الثلاثاء، 11 أبريل 2017

أمين جياد : قراءة في ديوان / إن نسيت فذكروني / بقلم الاستاذ حسين الساعدي // العراق

أمـين جيـاد .. قـراءة فـي ديـوان 
(إن نسيـتُ .. فَـذكّـرونـي)
بقلم / حسـين السـاعـدي
الجــزء الثانـي 
الوقـوف علـى حافـة الحـرف
أستخدم الشعراء الحرف شكلاً من أشكال التعبير الرمزي في نصوصهم الشعرية ، من أجل أن تستقيم البنية الدلالية للحرف ، وعند تناول الحرف ينبغي أن نستحضر المعاني اللغوية والرمزية المتعددة له . وقد أعطتنا المعاجم اللغوية جملة من التعريفات عن الحرف ، منها :
"الحرف هو الجزء الدال على الكل" ، وورد في بعض المعاجم "الحرف يجري على الكلمة والقصيدة والخطبة برمتها " أما المتصوفة ، فيعتبرون "الحرف هو اللغة، أو ما يخاطبك به الحق من عبارات" ، ووفق هذه المعاني المختلفة المتعدّدة وغيرها تستقيم البنية الدلالية لموضوعة "الحرف" وقد أشار "ميشيل فوكو" على أنه "أنعكاساً لبنية العالَم وتوضيباً له وفق رؤية معرفية تحاكي تمثلنا للأشياء وما تقيمه من علاقات تترادف حيناً وتتباين حينا آخر" . 
ذكر حرف (الكاف) أكثر من (890) مرة في نصوص الشاعر "أمين جياد" ، ذكر كحرف "تشبيه" ( 109) ، و "ضمير" أكثر من (400) ، وضمن بنية الكلمة أكثر من (380) .
نحن نعرف أن حرف (الكاف) في اللغة من الأصوات الأنفجارية ، جهورية الصوت ، وهذا قد يتناسب مع نفسية الشاعر القلقة . أما في الأصطلاح الصوفي فالكاف عند الدكتور عبد الحميد صالح حمدان "حرف نوراني ، وسر كمالي" ، وذكرت بعض خصائصه الصوفية عند أبن عربي أنه "من عالم الغيب والجبروت" .(موسوعة الكسنزان للشيخ محمد عبد الكريم الكسنزان) لذلك هو "حرف كمي ساري في الكليات ، له ثابت عقلاني في نشأة المقاصد" .
الحالة الاخرى هي ، ليس بالشيء الغريب أن يكون حرف (الكاف) حرفاً للتشبيه حاضراً في النصوص الشعرية العربية ، إلا أن ما يميزه عند الشاعر (أمين جياد) هو الكثافة العالية ، فهو علاوة على قيمته في الإيضاح والشرح فأن له قيمته الشعرية في نصوصه التي أحتواها ديوانه ، هذه الأداة لازمت شعر (أمين جياد) ولم تفارقه ، يمكن أن تكون هذه الأداة مثالاً عن توظيف الشاعر للغة نحوياً لمصلحة الصورة الشعرية ،وذلك من حيث طريقة الأستخدام والدلالة . يقال عن "ابن المعتز" الشاعر العباسي في تشبيهاته:(إذا رأيت كاف التشبيه في شعر أبن المعتز فقد جاءك الحسن والإحسان) ، حتى أخذ القول مثلاً يضرب به في الجودة والحسن . لم يقتصر الأمر على علماء البلاغة في بيان منزلة التشبيه ، فقد عده النقاد باباً من أبواب البلاغة الكبرى ، يقول "قدامة بن جعفر البغدادي" ، أحد أعلام النقد من القُدماء : (التشبيه من أشرف كلام العرب فيه تكون الفطنة والبراعة، وكلّما كان المشبّه منهم في تشبيهه ألطف، كان بالشعر أعرف وكلّما كان بالمعنى أسبق،كان بالحذف أليق) .
فالصورة التشبيهية هي صورة موجزة ، لأنّها أنعكاس للفكرة في كلماتٍ . وهذا ما قاله أرسطو : "إن الصورة في التشبيه تجري في النثر كما تجري في الشعر ، ولكنها بالشعر ألصق" .
فالتشبيه يأخذ شكلاً بيانياً أدبياً مميزاً ، وبلاغةً ووضوحاً ، أضافة الى دلالته الرمزية ، فالإمام عبدالقاهر الجرجاني ، في نظريته النقدية للتشبيه يقول: (المعنى الجامع في سبب الغرابة أن يكون الشبه المقصود من الشيء مما لا يتسرع إليه الخاطر، ولا يقع في الوهم عند بديهة النظر) أسرار البلاغة - الامام عبدالقاهر الجرجاني ، الجزء الثاني .
ولغرض الوقوف على كيفية أستخدام (كاف) التشبيه في نصوص الشاعر "أمين جياد" لنلق نظرة على بعض المقاطع المتنوعة التي أحتوته مجموعته الشعرية . 
*وأعيدُ سهامي كالورد الى روحي 
*فينشق البحر على كفيك كحصان يصهل في الرمل 
*هو ألف يتكور كالمسك على ساريتي
*كهلال ممطر على وسني 
وغير هذه الكثير حتى بلغ هذا الحرف في التشبيهات والأستعارات أكثر من ( 109) مرة . فالتشبيه يعطي القدرة على التشكيل الصوري بشكل محسوس ، وينقل أنفعالات الشاعر الى المتلقي ، وهذا نسق أعتمد عليه الشاعر في شعره لمقاربة خصائص الأحجار الكريمة بالموجودات .
كذلك نلاحظ تكرار الضمير(الكاف) بمعدل (400) مرة يثير الأنتباه لدى المتلقي، عن حالة شعورية معينة، جاءت لتوكيد الذات للشاعر ، فتكرار الضمائر يعكس أنفعالات الشاعر النفسية . خاصة وأن ( شعراء الرمز قرروا أن يتخذوا الحرف"علامة تعبيرية جسدية "علاوة على كونه "علامة تعبيرية لغوية") . ولكن هل توقف نزف الحرف عند "أمين جياد" وهو يكتب نصوصه ؟ الأجابة يملكها "أمين جياد" حين يقول:(يتكون عالم الشاعر ورؤاه من كينونة الأحرف ، التي شكلت التكوين الفكري والثقافي عبر تاريخه . فمن رحم الحرف تولد الكلمة ومنها ، وما بين الأحرف والكلمات ، أنطلقت مغامرة العقل الأولى فأينعت ثمار أول حضارة) .
يتبع جزء ثالث .. التكرار اللفظي في شعر أمين جياد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق