السبت، 1 أبريل 2017

السرد التعبيري // للاستاذة فاطمة سعد الله // تونس

السردُ التعبيري
فكرةُ السرد التعبيري بدأت بإحداث نواة"مجموعة تجديد" التي أسّسها الدكتور أنور غنيّ الموسوي ودعا إلى اعتناقها كمذهبٍ تجريبي في الكتابة ويمكن اعتبارها تحديا للمألوف ورسما لخارطة تتجاوزه برؤى مستقبلية جديدة للكتابة السردية / الشعرية على حد السواء
واستجاب إلى هذا النداء / الرسالة عدد لا يستهان به من الكتاب الراسخي الأقدام في تربة الأدب الجميل والحرف الأصيل.
وباعتبارهم روادا اضطلعوا بهذه الرسالة النبيلة وثبتوا جذورها بل وسعوا أفقها سأتطرّق الي ذكر بعض الاسماء هي عبارة عن أيقونات أضاءت مسار هذا الخطاب الإبداعي الجديد.وعلى سبيل الذكر لا الحصر نتصفّح بعض 
النصوص لهؤلاء الروّاد.
فهذا الأستاذ الشاعر كريم عبدالله يقول في جزء من قصيدته البوليفونية /متعددة الأصوات التي اختار لها عنوان " ترجية" على جدار صمتٍ ملوّن(بجيم معطّشة /لهجة عراقية):
(ترجيّة )في أذنِ الانتظار تلوّنُ جدارَ صمتِ الاشتياق ألوانها تفكّه طابوقاته الخشنة يتعشّق الهمس يأتي ببهجة نسائمها تخترق ذراته الكثيرة تحمل زخرفة اللقاء، فصبرٌ جميلٌ على ما ينمو من هلع يتسلّق ناصية زينة الكسل...." كريم عبدالله
أما الأديب الشاعر فريد قاسم غانم فهاهو يقول: في جزء من نصه" برد" 
"فيما كان الناسُ المرفّهرن يطلقون أسماء الدلع العربية على العاصفة الثلجية ويقفزون الى قمم الجبال العالية مدثّرين بالألبسة الصوفية والنسيان ويعودون بطعم جبال الألب الى مدافئهم ليتابعوا نشرات الأرصاد الملوّنة كانت الشمسُ ممنوعة من الدخول الى المعابر المحروسة بالقلوب المثلّجة..." فريد قاسم غانم .
كما يمكننا الوقوف عند جزء من نص تعبيري للشاعر حسن المهدي بعنوان حين تغدو ملاكا
" إنه الجنون أن ترى ما لا يُرى فحين صيّرني كبيرُ الآلهة أمتزج في اللوْحة الكوْنيّة نصفي اليوم على شفتي ضياءً نيونيّا كما هي حلّتي الآن وانحبس الظلام كلما دنوْتُ من البحر تاركًا خلفي كهنةَ المعبد يصنعون زوارق ورقيّةً في النهر المقدّسِ.".. حسن المهدي
سعى كتاب الشعر السردي التعبيري في مجموعة تجديد التي تحوّلت إلى مجموعة السرد التعبيري لاحقا إلى إلغاء الحواجز بين النثر والشعر ليصبح النص قصيدة أفقية تزخر بالشعريّة والإيقاع الداخلي والرمز في تناغم وانسيابية مع القصّ مع الحفاظ على الحِبكة والإدهاش وما يتطلبه المتلقي من اكتشاف وانفراج تدريجي وقفلة مباغتة .
والتفّت حول هذا المشروع التجديدي نخبةٌ من الأدباء الذين آمنوا بدعوة الدكتور أنور غني الموسوي الى التجلي والتجريد مطبقين رؤاه في أن" النصوص التي تكتب بأسلوب السرد التعبيري محققة لشعرٍ سردي نموذجي ،تقدّم تحت تصنيفات تجديديّة من حيثُ البوليفونيّة بتعدّد الأصوات والفسيفسائيّة بلغة المرايا والترادف التعبيري"د.أنور غني الموسوي.
وكتتويج لهذا المد الإبداعي الجديد أحدث الدكتور جائزة سنوية لتكريم المتميزين كما انتقى مجموعة من النصوص التعبيرية وجمعها في ديوان جماعي بعنوان " سرديّات" سأكتفي بايراد بعض المفتطفات من النصوص المنشورة في هذا الديوان على سبيل الاستدلال والبرهنة .
فهذه العامرية سعدالله في نصها " جدائل الشمس" تقول:"تلمْلمُ الشمسُ جدائلها.تلقي أشعّتها على صفحة الماء الساكنة تعانق الأشعّة . يتلألأ الماء على صفحة البحر هذا المساء .ساكنٌ لاموْجَ فيه على غير عادته في هذا الهدوء الرهيب يستفيق الكون..."العامرية سعدالله .
وترسم جميلة بلطي العطوي لوحتها بكل إتقان وتؤدة فتقول في نص "لوحة":" بعد ليلٍ بهيم، ترقرقت انبلاجةٌ في عين السّحَر سالت على هامِ الهضاب فتورّدت منها الوجنات...أطلّت على الوهْد وقد أثقل النومُ كاهله..داعبت زواياه فأسقطت آثار العتمة
وارتشفت الدفء ..." جميلة بلطي العطوي.
ولعل الدكتور أنور غني الموسوي من أفضل الأمثلة على السرد التعبيري باعتباره من فتح هذه المدرسة وأرسى دعامتها فلنصافح له هذا النص الذي وسمه بالعنوان التالي:" أبوابٌ مسروقةٌ"
" نحن لا يمكننا الاستمرار بالعيش تحت الماء لأنّ خيولنا قد اشتمّت عطر جزيرة بعيدة هذا الأمر قد حدث في الأيام الأخيرة حيث وجهت أفكاري نحو رجل حرّ وسريالي ،صدقني ،أنا أعلم أنّ لهذا العالم نوافذَ ملهمة وأنّ لسمائنا ألوانًا مذهلة،لكن ماذا أصنع إذا كانت جميع الأبواب قدسُرِقتْ وجميع عيوني قد قُتِلت من قِبَل مجهول؟
ولا يمكنني أن أمرّ دون التعريج على نص "غرفتي"للأخت إنعام كمونة ومنه هذا المقتطف " في غرفتي تجد حبيبة ووطنا وكتبا مبعثرة عقف الوجومُ طيّاتها وبعض كلمات مختصرة علقتها قبالتي في غرفتي تسبيح وذكر ومدّ وجزر وبقايا دموع تعثّرتُ بها فعلِقتْ بي..صلبتني فوق سطورٍ لا تصمُتُ" ..انعام كمونة 
و كان لي / انا فاطمة سعدالله شرف نشر هذا النص " نداء" في الديوان الجماعي السابق الذكر " سرديات"
" قافلة العمر تنساب نهرًا يتلوّى بين النبع والمصبّ..عذارى الحروف في أثوابها الموصلية الشفافة يرقصن على ضفاف الخريف..
تتمدّد القصيدةُ عشْبةً تطاول قمة الصمت وتخزّن عصافير الأحلام كي لا تغادر أقفاص الذاكرة / الإيقاعُ متسارعٌ ..تناديني وسادةُ المساء بحرير الهمس المنسكب في أذن الفكرة ..توشوش مرآتي تراتيلها المشعّةَ بحضور الليل ..يهطل الصبر على أستار نافذتي رذاذًا فضّيا..وبين هدْأةٍ ونبض يشعّ شراعُ الحلم الأزرق..ينادي بالحياة..." فاطمة سعدالله.
والمتتبع لهذه النصوص التي انتقاها الدكتور انور غني الموسوي يجدها تكرس سمات كثيرة في هذا الاسلوب التعبيري أهمها الانزياحات والتجلي وأفقية العرض للنص الشعري والرمز وغيرها.
ولم تقف حدود هذه التجربة عند المحلي/العراق ولا الوطن العربي الكبير بل صارت تجوب الأقطار بفضل قصائد الدكتور أنور غني المترجمة او التي كتبت بالانجليزية مما ابهر الشعراء الأجانب واستفز اذواقهم فمنهم من رأى السرد التعبيري تعريفا للشعر العظيم ومنهم من قال إنه شعرٌ ساحرٌ أما الشاعرة والرسامة الأمريكية سوزان تشيزني فقد وصفت قصائد الدكتور أنور غني بأنها كنزٌ...these poems are so beautiful...they are a treasure.
انبهرت بالسرد التعبيري لما وجدته فيه من مزج بين الغنائية العميقة والنثرية القويّة.
وفي الأخير يمكنني القول بأنّ السرد التعبيري وُلِدَ عربيّا لكنه أبى الا ان يتجاوز الحدود ويعتنق العالمية .
فاطمة سعدالله

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق