بكاء النورس قراءة في قصيدة الشاعرة Hana Al Omar " في مقلتيك زيتون بلادي "
تقول الشاعرة في افتتاحية نصها :
" في مقلتيك زيتون بلادي
وأنهار حزن تصبُّ
في بحر قلبي "
جملة من الأسئلة يمكن أن يثيرها هذا المطلع .
أولا : لماذا أنهار وليس نهر ؟ لماذا هذا التأكيد على الحزن وما يلازمه من هم وأسف وحسرة وكآبة ، لماذا هذا السلب للفرحة والسرور والبهجة والهناء؟
ثانياً : لماذا يقترن الحزن المتدفق أنهارا بالزيتون ؟ الماء والزيتون ؛ اليس فيهما تذكير بالحمامة التي حملت بمنقارها غصن الزيتون إلى سفينة نوح بعد انتهاء الطوفان؟؟
ثالثاً : لماذا يكون قلبها مصباً لكل هذا الحزن ؟ لماذا تحمّل نفسها مسؤولية استيعاب الحزن فتفسح له في قلبها الذي مدته بالعمق والسعة فجعلته بحرا كأنما تريد أن تحمل الحزن حتى آخر نطفة منه؟
الحزن والزيتون ، او لنقل طوفان الحزن و السلام ، هذا الجمع بين البهجة والسرور والهناء وبين الهم والكدر والاستياء أليس من قبيل الواقع والممكن ، الحقيقة والمجاز ، الحاصل والبديل ؟
إنها تشير وبصراحة إلى الحرب ، إلى طوفان الحرب ، الذي أغرق و سيغرق كل شيء ، والذي هدم و سيهدم كل شيء ؟
من جهة أخرى تشير إلى السلام ، إلى غصن الزيتون المبشر بسلام ما بعد الطوفان ؟؟
لنستمع إلى مقاطع جديدة ثم نتعرف أكثر على هذا الأمر ؟
" في قلبك خوابي الرحيق
وفراشةٌ تجنحُ بي نحو
شموع الكلام"
الرحيق هو الخالص الذي لا غش فيه ، والذي لا تشوبه شائبة ، والذي يمكن ان يكون ماء ، او خمرا ، أو زيتونا او عدسا او دقيقا كما تفيد كلمة خابية التي تعني الجرة الحافظة
والرحيق قبل ذلك كله هو الطيب ، هو نسغ الزهور ومحلولها الذي تشتهيه وتعيش عليه صانعة العسل ومليكة الجمال النحلة والفراشة
كنا في حديث السلام الذي اقترن به الحزن ، صرنا الآن في حديث الرحيق ، حديث الصفاء ، و النقاء والبراءة ، حديث التنزه عن الغش والتلوث ، والشوائب ، حديث الطيب والعطر والعسل وضروب الثمار هذا هو خط الحياة
ماذا عن خط الموت ، لنتأمل في قصة الشمعة والفراشة ، لعل الشاعرة تتذكر جلال الدين الرومي الذي يقول : الناس في الدنيا مثل الفراشات امام الشمعة المتوهجة ؛ منهم من يكتف بالاقتراب قليلا ويقول هكذا هو العشق .
ومنهم من يجذبه الوهج اكثر فيزداد قرباً حتى يحرق جناحه فيقول : العشق ان تمسك ناره .
اما الثالث فيندفع بكليته إلى الشعلة ويتغلغل في النار حتى يحترق تماما تماما يقول جلال الدين هؤلاء هم العشاق حقاً
الفراشة هي التي بينت لنا كيف تكون الحياة في الموت والموت في الحياة ، وهي التي بينت لنا كيف تنطوي النار على النور
الشاعرة هنا هي النوع الثالث الذي يريد أن يحترق لا في شمعة واحدة بل في شموع كثيرة
بعد أن جعلت قلبها بحرا وأرادت لأنهار الحزن أن تصب فيه ، تجعل من اشواقها للنور حافزا لتحترق بنيرانه ، وهي تختار الكلام لأن الموت بالقول فاتحة إلى الموت بالفعل ، ما هو هذا القول الذي يصل النار بالنور ؟؟
" على شفة البحر قصص
تحكي بكاء النوارس حينما
غادرت وجوهُ البلاد بلادَها "
تتحدث الشاعرة في هذا المقطع عن قصص الزوارق التي اكتظت بالفارين من الحرب ، فكان مصيرهم الغرق ، تبين لنا كيف أن غرقهم قد أبكى النوارس واثار صخبها ؟
ولكنها تقول : وجوه البلاد ؛ وجوه البلاد : هم سادتها وأشرافها
هل تعني أن القائمين على البلاد والمطلعين بأمر أهاليها تخلوا عنها ، " غادروها وتركوها .
فكان من شأن تخليهم أن استشرى الموت حتى فاض من البر إلى البحر فأبكى النوارس وأثار فجيعتها والنوارس هي كائنات الرحيل والوحدة والشوق ؟
" كلما دخلت في جسد القصيدة
فككت عن صدرها أزرار الحنين
لِتُنْبِتَ في جرح قلبها
وردةَ المجاز "
تساءلنا عن القول الذي يقتل الذي تشتاق نوره الارواح فتتقدم وتحترق فيه .
الكلام هو هذه القصيدة ، التي تريد أن تكسر حاجز الصمت ، التي بلغت من الاختناق حدا وجب معه أن تفك الازرار وتحلحلها زرا زرا لتتنفس
لتسمح للقلب المكلوم أن ينزاح عن هذه الفجيعة ، عن هذا الوباء قليلا .
تريد الشاعرة ان تصل بنفسها وبنا إلى غصن الزيتون بعد انتهاء الطوفان ، إلى وردة المجاز بعد حقيقة الدمار والخراب والدم .
ولكن لماذا اختارت هذا التركيب
" وردة المجاز "
ونحن نعلم أن الوردي هو لون الدم هل تريد القول إن تلك الضفة لا يمكن بلوغها بغير الدم ، هل تريد أن تقول أن الأوان قد حان لشهداء الوطن كله ، بعد قتلى الطوائف والأحقاد ، ان شهداء الوحدة قد نضج وقتهم بعد قتلى الانقسام ، أن شهداء الوطن السيد قد آن وقتهم بعد قتلى الاستئجار والتبعية .
هل تريد ان تقول لنا : تقدمي يا فراشات العشق لا تكتفي بالنظر ، لا تكتفي بالمساس الخفيف ، اقتحمي هذه النار ، ليكون لموتك ثمنا ، كفاك موت الاعتباط ،
كفاك الموت المجاني ، أقدمي إلى ميتة الشرف ، ميتة الرحيق والسلام والعسل ، ميتة الصفاء الذي لا غش فيه .
" هات دمعك
اتطهر به من لوثة الغياب "
اتطهر : اليس في هذا الفعل دلالة صريحة على الدنس والنجاسة التي ملأتنا
وهل من نجاسة تفوق تهميشنا وعزلتنا وانفصالنا هل من دنس أكبر من جمودنا وضعفنا عن الفعل الحي ؟
تريد أن تقول لنا ، بل تصرخ في وجوهنا :
لم يعد السكوت صواباً ، لم تعد اللامبالاة صحيحة
كفانا خديعة وانخداعا
إلى متى نرتضي الإذعان لهؤلاء الفاسدين
لهؤلاء القتلة المأجورين
لهؤلاء المجرمين والمرتزقة
إلى متى نظل أسارى باعة الثروات
أما آن لنا أن ندرك أنهم لا يجيدون شيئا غير المجاذر
" بين رشفتي الأخيرة للفافتي
وصدري الآيل نبضه للسكوت
نشوة فائتة "
ما هي تلك النشوة التي أمكنت و لم تتحصل
التي تهيأت ولم تُدرك
، كيف فاتت ، كيف ضاعت ؟؟
الرشفة الأخيرة والنبض القريب من السكوت
هل هي وصية من يحتضر
هل هو نداء من يموت :
" شعاع واحد يكفي
ليملأك نورا
فقط إفتح ثقباً في جدار عزلتك "
الأشعة هي حبال النور الممتدة من الشمس ، شعاع واحد منها يكفي
هذا البصيص ، هذا البارق ، هذا الشعاع كفيل ان يغمرنا بالنور ولكن علينا في سبيل ذلك أن نتزحزح
ان نوقف الفرجة والانتظار
ان نتحرك
أن نبادر
ان نؤدي دورنا تجاه ما يجري ، تجاه هذا المصير الأسود
كيف سكتنا ؟؟
كيف تبلدنا وجمدنا كأننا جثث ؟؟
كيف ضاعت النشوة وفاتتنا فلم ندركها ولم نغتنمها ؟؟
ما الذي ننتظره ؟؟
ما الذي يعوقنا بعد كل الذي جرى ؟؟
هل ننتظر إلى ان نموت عن آخرنا ؟؟
إلى متى سنظل نهتف بهذه الشياطين ونحييها ؟؟
ما الذي أنجزته غير الرمي بنا في بئر النسيان ؟؟
لنضرب هذا الجدار ، لنخرج ، لنفتح اعيننا
لنكون فراشة النار والنور
لنكون وردة الخلاص
وردة المجاز عن هذه الحقيقة المنحطة
لنكن أبناء الزيتون والعسل والرحيق
تقول الشاعرة في افتتاحية نصها :
" في مقلتيك زيتون بلادي
وأنهار حزن تصبُّ
في بحر قلبي "
جملة من الأسئلة يمكن أن يثيرها هذا المطلع .
أولا : لماذا أنهار وليس نهر ؟ لماذا هذا التأكيد على الحزن وما يلازمه من هم وأسف وحسرة وكآبة ، لماذا هذا السلب للفرحة والسرور والبهجة والهناء؟
ثانياً : لماذا يقترن الحزن المتدفق أنهارا بالزيتون ؟ الماء والزيتون ؛ اليس فيهما تذكير بالحمامة التي حملت بمنقارها غصن الزيتون إلى سفينة نوح بعد انتهاء الطوفان؟؟
ثالثاً : لماذا يكون قلبها مصباً لكل هذا الحزن ؟ لماذا تحمّل نفسها مسؤولية استيعاب الحزن فتفسح له في قلبها الذي مدته بالعمق والسعة فجعلته بحرا كأنما تريد أن تحمل الحزن حتى آخر نطفة منه؟
الحزن والزيتون ، او لنقل طوفان الحزن و السلام ، هذا الجمع بين البهجة والسرور والهناء وبين الهم والكدر والاستياء أليس من قبيل الواقع والممكن ، الحقيقة والمجاز ، الحاصل والبديل ؟
إنها تشير وبصراحة إلى الحرب ، إلى طوفان الحرب ، الذي أغرق و سيغرق كل شيء ، والذي هدم و سيهدم كل شيء ؟
من جهة أخرى تشير إلى السلام ، إلى غصن الزيتون المبشر بسلام ما بعد الطوفان ؟؟
لنستمع إلى مقاطع جديدة ثم نتعرف أكثر على هذا الأمر ؟
" في قلبك خوابي الرحيق
وفراشةٌ تجنحُ بي نحو
شموع الكلام"
الرحيق هو الخالص الذي لا غش فيه ، والذي لا تشوبه شائبة ، والذي يمكن ان يكون ماء ، او خمرا ، أو زيتونا او عدسا او دقيقا كما تفيد كلمة خابية التي تعني الجرة الحافظة
والرحيق قبل ذلك كله هو الطيب ، هو نسغ الزهور ومحلولها الذي تشتهيه وتعيش عليه صانعة العسل ومليكة الجمال النحلة والفراشة
كنا في حديث السلام الذي اقترن به الحزن ، صرنا الآن في حديث الرحيق ، حديث الصفاء ، و النقاء والبراءة ، حديث التنزه عن الغش والتلوث ، والشوائب ، حديث الطيب والعطر والعسل وضروب الثمار هذا هو خط الحياة
ماذا عن خط الموت ، لنتأمل في قصة الشمعة والفراشة ، لعل الشاعرة تتذكر جلال الدين الرومي الذي يقول : الناس في الدنيا مثل الفراشات امام الشمعة المتوهجة ؛ منهم من يكتف بالاقتراب قليلا ويقول هكذا هو العشق .
ومنهم من يجذبه الوهج اكثر فيزداد قرباً حتى يحرق جناحه فيقول : العشق ان تمسك ناره .
اما الثالث فيندفع بكليته إلى الشعلة ويتغلغل في النار حتى يحترق تماما تماما يقول جلال الدين هؤلاء هم العشاق حقاً
الفراشة هي التي بينت لنا كيف تكون الحياة في الموت والموت في الحياة ، وهي التي بينت لنا كيف تنطوي النار على النور
الشاعرة هنا هي النوع الثالث الذي يريد أن يحترق لا في شمعة واحدة بل في شموع كثيرة
بعد أن جعلت قلبها بحرا وأرادت لأنهار الحزن أن تصب فيه ، تجعل من اشواقها للنور حافزا لتحترق بنيرانه ، وهي تختار الكلام لأن الموت بالقول فاتحة إلى الموت بالفعل ، ما هو هذا القول الذي يصل النار بالنور ؟؟
" على شفة البحر قصص
تحكي بكاء النوارس حينما
غادرت وجوهُ البلاد بلادَها "
تتحدث الشاعرة في هذا المقطع عن قصص الزوارق التي اكتظت بالفارين من الحرب ، فكان مصيرهم الغرق ، تبين لنا كيف أن غرقهم قد أبكى النوارس واثار صخبها ؟
ولكنها تقول : وجوه البلاد ؛ وجوه البلاد : هم سادتها وأشرافها
هل تعني أن القائمين على البلاد والمطلعين بأمر أهاليها تخلوا عنها ، " غادروها وتركوها .
فكان من شأن تخليهم أن استشرى الموت حتى فاض من البر إلى البحر فأبكى النوارس وأثار فجيعتها والنوارس هي كائنات الرحيل والوحدة والشوق ؟
" كلما دخلت في جسد القصيدة
فككت عن صدرها أزرار الحنين
لِتُنْبِتَ في جرح قلبها
وردةَ المجاز "
تساءلنا عن القول الذي يقتل الذي تشتاق نوره الارواح فتتقدم وتحترق فيه .
الكلام هو هذه القصيدة ، التي تريد أن تكسر حاجز الصمت ، التي بلغت من الاختناق حدا وجب معه أن تفك الازرار وتحلحلها زرا زرا لتتنفس
لتسمح للقلب المكلوم أن ينزاح عن هذه الفجيعة ، عن هذا الوباء قليلا .
تريد الشاعرة ان تصل بنفسها وبنا إلى غصن الزيتون بعد انتهاء الطوفان ، إلى وردة المجاز بعد حقيقة الدمار والخراب والدم .
ولكن لماذا اختارت هذا التركيب
" وردة المجاز "
ونحن نعلم أن الوردي هو لون الدم هل تريد القول إن تلك الضفة لا يمكن بلوغها بغير الدم ، هل تريد أن تقول أن الأوان قد حان لشهداء الوطن كله ، بعد قتلى الطوائف والأحقاد ، ان شهداء الوحدة قد نضج وقتهم بعد قتلى الانقسام ، أن شهداء الوطن السيد قد آن وقتهم بعد قتلى الاستئجار والتبعية .
هل تريد ان تقول لنا : تقدمي يا فراشات العشق لا تكتفي بالنظر ، لا تكتفي بالمساس الخفيف ، اقتحمي هذه النار ، ليكون لموتك ثمنا ، كفاك موت الاعتباط ،
كفاك الموت المجاني ، أقدمي إلى ميتة الشرف ، ميتة الرحيق والسلام والعسل ، ميتة الصفاء الذي لا غش فيه .
" هات دمعك
اتطهر به من لوثة الغياب "
اتطهر : اليس في هذا الفعل دلالة صريحة على الدنس والنجاسة التي ملأتنا
وهل من نجاسة تفوق تهميشنا وعزلتنا وانفصالنا هل من دنس أكبر من جمودنا وضعفنا عن الفعل الحي ؟
تريد أن تقول لنا ، بل تصرخ في وجوهنا :
لم يعد السكوت صواباً ، لم تعد اللامبالاة صحيحة
كفانا خديعة وانخداعا
إلى متى نرتضي الإذعان لهؤلاء الفاسدين
لهؤلاء القتلة المأجورين
لهؤلاء المجرمين والمرتزقة
إلى متى نظل أسارى باعة الثروات
أما آن لنا أن ندرك أنهم لا يجيدون شيئا غير المجاذر
" بين رشفتي الأخيرة للفافتي
وصدري الآيل نبضه للسكوت
نشوة فائتة "
ما هي تلك النشوة التي أمكنت و لم تتحصل
التي تهيأت ولم تُدرك
، كيف فاتت ، كيف ضاعت ؟؟
الرشفة الأخيرة والنبض القريب من السكوت
هل هي وصية من يحتضر
هل هو نداء من يموت :
" شعاع واحد يكفي
ليملأك نورا
فقط إفتح ثقباً في جدار عزلتك "
الأشعة هي حبال النور الممتدة من الشمس ، شعاع واحد منها يكفي
هذا البصيص ، هذا البارق ، هذا الشعاع كفيل ان يغمرنا بالنور ولكن علينا في سبيل ذلك أن نتزحزح
ان نوقف الفرجة والانتظار
ان نتحرك
أن نبادر
ان نؤدي دورنا تجاه ما يجري ، تجاه هذا المصير الأسود
كيف سكتنا ؟؟
كيف تبلدنا وجمدنا كأننا جثث ؟؟
كيف ضاعت النشوة وفاتتنا فلم ندركها ولم نغتنمها ؟؟
ما الذي ننتظره ؟؟
ما الذي يعوقنا بعد كل الذي جرى ؟؟
هل ننتظر إلى ان نموت عن آخرنا ؟؟
إلى متى سنظل نهتف بهذه الشياطين ونحييها ؟؟
ما الذي أنجزته غير الرمي بنا في بئر النسيان ؟؟
لنضرب هذا الجدار ، لنخرج ، لنفتح اعيننا
لنكون فراشة النار والنور
لنكون وردة الخلاص
وردة المجاز عن هذه الحقيقة المنحطة
لنكن أبناء الزيتون والعسل والرحيق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق