ، الشاعر يكون آخر ما ينتجه أو يلده من حرف ذات رمزيةً مرسومة بإتقان ، أي أن للشاعر لغة خاصة قد تكون بدافع حسه أكثر مما تكون كتابية على الورق، وإمكانيته بكيفية التلاعب بالمفردات شريطة أن لا يخدشها بسوء . 
الشاعر هنا يلعب دور المقاتل الباسل حينما يكون مستعدا وجاهزا كي يخوض المعركة ، أي إذا كان المقاتل متأكدا من عدته القتالية ومحصنا نفسة ليكون أقل الخسائر ، بهذه الحالة يكون في ميدان القتال بكل ثقة ، الشاعر مقاتل لا بد من تهيئة أدواته التي تمكنه من خوض التجربة الشعرية وهو واثق كل الثقة . 
وحسب رؤيتي الخاصة فأن الشاعر " فاضل حاتم " قد أتبع الخطوط الصحيحة التي مكنته وأدت به إلى طريق سهل وسلس حتى أوصل ما كان يريد إيصاله الى المتلقي دون عناء ، واعتقد أنه كان حريصا على العمل بعدة أمور منها .
أولا .. أنه ابتكر صور شعرية مختلفة وحديثة .
ثانيا.. أنه أستخدم الرمز الشعري ببساطته.
ثالثا.. وضع وحدة الموضوع الرئيسية في حساباته واولوياته .
رابعا .. تعامل مع القصيدة أو النص تعامل روحي ، كي لا تنتهي روحية النص. 
خامسا.. حاول الابتعاد قدر الامكان عن التكرار في النص كي لا يضيع نتاجه في خانة الاموات ، من حيث جعله بلا روحية ، أو حسية . 
سادسا ..صياغة النص صياغة حقيقية من حيث الاسلوب ، فالأسلوب له دور مهم بعملية الصياغة ، وهو السبب الرئيسي الذي يغذي عقل المتلقي.
في أحد النصوص التي تمتاز بأسلوبية مختلفة التي أبتعد كاتبها عن التكرار فيها ، وأقصد تكرار المعنى في الجمل ، في نص مجموعة المـــوتى يقول :
كـنّا مجموعةً من الموتى / مضى على أولنا عام ونصف العام / وعلى الآخر نصف عام ، وأنا مازلتُ، أسمعُ قهقهة الأخوان على المغتسل ، وكفني جديد.
توصيف لنفس الشاعر حيث ذهب بعيدا للماضي بقوله ( مضى ) أي ان الشاعر عمد على الذهاب للذاكرة البعيدة كيف يفتح مغاليقها المتجمدة " الذكريات " حيث اخرج ما بداخله من انفعال ليصوب تلك الذكريات على الورق ، وهنا قد وضع المتلقي خيار القراءة ، وهنا القول فأن خيال الشاعر يكون اوسع واعمق في تخيلاته فالشاعر حينما يتوقف في نهاية الجمل ليقول (أسمعُ قهقهة الاخوان على المغتسل ، وكفني جديد ، هاهي الجملة التي ربطت عملية التوظيف بالاسلوب المبتكر وكفني جديد قد اخرج من عالم الى عالم اخر.
يعود ويقول:
لم تكن هناك مقهى، في مدينة الموتى / ولا شوارع مزدحمةٌ بالأسواق ، كنّا سعداء.../ ذكرياتنا شريطٌ فضّي... / أنتظرنا الليلَ طويلاً ولم يأتِ، / وأنتظرنا الصباحَ ولم يأتِ / قال الذي مضى عليه نصف عام / انّهُ سدّد الكثير من الأهداف في مرمى الخصمِ.
بطبيعة الحال الشاعر له مخيلة تختلف عن الاخر ، قلنا في السابق وحدة الموضوع الرئيسية مهمة جدا وهي القادرة على الربط دون تشتت فكرة الشاعر ، علاقة الشاعر الان اصبحت علاقة اخرة فهو يتحدث بلغة مختلفة في وصف الحياة بشكل مختلف ، اما انه يردد كلمة ( انتظرنا ) فقد استخدم تلك المفردة بعمليتين باليل والصباح / والليل له خصوصيته من حيث الاضافة والمعنى / والصباح بمعنى مختلف اخر لخصوصيته ، قال الذي ، وها هو يثبت مرة اخرى معنى النص بعنوان المجموعة ، انّهُ سدّد الكثير من الأهداف في مرمى الخصمِ ، ليقصد رفقة الموتى ، أو اوجه التشابه بين الالم والموت الواحد .
المحور المهم الذي يدور حوله الشاعر بعملية رص الجملة ، وعملية التتابع جعل من النص مرتبط بصلة روحية إذ يقول :
وقال الآخرُ... / انّهُ مات مجنوناً.. ولم يعد يتذكر شيئا / أما أنا.. فكانت آخر ذكرياتي.
وقال تكلم بلغة الغائب ، أنه مات مجنونا ، كذلك الغائب ،اما أنا قد تكاد أن تكون تلك العبارة مجموعة من القصص القديمة والمشاهد المجهولة والأفكار المتضاربة والتنبؤات البعيدة وحشد العواطف وتشويش العقل والعبث ، أو إنها انطلاق حر من أعماق النفس والتدفق بحرية تامة مخترقا جميع الحواجز، فالذكريات أخر المطاف.
الشعر قضية كبيرة خاصة عندما تكون بأيد أمينة ، هذا هو المحور المهم والاساسي بأن يخرج الشاعر من التقليد والمستهلك في المعنى كي لا يفقد المعنى ، أو المتلقي لا يتشتت فكره أثناء القراءة ، وهذا ما عمل عليه الشاعر ( فاضل ) بعملية التوظيف ليكسب أسلوبا مختلفا ، وأضيف كذلك فأن عملية الترويض للنص لديه كانت مجزية كي يخرج بعمل متق ومختلف ، فأدواته كانت جيدة ، حيث أنه أضاف من مخزونه الفكري وبعض التراكمات التي يختزلها من مسيرته في الشعر .
الشاعر في اعتقاد ابن طباطبا ـ كشأن ((النساج الحاذق الذي يوفق وشيه بأحسن التوفيق ويسديه وينيره))(6) حتى يجلي نظمه في أحسن حلة، ولا يتأتى له ذلك إلا بالحذق في صناعة الأسلوب والتحكم في آلياته.‏
وإلى جانب اهتمام ابن طباطبا بخاصية التلاؤم بين مواد الشعر يؤكد كذلك خاصية الصدق في التجربة الشعرية، ولا يكون ذلك على مستوى المبدع بل تتعداها إلى المتلقي الذي يتأثر لما يتلقاه مما قد عهده طبعه وقبلته مداركه، فيثار بذلك ما كان دفيناً، ويتجلى ما كان مكنوناً ( المصدر ضفاف البلاغة والنقد ).
عنوان اخر من مجموعة ذاكرة الثلج ، (دافــئةٌ كـكـرةِ الثلــــجِ ) يقول:
بيني وبينكِ أسرارٌ وأقنعةٌ شفافةُ المبسمِ / دافئةٌ ككرةِ الثلجِ / حين يقبضُ عليها القلبُ / يرقصُ دمي / أسمعُ ظلَّ صوتكِ يرتطمُ بجدران غرفتي المعتمة / وأنا المقْعدُ في سريري / بلا طعامٍ../ بلا سؤالٍ../ بلا لمسةِ كفٍّ ، تأويني / كخربةٍ قديمةٍ / وحدي.. أنتظرُ طرقات العالم السفلي / على بابي / أصواتُ الملاهي.. الأغاني.. تأتيني / كأنها مطارق من حديد / وأنا المسجى.. فمتى أعود / لحضن أطفالي الصغار.
لا اريد الحديث عن شخص الشاعر نفسه بقدر ما نريد ان نصل الى ما انتجه ، وما قدمه ، وكيف نقرأ ، وسهولة هضمنا لما كتبه ،كذلك لا ننسى بأن عملية الربط بين العنوان للديوان وما بداخل جدران المحتوى الاصلي، باعتقادي فأن الشاعر كان حريصا كل الحرص على عملية الترابط بين الجمل ، والجملة التي تليها ، لعله كان هناك مقصد منه ليبتعد عن تشتيت النص ، لذا فأنه عمل جاهدا على كمال النص ، وأنا كقارئ اضع نفسي بعدة اسئلة أولها ولتكن اخرها لماذا الشاعر يستخدم " بلا " بكثير من الجمل بعميلة توظيفه للنص ، هل كان يقصد بها جر تلك المصيبة ، هل كان يقصد الهم والحزن والغم وماشابه ذلك ، هل كان يختبر نفسه وهنا يمكن القول فأن الشاعر يريد الوصول لكن يجعل الصرخة داخلية في قلبه ليترك جرية التسلسل في كلماته ، إلى عمق وجداني يجعله يسطر إحداثيات كبيرة بحياته ، قد يكون استخدم الايحاء الحسي المكبوت بداخليه دون اظهار اوجاعه بعيدا عن الملامسة ، موجها خطابه الوجداني بسيل من الكلمات ، بأسلوب منفرد يجعل القارئ يذهب بعيدا.
ويمكن القول انه جعل عملية ترابط لا تنفصل بين فكرة النص ومعناه، وبين وجوده والبناء الذاتي ، ومن هنا اصبح الشعر وليد مخيلة لحظة شرارة ، بعيداً عن الازدواجية، وبذلك نقول أن النص قد اخذ مكانته المتميزة بوصفه جهداً انسانياً ضرورياً واجب الوجود.
وأخيرا أقول أنا لست ناقدا ولست مجبرا أن اشخص نقاط الضعف والقوة ، ولست ملزما في ادراجها انا قارئ ولي رؤيتي الخاصة بطريقة القراءة وتأويل النص الشعري ، أو تأويل المفردات .
تحية واحترام للشاعر ( فاضل حاتم ) وابارك له كل اعماله.
(يتبع الجزء الثاني)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق