قراءة نقدية بقلم الاستاذ صالح هشام / المغرب !
!!دلالة الفراغات في ( تلك / ٠٠٠٠٠التي اعشق )!!
قصيدة للشاعر جاسم آل حمد الجياشي/العراق !
وأنا أحاول قراءة قصيدة الشاعر جاسم ال حمد الجياشي [تلك / ٠٠٠التي أعشق ] وهي نموذج فقط من قصائده التي لا تخلو من روعة وجمال ، أجد نفسي حائرا بين عدة قراءات ،قراءات تختلف من حيث وضعها في مكانها الصحيح نسبيا ، مادامت القراءة تحتمل الاحتمال ولا تحتمل اليقين ، أ أكون قارئا مستكشفا اكتفي بما تتضمنه السطور من معان أوائل ، فأفلت من صداع التأويل والتحليل والتفسير معتمدا فقط على كفاءتي اللغوية والأدبية ، مقتفيا أثرمعان نواها الشاعر أم لم تكن من صميم نيته ؟
لكن هذه قراءة لا تتجاوز حدود محاكاة ضحلة ، فقيرة ، لا ترقى إلى مستوى قراءة تبدع شعرية القراءة ،من جهة وتسهم في خلق شعرية النص من جهة أخرى ، وحتى لو أردت ذلك فإني سأخل بذلك الاتفاق أو التواطؤ غير المعلن بيني وبين الشاعر ، الذي يحاول من خلال إبداع هذه القصيدة ، أن ينقلني إلى منطقة الإيجاب ( القراءة الاسترجاعية ) ، ويبعدني عن منطقة السلب ( القراءة الاستكشافية ) التي لاتتجاوز حدود التهام المعاني الأوائل !
والقصيدة ما كانت يوما قصيدة معان سطحية ، تغتصب منها جمالياتها الفنية ، قصيدة (تلك / ٠٠٠التي أعشق ) قصيدة مكتوبة بمفهوم [رولان بارت ] تستوجب مشاركتي كقاريء -تبوأت باب الصدارة في المعادلة الإبداعية -في إعادة بنائها ، لا لأتلقي الخطاب بشكل سلبي ، اعتقادا مني بأنها صيغت ، نهائيا ،و تم تحديد معناها ، بشكل نهائي وأنها لا تقول إلا ما تقوله من معان سطحية !
، أجدنفسي أدخل منطقة الإيجاب ، فأستحسن قراءتها قراءة استرجاعية ،جمالية ، تأويلية ، تبحث عن فك شفراتها ،تبحث عما وراء السطور الشعرية!
تظهر روعة القصيدة وجمالها، بدءا من وضع رجلي اليمنى قبل اليسرى في مركب الإبحار في متاهاتها ، لا بحثا عن معانيها وإنما محاولة مني سد تلك الفراغات المشرعة من بداية القصيدة إلى نهايتها ،و التي تتراءى في البداية ، فراشة ترفرف بلون واحد ، وبجمال مموه قد يكون الظفر باسكناهه بعيد المنال ،إذ لا يقدم على طبق من ذهب ، وإنما تدعوك القصيدة للكشف عن ألوانها الحربائية القزحية ،كلما عانقت سطورها وأعطيتها كلك لتعطيك بعضها ، بدءا من عنوانها ، الذي لا يخلو من مؤشرات تدل على أن الشاعر ، يترك لك فرصة الاشتراك في إكمال إبداع القصيدة إن كنت قارئا تراودها على نفسها لتعطيك بعضا من روعتها وجمالها !
فالشاعر يترك لك المجال واسعا مفتوحا لتفتح نصه ، لا لتغلقه ، وكل أسباب فتحه متوفرة ، وهذا رهين بمدى قدرتك على القراءة المبدعة ، يلجأ الشاعر ، إلى تمويه اكتمال معاني النص ، وهو يهدف إلى دغدغة ذوقك وذائقتك من خلال هذا الكم من الفراغات ، التي تتخلل كل مكونات القصيدة وتستوطن سطورها ، والفراغات هنا من جماليات القصيدة و ليست موضوعة هكذا عبثا أو اقتصادا في اللغة وإنما يوظفها: إشارات ضوئية تدعوك إلى استجلاء الغموض في عتمة نصه، والبحث عن إكمال ما غاب من سياقات في الجملة الشعرية تختفي وراء هذه الفراغات الموظفة بدقة متناهية ، يقول : ( تلك / ...التي أعشق ) ( خط مائل تليها ٠٠٠نقط الحذف ) هي فراغات في حقيقة الأمر ، تشكل مساحات مريحة تفصل بين القاريء والنص ، ليشمر على ساعده ويفتح أبواب مخيلته ، من أجل استكشاف خبايا النص ما ظهر منه وما استتر ، و من أجل خلق تلك الصورة ، التي ربما يكون الشاعر قد نواها بالفعل ، لكنك عزيزي القاريء لا تقل عنه أهمية خلقا و إبداعا ، إذ يمكنك أن تجد نفسك ، تخالفه أو تتفق معه فتستجلي نواياه من خلال توظيفه و لسدك هذه الفراغات التي ليست بأي حال من الأحوال إلا إشارات وإحالات تساعدك على القبض عن المعاني الهاربة و لكن وراءها تلميحات ضوئية تخبو وتضيء لتساعدك على إنارة عتمة النص واستجلاء معانيه وكشف مستوره ، فقد ابتدأ نصه بهذا (العنوان /السطر الشعري )، الذي يفترض تحليل شفراته ، بداية تكوين صورة عامة في النص ، و هذه وظيفتك أنت كقاريء مشارك في عملية إبداع النص ،هدما وإعادة بناء ، تفتيشا وكشفا عن مضمرات هذه الفراغات ،التي لم توظف اقتصادا في اللغة الشعرية كما سبق ، وإنما هي فراغات تحجب اكتمال الصورة سواء كان ذلك على مستوى سياق السطر الشعري أو السياق العام للقصيدة ككل ، فمن هذا المخاطب المؤنث المشار إليه في النص باسم إشارة معرفة (تلك ، متبوعة بفراغ) متبوعة باسم موصول يصل المحذوف مع إشارته بفعل أعشق وفاعلها الذي لن يكون إلا هذا الشاعر ويكتمل العنوان ، بهذا الفعل المضارع ، ( أعشق ) فهل توضح المعنى في ذهن القاريء ؟ من خلال توظيف مقولات نحوية كلها دالة على معارف ؟ فهل بينت هذه المعارف مقاصد الشاعر دونما قراءة مستكشفة للفراغات في النص واستجلاء حقيقة جدلية البياض والسواد على مستوى تشكيل النص بصريا ، فهذه الفراغات أراها في الحقيقة تجرك جرا إلى أن تسرق السمع وتختلس الجمال الفني اختلاسا وتتنصت على النائي البعيد والعميق من المعاني* إذ ما منطوق النص إلا توهيم لا يفيدك في شيء لأن ما وراء رنين الحرف ما هو أكبر بكثير مما قد تتصور أو تعتقد ، فمن هي معشوقة الشاعر ، التي أضناه البحث عنها في أمكنة يعتبر جزءا لا يتجزء منها ؟ قد تكون هذه المعشوقة كما أراها وكما تراها أنت غير معشوقة الشاعر ، فينفتح باب الاجتهادات القرائية بحثا عن مقاصد الشاعر وهو يوظف هذه السطور الشعرية التي لا تخلو من فراغات تفتح أمامك النص بغض النظر اﻻلفاظ التي تساهم بدورها في دعوتك إلى استجلاء حقيقة هذه الأمكنة ، التي يحاورها الشاعر باحثا فيها عن معشوقته ، فأ ي البيوت يلج ؟ وأي الأبواب يطرق ؟ وأي هذه الأماكن التي يبحث فيها عن ذلك الحلم الهارب ، ذلك الحلم الضبابي الذي يريد -ولو رقصا على الماء -أن يتمسك بتلابيبه ، وهو يتبع ذلك الضوء المتمنع /القصي / العصي عن الظفر به / القبض على معشوقته / الحلم في ثنايا هذا السراب ! وتختلف أمكنة البحث : مكان مادي في مستواه اللفظي (أبواب / بيوت / طرقات / اشجار / وكل ماله علاقة بهذا النوع من المكان ) ، مكان اخر أكثر رمزية ، وأكثر دلالة وهو هذا القلب الذي يحقق مبتغى الشاعر ، فهاهي معشوقته ، في شرفات القلب ترتشف القهوة وتبتسم فتخبو جذوة البحث والجري وراء حلمه الباهت ،، فتشل صورة الحركة ليليها السكون والاستكانة ويهدأ انفعال الشاعر ، وبالتالي يهدأ بحر القصيدة ، فيطغى البياض على السواد ويمتص بياض الجزرسواد المد ( المرأة ٠٠٠٠ الشمس ) وهذا دليل على تحقق الحلم فمن تكون هذه التي تحظى بكل هذه الحظوة وفي شرفات القلب ؟من هنا يعمد الشاعر إلى اختبار قدراتك القرائية ، ويدفعك دفعا للبحث عن فحاوي و ومضامين نصه التي يفتحها بكلمات يتيمة غير مركبة في تراكيب لفظية ( باسمة / المرأة / الشمس / أستكين ٠٠٠٠)فتعتقدها منعزلة عن سياقها ، لكنها قد تتماوج في ذاكرتك وتتعدد معانيها ، عندما تبحث عن المضمرات التي دلت عليها تلك الفراغات التي تجعل من النص آلة كسولة ، في عمقه معنى غير تام ، ينقصه الكثير من الدلالات ، وذلك لتضمنه هذه البياضات والفراغات التي يعبر عنها بنقط الحذف ، و نقط الحذف تعني أن هناك محذوفات ومضمرات ،تلزم القاريء البحث عنها وعن معانيها من خلال مرجعياته وخلفيته الثقافية ، وتوجيهها الوجهة التأويلية والتفسيرية ،فالشاعر بهذا المعنى يحترم مفهوم إمبرتو إيكو لمفهوم النص الذي يرى أنه : (النص ) يريد أن يترك للقاريء المبادرة التأويلية ، ولكأني بالشاعر يقول: إن النص في حاجة إلى مساعدة قاريء ذكي قادر على فتح مستغلقاته وفك شفراته وتأويل مضامينه ومحتوياته لتتحق عملية التفاعل الإبداعي بين (المبدع /القاريء المبدع /النص المبدع ) الثلاثي الحتمي في صلب أي عمل إبداعي وعصب وجوده !
وأنا في هذه القراءة النقدية السريعة لم ألجأ إلى تأويل النص وتحليله ، بقدر ما ركزت على طريقة إبداعه ، و كيفية إشراك القاريء في هدمه وإعادة بنائه
( شعرا أو نثرا ) من خلال ملء هذه الفراغات ، و الوقوف عند هذه الوقفات التي تستوجب التمحيص والتروي عندما نبحث عن المناسب من إسقاطاتنا لملئها من أجل تكوين الصورة التي تراها أنت كقاريء حسب مرجعياتك المعرفية ، ومدى قدرتك التخييلية في بناء الصوروفتح ما استغلق من النص ، لأنك المسؤول الأول والأخير عن فتحه ومنحه قدرة الاختلاف والتعدد ونفي صفة أحادية المعنى عنه ، مادامت القراءة ليس لها نهاية وعن كل قراءة تتفرع قراءات عدة تنتشر كخلايا السرطان في الجسم ، ولكل قاريء قراءته وتحليلاته واختلاف رؤاه عن الآخرين ، فالنص مفتوح على تعدد القراءات الباحثة عن جماله الفني ، لا عن المعاني التي تكرس بشكل أو بآخر انغلاق النص ، ونص الشاعر جاسم نص مفتوح ، ليس أحادي المعني ! يعطيك المفاتيح ويقذف بك في مغارة النص السحرية التي تتفرع أبوابها ، وتتعدد مداخلها ومخارجها ، وما عليك إلا أن تحسن اختيار المفتاح المناسب، الذي سيفتح لك بعضا من أبواب هذه المغارة ، و ما هذه المفاتيح إلا كلمات تستمد حياتها من سياقات مضمرة مختلفة غائبة وربما تلمع براقة في ذهنك ،فهي غائبة من خلال توظيفه الذكي هذه البياضات والفراغات ، وعزل الكلمات عن سياقها اللفظي ، فيجعلك أمام معان ثوان ( عميقة ) ، قد يكون الشاعر نواها أو نوى غيرها ، لكن لا ضير إذا اجتهدت ، وفتشت في ثنايا ذوقك وذائقتك فوجدت غيرما نواه ، فإغلاق النص إذن رهين بعجزك ، وانفتاحه رهين ببعد رؤيتك ورويتك ، ومقدرتك على تفكيك وتحليل ما وضعه الشاعر أمامك ، فأنت المسؤول عن فعالية هذه العلاقة الجنسية التي يذهب إليها [رولان بارت ] من خلال عقده مشابهة شبقية بين النص المغلق والنص المفتوح، إذ اعتبر [النص المغلق] يساوي علاقة جنسية غير منجبة ، وهي علاقة محصورة في ذاتها ، أما النص المفتوح فإنه يساوي علاقة جنسية منجبة ، تمتد فيها المتعة من الفعل الجنسي إلى ناتجه الذي يتجدد مع تجدده ، فأنت المجدد الأول والأخير عزيزي القاريء ، فاجعل نص الشاعر جاسم آل حمد الجياشي منجبا لا عقيما ، مفتوحا لا مغلقا ، مكتوبا لا مقروءا !
بقلم صالح هشام / المغرب
الخميس 13ابريل 201
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
تلكَ /.. التي أعشق.!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ جاسم آل حمد الجياشي
ألج البيوت ...أطرق أبوابها
اسائل الاشجار ..التي أتكأتِ عليها
يوماً ...الأماكن ...والطرقات
أتوسدها علني أحلم ..
بطيفكِ ...ضاحكاً ....
أعدو ..فاعدو ..
حتى اغدو كأنيَ...
دوامة تجرف ..
ما حولها ...
تتضور شوقاً ...
وأعودُ....أبحثُ عنكِ
بين ثنايا القلب
فاجدكِ ترتشفين
قهوتكِ ...
في شرفاتهِ ....
باسمة...
فأستكينُ ...
وترتديني الفرحة ..
ثوبا مغزولاً ...
من رنين ضحكاتكِ ..
أيتها ألمراة....
الشمس ....
!!دلالة الفراغات في ( تلك / ٠٠٠٠٠التي اعشق )!!
قصيدة للشاعر جاسم آل حمد الجياشي/العراق !
وأنا أحاول قراءة قصيدة الشاعر جاسم ال حمد الجياشي [تلك / ٠٠٠التي أعشق ] وهي نموذج فقط من قصائده التي لا تخلو من روعة وجمال ، أجد نفسي حائرا بين عدة قراءات ،قراءات تختلف من حيث وضعها في مكانها الصحيح نسبيا ، مادامت القراءة تحتمل الاحتمال ولا تحتمل اليقين ، أ أكون قارئا مستكشفا اكتفي بما تتضمنه السطور من معان أوائل ، فأفلت من صداع التأويل والتحليل والتفسير معتمدا فقط على كفاءتي اللغوية والأدبية ، مقتفيا أثرمعان نواها الشاعر أم لم تكن من صميم نيته ؟
لكن هذه قراءة لا تتجاوز حدود محاكاة ضحلة ، فقيرة ، لا ترقى إلى مستوى قراءة تبدع شعرية القراءة ،من جهة وتسهم في خلق شعرية النص من جهة أخرى ، وحتى لو أردت ذلك فإني سأخل بذلك الاتفاق أو التواطؤ غير المعلن بيني وبين الشاعر ، الذي يحاول من خلال إبداع هذه القصيدة ، أن ينقلني إلى منطقة الإيجاب ( القراءة الاسترجاعية ) ، ويبعدني عن منطقة السلب ( القراءة الاستكشافية ) التي لاتتجاوز حدود التهام المعاني الأوائل !
والقصيدة ما كانت يوما قصيدة معان سطحية ، تغتصب منها جمالياتها الفنية ، قصيدة (تلك / ٠٠٠التي أعشق ) قصيدة مكتوبة بمفهوم [رولان بارت ] تستوجب مشاركتي كقاريء -تبوأت باب الصدارة في المعادلة الإبداعية -في إعادة بنائها ، لا لأتلقي الخطاب بشكل سلبي ، اعتقادا مني بأنها صيغت ، نهائيا ،و تم تحديد معناها ، بشكل نهائي وأنها لا تقول إلا ما تقوله من معان سطحية !
، أجدنفسي أدخل منطقة الإيجاب ، فأستحسن قراءتها قراءة استرجاعية ،جمالية ، تأويلية ، تبحث عن فك شفراتها ،تبحث عما وراء السطور الشعرية!
تظهر روعة القصيدة وجمالها، بدءا من وضع رجلي اليمنى قبل اليسرى في مركب الإبحار في متاهاتها ، لا بحثا عن معانيها وإنما محاولة مني سد تلك الفراغات المشرعة من بداية القصيدة إلى نهايتها ،و التي تتراءى في البداية ، فراشة ترفرف بلون واحد ، وبجمال مموه قد يكون الظفر باسكناهه بعيد المنال ،إذ لا يقدم على طبق من ذهب ، وإنما تدعوك القصيدة للكشف عن ألوانها الحربائية القزحية ،كلما عانقت سطورها وأعطيتها كلك لتعطيك بعضها ، بدءا من عنوانها ، الذي لا يخلو من مؤشرات تدل على أن الشاعر ، يترك لك فرصة الاشتراك في إكمال إبداع القصيدة إن كنت قارئا تراودها على نفسها لتعطيك بعضا من روعتها وجمالها !
فالشاعر يترك لك المجال واسعا مفتوحا لتفتح نصه ، لا لتغلقه ، وكل أسباب فتحه متوفرة ، وهذا رهين بمدى قدرتك على القراءة المبدعة ، يلجأ الشاعر ، إلى تمويه اكتمال معاني النص ، وهو يهدف إلى دغدغة ذوقك وذائقتك من خلال هذا الكم من الفراغات ، التي تتخلل كل مكونات القصيدة وتستوطن سطورها ، والفراغات هنا من جماليات القصيدة و ليست موضوعة هكذا عبثا أو اقتصادا في اللغة وإنما يوظفها: إشارات ضوئية تدعوك إلى استجلاء الغموض في عتمة نصه، والبحث عن إكمال ما غاب من سياقات في الجملة الشعرية تختفي وراء هذه الفراغات الموظفة بدقة متناهية ، يقول : ( تلك / ...التي أعشق ) ( خط مائل تليها ٠٠٠نقط الحذف ) هي فراغات في حقيقة الأمر ، تشكل مساحات مريحة تفصل بين القاريء والنص ، ليشمر على ساعده ويفتح أبواب مخيلته ، من أجل استكشاف خبايا النص ما ظهر منه وما استتر ، و من أجل خلق تلك الصورة ، التي ربما يكون الشاعر قد نواها بالفعل ، لكنك عزيزي القاريء لا تقل عنه أهمية خلقا و إبداعا ، إذ يمكنك أن تجد نفسك ، تخالفه أو تتفق معه فتستجلي نواياه من خلال توظيفه و لسدك هذه الفراغات التي ليست بأي حال من الأحوال إلا إشارات وإحالات تساعدك على القبض عن المعاني الهاربة و لكن وراءها تلميحات ضوئية تخبو وتضيء لتساعدك على إنارة عتمة النص واستجلاء معانيه وكشف مستوره ، فقد ابتدأ نصه بهذا (العنوان /السطر الشعري )، الذي يفترض تحليل شفراته ، بداية تكوين صورة عامة في النص ، و هذه وظيفتك أنت كقاريء مشارك في عملية إبداع النص ،هدما وإعادة بناء ، تفتيشا وكشفا عن مضمرات هذه الفراغات ،التي لم توظف اقتصادا في اللغة الشعرية كما سبق ، وإنما هي فراغات تحجب اكتمال الصورة سواء كان ذلك على مستوى سياق السطر الشعري أو السياق العام للقصيدة ككل ، فمن هذا المخاطب المؤنث المشار إليه في النص باسم إشارة معرفة (تلك ، متبوعة بفراغ) متبوعة باسم موصول يصل المحذوف مع إشارته بفعل أعشق وفاعلها الذي لن يكون إلا هذا الشاعر ويكتمل العنوان ، بهذا الفعل المضارع ، ( أعشق ) فهل توضح المعنى في ذهن القاريء ؟ من خلال توظيف مقولات نحوية كلها دالة على معارف ؟ فهل بينت هذه المعارف مقاصد الشاعر دونما قراءة مستكشفة للفراغات في النص واستجلاء حقيقة جدلية البياض والسواد على مستوى تشكيل النص بصريا ، فهذه الفراغات أراها في الحقيقة تجرك جرا إلى أن تسرق السمع وتختلس الجمال الفني اختلاسا وتتنصت على النائي البعيد والعميق من المعاني* إذ ما منطوق النص إلا توهيم لا يفيدك في شيء لأن ما وراء رنين الحرف ما هو أكبر بكثير مما قد تتصور أو تعتقد ، فمن هي معشوقة الشاعر ، التي أضناه البحث عنها في أمكنة يعتبر جزءا لا يتجزء منها ؟ قد تكون هذه المعشوقة كما أراها وكما تراها أنت غير معشوقة الشاعر ، فينفتح باب الاجتهادات القرائية بحثا عن مقاصد الشاعر وهو يوظف هذه السطور الشعرية التي لا تخلو من فراغات تفتح أمامك النص بغض النظر اﻻلفاظ التي تساهم بدورها في دعوتك إلى استجلاء حقيقة هذه الأمكنة ، التي يحاورها الشاعر باحثا فيها عن معشوقته ، فأ ي البيوت يلج ؟ وأي الأبواب يطرق ؟ وأي هذه الأماكن التي يبحث فيها عن ذلك الحلم الهارب ، ذلك الحلم الضبابي الذي يريد -ولو رقصا على الماء -أن يتمسك بتلابيبه ، وهو يتبع ذلك الضوء المتمنع /القصي / العصي عن الظفر به / القبض على معشوقته / الحلم في ثنايا هذا السراب ! وتختلف أمكنة البحث : مكان مادي في مستواه اللفظي (أبواب / بيوت / طرقات / اشجار / وكل ماله علاقة بهذا النوع من المكان ) ، مكان اخر أكثر رمزية ، وأكثر دلالة وهو هذا القلب الذي يحقق مبتغى الشاعر ، فهاهي معشوقته ، في شرفات القلب ترتشف القهوة وتبتسم فتخبو جذوة البحث والجري وراء حلمه الباهت ،، فتشل صورة الحركة ليليها السكون والاستكانة ويهدأ انفعال الشاعر ، وبالتالي يهدأ بحر القصيدة ، فيطغى البياض على السواد ويمتص بياض الجزرسواد المد ( المرأة ٠٠٠٠ الشمس ) وهذا دليل على تحقق الحلم فمن تكون هذه التي تحظى بكل هذه الحظوة وفي شرفات القلب ؟من هنا يعمد الشاعر إلى اختبار قدراتك القرائية ، ويدفعك دفعا للبحث عن فحاوي و ومضامين نصه التي يفتحها بكلمات يتيمة غير مركبة في تراكيب لفظية ( باسمة / المرأة / الشمس / أستكين ٠٠٠٠)فتعتقدها منعزلة عن سياقها ، لكنها قد تتماوج في ذاكرتك وتتعدد معانيها ، عندما تبحث عن المضمرات التي دلت عليها تلك الفراغات التي تجعل من النص آلة كسولة ، في عمقه معنى غير تام ، ينقصه الكثير من الدلالات ، وذلك لتضمنه هذه البياضات والفراغات التي يعبر عنها بنقط الحذف ، و نقط الحذف تعني أن هناك محذوفات ومضمرات ،تلزم القاريء البحث عنها وعن معانيها من خلال مرجعياته وخلفيته الثقافية ، وتوجيهها الوجهة التأويلية والتفسيرية ،فالشاعر بهذا المعنى يحترم مفهوم إمبرتو إيكو لمفهوم النص الذي يرى أنه : (النص ) يريد أن يترك للقاريء المبادرة التأويلية ، ولكأني بالشاعر يقول: إن النص في حاجة إلى مساعدة قاريء ذكي قادر على فتح مستغلقاته وفك شفراته وتأويل مضامينه ومحتوياته لتتحق عملية التفاعل الإبداعي بين (المبدع /القاريء المبدع /النص المبدع ) الثلاثي الحتمي في صلب أي عمل إبداعي وعصب وجوده !
وأنا في هذه القراءة النقدية السريعة لم ألجأ إلى تأويل النص وتحليله ، بقدر ما ركزت على طريقة إبداعه ، و كيفية إشراك القاريء في هدمه وإعادة بنائه
( شعرا أو نثرا ) من خلال ملء هذه الفراغات ، و الوقوف عند هذه الوقفات التي تستوجب التمحيص والتروي عندما نبحث عن المناسب من إسقاطاتنا لملئها من أجل تكوين الصورة التي تراها أنت كقاريء حسب مرجعياتك المعرفية ، ومدى قدرتك التخييلية في بناء الصوروفتح ما استغلق من النص ، لأنك المسؤول الأول والأخير عن فتحه ومنحه قدرة الاختلاف والتعدد ونفي صفة أحادية المعنى عنه ، مادامت القراءة ليس لها نهاية وعن كل قراءة تتفرع قراءات عدة تنتشر كخلايا السرطان في الجسم ، ولكل قاريء قراءته وتحليلاته واختلاف رؤاه عن الآخرين ، فالنص مفتوح على تعدد القراءات الباحثة عن جماله الفني ، لا عن المعاني التي تكرس بشكل أو بآخر انغلاق النص ، ونص الشاعر جاسم نص مفتوح ، ليس أحادي المعني ! يعطيك المفاتيح ويقذف بك في مغارة النص السحرية التي تتفرع أبوابها ، وتتعدد مداخلها ومخارجها ، وما عليك إلا أن تحسن اختيار المفتاح المناسب، الذي سيفتح لك بعضا من أبواب هذه المغارة ، و ما هذه المفاتيح إلا كلمات تستمد حياتها من سياقات مضمرة مختلفة غائبة وربما تلمع براقة في ذهنك ،فهي غائبة من خلال توظيفه الذكي هذه البياضات والفراغات ، وعزل الكلمات عن سياقها اللفظي ، فيجعلك أمام معان ثوان ( عميقة ) ، قد يكون الشاعر نواها أو نوى غيرها ، لكن لا ضير إذا اجتهدت ، وفتشت في ثنايا ذوقك وذائقتك فوجدت غيرما نواه ، فإغلاق النص إذن رهين بعجزك ، وانفتاحه رهين ببعد رؤيتك ورويتك ، ومقدرتك على تفكيك وتحليل ما وضعه الشاعر أمامك ، فأنت المسؤول عن فعالية هذه العلاقة الجنسية التي يذهب إليها [رولان بارت ] من خلال عقده مشابهة شبقية بين النص المغلق والنص المفتوح، إذ اعتبر [النص المغلق] يساوي علاقة جنسية غير منجبة ، وهي علاقة محصورة في ذاتها ، أما النص المفتوح فإنه يساوي علاقة جنسية منجبة ، تمتد فيها المتعة من الفعل الجنسي إلى ناتجه الذي يتجدد مع تجدده ، فأنت المجدد الأول والأخير عزيزي القاريء ، فاجعل نص الشاعر جاسم آل حمد الجياشي منجبا لا عقيما ، مفتوحا لا مغلقا ، مكتوبا لا مقروءا !
بقلم صالح هشام / المغرب
الخميس 13ابريل 201
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
تلكَ /.. التي أعشق.!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ جاسم آل حمد الجياشي
ألج البيوت ...أطرق أبوابها
اسائل الاشجار ..التي أتكأتِ عليها
يوماً ...الأماكن ...والطرقات
أتوسدها علني أحلم ..
بطيفكِ ...ضاحكاً ....
أعدو ..فاعدو ..
حتى اغدو كأنيَ...
دوامة تجرف ..
ما حولها ...
تتضور شوقاً ...
وأعودُ....أبحثُ عنكِ
بين ثنايا القلب
فاجدكِ ترتشفين
قهوتكِ ...
في شرفاتهِ ....
باسمة...
فأستكينُ ...
وترتديني الفرحة ..
ثوبا مغزولاً ...
من رنين ضحكاتكِ ..
أيتها ألمراة....
الشمس ....
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق