الأربعاء، 26 أبريل 2017

الخطاب بين التقمص والجموح // مقال : للاستاذ عبدو الكسيري الكوشي // المغرب

//الخطاب بين التقمص و الجموح// 
ليست المسألة بعدد نقرات الإعجاب أو كم من التعاليق العابرة، الأمر ليس مقايضة بالتفاعل لأنه ليس تفاعلا أصلا ما دام يبحث عن فعل لأجل رد الفعل، كعملية أتوماتيكية تلقائية خالية من أية بصمة إنسانية. إن الغرض من الكتابة عبر هذا العالم الإفتراضي هو تقريب الأذواق و دراستها، البحث عن مستوى التفكير و ميولاته، و لم يكن ما قيل بشأن تقييم الشخص من خلال منشوراته أنه ضرب من العبث، بحيث كلما ارتقت يرتقي صاحبها و العكس بالعكس ما دامت من إنتاجه، و أكيد أن هذا العالم الهلامي أكثر تعبيرا عن الشخصية بعيدا عن ضغوط المواجهات المباشرة و المثبطات الإجتماعية و الثقافية، التي قد تعيق التواصل السلس دون قيود، و تلك الإعتبارات التي تتحكم في الخطاب الموجه، و تعدله كفكرة قبل ترجمته إلى مخارج صوتية تتراوح في نبرتها بين الإعتدال و الشدة، التحفظ و التلقائية، إقتصادا في التعبير أو قولا فيه إلتواء تملصي، إن هذا العالم يتيح لنا الإمكانية للوقوف على مجموعة من الإختلالات التي تؤثر في الفكر و الشخصية. 
و أكيد أن الغموض يلفه أي العالم الإفتراضي لكنه مجال يتيح الإمكانية لجمع شتات العلاقات الغير معلنة و التي تتطلب تقليص المسافات و الفوارق برمتها، لبلوغ التقريب و التقارب. نقرأ للجميع دون استثناء، نقارن هذا بذاك، و نحلل اللفظ باللفظ و نبحث بين الهوامش الضيقة عن المعاني الهاربة، و ليس من الصعب تعقبها مادامت القراءة تحتكم لأدوات التحليل التفاعلي بعيدا عن التأويل بالظاهر، و الجزم بالبديهية و التفسير الإستعجالي المنفعل. فعلى سبيل الحصر لا التعميم، تلك الخطابات التي تتقمص الواقع حرفيا ليست من الرقي في شيء، إنها تكرس الجمود فينا حين تحصرنا في مواقع ندركها سلفا فوق الأديم و عبر الألفاظ: و ماذا بعد حين أراك تجسدني في قالب سردي يرسمني تفاصيل سطحية، و أنت تتقمصني أو تتقمص ذاتك إنفعالا و فعلا بين الفضيلة و الرذيلة في تفاعل مع المحيط بحيه و جامده، اختلالاته و انحلاله. ما هي الغاية من وراء ذلك و هل جعلني هذا الخطاب أتجاوز قيدي المتقوقع بواقع مُطْبِق و مُقلِق. و كأننا نكرس لتلك الفوضى العبثية و المقيتة بالملموس و المجرد بين مجال معاش و عقل متخبط، و لعل الأمثل و الأنسب أن نتوجه نحو خطاب يقفز على هذا الواقع دون إغفاله أو إهماله بأسلوب و نسق يغير نمطية الإلقاء و يحرك فينا النزعة نحو التأويل التجريدي لما وارء اللفظ الجامح، و قد كسر خطابك هنا قواعد كلاسيكية ميتة تُنْزِل الزخم الخانق كما هو و كأنها سلعتنا ردت إلينا و السلام، و الحكمة تقتضي أن أجعل عقلك يستريح من التناقضات المحبطة و صياغتها بأسلوب فريد يجمع بين الماكرو الظاهر و المُشَاهد معاينة و عيشا، والميكْرو الخفي بين الألفاظ الهاربة و نسقية الخطاب الجامحة، ليس تعجيزا و لا تنطعا، لكن لتسحب عقلي و عقلك نحو مرتبة تجعلنا نتملص من هذا الثقل المعجز، لكي يتحرر و قد تحرك بجهد مقبول يكشف خبايا هذا الخطاب و يفكك تفاصيله تفكيكا إبستيميا، يجعل المفهوم/الغاية بسمته التجريدية، قابلا للتفكيك إلى بعد أقل تجريدا حتى نستطيع بداية استنباط المتغيرات التي تَشُّل فكرنا بشكل راق حين نتوصل بالمؤشرات ذات الدلالة الملموسة واقعا، و قد استطعنا حينها من فك العزلة عن مفاهيم الخطاب بمؤشرات تزيح عنها طابع التجريد و تمكننا من فهم مواطن الخلل بعيدا عن زخمها الخانق حين يقطع العقل تلك المسافة في القراءة ذات السمة التفكيكية لبلوغ ذاك الخفي الذي يغيب عنا ما دامت خطاباتنا تقمصية بشدة و تنتهي بتأويل سببي فوقي أو استنباط متسرع مدفوع بنزعة البداهة. فيظل التخبط بين واقع معاش و واقع مسرود سلسلة تسحبنا عبر حلقة مفرغة من هنا إلى هناك و يستمر التخبط دون طائل...
عبدو الكسيري الكوشي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق