أمـين جيـاد .. قـراءة فـي ديـوان
(إن نسيـتُ .. فَـذكّـرونـي)
بقلم / حسـين السـاعـدي
الجــزء الـرابـع
الأتساع الدلالي للمرأة عند
الشاعر أمين جياد
تميز الشاعر "أمين جياد" في كتاباته بالرمزية والتكثيف والتنوع في تناول الموضوعات ، مما أحدث هذا التنوع الدهشة والأتساع الدلالي في نصوصه . وهذا ناتج عما يمتلكه من جذوة شعرية متقدة ، وتجربة حياتية محملة بأوجاع الماضي والحاضر ، فهو يمنح المتلقي الخيارات المتعددة لتأويل النص .
نحن نعرف أن المرأة شكلت محور أهتمام الشعراء وإبداعهم الشعري ، هي المثل الأعلى للجمال الأنثوي ، الأخذ المساحة الكبرى والحيز الأكبر في الشعر العربي بكل أجناسه . وفي ديوان الشاعر "أمين جياد" كانت المرأة ، المحور الذي يرتكز عليه في أغلب نصوصه الشعرية ، حتى يظن المتلقي أن "أمين جياد" وصل بالمرأة إلى حد أستباح جغرافية جسدها وأبراز تضاريسه ،ولكن الذي يعنيه الشاعر في سياقه الشعري عن المرأة ليس الإباحة ، بل أنوثة الشكل ورمزية الجسد ، فالمرأة رمزاً للجمال الكوني والسمو والرفعة ، تتحول بين يديه من تكوين مادي الى رمز روحي ، بنى على ضوئه فلسفته عن المرأة ،فلم تكن موضوعاً جنسياً خاضعاً لمقاييس الأستمتاع واللذة ،كما عند البعض في نثرهم أو شعرهم ،بل فيها قداسة كقداسة الصوفي للمرأة حين يسمو بها الى أعلى مستويات الروحية والصوفية .
فالصوفي "محيي الدين ابن عربي"يعبر عن الجمال الكوني من خلال عشق المرأة ، يذكر في (فصوص الحكم):(لا يفنى الإنسان في شيء يعشقه إلا إذا كان هذا الشيء شبيهًا به، فإذا وقع التجلي الإلهي في عين الصورة التي خلق آدم عليها طابق المعنى، ووقع الالتذاذ بالكل وسرت الشهوة في جميع أجزاء الإنسان ظاهرًا...، ولذلك فمن عرف قدر النساء وسرهن لم يزهد فيهن وفي حبهن بل إن حبهن هو من كمال العارف ذلك أنه ميراث نبوي...، وهو في ذلك حب إلهي، لأن حبنا للمرأة يقربنا من الله) محيي الدين ابن عربي/فصوص الحكم .
فينظر لها أبن عربي كتجسيد للجمال الكوني وليس مجرد متعة جنسية . حين يقول:(وليس في العالم المخلوق أعظم قوة من المرأة لسر لا يعرفه إلا من عرف فيم وجد العالم وبأي حركة أوجده الحق تعالى ) الفتوحات المكية، ج2، ص466.
الشاعر "أمين جياد" ، يمتلك كوناً شعرياً متمثل في جزئيات إبداعه الشعري ، فنراه يستغرق في جغرافية الجسد الأنثوي ودلالاته الرمزية ، من خلال التناسق الجسدي للصورة الشعرية للمرأة ومصادر جمالها المتنوع ، ففي هذا التناسق الجسدي تجاوز حدود العالم الحسي ، فالشاعر أي شاعر هو رجل(تشع رؤياه إلى ما وراء أفق الإنسان العادي فتذهله ضخامة الكون وجماله.) أدونيس:أغاني مهيار الدمشقي، ص131. في ضوء أشكالية جسد المرأة ومايريده الرجل ، قد يساء فهم الصورة الشعرية للمرأة عند "أمين جياد" ، وينظر اليها الأخر على أنه مستحوذ عليها جنسياً من خلال توصيفاته ، ولكن تأمله في تضاريس المرأة ليس جسدياً وانما روحياً . فلا يقصد بألفاظه المعنى الظاهر ، وإنما يريد معناً خاصاً به .
.. وفحيح الريح يسابقني
والشباك جناحان ، كنهديها ، ينفتحان على كفيه ،
يطل البرق الآسر في عينيه
نص (أحجار الجسد الملونة)
فلا يختزل المرأة في جغرافية جسدها البايولوجي ، حين شكل "النهد" أحد عناصره ،فالجسد لديه بمثابة الجوهر و"النهد" مركز هذا الجوهر ، ولم يأخذه بمعناه الحرفي ، حتى يغدو كموضوع جنسي ليس إلا ، بل هو دال ومدلوله الأنثى ، وهذا يفهم من خلال السياق بمعاني متعددة وردت بنصوص متفرقة . فـ"أمين جياد' أعتمد التوصيفات الجمالية الشعرية التحفيزية المثيرة للقارئ ، من خلال ما يمثله الجسد الأنثوي ، من كينونة وجودية ، تعتمد على نظرة شاملة رؤيوية ذات أبعاد جمالية .
فالـ"نهد" يعتبر أبرز ما تناوله الشاعر في نصوصه ، بشكله الحقيقي و المجازي ، فهو معجمياً يعني المرتفع من الأرض ، ولكن لم يُأخذ بمعناه الحرفي الدال برمزيته الى الأنثى ، بل بالمعاني الكامنه في الإيحاءات الرمزية الدالة على السمو والتسامي والعلو . وقد وردت لفظة "النهد" (16) مرةً ، بالشكل الصريح في نصوصه(نهداك مرساتي في الليل/ادنو الى قمر نهديك/نهدان حجران يضيئان ، على ضفة يابسة/كي ادخل حجرا او نهدا/الشباك جناحان ، كنهديها ، ينفتحان على كفيه/مسكت حجرا يتدلى كل الوقت على نهديها/توارى البعض ، بسر مكشوف كالنهد) .
وأكثر من ذلك بالشكل المجازي لهذه المفردة (هل أنحني لقمريك المكورين / وردتان من عقيق/ يهفهفان كالريش / حجران من الجنة/ أشيل ميزانك على صدري/حجران يضيئان/ أرى هزهزة النوارس تحت قميصك الليلي/ ينفران كموجتين ضد الريح ) .
... ما ابهاك على الموج
يتطرز شالك بهفيف الضوء
وارى هزهزة النوارس تحت قميصك الليلي
ينفران كموجتين ضد الريح
وتمدين خيوط اللهفة
من حزنك الى قلقي
نص (بُراقُ الجسد)
هل أنحني
لقمريك
المكورين
كالموج الصاعد
الى شفتي
وردتان من عقيق هما
او حجران من الجنة
يهفهفان كالريش
على رضابي
نص(امرأة من يقطين)
أن تجربة "أمين جياد" مع المرأة ونصوصه الغزلية ، ليس نتاج نزوة عابرة من أجل أن تدغدغ غرائزه الجنسية . بل هي وليدة تجربة عشق لزوجته المرحومة (عدوية) حين فقدها في غفلة من الزمن ، فشكلت خصوصية متفردة في حياته . فهي عنده (كل جمال) . هكذا يصفها :
هي كل جمال في المرآة
تمشط ريحا
او نارا
وتحدق في عينيها الخضراوين
فيخرج من ضوء المرآة
حصان يصهل
نص (ريشة فوق قبعة القصيدة)
كذلك الأهداء في ديوانه الى روحها ، لأنها كانت عشقه الاوحد ولما يزل . بل يصفها (امرأة من يقطين) ، وهذه الأستعارة القرآنية في الوصف لها بالـ(يقطين) جاء من باب أن تعصمه من مزالق النفس وما تبغيه من الجنس الأخر ،﴿وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ﴾ [الصافات: 146] يقول الدميري في كتابه "حياة الحيوان الكبرى" عند حديثه عن الذباب:"ولا يقع على شجرة اليقطين. ولذلك أنبتها الله على نبيه يونس عليه الصلاة والسلام، لأنه حين أخرج من بطن الحوت لو وقعت عليه ذبابة لآلمته فمنع الله عنه الذباب بذلك، فلم يزل كذلك حتى تصلب جسمه" .
حتى قال عنها في مرثيته (أنت .. لاشيء .. غيرك) والذي نقشها على حجر المرمر فوق قبرها . يقول في بعضها:
في الحلم
أكون
قريبا منك ،
أكون
أنا الحلم ،
وفي السر
أكون
بعيداً ،
ثم يقول في ختام نصه:
في الحلم ،
أكون الكون على ليل همجي ،
وأكون الصمت القاتل ،
في حلم مقتول .
وفي نص أخرى (أراني صهيلاً يتكسر على مرآتك) ، يقول:
... وأراك في جسدي
كالضوء الماسي
يسري الى روحي
كالموجة
تتبعها موجات
أراني شعشعة في عينيك
وتصهل في الكلمات .....
(إن نسيـتُ .. فَـذكّـرونـي)
بقلم / حسـين السـاعـدي
الجــزء الـرابـع
الأتساع الدلالي للمرأة عند
الشاعر أمين جياد
تميز الشاعر "أمين جياد" في كتاباته بالرمزية والتكثيف والتنوع في تناول الموضوعات ، مما أحدث هذا التنوع الدهشة والأتساع الدلالي في نصوصه . وهذا ناتج عما يمتلكه من جذوة شعرية متقدة ، وتجربة حياتية محملة بأوجاع الماضي والحاضر ، فهو يمنح المتلقي الخيارات المتعددة لتأويل النص .
نحن نعرف أن المرأة شكلت محور أهتمام الشعراء وإبداعهم الشعري ، هي المثل الأعلى للجمال الأنثوي ، الأخذ المساحة الكبرى والحيز الأكبر في الشعر العربي بكل أجناسه . وفي ديوان الشاعر "أمين جياد" كانت المرأة ، المحور الذي يرتكز عليه في أغلب نصوصه الشعرية ، حتى يظن المتلقي أن "أمين جياد" وصل بالمرأة إلى حد أستباح جغرافية جسدها وأبراز تضاريسه ،ولكن الذي يعنيه الشاعر في سياقه الشعري عن المرأة ليس الإباحة ، بل أنوثة الشكل ورمزية الجسد ، فالمرأة رمزاً للجمال الكوني والسمو والرفعة ، تتحول بين يديه من تكوين مادي الى رمز روحي ، بنى على ضوئه فلسفته عن المرأة ،فلم تكن موضوعاً جنسياً خاضعاً لمقاييس الأستمتاع واللذة ،كما عند البعض في نثرهم أو شعرهم ،بل فيها قداسة كقداسة الصوفي للمرأة حين يسمو بها الى أعلى مستويات الروحية والصوفية .
فالصوفي "محيي الدين ابن عربي"يعبر عن الجمال الكوني من خلال عشق المرأة ، يذكر في (فصوص الحكم):(لا يفنى الإنسان في شيء يعشقه إلا إذا كان هذا الشيء شبيهًا به، فإذا وقع التجلي الإلهي في عين الصورة التي خلق آدم عليها طابق المعنى، ووقع الالتذاذ بالكل وسرت الشهوة في جميع أجزاء الإنسان ظاهرًا...، ولذلك فمن عرف قدر النساء وسرهن لم يزهد فيهن وفي حبهن بل إن حبهن هو من كمال العارف ذلك أنه ميراث نبوي...، وهو في ذلك حب إلهي، لأن حبنا للمرأة يقربنا من الله) محيي الدين ابن عربي/فصوص الحكم .
فينظر لها أبن عربي كتجسيد للجمال الكوني وليس مجرد متعة جنسية . حين يقول:(وليس في العالم المخلوق أعظم قوة من المرأة لسر لا يعرفه إلا من عرف فيم وجد العالم وبأي حركة أوجده الحق تعالى ) الفتوحات المكية، ج2، ص466.
الشاعر "أمين جياد" ، يمتلك كوناً شعرياً متمثل في جزئيات إبداعه الشعري ، فنراه يستغرق في جغرافية الجسد الأنثوي ودلالاته الرمزية ، من خلال التناسق الجسدي للصورة الشعرية للمرأة ومصادر جمالها المتنوع ، ففي هذا التناسق الجسدي تجاوز حدود العالم الحسي ، فالشاعر أي شاعر هو رجل(تشع رؤياه إلى ما وراء أفق الإنسان العادي فتذهله ضخامة الكون وجماله.) أدونيس:أغاني مهيار الدمشقي، ص131. في ضوء أشكالية جسد المرأة ومايريده الرجل ، قد يساء فهم الصورة الشعرية للمرأة عند "أمين جياد" ، وينظر اليها الأخر على أنه مستحوذ عليها جنسياً من خلال توصيفاته ، ولكن تأمله في تضاريس المرأة ليس جسدياً وانما روحياً . فلا يقصد بألفاظه المعنى الظاهر ، وإنما يريد معناً خاصاً به .
.. وفحيح الريح يسابقني
والشباك جناحان ، كنهديها ، ينفتحان على كفيه ،
يطل البرق الآسر في عينيه
نص (أحجار الجسد الملونة)
فلا يختزل المرأة في جغرافية جسدها البايولوجي ، حين شكل "النهد" أحد عناصره ،فالجسد لديه بمثابة الجوهر و"النهد" مركز هذا الجوهر ، ولم يأخذه بمعناه الحرفي ، حتى يغدو كموضوع جنسي ليس إلا ، بل هو دال ومدلوله الأنثى ، وهذا يفهم من خلال السياق بمعاني متعددة وردت بنصوص متفرقة . فـ"أمين جياد' أعتمد التوصيفات الجمالية الشعرية التحفيزية المثيرة للقارئ ، من خلال ما يمثله الجسد الأنثوي ، من كينونة وجودية ، تعتمد على نظرة شاملة رؤيوية ذات أبعاد جمالية .
فالـ"نهد" يعتبر أبرز ما تناوله الشاعر في نصوصه ، بشكله الحقيقي و المجازي ، فهو معجمياً يعني المرتفع من الأرض ، ولكن لم يُأخذ بمعناه الحرفي الدال برمزيته الى الأنثى ، بل بالمعاني الكامنه في الإيحاءات الرمزية الدالة على السمو والتسامي والعلو . وقد وردت لفظة "النهد" (16) مرةً ، بالشكل الصريح في نصوصه(نهداك مرساتي في الليل/ادنو الى قمر نهديك/نهدان حجران يضيئان ، على ضفة يابسة/كي ادخل حجرا او نهدا/الشباك جناحان ، كنهديها ، ينفتحان على كفيه/مسكت حجرا يتدلى كل الوقت على نهديها/توارى البعض ، بسر مكشوف كالنهد) .
وأكثر من ذلك بالشكل المجازي لهذه المفردة (هل أنحني لقمريك المكورين / وردتان من عقيق/ يهفهفان كالريش / حجران من الجنة/ أشيل ميزانك على صدري/حجران يضيئان/ أرى هزهزة النوارس تحت قميصك الليلي/ ينفران كموجتين ضد الريح ) .
... ما ابهاك على الموج
يتطرز شالك بهفيف الضوء
وارى هزهزة النوارس تحت قميصك الليلي
ينفران كموجتين ضد الريح
وتمدين خيوط اللهفة
من حزنك الى قلقي
نص (بُراقُ الجسد)
هل أنحني
لقمريك
المكورين
كالموج الصاعد
الى شفتي
وردتان من عقيق هما
او حجران من الجنة
يهفهفان كالريش
على رضابي
نص(امرأة من يقطين)
أن تجربة "أمين جياد" مع المرأة ونصوصه الغزلية ، ليس نتاج نزوة عابرة من أجل أن تدغدغ غرائزه الجنسية . بل هي وليدة تجربة عشق لزوجته المرحومة (عدوية) حين فقدها في غفلة من الزمن ، فشكلت خصوصية متفردة في حياته . فهي عنده (كل جمال) . هكذا يصفها :
هي كل جمال في المرآة
تمشط ريحا
او نارا
وتحدق في عينيها الخضراوين
فيخرج من ضوء المرآة
حصان يصهل
نص (ريشة فوق قبعة القصيدة)
كذلك الأهداء في ديوانه الى روحها ، لأنها كانت عشقه الاوحد ولما يزل . بل يصفها (امرأة من يقطين) ، وهذه الأستعارة القرآنية في الوصف لها بالـ(يقطين) جاء من باب أن تعصمه من مزالق النفس وما تبغيه من الجنس الأخر ،﴿وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ﴾ [الصافات: 146] يقول الدميري في كتابه "حياة الحيوان الكبرى" عند حديثه عن الذباب:"ولا يقع على شجرة اليقطين. ولذلك أنبتها الله على نبيه يونس عليه الصلاة والسلام، لأنه حين أخرج من بطن الحوت لو وقعت عليه ذبابة لآلمته فمنع الله عنه الذباب بذلك، فلم يزل كذلك حتى تصلب جسمه" .
حتى قال عنها في مرثيته (أنت .. لاشيء .. غيرك) والذي نقشها على حجر المرمر فوق قبرها . يقول في بعضها:
في الحلم
أكون
قريبا منك ،
أكون
أنا الحلم ،
وفي السر
أكون
بعيداً ،
ثم يقول في ختام نصه:
في الحلم ،
أكون الكون على ليل همجي ،
وأكون الصمت القاتل ،
في حلم مقتول .
وفي نص أخرى (أراني صهيلاً يتكسر على مرآتك) ، يقول:
... وأراك في جسدي
كالضوء الماسي
يسري الى روحي
كالموجة
تتبعها موجات
أراني شعشعة في عينيك
وتصهل في الكلمات .....
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق