الثلاثاء، 18 أبريل 2017

قراءة في ديوان / إن نسيت فذكروني // للشاعر أمين جياد // بقلم الاستاذ حسين الساعدي / ج : 3 // العراق

أمـين جيـاد .. قـراءة فـي ديـوان 
(إن نسيـتُ .. فَـذكّـرونـي)
بقلم / حسـين السـاعـدي
الجــزء الثالـث
ظاهـرة التكـرار 
فـي شـعر أمــين جــياد
ظاهرة التكرار من الظواهر والأساليب البلاغية والأسلوبية في الشعر العربي ولم تكن هذه الظاهرة حديثة عهد ، بل هي الأكثر شيوعاً وأنتشاراً في الشعر العربي ، وقد أهتم الباحثون القدامى بالتوكيد اللفظى ، وتناولوه في الدرس البلاغى والنحوي لانه مرتبط (بإرادة التوكيد والإفهام) كما ذكر "أبن قتيبة" . ورأى "أبن جنى" أن التكرار يأتى (إرادة تمكين المعنى والأحتياط له) . وظاهر التكرار (تقتضي الإتيان بلفظ متعلق بمعنى ، ثم إعادة اللفظ مع معنى آخر في نفس الكلام) . فظاهرة التكرار تعمل على تكوين (إيقاع صوتي موسيقي يسهم في تماسك بنية النص الدلالية ويزيد في كثافة النص) . مما عُد من أبرز التقنيات التى تشكل قوام النص الشعرى ، لأن له دلالات إيقاعية كثيرة ، أفادة النص الشعري في خلق إيقاع موسيقي داخله ، فـ"الإيقاع الصوتي الذي يخلقه تكرار جرس الحروف والكلمات ، تظهر القيمة الفكرية والنفسية التي يعبر عنها من خلال العناية بتكرار لفظة معينة أو مقطع معين " التكرير بين المثير والتأثر/ عز الدين علي السيد . وقد لاحظنا ذلك في وجود الرؤية الدلالية في بنية النص عند الشاعر "أمين جياد" فكان له الأثر الدلالي في تأكيد المعنى ، فمن خلال التكرار عبر الشاعر عن رؤاه وتصوير إحساسه ومشاعره ، أضافة الى أنه يحقق الوظيفة الصوتية والدلالية في النص . فهو إلحاح يأخذ بعداً نفسياً ، له علاقة بنفسية الشاعر ، فيكشف الجوانب النفسية والدلالية والحالة الشعورية لدى الشاعر .
ذهبت الـدراسات النقدية العربية الحديثة في تناولها ظاهرة التكرار الى تعريفات وتفرعات شتى ، وتناولت هذه الظاهرة الشاعرة "نازك الملائكة " في كتابها (قضايا الشعر المعاصر) ، وذهبت فيه إلى أن الشعر الحديث يحوي ثلاث صور للتكرار هي :
1- التكرار البياني : وهو التكرار الذي يلجا إلى التأكيد على الكلمة المكررة أو العبارة .
2- تكرار التقسيم: وهو تكرار كلمة أو عبارة في ختام كل مقطوعة من القصيدة .
3- التكرار اللاشعوري: تعرف نازك الملائكة هذا النوع بقولها :(التكرار الذي يجيء في سياق شعري كثيف يبلغ أحيانا درجة المأساة ، ومن ثّمّ فإن العبارة المكررة تؤدي إلى رفع مستوى الشعور في القصيدة إلى درجة غير عادية) . 
يتحقق التكرار بأنواعه في ديوان (إن نسيـتُ .. فَـذكّـرونـي) من خلال:
1ـ تكرار الحرف:
يعد أبسط أنواع التكرار ، لان الحرف يحمل قليلاً من المعاني ويكون أقل تأثيراً من الأفعال والأسماء .
وقد أعتمد شعراء الحداثة على تكرار الحرف بوصفه (قيمة "إيقاعية/صوتية" تغذي الناحية النغمية في القصيدة ،وقد تدخل في صلب الدلالة، أو تفخيم الرؤية الشعرية التي تتضمنها) . وهذا تكلمنا عليه في المبحث الثاني من القراءة عندما تناولنا حرف (الكاف) بأشكاله المتعددة .
2ـ تكرار اللفظة: 
قد يكون تكرار مفردة معينة ناتج عن أهمية هذه المفردة وأثرها في إيصال المعنى أو توكيدها ، وإكسابها قوة تأثيرية ، أضافة الى الإيقاع الصوتي الموسيقي والإيقاع الدلالي لها داخل النص الشعري . وهذا ما نلاحظه في تكرار لفظة (حجر وأحجار) في نص (للحجر معنى) ، و(كوكب) في نص (سورة كبرياء) وفي نص (رؤياي) ، و(الأبواب) في نص (الأبواب) ، و(لا أحد) في نص (صراخ الملاك) ، و(وصايا) في نص(جدار البرق) ... وغيرها .
3ـ تكرار الجملة: وهو تكرار يعكس الأهمية الجملة المكررة لفهم مضمونها ، (يسحبن شالك الياقوتي على الماء) ذكرت مرتين في نصين ، و(هب أني أعطيتك) ذكرت ثلاثة عشر مرة في نص واحد (أنتِ شجوني) ، ذكر هذا النص مرتين في نص واحد في(سورة كبرياء) .
ماذا؟
أني أحلم ،
قد أولد في النار ،
قد أولد في الماء ،
وقد قدّ جبيني ،
قدماي الأرض ،
ووجهي صار الضوء الأكبر ،
ويدي الأسماء الحسنى ،
كذلك جملة (حتى لا أستطيع أن أكرهك) تكررت مرتين في نص (صورتان) ... وغيرها من الجمل .
اما أغراض التكرار ووظائفه فهي:
(1ـ الوظيفة التأكيدية في إثارة التوقع لدى التلقي ، وتأكيد المعاني في ذهنه.
2ـ الوظيفة الإيقاعية في بناء إيقاع داخلي يحقق أنسجاماً موسيقياً خاصاً .
3ـ الوظيفة التزينية من خلال تكرار ألفاظ مختلفة في المعنى ومتفقة في البنية الصوتية) .
كذلك هناك أغراض أخرى متعددة للتكرار أضافة الى التوكيد منها:
(تناسق الـــكلام والإستيعاب ، والترغيب في شيء ، وأستمالة المخاطب ، وتنويه المخاطب ، والترديد والحث على شيء أو أجتنابه ، أو لإثارة الحزن ، أو الإرشاد إلى الخير ، أو للتهويل) .
وقد عد التكرار مظهراً من مظاهر البلاغة ، فهو مثار جدل عند البلاغيين فتشعبت الأراء فيه فمنهم من نفاه جملةً وتفصيلاً ومنهم من أثبت بلاغته .
أن تكرار اللفظ يعد سمة بارزة في ديوان الشاعر "أمين جياد" ، وفي قراءتي أخذت بالمنهج التحليلي في تتبع صور التكرار المتنوعة في ديوان (إن نسيت .. فذكروني) ، فهو يعد أنموذجاً معبراً عن ظاهرة التكرار اللفظي بصورة واضحة . ومحاولة الكشف عن بواعثه الموضوعية والفنية والإيقاعية . ودلالته النفسية " حيث يفرغ الشاعر حاجاته ومشاعره المكبوتة ليعيد التوازن إلى حالته الطبيعية " نازك الملائكة/ قضايا الشعر المعاصر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق